أمواج ناعمة د. ياسر محجوب الحسين مظاهرات الجوع والفقر بمنطقة بري ناقوس خطر وإشارة حمراء يجب التوقف عندها مليا.. على الحكومة ووزير ماليتها معالجة ارتفاع الأسعار، رغم أن الغلاء والتردي الاقتصادي ظاهرة عالمية اليوم مما دعا الولاياتالمتحدة إغلاق أكثر من (30) بنكا إلا أن ذلك لا يعفي الحكومة من المسؤولية، كما أن الدعوة لمقاطعة السلع دعوة غير مقبولة ومعالجة عرجاء خاصة أن بعض السلع أساسية وليست كمالية!!.. تبا ل(كسرة) وزير المالية التي بشّرنا بها ولم يكن في الأفق ما يقلق فأشاع الهلع والخوف فتحرك ساكن الجشع والسوق السوداء.. معروف أن النفط سلعة استراتيجية بيد أنها تخضع لضغوطات السياسية قبل ضغوطات السوق، فترتفع الأسعار بغض النظر عن المعروض، فيجن جنون أسعارها إذا ما كان هناك توتر سياسي أو بوادر حرب أو حتى كوارث طبيعية.. السوق والاقتصاد كائن حساس تثيره زوابع التصريحات غير المسؤولة والطائشة وهذا ما هو معلوم بالضرورة لأي اقتصادي مبتدئ.. صحيح أنه عندما نشعر أننا حيال مشكلة ما، علينا أن نفكر بجدية وتعقّل في أسوأ ما يمكن حدوثه.. لكن علينا في نفس الوقت أن نذكر أنفسنا أنه إن حدث الأسوأ، فلن تكون هناك كارثة كبيرة تستدعي ذلك القلق.. السيد وزير المالية (ينعم) هذه الأيام بالتواجد في واشنطن للمشاركة في الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين المنعقدة حاليا لعل الرجل يتمكن من اقناع هذين الصنمين نقصد هذين الصندوقين بالمساهمة في إعفاء ديون السودان الخارجية وإمكانية الاستفادة من النوافذ التمويلية لدعم اقتصادنا العليل، وقيل أيضا أن هناك نقاشا حول موقف الاستراتيجية المرحلية لتخفيف الفقر.. إن من أكبر أبواب الانحراف الفقر لأن صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وإن ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك.. سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي اتخذ أعظم تدابير لمواجهة مجاعة عام الرمادة يقول: لو كان الفقر رجلا لقتله. كثيرا ما سمعنا جعجعة ولا نر طحينا.. عشرات اليافطات التي اشرأبت معلنة عن برامج تعنى بعلاج الفقر لكن مازالت الظاهرة مستمرة تقف شاخصة تمد لسانها متحدية.. حتى المؤسسات الاقتصادية التي تقدمت لخوض المعركة مع الفقر على أسس اقتصادية تكاد تتلاشى وسط بحر الاخفاق.. سمعنا ببنك العمال وبنك المزارع وبنك الادخار وبنك الثروة الحيوانية وبنك التنمية الصناعية وبنك الأسرة وهلّم جرّا.. ربما تكون هناك إضاءات هنا وهناك لكن مردود ذلك الزخم في مجمله لا يشير إلى النتيجة المبتغاة. أشهر الدول التي حققت نجاحات باهرة في معالجة الفقر هي ماليزيا إحدى النمور الآسيوية السبع.. فقد استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000م) تخفيض معدل الفقر من حوالي 52% إلى 6% حيث تناقص عدد الأسر الفقيرة بنهاية عقد التسعينيات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه الحال في عقد السبعينيات. وبحلول العام 2005 تم القضاء على الفقر المدقع (المطلق) قضاءً مبرماً. يقول الخبراء أن فلسفة مكافحة الفقر في ماليزيا قامت على فكرة أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه مثّل النجاح في مكافحة الفقر اساسا قويا لتدعيم الوحدة الوطنية بين الأعراق المختلفة المكونة للشعب الماليزي.. وما أحوج السودان لبلوغ ذلك المرام. صيغة التمويل الأصغر برعاية البنك المركزي والذي يضم (7) بنوك و(3) مؤسسات مالية غير مصرفية تعتبر نقطة في بحر الفقر ومازال الحكم عليها مبكرا.. المعالجة الشاملة تتطلب استصحاب النموذج الماليزي.. لكن حتى ذلك لابد من بناء ثقافة عامة عن فرص التمويل الأصغر بإتباع المنهجية الإسلامية، تلك المنهجية التي أثبتت صمودا بديعا أمام الأزمة المالية العالمية.