• " عفيتك من لبن شطري ومن شيل حكري " بهذه الكلمات المشحونة بحنان الامومة كانت تستقبل محادثاتي من مكاني البعيد بالدوحة القريب جدا من انفاسها المنسوجة منذ ان وعيت الحياة بمنطقة الحب في قلبها الذي توقف عن الخفقان مع تباشير غرة شهر البركة الفضيل والموذن ينادي حي على الصلاة .. غادرت أمي النخلة الشامخة المعطرة بالمسك والصندل الرطب لسأنها بالحمد والشكر ومهما ضاقت بها سبل المعيشة ممددة اياديها لمن حولها ببقايا طعام او تمرات وماء بارد كانت تعشقه . • حبيبات مسبحتك الصفراء بلون شفق الصباح اسمع طقطقاتها هي وحدها ورثتها منك وبرضى أخوتي وأنت الفقيرة لله ترن باذني ترانيمك وقت الضحي " الحمد لله الشكر لله استغفر الله " التي حفظتيها عن ظهر قلب منذ ان حبوتي طفلة رضيعة في حكر جدتك " يو بابا " في قرية الغدار دنقلا العجوز ارض الاولياء والصالحين جد المية وقباب التسعة وتسعين بنية التي طالما حدثتينا ان النبي المصطفي زارها وان رفاقه من الانبياء والصديقين عليهم افضل الصلوات دخلوا تلك النواحي لذلك اطلق عليها ارض القادرين الصالحين " ومسجد الا ثر " اول بقعة لدخور الاسلام للسودان كناية عن ما تركوه من آثار .. • وحين الفجر الذي قبضت فيه روحك وانت في نشاط الصبايا ووهج حسن الختام رغم مغادرتك لسن الثمانين عاما وأكثر لم اغفوا إلا قليلا بعد تناول طعام السحور فحلقت انفاسك في حشايا وسادتي وزارني فى المنام زائر اهداني ثلاث أحجار كريمة لم أميز من هو رغم انني ميزت منها الياقوت الاخضر وما ان تلقيت الخبر الفاجعة هاتفيا وانا التي كنت أعد العدة لملاقاتك والتمرق بحبك دخلت علي بنيتي وبين اياديها خمس مسبحات خضراء بذات لون الياقوت الاخضر الذي رايته في المنام .. فزاد يقيني انك في دار المقام الابدي " ياقوتة خضراء " كما كنت في هذه الفانية شجر نخيل تدفق رطبها وتمرها صباح مساء وضحى وعشية وحينما يدلهم الليل لعابري الطريق من خلال نافذة دارك التي لم تكن تغلق بحي الحاج يوسف شارع الردمية . • لمن يا ترى كان أفطار يوم غرة رمضان الذي طبختيه بنفسك نهار يوم الاحد وكأني بك تريدين للصايمين الزاد من بعدك .. ولمن كانت " البليلة والتمر " فاتحة افطار صيام عموم فقراء السودان هل لمن حولك من المحتاجين اللذين كنت توصلين لهم ما تجود به اياديك الطاهرة أم كانت لي وانا القريبة البعيدة احفر منذ ان غادرت الوطن في مسارب الحياة لتفقد المحتاجين واليتامى والمرضى تلك الخصال التي اورثتيناه وكانت تسعدك وتترقرق عيناك فرحا حينما احدثك عن محتاج آزرناه او مريض زرناه فترفعي اكفك عاليا وبصوت مجلجل " يا عطوفة عفيتك من لبن شطري وشيل حكري " طالما ذهبتي في طريق الصلاح الذي هو الان زادي وعزوتي لانها وصاياك الاولى والاخيرة . • " آمي " من اين جاء هؤلاء المعزين هل روحك رفرفت بينهم كما كانت ترفرف حولي وبيني وأنا البعيدة عنك بما تقطعة الطائرات في ساعات فالدوحة بعيدة قريبة أحببتيها وعشقتي اهلها الطيبين وكان من المنظور ان تقضي معي وبهم شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن كنت فرحة وولة لرؤيتك وللتمسح بعطر جسدك الطاهر الذي حمل عنوان كتابي الاول " احب عطر أمي " الذي طالما تفاخرتي به بين رفيقاتك وجاراتك وقلبتي صفحاته بين يديك كأنجب طالبة علم ومعرفة رغم انك لم تدلفي لاي مدرسة لانك تخرجتي من مدرسة الحياة للعطاء والمحبة للصغير والكبير وللتزلف للعلي الكريم .. مدرسة الرآفة بالمحتاجين والمازومين فقد كنت يا " بت كانور " مدرسة فن الحياة والمحبة والتآزر كما كانت لحظة قبض روحك علامة صلاح وانت تتصببين عرقا قال العارفون انها علامات القبول والرضى لانك اسلمتي روحك لباريها كما عصافير الجنة دون رهق او وجع او هلع ولان المشيعين تقاطروا لمثواك الاخير وقد ظللتهم غمامة وجادت السماء بأمطار غزيرة بعد فترة جفاف وهجير عرفها السودان في هذا الصيف القاسي .. ذلك لان صحائف حياتك كانت عامرة بكل ما هو خير وكتاب مفتوح بين ايادي من عاصروك من الجيران والمعارف قبل الاهل والابناء . • " أمي يو " زاد يقيني وترسخ ايماني ان موازين الامور بيد العلي القدير فقد كان مرسوما ان تصومي معي بالدوحة جهزت فراشك الذي تحبين ومكان جلستك وعطرك المميز وكوز الماء وفناجين قهوتك وحدثت صويحباتك موزة وشيخة وسمر وأم محمد وهيا ونفيسه وعائشة فعددنا معي الايام فاذا بالمنادي يناديك لدار البقاء الابدي في ديارك ووسط اهلك ومعارفك لتتوسدي الباردة طالما كتاب القرآن قال بذلك والمصطفى عليه افضل الصلوات ادى الامانة وابلغ الامة ان لا يبقى إلا وجه العلي القدير مالك الملك الرحمن الرحيم وسنبقى لفراقك يا "امنة كانور " لمحزونين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير وانا لله وانا اليه راجعون.. والتقدير متصل لكل المعزين من نواحي دنقلا وكوستي والحاج يوسف والفيحاء جوار المسجد العتيق وخارج السودان وبالدوحة ولمركز الاستشارات العائلية ولمؤسسة دريمة للايتام ولسفارة دولة فلسطين بقطر برقياتكم وصلت شكرا . عواطف عبداللطيف awatifderar [email protected] اعلامية مقيمة بقطر همسة : " كانور " تعني ضوء البيت بلهجة الدناقلة .