البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    الكويت ترحب ب "الرباعية" حول السودان    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناتو يختطف الربيع العربي بقلم نقولا ناصر

(يقع العرب جميعهم اليوم فريسة للعبة أمم تبحث عن "تغيير" استراتيجي لصالح حلف الناتو على حسابهم كافة تتصاغر أمامه كل الدعوات الى التغيير و"رحيل" الأنظمة العربية الحاكمة، أيا كانت هذه الأنظمة)

*

إن الانقسام بين الدول العربية الذي أفرزه الصراع الدموي الدائر الآن في ليبيا يجري توصيفه إعلاميا بصورة مضللة، بافتراض سوء النية، أو بصورة مغلوطة، بافتراض حسن النية، باعتباره انقساما بين "ملكيات" اصطفت إلى جانب تغيير النظام الليبي وبين "جمهويات" لا تصطف في خندق الدفاع عن هذا النظام لكنها أيضا لا تصطف ضده. ويجري تغييب حقيقة كون كل الدول العربية في "المعسكر الأول" هي دول "شركاء غير أعضاء" في حلف شمال الأطلسي "ناتو" وأن الدول في "المعسكر" الآخر يستهدف الحلف ضمها إلى منظومة "شراكاته" أو في الأقل تحييدها، بغض النظر عن الأنظمة ملكية كانت أم جمهوية، وراثية أم غير وراثية، ديموقراطية أم غير ديموقراطية، وتغييب حقيقة أن الناتو قد ركب موجة "الربيع العربي" من أجل الاصلاح أو التغيير أو كليهما حتى يكاد يختطف هذا "الربيع" الآن من أجل التوسع جنوبا عربيا واسلاميا وافريقيا. وبينما اتضحت معركة الناتو في ليبيا وضوحا يجعل من الصعب إخفاء أو إنكار أهداف الحلف فيها، فإن المعركة الحاسمة الفاصلة في خطط الحلف للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط بقلبها العربي ومحيطها الاسلامي تضع في عين العاصفة سورية، حيث معركة الحلف أقل وضوحا.

وفي قصف إعلامي مركز وموسع غير مسبوق وغير بريء للوعي الجمعي العربي يجري إغراق هذا التغيير الاستراتيجي الأهم الذي يجري حاليا صنعه في الوطن العربي الكبير ومحيطه الاسلامي في خضم زخم متدفق لتفاصيل تفاصيل الحراك الشعبي العربي المشروع نحو التغيير: فشعار "ارحل" المرفوع بصورة انتقائية في وجه الدول العربية التي لم يستوعبها الناتو ضمن استراتيجيته بعد هو شعار للناتو والدول العربية "الشريكة" له غير المعنية أساسا بأي أصلاح أو تغيير خصوصا في اتجاه ديموقراطي يعيد القرار الوطني إلى صاحبه الشرعي، الشعب، قبل أن يكون شعارا للحراك الشعبي العربي.

فبعد أن فتح الغزو الأميركي أبواب العراق أمام الناتو في شرقها، اصبح الحلف يحيط بسورية من كل جانب، فتركيا في الشمال عضو أصيل في الحلف، والأردن في الجنوب ودولة الاحتلال الاسرائيلي في الغرب "شريكان غير عضوين" في الناتو. وموقع سورية اليوم من الحلف يذكر بموقع يوغوسلافيا السابقة التي كانت تفصل بين القلب الأوروبي للحلف وبين جناحه الجنوبي في تركيا، وقد عاشت يوغوسلافيا موحدة بفضل وجودها على الخط الفاصل لتوازن القوى بين حلفي الناتو و"وارسو" إبان الحرب الباردة، لكنها اصبحت في عين عاصفة الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فجرى تفكيكها وتفتيتها تمهيدا لضمها الى الحلف. وتقف سورية اليوم فاصلا بين الحلف وبين توسعه الاقليمي الذي تحقق جنوبا وبين توسعه شرقا باتجاه ايران.

في كتابه "في كسب الحروب المعاصرة" (ص 130) قال القائد العام السابق للحلف، الجنرال ويسلي كلارك، إن البنتاغون حدد ستة بلدان عربية هي العراق وسورية ولبنان وليبيا والسودان والصومال بالاضافة الى ايران كأهداف لتدخل الولايات المتحدة وحلف الناتو "ضمن خطة حملة تستغرق خمس سنوات" واقتبس من مسؤول في البنتاغون قوله إن "الهدف هو إثارة عدم الاستقرار في الدولة السورية وتنفيذ تغيير في النظام من خلال الدعم السري لعصيان مسلح تنسقه مليشيا اسلامية. وتستخدم التقارير عن وفيات المدنيين لتوفير حجة ومسوغ للتدخل الانساني بموجب مبدأ المسؤولية عن الحماية"، وأشار الى أن السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، طرح مشروع تفكيك الدولة السورية في السادس من أيار / مايو 2002 عندما كان وكيلا لوزارة الخارجية في إدارة جورج بوش الابن.

ووجود سورية في عين عاصفة الناتو اليوم وضع علاقاتها التركية والروسية على محك اختبار استراتيجي. في الرابع والعشرين من الشهر المنصرم كتب حسن كانبولات في صحيفة "زمان اليوم" التركية ان "سورية ليست قضية من المفترض أن تتعامل تركيا لوحدها معها. فسوريا قضية عدم استقرار هامة على الحدود الجنوبية للناتو"، وكأنما أراد المحلل التركي ان يقول إن تركيا تواجه اليوم خيارا صعبا محرجا بين ثابت علاقتها الاستراتيجية مع حلف الأطلسي وبين متغير علاقاتها التكتيكية مع سورية. إن "مخيم اللاجئين السوريين" الذي لم تنظم أنقرة مثيلا له لاستقبال أضعاف مضاعفة من اللاجئين العراقيين والقوقاز اليها هو مؤشر لم يتبلور بعد ألى أنها ستختار الثابت على المتغير بين الناتو وبين جارتها الجنوبية. ففي أوائل الشهر الماضي اعلن وزير الدفاع التركي أن ازمير سوف تكون المقر الجديد لقيادة القوات البرية للحلف، بينما تولت تركيا في السابع عشر من الشهر ذاته قيادة المجموعة الثانية من قوة الرد البحري السريع التابعة للحلف التي وسعت نطاق عملياتها منذ عام 2005 لتنشر سفنها الحربية عبر قناة السويس الى خليج عدن وسواحل الصومال والخليج العربي وعبر بحر العرب الى محيط افريقيا.

لكن روسيا تبدو حاسمة حتى الآن في إدراكها بالملموس بأن سقوط سورية تحت سيطرة الناتو سيغلق المنطقة بكاملها في وجهها بحيث لا يتسنى لها بعد ذلك دخولها الا من بوابة الناتو أو من بوابة أميركية. ومثل روسيا الصين. في السابع عشر من الشهر الماضي أصدرت موسكو وبيجين بيانا مشتركا على أرفع مستوى وقعه الرئيسان دميتري ميدفيديف وهو جينتاو أدانا فيه "التفسير والتوسع الذاتي في تطبيق" تفويض مجلس الأمن في ليبيا وبددا الآمال الغربية في تكرار السيناريو الليبي في سورية عبر مجلس الأمن الدولي. وينظر البلدان الى توسع الناتو جنوبا وشرقا وغربا باعتباره استراتيجية لاحتواء روسيا والصين. وسورية بالنسبة لروسيا بخاصة هي آخر "قلعة" لها في المنطقة العربية، فهي المكان الوحيد الذي يقدم تسهيلات للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط (في ميناء طرطوس) وهي الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت تتسلح بالسلاح الروسي.

إن الانقسام العربي حول ليبيا وسورية يكاد يردد اليوم اصداء الانقسام المماثل إبان الحرب الباردة، لكن الأهم أنه انقسام لا علاقة له بالتأكيد بالديموقراطية وحقوق الانسان والاصلاح والتغيير، فالاصلاح والتغيير مطلوبان أكثر في "معسكر الناتو" العربي الذي يصطف ضدهما الآن، غير أن ما هو أهم حتى من ذلك هو أن العرب جميعهم يقعون اليوم فريسة للعبة أمم تبحث عن تغيير استراتيجي لصالح الناتو على حسابهم كافة تتصاغر أمامه كل الدعوات الى التغيير و"رحيل" الأنظمة العربية الحاكمة، أيا كانت هذه الأنظمة.

وتبدو العربية السعودية الآن، لأنها لم تنضم الى الناتو بعد، ولأنها لم تدخل معركة "سافرة" في ليبيا وسورية بعد، مؤهلة لالتقاط لحظة تاريخية تستثمر فيها وزنها الاقليمي والدولي لاستدراك تدهور الموقف العربي الى تكرار الاصطراع المجاني لحساب القوى الدولية ذاتها التي لها مصلحة أساسية في تأجيج هذا الانقسام وإدامته حتى ينهار ما تبقى من حطام أي شيء يمكن وصفه ب"التضامن العربي"، لحساب نظام اقليمي بديل لا دور للعرب فيه تحت مظلة الناتو، بالرغم من كل المعطيات الموضوعية التي تجعل مثل هذا الاحتمال أقرب الى التمني المثالي البعيد عن الواقع.

ولا يمكن فهم حقائق الصراع الدائر في ليبيا وسورية بخاصة خارج هذا السياق الدولي والاقليمي والعربي، ففي إطار هذا السياق فقط يمكن مثلا فهم دور قطر العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي والاعلامي المتميز في ليبيا، وفهم المخاطرة التركية بالانجاز الذي أحرزته خلال السنوات القليلة الماضية في علاقاتها الايجابية مع سورية، وفهم التسرع الأردني في الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا قبل أن يبسط سيطرته على كل الأراضي الليبية كما يقتضي القانون والأعراف الدولية، وكذلك فهم الموقفين الروسي والصيني المعارضين لأي قرار يصدر عن مجلس أمن الأمم المتحدة بشأن التطورات في سورية، ودور فضائية الجزيرة القطرية في ليبيا وسورية معا الذي جعلها تلغي أهم برامجها الحوارية التي اشهرتها مثل "الرأي والرأي الآخر" و"بلا حدود" و"في العمق" و"الشريعة والحياة"، الخ.، ودفعها على سبيل المثال في الحادي والعشرين من الشهر الماضي إلى أن يكون الخبر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس في نشرتها الاخبارية عن "الثورة" في سورية وليس عن سورية والخبر السادس والسابع والثامن عن "الثورة" في ليبيا وليس عن ليبيا مع تقرير موجز عن تفجير في العراق لا عن المقاومة في العراق وخبر موجز آخر عن المغرب دون أي إشارة الى مظاهرات في البحرين، بحيث استحقت إشادة من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون كمنبر"الأخبار الحقيقية" حسب تقرير ل"ذى أراب أميريكان نيوز" في الأول من تموز / يوليو الجاري خلص الى القول إن القناة "يبدو أنها قد تخلت عن كل موضوعية".

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق صمم الناتو برنامج "الشراكة من أجل السلام" لاستيعاب دول المنظومة الاشتراكية الدولية المنهارة وهو البرنامج الذي نجح في توسيع الحلف شرقا حتى حدود روسيا الاتحادية، ودفع نجاح الحلف في هذا البرنامج الى اعتباره نموذجا لبرامج مماثلة للتوسع جنوبا في الوطن العربي، فمن خلال برنامج للشراكة عبر "الحوار المتوسطي" انضم المغرب والأردن ومصر ودولة الاحتلال الاسرائيلي الى الحلف كشركاء غير أعضاء، ومن خلال "مبادرة استانبول للتعاون" التي تستهدف "دمج دول مجلس التعاون الخليجي في الجيش العالمي للناتو" انضمت الكويت والبحرين وقطر والامارات العربية المتحدة ك"شركاء غير أعضاء" أيضا. وبينما فتح الاحتلال الأميركي أبواب العراق أمام الحلف، تحول هؤلاء "الشركاء" جميعا الى "وضع شراكة كامل".

واللافت للنظر أن "مبادرة استانبول" أطلقت عام 2004 مستهدفة دول مجلس التعاوان لدول الخيج العربية الست بعد عام من غزو العراق، ومباشرة بعد أن صاغ بيان للدول الصناعية الثمانية الكبار عبارة منطقة "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع" لأول مرة باقتراح أميركي للتعبير عن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي كان حتى ذلك الوقت مشروعا أميركيا خالصا.

وفي سنة 2006 استضافت الكويت مؤتمرا مشتركا ل"مواجهة التحديات المشتركة من خلال مبادرة استانبول للتعاون" حضره الأمين العام السابق للحلف جاب دي هوب شيفر. وفي السنة التالية استضافت البحرين "مجلس" الحلف وهو أهم هيئة لصنع القرار فيه. وكانت قطر أول شريك عربي يعين "ضابط اتصال" بمقر الحلف في بروكسل. وكان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أول رئيس عربي يزور مقر الناتو. وقد وصف نائب أمين عام الحلف، كلوديو بيسوجنيرو، علاقات قطر مع الحلف بأنها "مثمرة للغاية" وأشاد ب"الدعم" الذي قدمته للحلف وللقضايا التي تبناها الحلف منذ عام 2004. وفي شباط / فبراير الماضي زار الدوحة أمين عام الحلف انديرز فوغ راسموسن لحضور مؤتمر "تعميق" العلاقات بين الناتو والشركاء في مبادرة استانبول. وفي أواخر أيار / مايو الماضي كانت الامارات العربية المتحدة أول دولة عربية تعين سفيرا مقيما لها لدى الناتو. وفي 22 كانون الثاني / يناير 2007 استضافت الرياض منتدى التعاون الأمني بين الناتو ومجلس التعاون الخليجي "في إطار مبادرة استانبول للتعاون"، لكن نداءات الحلف لم تتوقف حتى الآن عن مناشدة المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان للانضمام الى الحلف. ولم تعد مساهمات الشركاء العرب تحت مظلة الناتو في أفغانستان سرا الآن.

وكان اجتماع القمة السنوي للحلف الذي انعقد في ستراسبورغ بفرنسا في الأول من نيسان / أبريل 2009 قد أعلن بأن الأردن أصبح ثاني دولة بعد مصر تصبح "شريكا كاملا" في الحلف في اطار "الحوار المتوسطي". وكان الأردن قد بدأ حواره مع الناتو عام 1995، بعد عام من توقيع معاهدة السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وفي آذار / مارس من العام الماضي زار راسموسن عمان لأول مرة وفي مقابلة مع "الجوردان تايمز" قال إن المملكة عرضت استضافة مركز اقليمي للتعاون الأمني يدعمه الحلف وأشاد بالعلاقات الثنائية "القوية".

واتافاقيات "الشراكة" العربية مع الناتو تشمل التعاون السياسي والعسكري والأمني في إطار استراتيجية الحلف وهي تتضمن خططا لتعزيز "التعاون العسكري – العسكري للمساهمة في العمليات المشتركة من خلال المشاركة في مناورات عسكرية مختارة ... يمكنها أن تحسن قدرة قوات البلدان المشاركة على العمليات مع قوات التحالف للمساهمة في عمليات يقودها الناتو". ويلاحظ تعاون "الشركاء" العرب مع الحلف في ليبيا بينما أقل من نصف الدول "الأعضاء" فيه فقط هي التي تشارك في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1073 وأقل من ثلث الدول "الأعضاء" تشارك في الضربات الجوية التي ينفذها الحلف. وفي خطاب له في بروكسل في العاشر من الشهر الماضي قال وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس إن مشاركة "الأردن والمغرب والامارات العربية المتحدة وغيرهم في الشرق الأوسط في ليبيا" كانت مشاركة "هامة الى حد كبير" دون أن يعطي تفاصيل.

في الثلاثين من الشهر الماضي دعت النيويورك تايمز الكونغرس في افتتاحية لها الى تبني مشروع قرار مشترك تقدم به السيناتور الديموقراطي جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والسيناتور الجمهوري جون ماكين، عضو لجنة القوات المسلحة في المجلس للموافقة على تمديد مهمة الناتو في ليبيا لمدة عام، بعد أن مدد الحلف مهمته لمدة ثلاثة أشهر جديدة في الأول من حزيران / يونيو الماضي، مما يدل على تصميم الحلف على التوسع جنوبا مهما كلف الثمن. وإذا كان رأس رمح الناتو أميركيا في أفغانستان، فإن الحلف قد أصبح له رأس رمح فرنسي بعد وصول نيكولا ساركوزي الى سدة الرئاسة وإعادته فرنسا الى الجناح العسكري للحلف ليقود عمليات الناتو الجارية في ليبيا والمأمولة في سوريا في دور فرنسي لفت نظر صحيفة لوموند التي لاحظت تبادل الأدوار بين البلدين في الحلف عندما قالت في مقال نشرته في التاسع من نيسان / أبريل الماضي بعنوان "عندما ترحب أميركا بجورج بوش الفرنسي"، كما لاحظت المفارقة في كون إدارة باراك أوباما الديموقراطية ترحب بدور رئيس فرنسي ينتمي الى مدرسة المحافظين الجدد التي كانت تقود إدارة بوش السابقة.

إن الحربين الدائرتين منذ سنين على أفغانستان والعراق، والحرب القديمة المتجددة في الصومال، والحرب المستعرة الآن في ليبيا، والحرب التي يبحثون اليوم عن "إخراج" مناسب لها على سوريا، والدولة العربية التي تنهار أو تفشل أو هي مهددة بالانهيار والفشل، وجيوش اللاجئين العرب خارج أقطارهم أو المهجرين داخلها، تجري جميعها تحت مظلة الناتو، باسم "السلام"، وباسم برامج "الشراكة في السلام" التي يبرمجها الحلف لكل منطقة ولكل دولة على حدة، وباسم الاصلاح والتغيير، ليقول أمين عام الحلف راسموسن "نحن نستطيع أن نساعد الربيع العربي كي يزهر حقا" بينما يكاد حلفه يقتلع بذور أي إزهار في الوطن العربي لفترة طويلة مقبلة. وهذا هو راسموسن نفسه الذي نقلت عنه "غولف نيوز" أثناء زيارته للدوحة في شباط / فبراير الماضي قوله إن تحالف الدول "الديموقراطية" في الناتو كان يجتمع آنذاك في العاصمة القطرية "لبحث كيفية تعزيز شراكتنا وتوسيعها لتشمل بلدانا أخرى في المنطقة".

في شهادة له أمام الكونغرس عام 2003، قال السفير الأميركي لدى الناتو، نيكولاس بيرنز، إن "مستقبل الناتو هو في الشرق، وفي الجنوب. إنه في الشرق الأوسط الأكبر". إن دور النشر العربية سوف تقدم خدمة كبرى للراي العام العربي الغارق الآن في صغائر معارك "التغيير" الصغيرة إن هي أعادت على نطاق واسع نشر كتاب ميكافيللي الشهير، "الأمير"!

* كاتب عربي من فلسطين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.