الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودانيون مهجريا: مأزق العودة ومأزق البقاء .. بقلم: أحمد محمود احمد
نشر في سودانيل يوم 26 - 07 - 2017

لقد اضحت الهجرة والتهجير واللجوء كلها تتساوي في المضمون ومن حيث المقدمات و النتائج. اذ جميعها تتأسس علي قاعدة الاختلال الهيكلي في البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول العالم (الثالث). والملاحظ ان هذا التهجير قد بات يتجه نحو الغرب سواء الاوربي او الامريكي باعتبار انه المكان الاكثر أمانا..لكن المسكوت عنه في موضوع الهجرة او التهجير يتصل بحقيقة كون الغرب ومن زاوية تاريخية وراهنة يقف وراء ظاهرة التهجير سواء كان ذلك علي خلفية المرحلة الاستعمارية والتي صادر فيها ثروات بلدان العالم الثالث او من خلال دعمه للانظمة الديكتاتورية التي تمارس الاقصاء. وبشكل اعمق من خلال تدوير الاستعمار و عودته عبر الاسلحة المتطورة والتي يسعي من خلالها لتدمير الاوطان؛ والنماذج الماثلة امامنا هي افغانستان و العراق. هذا المنظور لا يقصي العوامل الداخلية تماما لكن دور الاستعمار كان اكبر اثرا' ولنعاين تجربة العراقيين لنتعرف علي دور الغرب حول التهجير. هذا ضمن منظور عام..و ضمن منظور سوداني دعنا نختبر طبيعة التهجير و حالة السودانيين في المهجر..
*مدخل ثان*:
ان الكتابة حول الهجرة او التهجير السوداني تبدو مخاطرة غير محسوبة الجوانب وذلك نتيجة للأسباب التالية:
*اولا*: الهجرة او التهجير خارج السودان ولأسباب سياسية وبالشكل الذى باتت تتحول معه لظاهرة تعتبر فعلا جديدا عبر التاريخ السودانى الحديث. وهذا قد يعقد من طبيعة التناول لان الجانب السياسي قد يطغي علي الجوانب الاخري، اذ هو اساس الظاهرة، وهذا قد يحول الكتابة الي خطاب ضدي مشحون بالغبن وردود الافعال الآنية....
*ثانيا*: التنظير أو الكتابة البحثية حول هذه الهجرة غير متوفر وعلى الأقل حسب علم كاتب المقال مما يتطلب ذلك اجتهادا ذاتيا وهو ما أطلق عليه المجازفة الفردية.
*ثالثا*: كاتب المقال يعتبر ضمن المهجرين وضمن الكتابة حول هذا الموضوع ربما يتداخل الذاتى والموضوعى ومن ثم الخوف من طغيان الذاتى بكونه يصبح ملاذا تسكينيا لمرارة الهجرة وبعض صعوباتها مع الوعد بأجتناب هكذا محدد قدر الامكان.
*رابعا*: تتباين الحالة المهجرية حسب وضع الدولة التى يعيش فيها المهاجر ومن ثم يصبح
التعميم مخلا بالمنهج العلمى فى تناول الموضوع. ومثل هذا العمل يتطلب عمل المجموعات البحثية عبر كل دولة ومن ثم أستخدام المنهج المقارن لتقريب الحالات من
أجل اصدار نظرة كلية حول الهجرة كظاهرة. ولكن رغم هذه المحاذير اجازف بهكذا كتابة آملا أن تعكس جزءا من الهم السودانى الذى راكمته تجربة حكم الاسلاميين عبر ادارة التسلط والنفي الممنهج ، ومتطلعا نحو آخرين ليسهموا بجهدهم فى واقع الهجرة فى البلدان الغربية.
*الهجرة معاينة كلية*:
ان ظاهرة الهجرة وحين معاينة الواقع السودانى تتبدى كظاهرة حديثة، أى الهجرة بمفهوماتها الجماعية. فالسودان ومن منظور تاريخي يعتبر قطرا استيعابيا وذلك لموقعه الجغرافى وموارده المتعددة، اذ ما زال السودان ملاذا للكثيرين من دول الجوار، رغم ظروفه السياسية، لاعبا هذا الدور ضمن واقع طبيعى يشتمله القبول السودانى المعهود. وقد أدت الظروف الطبيعية ومنذ السبعينيات علاوة على الظروف الأقتصادية و نتيجة للخلل المعهود فى ادارة الدولة ، ادت هذه العوامل الى هجرات داخلية ما زالت تزداد بأضطراد. فقد عرف السودان ومنذ السبيعينيات الهجرة الداخلية وهو أنتقال سكان الريف الى المدن مما أدى ذلك الى ترييف المدن بدلا من تمدين الريف. وكذلك نتجت الهجرة الداخلية نتيجة للحروب الدائرة فى انحاء القطر عبر سنوات طوال وتضاعفت عبر نظام الانقاذ الاكثر دموية. ونتيجة لحالة التراجع فى العامل الأقتصادى وعلى االأقل عبر السبيعينيات، هاجر الكثيرون الى دول
الخليج من أجل تحسين الأوضاع الأقتصادية مع أقامة علاقات طبيعة مع القطر وهى الفئة التى عرفت بفئة المغتربين. هذه الهجرات كان العامل السياسى يلعب فيها دورا حيويا بالتأكيد، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مياشر لكنه لا يتضاهى و العامل السياسى
الذى باشرت به الانقاذ نفى الآخرين لاحقا. فحقبة الديكتاتورية الثانية اي نظام النميري، أتسمت بالفساد ومحاربة الطبقة الوسطى وتفتيتها، علاوة على سيطرة الرأسمالية الطفيلية على السوق وتصدير قيمها السوقية للآخرين و تدهور الأوضاع المعيشية بشكل لم يعرفه السودان من قبل وقد تضاعف ذلك ودون شك عبر حكم الأنقاذ. وقد ادي كل ذلك الي هجرات عديدة داخليا و خارجيا، هذه الهجرات ليست مجال هذا المقال ولكنها مهدت الى هجرة أخرى تصاعدت مع زمن الانقاذ وهى الحقبة التى نحاول التركيز عليها من أجل رصد تداعياتها الراهنة وتحديدا على مستوى الهجرة او اللجوء الى دول الغرب ..
*الهجرة عبر حكم الانقاذ*
لقد طرحت المرحلة التي حكمت فيها الانقاذ واقعا جديدا كان تكثيفا نوعيا لكل العناصر السالبة على كافة المستويات.
وما يميز الهجرة او اللجوء خارج السودان عبر حكم الانقاذ، أنها جاءت نتيجة لتجفيف المنابع السياسية
والأقتصادية والأجتماعية وبشكل غير مسبوق. فالأقصاء الدينى وثقافة التمييز على
كافة الأصعدة علاوة على تصعيد العنف بشكل مكثف مسنودا برؤية دينية تبريرية، كلها عوامل اصبحت حالة طرد بأمتياز للمخالفين فى الرأى. فلقد أبتدأت الانقاذ حكمها بمحاربة كل من لا ينتمى لتنظيمها، تضافر ذلك مع أساليب التعذيب ضد الخصوم السياسيين، وتأسيس مفهوم جديد لتصفية الآخر اللا منتمى الى أيدولوجية النظام الحاكم. ومن خلال تصفية الخدمة المدنية أستهدفت الانقاذ قطع الطريق أمام الوسيلة النضالية المشهودة، وهى العصيان المدنى والأضراب السياسى. وهذا بدوره أفقد القوى السياسية المعارضة أداة أساسية مهمة وأربكت العمل المعارض. يتضاعف هذا الأمر مع الطريقة التى تعاملت بها الانقاذ مع القوى السياسية من خلال التخوين مترادفا ذلك مع ارهاب الخصوم و طرق التعذيب الجديدة التى أبتكرتها الانقاذ. ومن هنا أنفتح نوعا جديدا من الهجرة لم يعرفه السودان من قبل وهى الهجرة التى ننوى التركيز عليها وهى الهجرة الى دول الغرب بتشابكاتها الجديدة.
*السودانيون فى الغرب*:
لقد أدت الحالة المذكورة سابقا والناتجة عن الضغط المتصاعد من قبل الانقاذ ضد الشعب السودانى عموما والمعارضين اختصاصا الى خروج الكثيرين من السودان. هذا الخروج كان نوعيا، حيت خرجت قيادات من
أحزاب سودانية عديدة في بداية التسعينيات لتستقر فى الخارج. وتبعا لذلك خرجت عناصر عديدة تتبع هذه الأحزاب لتتشكل لأول مرة فى تاريخ السودان الحديث معارضة بهذا التكثيف خارجيا، حتى بتنا و عبر تلك المرحلة نتحدث عن ثنائية معارضة داخلية ومعارضة خارجية. وتركزت هذه المعارضة انذاك فى القاهرة وأسمرا تحديدا من خلال تأسيس أرضيات مهمة عبر هذه العواصم. ونتيجة لأختلال جوهرى فى عمل التجمع وضياع الفرصة التاريخية لأسقاط النظام، توجه الكثيرون مدفوعين بحالة اليأس الى هجرة شبه جماعية نحو دول الغرب بعد ان فقد البعض امل تغيير النظام. ولهذا يمكن أن نتحدث عن بروز بوادر هجرات جماعية نحو الغرب عبر تلك المرحلة من تاريخ السودان، مما يسترعى الأنتباه اللافت لأوضاع السودانيين فى الغرب عموما وضرورة مناقشة اشكالاتهم. وحتى لا ندخل فى التعميم فأن السودانيين فى الغرب يتباينون درجيا حسب دول الغرب التى يعيشون بها وان كان هذا التبابن يعد نسبيا. فالغرب عموما يمر بظروف صعبة من حيث واقع المهاجرين اليه ومن ثم فأن الهجرة تطرح اشكالياتها للغرب بشكل حاد وبالذات الغرب الأوربى وحاليا امريكا في ظل حكم ترمب. فالغرب بالرغم من حاجته للأيدى العاملة، الا أن هذه الأيدى يريدها بمقاييسه هو، ولكن الهجرة باتت نوعا من الفعل الغير مسيطر عليه من
حيث ظروف الدول التى يأتى منها المهاجرون وتدهور الأوضاع الأقتصادية لبعض الدول الغربية. ولهذا يمكن أن نطلق على هذه المرحلة ، المرحلة الأحتدامية. اذ يتجلى هذا الأحتدام فى رؤية السكان الأصلانيون(الغربيون هنا) بأن كل الكوارث التى تحدث لهم هى نتاج لوجود المهاجرين حتى أصبحت مسألة الحد من الهجرة تدرج ضمن برامج بعض الأحزاب وبالذات الأوربية وقد فشل الغرب فى تحقيق بوتقة الأنصهار، اذ اصبحت المحددات
جوهرانية وتجلى الفرز المعيارى كلية عبر هذه المرحلة من تاريخه. علاوة على ذلك تدخل
معادلة الأسلام والغرب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر و ما تلاها من احداث كعوامل ضغط أضافى تنعكس على السودانيين بكون بلدهم يعد مصدرا للأرهاب حسب التصنيف الغربى' وان كان هو بالأساس ذو اختصاص فريد فى ارهاب السودانيين أنفسهم فى الداخل وتحميلهم مثالبه في الخارج. أقول فى هذه الظروف توافد السودانيون نحو دول الغرب دون معلومات جوهرية، عدا التصور العام لدول الغرب بكونها الملاذ الآمن على كل الأصعدة، وليس هذا بالصحيح وفي بعض الاحوال. وكتحديد أولى يمكن أن نقول ان الأشكالات عديدة ومتنوعة حسب كل ظروف دولة ولكن وبشكل تكتنفه العموميات يمكن حصرها فى الآتى:
*أولا*:
لقد هاجرت الغالبية من السودانيين عبر العقود الأخيرة نحو الغرب هربا من منظومة
الحكم الدينى الديكتاتورى ومن ثم يصبح اللجوء الى الغرب كلجوء ظرفى ينتهى بالسبب
الذى أنتج ذلك حسب تصور الكثيرين. وهذا ما ميز الهجرات الأخيرة لدى السودانيين. هذا
النوع من الهجرة وبرغم تفهم دوافعه، الا أنه يعد أشكالا فى التعايش مع هذا الواقع
الجديد. فالغرب تتداخل فيه قياسات تحتاج الى التدقيق فى معرفتها وذلك من خلال أدراك
أن الغرب هو المكان الذي لا تنوى البقاء فيه وفى ذات الوقت لا تستطيع
مغادرته، وهو ما أطلق عليه هنا الأنشباك اللا قصدى. لأن الغرب يطرح المعادلةالحضارية عبر طبيعة الواقع الذى جاء منه السودانيون والواقع الجديد الذى يعيشون فيه. فالرأسمالية دوما تطرح أن لا مكان أفضل من نطاقها ، وهذا من خلال ما تصدره من أنماط حياة وسلوك أستهلاكى قد لا توفره الدولة الوطنية وحتى لو سقط النظام الحالى، وهذا هو المأزق، فالغالبية تنوى العودة للوطن ولكن تنعدم كل الشروط الجاذبة او تستحيل حين التفكير في العودة للوطن، والبقاء يحتاج الى نوع من التكيّف والانخراط فى الواقع الجديد حسب قياساته ، ووفق الشرط الرأسمالى فى الحياة وتحمل واقعها المادى الفردانى. وهذا المأزق تتخلق من خلاله حالة الأنفصال اللا أرادية نحو الجانبين، جانب الوطن الذى بات يبتعد تدريجيا حسب الأنقطاعات التى يمر بها المهاجر وجانب المهجر الجديد الذى يحتاج الي نقلة جديدة للتكيف معه وفق شروطه الخاصة والذي يتطلب الانقطاع عن الوطن ولو قليلا من حيث تركيز الاهداف. هذا الواقع يشكل ارباكا
حقيقيا للمهاجر الذى ينزع للعودة للوطن والوطن معلق المصائر، مما يحد من طبيعة
تكيفه الكلى فى الواقع الجديد والاندماج الكلي فيه، وتصبح الحالة بتوصيفها النهائي شبه أنتقالية ، وهذا ما أطلق عليه حالة اللا هنا وحالة اللاهناك أى الرؤيةالمسافرة. هذه الحالة الانشطارية قد تتراجع كلما بقي السودانيون في الغرب اكثر وبالذات لدي الجيل الثاني ، لكن الجيل الاول يصبح متارجحا بين الحالتين ضمن هذه الرؤية العمومية.
*ثانيا*:
موضوعة الهوية الثقافية هى احدى الأشكالات التى تواجه المهاجرين السودانيين. فالأنتقال من هوية تتغاير كلية عن هوية الغرب ربما يعد اشكالا يقابل المهاجر منذ قدومه الاول. ويصبح هذا الأمر أكثر جدلية لدى الأسرة السودانية. وهنا يتبدأ نوع من الصراع اللا متكافىء من أجل تنشئة الأطفال السودانيين وفق الثقافة التى جاءت منها
الأسرة، مما يضع هذا الامر الطفل السودانى فى نوع من الأذدواجية والأخلال بالمنهج
الموحد فى التربية. لأن الأرتباط بالهوية لدى الطفل السودانى يتم فقط من خلال دور
الأسرة فى مقابل مجتمع يمتلك كل أليات التأثير على الطفل على مستوى الهوية واللغة.
ويصبح الجهد المضنى الذى تقوم به الأسرة السودانية من خلال تعلم الطفل اللغة العربية ليس ذو جدوى ، مع الأتفاق ان مفهوم اللغة مفهوم مركزى لكن يتلاشى اثره فى غياب الثقافة التى تقوم بتنظيم الجماعة وكذلك غياب الملاحم الجماعية والأبطال الشعبيين والتراث وقيم المجتمع والبيئة. ومن غير ذلك يحدث الأنفصال من خلال تشكل طفل غربى تتناقض سلوكه مع الثقافة السودانية. وتتبدى الصعوبة أذا عرفنا طبيعة الآلية المقابلة والعاملة على أدماج الطفل السودانى فى الواقع الجديد. ومن جانب آخر ينتج الصراع فى الهوية نوعا من الصراع الداخلى لدى البعض، ولتسكين هذا الصراع يلجأ البعض الى الدين كملاذ اخير، ويبقى هنا انتاج للأزمة بشكل آخر وتقليص ضدى لمفهوم الحداثة، وكأن التاريخ يتوقف هنا وتصبح الحداثة فى حد ذاتها شيئا منبوذا لدى البعض فى تمثلاتها الغربية. مما يشجعنى بالقول هنا، أنه أكثر افادة للحداثة الغربية أن يبقى المدافعون عنها فى أوطانهم ليزداد حماسهم لتطبيقها، لأن مجرد الأحتكاك بهذه الحداثة فى صورتها الراهنة قد يولد فعلا ضديا، لما تختزنه هذه
الحداثة فى بعض جوانبها من أقلال لشأن الأعراق والنساء والمهاجرين. ولهذا لا
نستغرب الطرح الذى يصدره البعض داخل المجتمعات الغربية لفكرة ما بعد الحداثة لأن الحداثة الراهنة فقدت مبرر وجودها. وكذلك لا نستغرب وحسب قول أقبال أحمد،فى
الباكستان ومصر مثلا، لا يقود الحركات الأصولية المثيرة للاختصامات مثقفو الفلاحين
أو مثقفو الطبقة العاملة بل مهندسون وأطباء ومحامون تلقوا تعليمهم فى الغرب. وحتى
سيد قطب المنظر المتعاظم للجماعات الدينية كان أكثر أنفتاحا قبل قدومه الى الغرب،
حيث كان يتحدث قبل ذلك عن الفن والادب وقد كان تلميذا للاديب الكبير العقاد، لكن بعد عودته من أمريكا طرح مفاهيم تتصل بالحاكمية وجهالة القرن العشرين و اصبح تلميذا لحسن البنا. ان الهوية الثقافية وتموضعها في الغرب لدي السودانيين تحتاج لأفراد مبحث خاص لكن هذه الأشارات تلخص جزءا من هذا التشابك.
*ثالثا*:
أدت الهجرة الي الغرب الى بروز الكثير من عوامل التفكك الأسرى والصدامات الزوجية. فالأسرة السودانية هى بالأساس وهى داخل السودان ليست علاقة مجردة بين طرفين، أنما
تتساند بالمجتمع المحيط، وهذا يعطى الأسرة حصانة أكبر ويجنبها الأنزلاقات نحو
التفكك(طبعا تراجع دور المجتمع في السودان كثيرا في ظل نظام الانقاذ واصبح التفكك الاسري ظاهرة جديدة نتيجة للظروف التي تواجهها الاسرة). وبأنتقال الأسرة السودانية الى الغرب فأن هذا التحصين المجتمعى قد تراجع
دوره. حيث أصبحت الأسرة تواجه مأزقها منفردة دون أن يتدخل طرف آخر لأيجاد الحلول' اللهم الا طرف الدولة القانونى، وحتى هذا قد يستخدم فى بعض الحالات بشكل سلبى يؤدى
الى المزيد من التفكك لما يحتويه القانون فى دول الغرب من صرامة فى معالجة قضايا
المرأة والطلاق. والجانب الآخر الذى يواجه السودانيين هو بعض الأنحرافات التى باتت
تحدث وسط بعض الأطفال السودانيين مدفوعين بالتأثر بالأطفال الجانحين فى المدارس وبعض وسائل الأعلام الجانحة أيضا، مما أنعكس على مستقبلهم التعليمى ومن ثم أدى الى صراعات داخل الأسرة حول تحمل الدور وهو بدوره يقود الى تفكك بعض الأسرة السودانية. ويمكن أن يتم بحث شامل حول هذا الأمر أذا تعاونت الأسرة بهذا الخصوص بالرغم من التماهى لدى البعض مع حالة الكتمان تجاه ما يحدث لأطفالهم.. وهنا اتجنب التعميم في هذا الامر لان هنالك اسر سودانية عديدة استطاعت ان تتغلب علي كافة الظروف ويصبح ابناءها من المبرزين.
*رابعا*:
ظروف العمل فى الدول الغربية تعتبر ظروفا صعبة وبالذات لدى العناصر المتعلمة والمثقفة سابقا فى بلدانها. وفى الغالب فأن الغرب لا يعترف بتخصصات ان لم تكن تم أعتمادها فى هذه الدول. ولهذا فقد وجدت مجموعات كبيرة من المتعلمين والمثقفين تعمل فى مجال الأعمال الهامشية، وهذا بدوره يؤدى أحيانا لأنعكاسات سالبة من حيث المردود
المعنوى والمادى وينطرح السؤال الأساسى عن معنى الأدوار، حيث تتقلص العملية كلها فى مجال توفير متطلبات الحياة الضرورية،ومن ثم الدوران فى هذه الحلقة وبشكل شبه مفتوح، مع بقاء سؤال الوطن معلقا والأسئلة التى خرج من أجلها المتعلم أو المثقف معلقة. فالمشاركة الثقافية والسياسية فى دول الغرب تكتنفها الكثير من الصعوبات وعادة ما يجد المثقف أو المتعلم نفسه معزولا قليل الفعالية يدور حول تأمين سبل الحياةاليومية ولا غير. وهذا الأمر يضع المثقف فى دائرة الهامش ويؤدى الى حالة الأنزواء والنظر للغرب كمعادل لا موضوعى . ولكن مع هذا قد نجد بعض المتعلمين والمثقفين الذين يرون انموذجية الغرب من حيث التطور وبالتالى تصبح النظرة للأوطان مصحوبة بنظرة دونية تصل لأتهام هذه الأوطان ليس فى خللها السياسى فحسب، ولكن فى خللها البشرى فى حد ذاته فى مقارنة الأنسان الغربى والمنظور اليه وفق منظور الهوية الصافية بالأنسان فى الوطن والذى ينظر اليه كمتخلف طبعى، وهذا يؤدى للأنفصال عند بعض المثقفين من الواقع الذى أتوا منه، منظورا اليه كواقع لا يمكن تطويره بكون التخلف فيه جوهرانيا، وهذه اشكالية قد لا تكون عامة ولكنها بالتأكيد موجودة. وبالتالى يصبح هذا الهامش الذي وجد فيه المثقف نفسه في الغرب مكانا مرموقا فى حالة هذه المقايسة الجزئية بين الغرب والوطن، الغرب المتقدم، والوطن المتخلف ولدى المجموعة الأخيرة تحديدا.
*خامسا*:
الكثير من البلدان الغربية تتميز بوجود المجموعات المتجانسة، وأقصد المجموعات الأقليمية القادمة من بلد واحد. حتى يمكننا أن نطلق على بعض مجتمعات الغرب بالمجتمعات المتوازية. وهذه التجمعات تلعب دورا حيويا فى تهيئة الظروف للقادمين الجدد وتفعيل دور الترابط الأسرى وتهيئة البيئة الملائمة للأطفال من اجل اكتساب الهوية. والى الآن لم يستطع السودانيون تكوين التجمعات الفاعلة التى يمكن أن تقوم بأدوار عديدة تجاه قضايا السودانيين فى المهجر. فأذا كنا كسودانيين قد عرفنا بحالة
المجتمع المتكاتف داخليا، الا أن هذا البعد لم يعد موجودا نتيجة لحداثة التجربة لدي السودانيين وضياع الأفق استنادا الي حالة النزوع بين العودة و البقاء والي الواقع الجديد الذي لم يتم استيعابه بشكل عميق. هذه عوامل ضمن اخري عديدة تواجه المهاجر السوداني ويمكن ان يتم التسليط علي جوانب اخري منها في مقال آخر.
*خاتمة*
هذا المقال محاولة متواضعة لفهم ظروف السودانيين في دول الغرب. اذ حاول التعرف علي الواقع الذي يواجهه السودانيون ضمن رؤية غير مسنودة بمراجع ولهذا يتحمل كاتبه اي ضعف في التناول' لكنه و في النهاية تصبح هجرة السودانيين للغرب قضية مهمة تحتاج الي كتابة علمية تستند علي بحوث شاملة. هذا المقال هو جهد المقل لكن اتمني ان يعكس جزءا من الهم السوداني في الغرب.
ملحوظة: هذا المقال قد كتب قبل سنوات عديدة و تمت اضافة بعض التعديلات اليه مؤخرا..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
////////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.