تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسع عشر-2-3


عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسع عشر
التصدير يجب أن يكون ورقة خيار ومساومة وليس عقيدة عبيطة
رؤية نطرحها للشعب السوداني وللإقتصاديين الموهوبين غير التقليديين
2-3
ودعونا ننقد أول خطيئة اقتصادية تم الترويج لها دوليا من قبل الاقتصاديين اليهود ومؤسساتهم الأممية تتناقض مع الفهم المستقيم وتتناقض مع بديهيات أسس علم الاقتصاد. التركيز على هذه الخطيئة الاقتصادية وفضحها مهم، لأنها أصبحت عقيدة اقتصادية سائدة.
على أساس البديهيات ينبغي أن تقوم فلسفة الاقتصاد وحقيقته في مجمله، هذه البديهية تقول: أن علم الاقتصاد هو العلم الذي يوصف البشر الاجتماعيين في علاقتهم بعضهما البعض أثناء عملية الإنتاج وحصحصة الموارد الطبيعية والسلع المنتجة وتوزيعها وتبادلها. إذن تجزم هذه البديهية الموجبة أن موضوع الاقتصاد الرئيسي هو البشر، أي الناس، وعليه، أن يتحول موضوع الاقتصاد الرئيسي حصرا على الموارد الطبيعية دون البشر يعتبر انحرافا. هذه البديهية يمكن أن يفهمها أي إنسان له درجة من الفهم والمعلومات والفطرة السليمة ولا يحتاج أن يكون اقتصاديا على مقاس ملتون فريدمان. هذه البديهية لا يهتم بها علم الاقتصاد (؟) ولا يعيرها أية اعتبار – لأن علم الاقتصاد مثله ومثل أي علم آخر له رطانته ولغته الداخلية التي يمكن استغلالها للتعتيم على هذه البديهية.
بتعبير آخر، هذه البديهية تم قلبها رأسا على عقب، لقد حول الاقتصاديون اليهود الإنسان في علم الاقتصاد إلى عامل ثانوي، أحد عوامل الإنتاج، فقد لغوا إنسانيته وأحالوه الإنسان إلى شئ، بينما الموارد الطبيعية والمال ووسائل الإنتاج قد تم انسنتهم anthropomorphism. وبالضد، لا يمكنك أن تعامل الأفراد في علم الاقتصاد ولهم إرادتهم الحرة كما لو هم أشياء ساكنة في تجربة فيزيائية. أو أن تعامل رأس المال أو الإنتاج ككائن حي له روح وشروط ورغبات. هذه هي مشكلة علم الاقتصاد الكبير اليوم مقابل علم الاقتصاد الصغير. ففي نظر الاقتصاد الدولي تعتبر الكتل الاقتصادية (الشركات والبنوك الدولية) كائنات حية لها روح وإرادة، بينما في تصوره أن الشعوب والأفراد والمجموعات الاجتماعية بدون روح، مادة خاملة، يمكن إعطائها أية توصيف يرغبونه في المعادلات الرياضية الاقتصادية.
وحتى على مستوى الاقتصاد الصغير نرى هذه الأنسنة تتم لصالح المؤسسات الاقتصادية الأجنبية الوافدة في حقل الاستثمار داخل السودان. فمثلا لماذا يركز الاستثمار الخليجي المباشر فقط على قطاع البنوك والعقارات؟ لماذا نعتبر رأس المال الوافد الأجنبي له شروط ومزاج، ورغبات، وكيف، وميول، يجب أن نستجيب لها، بينما يشيئون المواطن، ولا تعطى أية درجة من الاعتبار لاحتياجات الإنسان السوداني الفعلية. ماذا ستستفيد القاعدة الشعبية السودانية من هذه البنوك الصغيرة الفكة، (إضافة نسخة 2011م)– أليست هي للصفوة؟ (2011م، أتضح أنها ضرورة لاذبة لإبتلاع المؤسسات السيادية الحلوبة بخدعة) أو كون تلك المؤسسات الخليجية تشتري الأراضي والعقارات السودانية بملاليم ولاحقا يبيعونها بالمليارات؟ أو بناء القرى السياحية الفاخرة؟
عند هذه النقطة نصل إلى الخلاصة: أن الإنسان السوداني، المواطن السوداني، ونجمله في لفظة اقتصادية أي المستهلك السوداني يجب أن يكون هو موضوع الاقتصاد السوداني، بؤرته، وهدفه، ولا يتأتى ذلك إلا إذا أعدنا النظر في الكثير من المفاهيم الاقتصادية – أي بالتحديد في العقيدة والأيديولوجية الاقتصادية. وعليه، يجب أن يفكر هكذا الجميع، أي أن مجمل نشاطهم الاقتصادي يستهدف خدمة المستهلك السوداني، وينطبق القول على الصغير والكبير، التاجر والصانع، رجل الأعمال أو رجل الدولة، الطالب والمعلم..الخ. كيف يمكننا تدليه وارضاء المستهلك السوداني وإشباع رغباته الاستهلاكية في العيش الكريم وتحسين مستوى معيشته، فلم لا يستمتع السوداني بخيرات بلده؟ أليس هذا هو الطبيعي؟ يجب أن يصبح ذلك عقيدة في تفكيرنا.
للوصول لهذه الكيفية وتعميقها في وعي الجميع يجب أن نركز على تقوية السوق الوطني المحلي، تطويره، وتقويته، وتوسيع آفاقه. فالمهندس المعماري مثلا عليه أن يصمم منزلا نموذجيا رخيصا للفرد السوداني، تجار مواد التشييد يلبون توفير مكونات هذا المنزل من مواد التشييد لخدمة المستهلك السوداني..الخ. يقول أحد تجار مواد التشييد أن سوق مواد البناء تعاني من الكساد وأن معظم المواطنين تعمدوا عدم الشراء وينتظر التجار قدوم الوافدين من دول الخليج. وهكذا يؤكد لنا هذا التاجر أن السوق السودانية ضعيفة عقليا بسبب عدم التفكير في متطلبات المستهلك السوداني وإشباع رغباته المشروعة في التنمية وتحسين مستوى المعيشة. ربح قليل مع زيادة المبيعات هو الأفضل لتقوية السوق، ولكن عندما تكون عقيدة تجار السوق تغليب الربح الفاحش وانتهاز الفرص وصنع الأزمات والندرة المصطنعة، وليس في وعيهم القاعدة من المستهلكين السودانيين فهو خطأ العقيدة الاقتصادية.
يلعب كبر حجم الطلب الداخلي للسلع وكبر حجم الطلب الداخلي على الخدمات (أي الطلب على الاستهلاك) أهمية كبيرة في حماية أركان الاقتصاد الوطني بمجمله من أية هزات ترتبط بعوامل خارجية مثل شح التمويل الخارجي أو هروب رؤوس الأموال، أو انخفاض قيمة العملة الأجنبية، أو انهيار سوق بورصة الأسهم إذا كانت كبيرة، أو ضعف مردود المواد التصديرية - مثال ذلك أثيوبيا وكارثة البن. ولا يلعب كبر حجم الطلب الداخلي دور الحماية فقط بل يتعداه إلى قضية في غاية الأهمية وهي الدافع للإنتاج والنمو الاقتصادي؛ يجب أن تكون عقيدتنا الاقتصادية بحيث يصبح الطلب الداخلي للسلع والخدمات هو الدافع للإنتاج والنمو وليس الطلب الخارجي – أي التصدير. فمثلا الهند يبلغ حجم الاستهلاك الخاص 50% من إنتاجها القومي الاجتماعي الإجمالي، هذه النسبة الجيدة هي الدعامة أو الركيزة أو المحرك للإنتاج والنمو. بينما الصين كانت تصدر سابقا 20% من إنتاجها القومي الاجتماعي الإجمالي أرتفع هذه الأيام إلى 30%، وفيها يلعب كل من القوى الداخلية الطلب الداخلي للإستهلاك الخاص والخدمات والاستثمار في البني التحتية المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي والحماية من المؤثرات الخارجية. وبعكس الهند والصين، تعتمد كوريا الجنوبية وتايوان على التصدير بشكل رئيسي يهتز اقتصادهما سلبا وإيجابا بالمؤثرات الخارجية مثل قوة وضعف الاقتصاد الأمريكي أو هبوط وارتفاع قيمة الدولار وسعر الفائدة أو البترول..الخ.

بما أننا قلنا أن التصدير رذيلة كبيرة، يستنزف الموارد الوطنية، إذن على التجار والمصنعين أن يحصروا لعبهم في السوق الوطنية وتقويتها، أن يقووها، وأن ينغنغوا المستهلك السوداني وأن يمتعوه بخيرات بلاده، وعليهم أن ينسوا التصدير. وإذا قدرنا أن نستورد سلعا رخيصة ومفيدة، نكرر رخيصة ومفيدة، فلنفعل ستزيد الثروة الوطنية، خاصة استيراد السلع الرأسمالية مثل ماكينات التصنيع أو مكوناتها..الخ. وننصح حكومة السودان بشدة عدم الدخول في منظمة التجارة العالمية. فهذه المنظمة التي قامت على اتفاقية الجات وحلت محلها ليست سوى قفص أوروبي لإجبار أو لاعتقال الولايات المتحدة الأمريكية داخله لكي يأخذ اليورو حظه كورقة مجانية. فحتى قيام منظمة التجارة العالمية 1996م كانت منطقة الدولار dollar zone هي الكاسحة في العالم وكانت الولايات المتحدة تضع العراقيل المسبقة أمام ظهور اليورو مما دفع الأوروبيين لتمهيد الأرضية له قبل ظهوره الفعلي عام 2002م. وخلاصة منظمة التجارة العالمية: أفتح لي سوقك لكي أفتح لك سوقي! أي المعاملة بالمثل! وهذه خدعة مبطنة إذ لا توجد مثلية أو تكافئية طالما كانت العملة الدولية (؟) غير مستقلة عن دولة ما! الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمكنهما طبع ما شاءا من اليورو والدولار. وفشل ستة مجموعات دولية في مؤتمر منظمة التجارة الدولية في الدوحة للوصول لاتفاق مرضي في قضية المواد الزراعية الغذائية ذو دلالة كبيرة يجب ألا نتجاوزه ونمر عليه مرور الطرشان.

وكذلك إعادة النظر في مفهوم الإنتاج ومفهوم الاستهلاك، فنحن علينا أن ننتج ليس لكي نصدر إنتاجنا، بل لكي نستمتع بخير إنتاجنا، ننتجه لكي نأكله ونشربه وما ننسجه نلبسه..أي نستهلكه..الخ، هي ضرورات حياتية لا غنى عنها. فكيف إذن يصل تفكير البعض بالقول: يجب زيادة الإنتاج لكي يزيد التصدير؟ ما الدافع أو الحافز للمزارع، أو العامل، أو الصانع، أو الموظف لكي ينتج؟ للتصدير؟ هذه قضية لا تعنيه لا ذهنيا ولا نفسيا ولا مصلحة، وعادة قلة قليلة من رجال الأعمال سيفوزون بالهامش الربحي من الإنتاج المعد للتصدير، بينما القوة العاملة وكافة قطاع الشعب السوداني نفسها لن تستمع بخير ما أنتجته، لأن كل شئ للتصدير كما يروجون، كما أنه أو لأنهم لا يرون ولن يروا أن مستوى معيشتهم قد أرتفع. ولكن بالتركيز فقط، وفقط على السوق المحلي وتقويتها، والتركيز على المستهلك السوداني والسوداني فقط، سيقوى الاقتصاد السوداني ويعم الخير على الجميع.
ولقد ربط أحدهم ما بين الصادر والحافز على الإنتاجية بالمثالين المكسيكي والنيجيري. ولم أقتنع بهذه الرؤية أو بهذا الارتباط. فخذ مثلا السمسم، يدخل في قضايا كثيرة، يمكن رشه على الرغيف قبل خبزه، كم رغيفة تنتج يوميا؟ كثير وتعد بالملايين. هكذا نراهم يفعلون في ألمانيا يرشون السمسم على الرغيف ويخبزونه معه، فالسمسم يزيد من الفائدة الغذائية لأنه غني بالمعادن والبروتين النباتي والدهون ذات السعرات الحرارية العالية، ويمكن استخراج زيوت منه، وعصارة الطحينة، وحلاوة الطحينية، والبسكويت والمعجنات، والسلطات، والحلويات بأنواعها..الخ. مثلا أرى في ألمانيا الطحينة وحلاوة الطحينية تأتي بكثرة من تركيا، ومصر ولبنان وحتى الخليج. مع العلم قد يكون السمسم المعمول فيها سوداني. بتعبير آخر، لو أجدنا استعمالات السمسم والفول السوداني وتطبيقاتهما الغذائية المتنوعة في السودان سيقوى الطلب الداخلي في السوق الوطنية، سيرتفع الطلب الداخلي عليهما وستستمر جدوى زراعتهما، ليس للتصدير بل للاستهلاك الداخلي أولا، وما زاد منهما يمكن تصديره. ويعني ذلك في كل حالة يجب خلق الطلب الداخلي أولا وأخيرا على السمسم والفول السوداني مع إسقاط قضية الصادر من الاعتبار.
إذن تقوية السوق المحلي أو الوطني وتقوية الطلب الداخلي هما مفتاحا الاقتصاد السوداني ونهوضه. بل نرى عكس ما يراه صاحبنا، فعندما ترتبط سلعة محددة بالتصدير ارتباطا عضويا والعرض والطلب الداخلي عليها ضعيف بشكل زائف لتقاعس الهمم أو الخيال، ومرونة الطلب الخارجي عليها ضعيفة، ولأي سبب ما لم نستطع تصديرها سيتأذى حتما المزارعون المنتجون وسينهار إنتاجها بشكل عام. فليس هنالك أفضل من ازدياد الطلب الداخلي أولا على سلعة وطنية – المرتبط بزيادة معدلات الإستهلاك، ولن يتأتى ذلك كما قلنا بدون وضع المستهلك السوداني العميل رقم واحد.
ولنضرب بعض الأمثلة، فخذ قضية الكوكاكولا والبيبسي كولا وكلاهما شركتان أمريكيتان يهوديتان. الكوكاكولا إذا قرأت أسمها اللاتيني في المرآة معكوسا ستجده منحولا على شكل: لا محمد لا مكة. إذن ما معنى أن نروج لهذين المشروبين؟ ولماذا يأخذان حيزان كبيران في حياتنا، ويدخلان بيوتنا؟ أين أصحاب ألوية الشريعة لماذا يصمتون أما سطوة الكوكاكولا؟ فإذا الحكومة فمها ملآن ماء ولم تستطع منع ما هو مسئ لنا ولرسولنا (ص) فلماذا يصمت السودانيون على ذلك؟ رغم أن المشروبين ليسا سوى ماء وبعض السكريات..الخ وأثبتا ضررهما الصحي. لكن المذهل أن تربط شركة الكوكاكولا نفسها بدوري كروي..الخ، حتى صار اسمها على صدر كل صفحة رياضية (2011م: أهمس في إذن إسامة داود لماذا لا يغلق هذه الكوكاكولا لله ولرسوله؟؟). فهنا لدي اقتراح على نادي المريخ والهلال، على كل منهما استنباط عصير من خيرات بلادنا مع التأني في الاختيار وعمل التجارب اللازمة بمساعدة معامل البحوث والتغذية الحكومية، ثم يشتريان الماكينات الخاصة بالتعبئة من الهند أو الصين، ثم ترويجه لجمهورهما الكبير، مشروب سانتو، وكيمو؛ ومشروب جكسا، وكسلا..الخ الجمهور الكروي سينحاز بعاطفته لكل مشروب بطبيعة المنافسة. نجاح البيبسى كولا يرجع لدقة التوزيع المحكم الصارم ومن ثم الدعاية المطلوبة. فإذا عمل الناديان هكذا، يدخلان معمعة التنمية ويستفيدان، وسيرتفع الطلب الداخلي على الكركدي، أو العرديب، أو القونقلوز..الخ. تقوية السوق الوطنية هي الهدف أولا وأخيرا وليس تقوية السوق الأمريكية.
المثال الأخير، اتحاد أصحاب العمل يحتجون على الدولة لأنها بعد أن أستورد أحدهم تفاحا من الولايات المتحدة أوقفت الجمارك الشحنة ورفضت إدخالها. وهنا يستغرب المرء لماذا تفاح من الولايات المتحدة الأمريكية؟ تفاح؟ هنالك العديد من دول العالم البارد ينتجون التفاح مثلا كندا التي أخرجت بترولنا، فلماذا إذن من الولايات المتحدة؟ ألا تقاطع الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد السوداني؟ بل تؤذيه؟ إذن أصحاب العمل تنقصهم النخوة والتربية الوطنية ونهمس في أذنهم، العيب ليس في الجهة التي مارست المنع، بل في الجهة التي سمحت بإستيراد تفاح من الولايات المتحدة الأمريكية.
وعند هذه النقطة لنأتي لبنك السودان وبعض تشريعاته كما وصفتها إحدى الصحف. وفي الحق يمكن القول أن بنك السودان في يد المحافظ الدكتور صابر محمد الحسن محافظ بنك السودان في يد أمينة، وفي قمة الوطنية والاحترافية. مشكلة بنك السودان أن معظم الاقتصاديين أو لنقل أن معظم رجال الأعمال والشركات السودانية لا يفهمون لغته وإشاراته وإيمائياته، فالعيب فيهم وليس في بنك السودان. فالبنوك المركزية في كافة العالم لا تقوم بتفسير سلوكياتها بالتفصيل وهذه من رابع المستحيلات، ولكن على الشركات ورجال الأعمال في البلد المحدد أن يتعلموا أن يفهموا ما بين السطور (تصحيح 2011م: هذه القرة أو العبارات أتأسف عليها بأثر رجعي ومردها الغربة وعدم فهم تفاصيل الواقع بشكل كفؤ).
انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني هو هدف مطلوب في ذاته إذا فهمنا هذه المقالة بمجملها في العمق. ومن المفضل ألا نستعمل الدولار تدريجيا في السنوات اللاحقة والاستغناء عنه تماما. يجب التخلص منه تدريجيا، لا بنك السودان ولا الحكومة السودانية يمكنهما التصريح رسميا بهذه الخطوة. إذا صرحا رسميا، يمكن أن تؤذينا الولايات المتحدة بعدة طرق مباشرة وغير مباشرة، لأن الولايات المتحدة تدمر أية تكتل إقليمي أو أية دولة منفردة ترفض التعامل بدولارها. (تعليق 2011م: هذها العبارات تعكس رؤيتي الإقتصادية وإلى اليوم، وهي في تضاد مع إيديولوجية د. صابر محمد حسن مستشار صندوق النقد الدولي).
إذن، انخفاض سعر الدولار، وزيادة الرسوم والضرائب على الصادرات، وما يسميه البعض تعويق انسياب الصادر، هي سياسة حكيمة في اتجاه المحافظة على الثروات الوطنية، وفي صالح إغراق السوق المحلي بمنتجاتنا السلعية أو الخام بخلق وفرة لصالح المنتج والمستهلك عندما ينخفض سعر الخام ومن ثم ينخفض سعر السلع النهائية بكل أشكالها. ولكن قبل كل شي زيادة الرسوم والضرائب على الصادرات تجبر الرأسمالية الوطنية على أن تبتعد عن لعبة الصادر والوارد، وعلى أن تركز على معالجة هذه الخامات الزراعية إما بتصنيعها كمنتج نهائي أو نصف منتج. لأن الرأسمالية الوطنية لها وظيفة مزدوجة وهي أن تكون وسيطا صناعيا منتجا: تقوم بتحفيز المزارع أو المنتج الأول للخامة، وبالتركيز على المستهلك المحلي النهائي بفتح آفاق جديدة للعرض والطلب الداخلي عبر تصنيع الخامة الزراعية. وظيفة الرأسمالية الوطنية الرئيسية إذن هي تصنيع خاماتنا المحلية إلى سلع استهلاكية للحد الأقصى، وليس وظيفتهم أن يتحول جميعهم لمصدرين أو مستوردين.
ويعتبر إنشاء الوكالة الوطنية لتأمين وتمويل الصادرات من قبل بنك السودان خطوة جيدة إذا كانت تهدف إلى تفعيل المواد التصديرية محليا أولا. ونقصد بالتفعيل معالجتها صناعيا على كل الدرجات. ولكن نرفض أن يكون الصادر على حساب تطوير السوق المحلي وعدم وضع الاعتبار لعقيدة صارمة: أن المستهلك السوداني يجب أن يكون العميل رقم واحد. علينا أن نصدر إذن ما زاد عن حاجة السوق المحلية، ومن المفضل، ألا نصدر المواد الغذائية وحتى إشعار آخر. وعلى ضوء ذلك يجب أن تحدد الدولة ما هي السلع التصديرية وما هي ليست تصديرية بآلية رفع الرسوم وخفضها، وما هي بين البينين على حسب تشبع السوق السوداني منها أو عدمه.
من يتتبع مطالب المصدرين، يتخيل له أن الاقتصاد السوداني متوقف على نشاطهم، يرغبون مثلا في إلغاء كافة الرسوم والضرائب المحلية والولائية..الخ، وهذه لا تعقل، فالحساب ولد. فمثلا سيارة المرسيدس الألمانية قد لا تزيد تكلفة موادها النهائية عن 10 ألف يورو، بينما تباع بمبلغ وقدره 35-45 ألف يورو. هذا الفرق يذهب في الضرائب، وأجور العمال، والإدارات العليا، وبالطبع هامش ربحي..الخ. فمثلا مرتب رئيس مجلس إدارة شركة التأمين آليانز Allianz يبلغ 2 مليون يورو في السنة إضافة إلى 30% حوافز، وبدلات..الخ. فكم يأخذ رئيس شركة مرسيدس؟ أو كم يأخذ عضو الإدارة في المستوى الثاني؟ فعلى المصدرين أن يتعلموا القدرة على المساومة، ليس ضد بلدهم ومصالحها العليا، بل خصما على العميل المشتري وغالبا يتبع دول ثرية، الخليج أو أوروبا..الخ. وضعف القدرة على المساومة هي التي تجبر السودانيين المصدرين على الموافقة على الدفع المؤجل، بينما دول الخليج مثلا لا تقبل بالدفع المؤجل مقابل صادرها، وتعاملها مع أوروبا بالدفع فورا. إذن بعد خروج البترول، يجب أن يقل صراخ المصدرين، وأن يلتفوا حول ظاهرة أخرى وهي تقوية السوق المحلي، وبعد إتمام قوته، يمكنهم من المحلي أن ينطلقوا لآفاق التصدير. (تعليق 2011: بل أنظر هداك الله أحد أعضاء مجلس إدارة شركة الصمغ العربي المستنفعين يسخر من خبير تسويق مخلص لبلاده بالشركة أن اللوبي الصهيوني الدولي المسيطر على صمغنا العربي يمكنه إزاحة وزير مالية السودان!! فضلا عن لغة العبيد التي مارسها هذا العضو، نتسآل حقا هل فيها عمولات يجهلها الشعب السوداني؟).
ويقول تقرير الصحيفة أن لبنك السودان اجرائيات طويلة ومعقدة تجاه تمويل مصدري الماشية (علي البنوك التجارية متابعة عملية التصدير بدقة، وتخزين السلع الممولة بإشراف البنك وباسمه، وهنالك آلاف الحالات، ويجب الحصول على الضمانات الكافية مثل عدم منح التمويل إلا بعد فتح خطاب اعتماد مباشر غير قابل للإلغاء من المشتري الأصلي الأجنبي، بعد التحقق من صحة الاعتماد، وعلى بنك التجاري الحصول على ضمانات ذات قيمة عينية حقيقية مثل الرهن العقاري إضافة لقبول شيكات آجلة كضمان إضافي من المصدر المحلي..وإذا فشل العميل إدخال الماشية للمحجر في فترة معقولة، بعد منح التمويل، يقوم البنك التجاري بإيقاف الاستمرار في التمويل، ويعمل على تصفيته بالكيفية التي تحفظ حقوق البنك التجاري وإخطار بنك السودان...)..لماذا هذا كله؟ لماذا يدوش بنك السودان نفسه في قضايا مثل هذه وهي من صميم عمل البنوك التجارية الاعتيادية؟ الجواب: أولا البنوك التجارية ليست محصنة يدها مخرومة. وثانيا أن معظم مصدري الماشية هم في الأصل سماسرة. ونقول للتغلب على هذه الإشكالية، على بنك السودان والبنوك التجارية التعامل مع أصحاب الماشية مباشرة، من توقيع وتسليم وقبض ودفع..الخ. وألا يتعاملوا مع المصدرين السماسرة، ويجب ألا يكونوا في الصورة. بهذا الإجراء يتم تحفيز المنتج الأصلي، مع تسهيل أسلوب الإجراءات المعقدة لبسطاء الناس منهم وعمل التدريب اللازم لهم وشرح الدورة التصديرية. ماذا يعني تمويل الصادر سوى أن هنالك وسيط سمسار يجيد أدبيات البنوك؟! لماذا لا ينشأ اتحاد منتجي الماشية؟ ماذا يعنى اتحاد مصدري اللحوم أو الماشية من الإعراب؟ أليست هي نكتة أن يصبح مصدرو الماشية في السودان وكلاء لبعض السعوديين بدلا من أن يكون بعض السعوديين وكلاء لمصدري الماشية السودانيين؟ هذه ليست نكتة ولكنه واقع يدلل على أن مصدري الماشية لا حول ولا طول لهم، فهم محض سماسرة!
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.