أمواج ناعمة د. ياسر محجوب الحسين كثير من المناطق في السودان ينطبق عليها قول الشاعر: الرزق بين الناس منقسم *** هذا غريق وهذا يشتهي المطرا أهل كردفان على سبيل المثال في الخريف تحيط بهم المياه من صوب وحدب فتكون كثرتها في بعض الأحيان (وبالا) عليم ولكن بعد شهور معدود يلهثون وراء قطرة ماء يرون بها ظمأهم.. محاولات مضنية كانت تجري للاستفادة من مياه الأمطار وتخزينها لمواسم الجفاف عبر الطرق التقليدية المتمثلة في الحفائر البسيطة إضافة إلى تخزين المياه في جذوع بعض الأشجار مثل التبلدي.. مع تعاظم الاهتمام بحصاد المياه في التنمية الريفية اقتصادياً واجتماعياً تم عقد عدد من المؤتمرات وورش العمل لرفع الوعي الرسمي والشعبي بأهمية تقنية حصاد المياه ودورها كآلية لتحويل النهضة الزراعية والتنمية المتوازنة لواقع ملموس ومنها تقرير حصر وتقييم السدود الصغيرة عبر وزارة الري في عام 1998م، ومؤتمر مياه الشرب المخاطر والمعالجات عام 2002م.. في عام 2007م تم تكوين لجنة فنية عليا من الوزارات المختصة لوضع خطة تنفيذية لمشروعات حصاد المياه وقد قامت بإعداد تقرير مبدئي لهذه المشروعات وفي ديسمبر 2007م عقد مؤتمراً لحصاد المياه برعاية نائب رئيس الجمهورية. السودان يعتبر أحد أكثر دول العالم التي لديها مخزونات هائلة من المياه الصالحة للشرب، منها السطحي ومنها الجوفي.. لكن مع ذلك كانت منطقة سودري بشمال كردفان تذكر عندما يذكر العطش.. اليوم نشهد تطور نوعي كبير في طريقة حصاد المياه من جزوع التبلدي إلى البحيرات الضخمة.. في سودري قوم كرام وأهل عزائم وأولي بأس، كنا بينهم الاربعاء الماضي.. المناسبة تدشين مشروعات حصاد المياه.. رغم أن الخريف يكسوا رمالها الذهبية ويحليها إلى خضرة بديعة لكن سرعان ما يلتهمها فصل الجفاف الطويل.. مثلما لكل منطقة شيء يميزها وتشتهر به، فإن سودري حظها من الشهرة العطش.. الجفاف القاهر شدد خناقه على السودان في العام 1984م، كان اكثر قساوة ضراوة مع سودري، فقد أتى علي اليابس والأخضر واقتلعت العواصف الصحراوية المتمردة الشجر من جذوره ونضبت ينابيع المياه الجوفية وكذا، أهل سودري الكرام أعيتهم الحيلة فاتجهوا إلى مشارف تخوم أم درمان وقد سميت تلك الاماكن فيما بعد بمعسكرات النزوح بكل من المويلح والشيخ ابوزيد وكانت هناك قصص مؤلمة سجلها التاريخ. برنامج حصاد المياه الذي تتولاه سواعد وحدة السدود جعلت من من شبح العطش ذكرى أليمة تحكى لأطفال سودري كما تحكى لهم قصة الغول والعنقاء.. (6) حفائر ضخمة أهمها في مناطق تِنة، والوفاق، والجمامة، وبت أم بحر، الكبرا، وأم سنيطة.. قبل عدة أشهر أتيحت لنا الفرصة لحضور تدشين (3) منها باعتبارها نماذج إذ أن الوقت لا يسمح بالمرور على بقيت الحفائر.. توفير المياه الصالحة للشرب لهذه المناطق يضمن زيادة الصادر من الماشية فهي مناطق تحتضن ملايين من الماشية كالضأن والجمال.. التدشين الذي تم مؤخرا لا يعدو أن يكون ضربة بداية.. وحدة السدود نفسها وصفت الحدث بأنه يمثل (جزئية) وفصلا أولا في سيناريو النهوض التنموي في تلك المناطق.. قناعتنا أن ذلك الانجاز خطوات إيجابية ونقلة كبيرة تشهدتها ولاية شمال كردفان وتباعد بينها وبين خطر الجفاف لتخطو خطوات التعافى وتطوير الخدمات وتركيز التنمية المستدامة.. فقط على أهل كردفان وحكومتهم العمل على حسن ادارة هذه الحفائر حتى تتم الاستفادة القصوى منها.