[email protected] نواصل في هذا الجزء ما ابتديناه من محاولة لسبر غور شخصية شوقي بدري من خلال كتاباته،فالرجل لم نلتقيه كما ذكرت من قبل حتى يتسنى لنا الحكم عليه مباشرة،وانما تأتي هذه المحاولات استقراءا لما بين السطور التي يخطتها قلمه الوافر الانتاج خاصة عبر المواقع الاسفيرية...وسأحاول هنا التفصيل قليلا بذكر جانبا من كتاباته أو رؤوس لمواضيع تطرق لها كاتبنا،حيث انني في مقالي السابق تطرقت اجمالا لما يكتب وحاولت ايجاد التفسيرات والمبررات لكتاباته التي يصفها البعض بالصريحة وهذا يضعه في خانة الباحث عن الحقيقة،والبعض الاخر يصفه بالجانح الذي يخرج عن معايير السلوك القويم بل البعض وصفه بالماجن والمنحرف اخلاقيا والصفتين الاخيرتين أبرأ بنفسي أن أصف بهما هذا الرجل لسبب بسيط هو انني لم أعاصره ولا امتلك الحق بالحكم عليه وانما ذكرت ذلك لتبيان أن هناك فريقين لهما رأيين متقابلين حول كتابات شوقي بدري. لأجل اعمال النقد الموضوعي على كتابات الرجل لابد من التطرق على عناوين المواضيع التي يكتب عنها أو بالأحرى القضايا التي يتطرق لها ،ومن أكثر المواضيع التي يطرقها بجانب تاريخ أم درمان ،اهتمامه بالظواهر الشاذة في المجتمع وهو ما أفرد له عنوانا عريضا سماه(المسكوت عنه)،وفيه ينبش شوقي بدري الملفات الاجتماعية الحساسة التي يتحرج الناس عادة في فتحها،مثل ملف الابناء غير الشرعيين ،والعهر والعاهرات ،والمثليين،ووو وغيرها الكثير من الموضوعات التي يتعفف السودانيين عادة عن ذكرها وذلك لمحافظة المجتمع ولشذوذ هذه الظواهر، فبلاد السودان لا تعرف الاباحة الجنسية كأوربا وكذلك المحرمات الأخرى،اذا المسكوت عنه الذي جاء به شوقي بدري ماهو الا استثناء وليس قاعدة وكان الأجدر به التركيز على الجوانب الخيرة في المجتمع وهي الأكبر و الأوسع ،لم يحظ السودان بالترويج الكافي في وسائل الاعلام الدولية قديما وحديثا،فحتى الأخبار التي تورد في الوسائط الاعلامية تركز على الجانب المظلم فالسودان هو بلاد الحروب والمجاعات والجفاف والتصحر،والسبب اننا لم نقدم أنفسنا للعالم بالشكل الجيد حتى مع توفر وسائل الاتصالات وتقنياتها المتقدمة،فبدل أن نسلخ ونجلد ذاتنا كان الأولى تسويق أنفسنا وامكاناتنا بصورة أجمل،والا قولوا لي لماذا بلد كالسودان بامكاناته الهائلة بشريا وماديا لا يعرف عنه الا أنه رجل افريقيا المريض ،انه سوء الترويج والتسويق،ما أردت قوله في هذه الجزئية لماذا لا يركز شوقي بدري على الجوانب المضيئة رغم أن الفرصة متاحة له بحكم معاصرته في السودان لحقب متعاقبة وبحكم أنه سياسي كذلك أي أنه مواكب لما يحدث في السودان،والفرصة متاحة له أيضا بحكم عيشه في دولة غربية وبحكم تسفاره لدول عديدة كل ذلك كان يمكن أن يستغله في الترويج الجيد لبلاده أي كان يمكن أن يمثل سفارة تفوق حتى السفارات الرسمية ولكنه أضاع الفرصة بالذوبان في نبش قضايا لا تخدم المصلحة العامة ،مكرسا للصورة الغاتمة للسودان وهنا يمكن تفسير هذا السلوك بأن شوقي بدري متأصلة فيه صفة (اللامنتمي)،وهذا ناتج لطول فترة غيابه عن السودان وارتباطه الوثيق بأوربا التي درس ويقيم فيها بل مقترنا باحدى مواطناتها ،المفارقة أنه يتحدث عن شخصيات سودانية وأحداث مرت على السودان وكأنه يعيش الأحداث بالداخل يظهر ذلك جليا في نقده الذي يظهر فيه دائما بمظهر (الموجوع)،كأنما هو يمسك بجمر قضية البلد التي هو الان ليس موجودا فيها واقعيا،ربما هنا تغلب عليه عاطفته دون مشاركته في الوقائع التي تجري على الأرض ،هذا الجانب يقودنا لتوجهه السياسي فكاتبنا ينفي عن نفسه عضويته للحزب الشيوعي السوداني رغم أننا نجده يدافع عن الشيوعيين بل ويصف نفسه بأنه صديقا لهم ولكنه ينفي أنه كادر منتظم في الحزب ،ولكنه تاريخيا شارك في مسيرة ضد السفارة الليبية احتجاجا على اجهاض محاولة هاشم العطا1971،بل ومشاركته لكثير من الفعاليات السياسية ابان دراسته في براغ كما ذكر كثيرا في عدد وافر من المقالات بل انه يذهب أكثر من ذلك حين وقف مع تيار عبد الخالق محجوب المخالف والمقاطع لتيار معاوية سورج وهذا واضح في كتاباته ضد فترة مايو،رجل بهذه المواقف لا يكون شيوعيا؟،الانسان المحايد تجاه أي فكر لا يتبنى اطروحة من اطروحاته ولا يقف مع جهة دون الاخرى داخل الفكر نفسه أو التنظيم السياسي وهذه مفارقة أخرى. مايلفت النظر في أسلوب كتابة شوقي بدري أسلوبه السردي الممتع وهذا ماخلق له قاعدة قارئية كبيرة يظهر ذلك جليا في أعداد المعقبين والمتداخلين لمواضيعه الغزيرة المنشورة بكثافة في المواقع الاسفيرية ولكن لم تزده هذه الميزة الا مزيدا من الشطحات وارسال خياله لمدى واسع في قصص تجد فيها شيئا من الواقع وكثيرا من السيناريوهات المحبوكة بعناية مستفيدا فيها من هذه الميزة(كثرة القراء)،لضخ كم واسع من معتقداته وماينبغي أن يكون عليه المجتمع حسب توجهه وهنا يستخدم سطوة بل وديكتاتورية ناعمة في توجيه الرأي العام، يظهر ذلك جليا في كتاباته عن فترة المهدية أو عن تبرير السلوك الشائن لمجتمع قاع المدينة الذي يتبى بدرى المدافعة عنه وفي هذا نذكر واقعة (كبس الجبة) ،ذلك الفتوة الذي أتى ل(فركشة) حفل عرس لأسرة أم درمانية كعادة فتوات ذاك الزمان،ولكن تصدى عميد الاسرة لهذا الفتوة بأن أطلق عليه الرصاص وأرداه قتيلا،والقصة طويلة أوردها بدري في أكثر من موقع وبتحليل مقالته في ذلك نجد أنه خلق من الفتوة بطلا حينما ذكر أنه كان يتقدم على رب الأسرة رغم أنه كان مشهرا مسدسه متوعدا كبس الجبة بالقتل ان هو تقدم أكثر من ذلك ،ان كان ما حدث صحيحا كما روى كاتبنا هل يعني ذلك أن هذا الفتوة رجل خارق أو اسطوري ،هل كان كبس الجبة متقدما في ساحة وغى دفاعا عن بلد أو عرض ،انه كان متهجما على اسرة امنة في مناسبة سعيدة ولكن شوقي بدري يريد أن يخلق منه بطلا وليته لو اكتفى بذلك بل أنه ذهب لمناحي أخرى مبررا قتل هذا الفتوة بانه عنصرية ولو كان شخصا اخرا لما لقى هذا المصير بل باسلوبه السردي نال أيضا من محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء الاسبق وذلك بحبك سيناريو اظهر فيه استجواب المحجوب أثناء المحاكمة لرفقاء الفتوة المقتول في عبارات عنصرية كانت على ما يعتقد صاحبنا انها السبب الرئيس في براءة القاتل وهذا لعمري استخفاف بالعقول،اذ لا توجد في القوانين الجنائية على مختلف مدارسها أخذ الناس بالشبهات أو مجرد الخطب الرنانة لمحاميي الدفاع ومرافعاتهم،كل القوانين تأخذ بالبينات والوقائع وشهودها،ولكن بسيناريو محبوك وبأسلوب قصصي رائع قلب شوقي بدري كل الحقائق وحول الجاني الى ضحية والعكس،أي انسان سوي يكره الظلم والعنصرية والنظرة الاستعلائية للاخرين ، ولكن هذا لا يجعلنا نتعاطف مع مجرم تعدى على قوم وأراد بهم سؤا وبعد ذلك يراد منا أن ننظر اليه بعين التبجيل بل وخلق بطولة اسطورية له،ان كان أمثال كبس الجبة يمثلون القدوة لشوقي بدرى فهم في نظر أغلبية المجتمع مجرد مجرمين يتقون شرهم وعلى الأقل لا يمثلون قدوة لهم،هنا لا تفسير لدي سوى أن شوقي بدري يعاني مركب النقص من احساسه بالضعف وأن هذا الفتوة يمثل له رمز القوة التي يفتقدها في داخله ...وللحديث بقية ان شاء الله