بسم الله الرحمن الرحيم اثنان وعشرون عاما على حكم الانقاذ الذي تمر ذكراه اليوم، وهو الاخير لجمهويه السودان أرض المليون ميل ، لذلك يبدو ان ظلال الانفصال واحباطاته حجبت احتفالات الاسلاميين لذكرى انقلاب الجمعة 30 يونيو 1989م، التي دافع عنها محمد محمد خير أشرس معارضي الإنقاذ إبان حقبة التسعينيات المخيفة، التي كانت مليئة بالاعتقالات والمطاردات، وحكايات بيوت الأشباح ، كتب في صحيفة الرائد وهي بوق النظام قائلاً، حدث قبل 22 عاماً، في مثل صبيحة هذا اليوم صحونا على المارشات العسكرية والجلالات و(انا ماشي نيالا هو ياهو) كانت كل القوى السياسية على اطمئنان ويقين بأن هذا الانقلاب لن يصمد لأشهر لدرجة أنها وصفت 30 يونيو (بلوح التلج) وها هو اللوح يستمر لما يقارب ربع القرن. كشفت 30 يونيو ضعف النظام الحزبي السوداني وافتضحت قدراته واختبرت حقيقة صلته بجماهيره وأكلت من رصيده وأضافت لقوتها عدداً مقدراً من أعضائه منذ أسابيعها الأولى قبل أن يكون الانضمام بالجملة لحزبها السياسي المؤتمر الوطني. حولت 30 يونيو جماعة الأخوان المسلمين من حركة صفوية لجماعة شعبية ومكنتها من غرس جذورها عميقاً في المجتمع فأصبحت لغة الخطاب الإسلامي لغة شعبية عادية.. واجهت30 يونيو أعتى المؤامرات الدولية والإقليمية بحنكة وأدارت معركتها المستمرة حتى اليوم بوسائل مختلفة ورصت صفاً وطنياً عريضاً للدفاع عنها بدوافع الوقوف ضد التدخل الأجنبي فاتسع طيفها وتلاقحت الخبرات الوطنية. أدارت 30 يونيو حواراً عميقاً مع الأرض نتج عنه البترول والذهب فكسبت طرفي المعادلة الآخر في التوازن الدولي وصار السودان أنموذج الصين في القارة الأفريقية لجهة الشراكة الاقتصادية العادلة. ببلوغ الحوار مع الأرض منتهاه وتدفق البترول اضطرت الحركة الشعبية للجلوس والتفاوض لأن جزءًا من البترول في أراضي الجنوب، الأمر الذي سيجعل خيارها الانفصالي جاذباً ومسنوداً بقوة اقتصادية. الصعود والهبوط والمطبات المنعرجات في مسيرة 30 يونيو ضاعف من خبرات كادرها في طرق إدارة الأزمة فتنامت قدراته السياسية والفنية فانتمى الكادر لمدرسة الحداثة السياسية من حيث إيجاد السبل لتدفق المعلومات وطرق تحليلها والاستفادة منها في إدارة الأزمات فنوعت مصادر المعرفة السياسية وتعمقت طرق الإدارة. أصبحت 30 يونيو ظاهرة سياسية جديرة بالقراءة والتحليل فهي حركة حزب واحد تحول لطيف حزبي واسع وكل القوى التي سعت لإسقاطها وتفكيكها تفككت هي وبعض الدول التي سعت لإسقاطها سقطت أنظمتها وتمضي نظيراتها نحو السقوط. 30 يونيو ليست (أنا ماشي نيالا هو ياهو) إنما ظاهرة جديرة بالإحاطة. فياسيدي الكريم كيف تكون (جمعة الأنقاذ) جديرة بالإحاطة وهي التي قال عنها عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني محمد الأمين خليفة في حوار مع صحيفة الاهرام اليومي، جاء فيه (عندما تخرج الثورة من مقاصدها وعندما ينحرف القطار عن مجراه فإنه لم يبلغ مقصده أبداً، لذلك ما نراه الآن في السودان هو نتيجة للانحراف الذي تم من قبل الذين لم يراعوا مقاصد الثورة الأساسية، ونحن مقصدنا ليس ذاتياً أو دنيوياً وإنما هو مقصد عام وآخروي، لتتدفق الثمار لجميع الناس، وأن نتقي الله سبحانه وتعالى في هذا الشعب، ومن أهم مميزات الثورة - كما جاءت - أنها ثورة بيضاء دون إراقة دماء، ولا نريد إطلاقاً أن تكون هنالك حروب، فمن الغايات الأساسية التي جاءت الثورة من أجلها وقف الحروب التي كانت في جنوب السودان، لذلك سارعت بالسلام، وكنا نريد لهذا السلام أن يعم الجنوب جميعه، ويعم الشرق والغرب وكل السودان، ولكن بسبب الانحراف الآن هنالك حروبات كما ترى في كل مكان، والجنوب قد انشطر وانفصل، وهنالك حروبات في داخل الجنوب نفسه في الدولة التي لم تولد بعد، وهنالك حروب في الشرق ودارفور وفي جبال النوبة، وقد تنتقل بعد قليل إلى الأنقسنا والنيل الأزرق، وقد تصل الخرطوم، وكل ذلك نتيجة للانحراف الذي حدث، وظلوا يقصون الناس إلى أن أصبحت هناك مجموعة قليلة متمسكة بالسلطة.. شطرت البلد ككل.. واندلعت الحروبات في كل مكان وسالت الدماء بسبب ذلك الانزواء والانشطار والسياسة الإقصائية. واخيراً ، يقول الله عز وجل: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.