دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضرورة صون الوجود السوداني بالخارج عن المطامع الحزبية بقلم د.سليمان خاطر.


حواشٍ على متون الوطن
أهل السودان من أكثر شعوب الدنيا حبا للوطن ورغبة في البقاء به مع الأهل والعشيرة والصبر على ضغوط الحياة والمعيشة ولكنهم كغيرهم قد تضطرهم الأوضاع الاقتصادية القاهرة والظروف المعيشية الصعبة والرغبة في تحسينها على الهجرة والاغتراب في أرض الله الواسعة والابتغاء من فضل الله. وعلى قدر الضيق في طرائق كسب العيش عند أهالي كل منطقة تكون هجرتهم واغترابهم عن الأهل الأحباب والأوطان العزيزة، على حد قول القائل :
وكم قائل لو كان ودك صادقاً * لبغداد لم ترحل، فكان جوابيا :
يقيم الرجال الموسرون بأرضهم * وترمى النوى بالمقترين المراميا
بدأ الاغتراب عند السودانيين يتوسع شيئا فشيئا بسبب شح الموارد الاقتصادية، وقلة الوظائف الحكومية وسوء توزيعها بفعل عوامل المحسوبية القبلية والجهوية والحزبية، وغياب التخطيط الاستراتيجي لمؤسسات الدولة المدارة بتلك السياسات المدمرة وبعض العقليات المتخلفة عن ركب الإنسانية والحضارة والتقدم، وذلك منذ استقلال السودان في الخمسينات من أواسط القرن الماضي؛ مما جعل ثقافة الاغتراب تفشو وتنتشر حتى شملت جميع جهات السودان ومناطقه وفئاته المهنية من العمال حتى المهندسين، ومن الأطباء حتى الرعاة بعد أن كان الاغتراب قاصرا في البداية على أهالي مناطق معينة ومهن محددة، حتى أصبح بحيث لا يخلو بيت سوداني من مغترب إن لم يكن عدة مغتربين؛ إذ صار الاغتراب شيئا مذكورا في القصص ومصادر الرزق والأغاني والروايات. وأخيرا كثرت في العهود الأخيرة الهجرة المزدوجة بحثا عن لقمة العيش والحرية معا بسبب سياسات التضييق على الحريات العامة والطرد الجماعي من الوظائف الحكومية بقصد إحلال أهل الولاء الحزبي محل أهل الكفاءة المهنية، باسم الصالح العام البريء من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، عليهما الصلاة والسلام.
كثر المهاجرون والمغتربون من أهل السودان في جميع بلاد الدنيا على تفاوت بينها،وتعددت فئاتهم من مهاجرين بصورة نهائية بحثا عن وطن بديل في أروبا وأمريكا واستراليا وغيرها، لا يأتون إلى السودان إلا زائرين في أحسن الأحوال وبين شبه مقيمين بصورة دائمة لا يفكرون في العودة النهائية إلى الوطن الأم إلا مضطرين أو مجبورين وبين باحثين عن بناء السكن وإيجاد وسيلة التنقل للعودة إلى الوطن في أسرع وقت ممكن، وإذا وجدوا إلى ذلك (نقاطة) تعينهم على بؤس المرتب فذلك عندهم غاية المنى ! وهذا غالبا في الخليج والسعودية بصفة خاصة حيث أقيم منذ سنوات سبع وأرى حولي أسرا سودانية كثيرة في أوضاع مختلفة جدا وأحوال متفاوتة، بعضها قد بدأ الجيل الثالث فيها بالظهور والبروز والهيمنة، بمعنى أن الرجل من هؤلاء قد اغترب منذ أوائل السبعينات ثم عاد وتزوج بعد مدة وأخذ معه زوجته؛ فنشأ الأبناء وتعلموا هناك حتى نهاية المرحلة الثانوية ثم ذهبوا إلى الدراسة الجامعية في السودان أو غيره من الدول ثم عادوا فعملوا مع والديهم وتزوجوا من هنا أو هناك أو هنالك؛ فنشأ لهم أبناء هم أحفاد أوائل المغتربين من الجيل الأول، وهذا الجيل الثالث بدأ هو الآخر في الدراسة الجامعية ويفكر في الالتحاق بأسرته الكبيرة في الغربة؛ ليبدأ دورة الحياة من جديد، وهكذا دواليك في تسلسل درامي لا يعلم مداه إلا الله لأناس وجدوا أنفسهم في هذه الحالة لا هم مواطنون لهم كامل الحقوق حيث يقيمون ويعيشون إقامة شبه دائمة ولا هم مواطنون لهم كامل حقوق المواطنة حتى في أوطانهم الأصلية؛ إذ ينظر إليهم بشيء من الدونية والسخرية أحيانا؛ فينظر إلى جيوبهم أكثر من النظر إلى حقوقهم، فهم يعانون حتى في أقل حقوق المواطنة في التعليم الذي يعانون فيه الأمرين من تطفيف درجات أبنائهم التي حصلوا عليها في بلاد المهجر وفرض رسوم مالية لا طاقة لهم بها، هذا إلى جانب طمع الحكومة والمواطنين أحيانا في استنزافهم بطرق ملتوية وأساليب ماكرة تخلو من أي خلق أو دين أو إنسانية، وذلك بتجريدهم من كل ما حصلوا عليه بشق الأنفس هناك.
كثر أنين المغتربين السودانيين واستطالت شكاواهم وتعطلت مصالحهم وتبخرت أحلام أكثرهم؛ فكثرت مطالبهم دون أن يجدوا لها أذنا صاغية إلا من محاولات لذر الرماد في العيون هنا وهناك.
لا ينكر في السنوات الأخيرة وجود مظاهر في الدولة للاهتمام بهذه الفئة المسكينة من أهل السودان، مثل تخصيص بعض البرامج لهم في وسائل الإعلام المختلفة وتخصيص جهاز خاص لرعاية شؤونهم والاهتمام بمصالحهم وحل مشاكلهم الفردية والجماعية في الخارج والداخل، ولكن ذلك كله لم يشف العليل ولم يرو الغليل؛ إذ ينظر أكثر القائمين على أمر تلك البرامج المخصصة للمغتربين في وسائل الأعلام السودانية إليهم كأنهم فئة مترفة لا ينقصها إلا الترفيه بالأغاني السودانية والشوق إلى الأهل أحيانا كما أن جهاز رعاية شؤون السودانيين العاملين بالخارج هو جهاز للجباية والسياسة والهيمنة أكثر من كونه جهازا لتقديم الخدمة والرعاية والحماية؛ فالمستجير به من نار الغربة وظلم بعض مؤسسات الدولة التعليمية والاقتصادية والإدارية كالمستجير من الرمضاء بالنار أو المحتمي من الأمطار بالسيول، فهذا الجهاز أصبح عبئا على المغترب لا حلا لمشاكله، وما يقوم به من نشاطات ديكورية شكلية في شكل احتفالات سنوية ومؤتمرات معدة التوصيات سلفا وتنتهي بانتهاء جلساتها، وزيارات خارجية للجباية والتجارة بعرض فرص استثمارية وهمية ومخططات سكنية بعيدة بغرض اعتصار ما تبقى من مدخرات عند قليل من المغتربين، والحسنة الوحيدة لهذا الجهاز وإنجازه الكبير الذي يقر له به الجميع هو جمعه لجميع الجبايات والإتاوات مع الخدمات القنصلية والإجراءات الإدارية على صعيد واحد مع سرعة إنجازها في السنوات الأخيرة، وهذه خدمة عظيمة بلا شك تشكر عليها الحكومة والجهاز الذي هو مؤسسة من مؤسساتها الإيرادية لا الخدمية؛ إذا لم يعد في الدولة كلها مؤسسة خدمية خالصة، فقد صارت جميع مؤسسات الدولية مؤسسات إيرادية مع مهامها الأخرى.
هذا عن أوضاع أهل السودان بالخارج عموما وما يلاقونه من معاملة بالداخل. أما ما أريد أن أتطرق له بشيء من التفصيل اليوم فهو أن أهل السودان في الخارج ظلوا على الرغم من كل تلك الظروف الصعبة والمعاملة السيئة يمثلون وطنهم خير تمثيل ملتزمين بأخلاقهم الكريمة وسيرتهم الحسنة ومعاملتهم الطيبة مع الجميع ضاربين أروع الأمثال في الأمانة والصدق والإخلاص مع الآخرين، والتكاتف والتعاون والتوحد بينهم، لا يفرقهم انتماء إلى قبيلة أو جهة أو حزب؛ فهم في الخارج شعب واحد موحد يسعى بذمتهم أدناهم متشاركون في السراء والضراء متضامنون في الأفراح والأتراح لا يستطيع أحد من غيرهم أن يميز بعضهم عن بعض بشيء أبدا؛ مما أكسبهم احترام الجميع ونالوا إعجاب كل من عرفهم عن قرب أو سمع بهم عن بعد، والشهادات لهم بذلك لا تحصى من جميع شعوب الأرض وكل أمم الدنيا إجماعا لا ينازع فيه أحد كائنا من كان في المشرق والمغرب، والحمد لله، وإن لم يبق لنا من الدنيا غير هذه السمعة الطيبة والذكر الحسن لكفانا شرفا وفخرا. وقد ظلت هذه الصورة المشرقة هكذا إلى وقت قريب حتى بدأت مطامع السياسة اللعينة تخدش هذه الصورة الرائعة وتشوه هذا المنظر السوداني الجميل؛ إذا تسرب بعض مظاهر التشتت والتنازع والتخاصم في الداخل إلى الصورة المشرقة التي كانت تسر الناظرين في الخارج، والله المستعان.
كثرت في السنوات الأخيرة من عهد الإنقاذ محاولات الهيمنة الحزبية الضيقة على الوجود السوداني بالخارج الذي لم يعرف الاختلاف في عمره الطويل؛ فحدث في كثير من المهاجر السودانية ما يشبه الشقاق والاختلاف على كل شيء، الذي أصبح من ديدن أهل السودان بالداخل، كما فصلت ذلك في مقال سابق منذ أسبوعين.
صار الخلاف يدب بين أهل السودان في كل منطقة من الخليج خاصة بسبب تدخل الحكومة لتكوين جالية موالية لها وفرضها بقوة السفارة على الناس بلا أدنى مشاورة لهم، وهذا أمر لم يعد سرا منذ هيمن على سفارات السودان بالخارج بعض حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ممن اختيروا بالمعايير الحزبية الضيقة لا الأوصاف الدبلوماسية المهنية الوطنية الواسعة؛ فصاروا يحاولون عبثا فرض سياسة الحزب الحاكم في السودان في الهيمنة والسيطرة على كل شيء على أهل السودان في الخارج مثلما فعلوا في الداخل بالنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني عموما، وما ذلك إلا لضيق أفق القائمين على معظم سفارات السودان الذين يرون كل اجتماع لسودانيين دون رعايتهم وإدارتهم وسيطرتهم اجتماعا للمعارضة !
والمثال الحي أمامي ما نشرته هذه الصحيفة الغراء في عددها ذي الرقم(7686) ليوم الثلاثاء 24/5/2011م من كلام غريب كتبه الأخ/ أحمد الفكي في الصفحة الثانية ضمن ملف (وهج الغربة) عن تجديد مجلس شورى الجالية السودانية بحائل ثقته في أربعة أشخاص ذكرهم بأسمائهم في تقرير كله عجب من العجب عن حدث أعجب وأغرب لكل من كان مقيما في حائل من أهل السودان؛ إذ قصة الجالية السودانية بحائل وغيرها من مناطق المملكة خاصة لم تعد سرا بعد أن كثر الحديث حولها في وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، حين استولى قليل من الناس على اسم الجالية بالتآمر مع بعض الحزبيين بالسفارة في الرياض، فجرت محاولات كثيرة لحل تلك المشكلة من أفراد ولجان شعبية وأخرى رسمية، ولكن كل ذلك باءت بالفشل بفعل التعنت الحزبي البغيض الذي يتخفى خلفه بعض من لا يقدر الأمر حق قدره في السفارة والحزب، فما كان من أهل السودان بالمنطقة إلا أن كوَّنوا جاليتهم الوطنية الشاملة وإن لم يعترف بها القنصل الحزبي السابق واللاحق الذي كان أسوأ من سلفه في حزبيته الضيقة حتى ضاق ذرعا بمجرد لافتة ترحيبية بوفد السفارة من الجالية الوطنية؛ فما كان منه إلا أن أصدر أوامره بإزالتها وإبعادها عن مقر إقامة الوفد القنصلي الزائر للمنطقة من السفارة بالرياض.
أغرب ما جاء في التقرير المليء بالتناقضات الكبيرة مفردة (الجمعية العمومية) التي لم يعرفها قاموس الجالية المذكورة في تاريخها الممتد لما يقرب من أربع سنوات بلا لائحة ولا قانون ولا تفويض من أحد إلا اعتراف السفارة المبني على التعليمات الحزبية من هنا وهناك، وغريب أن يتحدث التقرير عن احترام قوانين البلد المضيف، وهي لم تمنع يوما أهل السودان في جميع المناطق من ممارسة أنشطتهم الاجتماعية المفتوحة المعروفة للجميع فضلا عن الجهات المسئولة التي لا تخفى عليها شيء من ذلك؛ إذ من المعتاد عند الجميع عن أهل السودان أن يجتمع خمسمائة منهم في عقيقة (سماية) وألف منهم في مأتم أو دفن ميت وأكثر من ذلك في فرح بزواج أو نجاح، كل ذلك مشهور عنا ومعروف دون نكير من أحد، وهذه رابطة الإعلاميين السودانيين تعقد جمعيتها العمومية في الرياض بأحد الفنادق الفخمة، ومنتدى التوثيق الشامل السوداني يعقد ندواته الدورية في الرياض على مرأى ومسمع من الجميع ودعوة عامة للجميع، والاحتفالات السودانية بكل أنواعها تسير على قدم وساق في كل منطقة وبرعاية كريمة من المسئولين بالبلد المضياف الذي نعده بلدنا الثاني ولا نعد أنفسنا من الأجانب فيه أبدا؛ لما وجدنا عند أهلها من المسئولين والعامة – وهم أهلنا وقرابتنا في الدين واللغة والتاريخ – من كرم الضيافة وحسن الاستقبال والرعاية.
لماذا لم تمنع قوانين البلد المضيف أن يجتمع عدد ضاق بهم المكان الذي هو استراحة عامة، حسب تعبير التقرير كما لم تمنع الجالية السودانية الوطنية بالمنطقة من عقد لقاءين عامين في دورتين آخرهما كان في رمضان من العام الماضي، كل ذلك بموافقة مكتوبة من الجهات المسئولة بالمنطقة، وقد كان الحضور والمشاركة في المرتين يفوق ألف شخص من السودانيين المقيمين بالمنطقة، احتفلوا وتكلموا عن شؤونهم وأوضاعهم وأحوالهم، ودعوا إلى تكاتف الجميع لخدمة الجميع دون تمييز يضر بالجميع، وقدموا كل حل ممكن لمشكلة تعدد الجاليات في المنطقة الواحدة، وأرسلوا إلى السفارة جميع الوثائق والمستندات والتوقيعات مع وفود أرسلوها خصيصا لهذا الهدف، ولكن لا حياة لمن تنادي !
لم يفعلوا كل ذلك للحصول على ما تقدمه السفارة لجاليتها الحزبية الخاصة من دعم مالي سنوي - هو كل ما تملكه للجاليات - هو من أموال أهل السودان كلهم، وإنما من أجل وحدة الكلمة وتوحيد الجهود وضم الصفوف كافة من أجل خدمة المواطن السوداني المقيم بالمنطقة بكل خدمة ممكنة في جميع الظروف. والله أعلم بالنيات مطلع على المقاصد يعلم السر وأخفى.
بل كيف نسي الأخ معد التقرير ما حدث قبل أقل من شهر هنا في حائل من دعوة عامة لجميع أعضاء الجالية وغيرهم في استراحة مفتوحة للاستماع إلى حديث القنصل العام مع وفد السفارة والعشاء، لماذا لم تكوَّن الجالية في ذلك الاجتماع المحضور من السفارة رسميا ؟ وما الذي يمنع السفارة التي يتبجح الأخ كاتب التقرير بمعرفتها بما يجري في دوائر الجالية أن تشرف بوفد أو مندوب منها على تكوين جالية جامعة لجميع أهل السودان في كل منطقة؛ حتى تختفي جميع الخلافات والنزاعات والصراعات التي أضرت بأهل السودان في الغربة كثيرا ولم يستفد منها أحد ؟
عجائب هذا التقرير الغريب لا تنتهي في هذا المقال، ولعلي أخصص لها مقالا آخر الأسبوع القادم، إن شاء الله، بعنوان( تفنيد أحاديث المهازل عن الجالية السودانية بمنطقة حائل).
وأختم بأن السفارة إذا وافقت هذه المرة على جالية تكونت بهذه الطريقة الغريبة وفي غياب تام عن أهل السودان في المنطقة فإنها بذلك تدق آخر مسمار في نعش وحدة أهل السودان بالمنطقة، وعلى من يفعل ذلك أن يتحمل مسئوليته في الدنيا والآخرة؛ إذ أصبحت المسألة أوضح من أن تحتمل مزيدا من مواعيد عرقوب. وإلى الله المشتكى.
وليس الكلام عن الأشخاص في ذواتهم؛ فهم من جملة أهل السودان الطيبين، لكن عن المسئولين بالسفارة ومن ولَّوهم أمر الجاليات بفرمانات من عندهم لا اختيار أهل المنطقة المغلوبين على أمرهم،وقد ظللنا نحدثهم عن الأضرار الفادحة لهذا السلوك الحزبي،على صورة الوطن العزيز في الخارج وأوضاع المواطن المقيم في الغربة، فنجد عندهم كل ترحيب وحسن استماع وكلام يسرك ويضحكك ثم لا شيء إلا أفعالا تبكيك وتحيرك، فكل واحد منهم :
يعطيك من طرف اللسان حلاوة * ويروغ منك كما ويروغ الثعلب !
من المؤكد أنه لا مصلحة للمؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان ولا لغيره في تشتيت الوجود السوداني في الخارج خاصة في هذا الظرف الدقيق واللحظة التاريخية الحاسمة في السودان بعد انفصال جنوبه وبقاء بقية مشاكله التي لا يمكن حلها وبناء وطن جامع مستقر ينمو ويتطور إلا بالوحدة التامة والتكاتف والتعاون بين جميع مكوناته في الداخل والخارج. وهذا ما لا نمل الدعوة إليه ولا نيأس من الاستجابة لها والمصير إليها من الجميع، بل المصلحة كل المصلحة في السعي الجاد إلى توحيد أهل السودان الباقين بكل السبل.
وهذا أمر مهم سأواصل الكتابة فيه كما أدعو كل صاحب رأي إلى الإدلاء بدلوه فيه حتى تتلاقح الأفكار وتتجمع الآراء على ما يجمع ولا يفرق، وينفع الجميع ولا يضر أحدا. والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.