هاهى اثنان وسبعون عاما انقضت منذ ان بدأت صلتى باللغة الانجليزيه ولا تزال رغم تقادم السنين..وأن تناقصت احيانا فترات الاطلاع على ما يقع تحت يدى من مكتوب بها بما شغلنى عنها من اجترارما اختزنته الذاكرة وتسجيله عن سحر الامكنه من مدائن ومؤسسات تربويه ورثاء البعض من رفاق الدرب من المعلمين وغيرهم من الاهل والاحباب والاصدقاء ممن رحلوا عن دنينا الفانيه. خبرت لغة بنى السمسون دارسا وقارئا ومعلما ظللت اسعى لآكساب من سعدت بالوقوف امامهم قدرا من مهاراتها الاربع - القراءة والكتابة والتحدث والاستماع وخامسة يضيفها البعض انتشاء بها استمتاعا ومؤانسة"..عبرما توفرلنا ايام دراستنا لها مثلما توفّرلمن جلسوا الى حلقات درسنا لاحقا من كتب القراءة المدرسية بشتى انزاعها اوتلك الخاصة بالادب الانجليزى كمادة قائمة بذاتها يجلس للآجابة على اسئلة امتحانها الجالسون للحصول على شهادة كمبريدج منذ عام 1938 الذى تتيح للناجحين مواصلة الدراسة فوق الثانوية فى المدارس العالية ..نواة جامعة الخرطوم عبر بوابة كلية الخرطوم الجامعية المرتبطة بجامعة لندن. ورغم هذا وذاك فأنى لآ ادعى انى كنت من دهاقنة دارسيها او افذاذ معلميها فى لواحق الازمان.. منذ ان كانت بدايات تدريسها لتلاميذ احدى المدارس الاهلية الوسطى خلال عام (1953) قبل التحاقى بجامعة الخرطوم فى يوليو 1954اواعتبارا من يوليو1958 بعد تخرجى فىها حينما تواصل تدريسها لطلاب وطالبات العديد من مدارس البنين والبنات الثانوية اولفترات قصيرة لعدد من برالمة كلية ألآداب بجامعة الخرطوم فى منتصف ثمانينات القرن العشرين ..فضلا عن سعيى لآكساب بعض منسوبى معهد الدراسات الاضافية التابع لجامعة الخرطوم ومعهد السودان لتعليم اللغة الانجليزية (سيلتى) المزيد من مهاراتها لتحقيق اهدافهم الخاصة المتعددة من دراستها.ما كانت تلك الصلة بينى وبينها لتمتد لولاتعرفى على تلك الاسس والقواعد التى ارتكزت عليه دراستنا لها من بداية عهدنا بها فى يناير 1945 فى مدرسة مدنى الاهلية الوسطى على يدى نفر من المعلمين الابرار.. جزاهم الله عنا خير الجزاء. فى مقدمتهم كان معلم الاجيال يوسف افندى محمد عبدالله الكارب الذى تولى غرس مبادئها فى اذهاننا وعمل على تسهيل انطلاق السنتنا بها خلال العامين الاولين فى ذلك الصرح العظيم (1945 و1946.) .ورحم الله "مكاوى افندى المرضى " الذى ابت نفسه الآ ان يواصل تدريسنا اياها فى عام 1948للمرة الثانيه فى السنة الرابعه الاخيرة بعد ما سعدنا بتدريسنا اياها فى سنة تالته فى عام 1947! ليكون ما اصابناه من نجاح فيها خلال تلك السنوات الاربع - بعد التوفيق من الله سبحانه وتعالى - نتاج جهد خالص للاستاذين الجليلين يوسف افندى الكارب ومكاوى افندى المرضى ورفاقهما فى حنتوب . لم يبق الاستاذان الجليلة فى المدرسة الاهلية طويلا بعد مغادرتنا لهى الى المرحلة الثانوية.. مكاوى افندى المرضى غادرها فى نهاية ذلك العام مشاركا الاستاذ الراحل شيخ الدين جبريل (رحم الله الرجلين)انشاء مدرسة القضارف الاهلية الوسطى فى بدايةعام 1949 وقيادة العملية التعليمية والتربوية فيها ردحا من الزمان الى ان التحق المعلمان الجليلان بوزارة المعارف فى عام 1956 عند انزال قراروزارة المعارف ضم المدارس الاهليه الي ارض الواقع .اما استاذنا يوسف فقد احتضنه مشروع الجزيرليعمل بين حقول اقطانه وغيرها من المحاصيل والغلال وقنوات المياه المنسابة طبيعيا الى تلك المساحات الشاسعة مرشدا وموجها لزراعها سنين عددا الى ان تقاعد عن العمل فى المشروع العملاق ليمتد عطاره مجددا مواصلا جذوة شبابه بكهولته بين الكثيرين من طلابه ورجال الجزيرة الغر الميامين فى سعيهم لأنشاء كلية ودمدنى الاهلية التى اضحت فى لواحق من الزمان جامعة للجزيرة الفيحاء. وعودا على بدء.. سعدنا بلقاء الاستاذ يوسف عام 1945فى حصتين يوميا طوال ايام الاسبوع ألآ من يوم الخميس الذى خصّصت فيه للغة الانجليزيه حصة واحده ليكون تدريسها لتلاميذ السنه الأولى والتانيه احدى عشرحصة اسبوعيا مما كان له الاثر فى اثراء وتجويد معرفة التلاميذ باكبرقدرمن مفرداتها الواردة فى كتاب نعليمها الاول"Green Primer " من مصفوفة سلسة كتب تعليم اللغة الانجليزية New Method Readers" " التى جمع محتوياتها البريطانى الشهير Michael West وعُرِفت بأسمه والتى امتدت من الGreen Primer" الى Reader 6" "(الكتاب السابع) عددا وتدرجا فى عدد كلمات كل منها وفى تنوع شائق للموضوعات والقصص والروايات التى اوردها المؤلف بين صفحاته فضلا عن بعض المنظومات من اقاصيص ذات ايقاع محبّب الى نفوس التلاميذ فى لغة سهلة ليتمكنوا من حفظها وترديدها منغّمة.. منها قصة "بِنْكِل" Pincle, the good for nothing man; He steals everything he can..apples from the trees, and flowers from the garden. كما جعل المؤلف لكل واحد من تلك الكتب منReader Oneالىsix Reader كُتيّبا يرافقه يمد الدارسين بمعانى ما يورده من كلمات كل Readerباللغة العربية فضلاعن اسئلة مختارة تهدف للتحقق من مدى فهم الطلاب محتويات كل قسم من اقسام الكتاب..هو ال Companion"" الذى كان بعض التلاميذ لا يحسنون نطق لكلمة فمنهم من كان ينطقها معرّبة ومختلطة ومتداخلة حروفها "كَمْباينَن". اما فى Reader 6 فقد اختلف الامر فيما يتعلّق بورود معانى الكلمات فى اواخرصفحاته فقد اورد المؤلف معانى الكلمات بالانجليزية بدلا من العربيه مع استمرار وجود الاسئلة عن كل قسم من اقسامه متنوعة المحتويات.وقد تواصل تدريس هذه الكتب السبعه الاولى من السلسلة( بداية من "القرين برايمر" وانتهاء بريدر 6)على مدار سنوات المرحلة المتوسطه الاربع..ليواصل من يتم قبولهم بالمرحلة الثانوية قراءة كتابين من ""Reader 7 اللذين احتوى كل منهما على قصة واحدة طويلة جاذبة وشائقه احداهما كانت بأسم" Dead Man's Rock"والاخرى تحكى سيرة احد رجال الدين المسيحى "The Vicar of Wakefield". ولم يكن تعليم اللغة الانجليزية يقتصرعلى الاطلاع تحت اشراف المعلم على محتويات تلك "الريدرز"فقط بل تعداها الى القراءة الحُرّة بما كان يصاحب كل واحد من كتب السلسلة مجموعة من القصص كل منها فى كتاب منفصل بعناوين مختلفة كانت تعرف باسم الSupplementary Readers" "الداعمه لتجويد اللغة الانجليزيه فى صياغة لفظية تتوافق مع حصيلة التلاميذ من مفرداتها الواردة فى كل واحد من تلك الريدرز وهى بطبيعة الحال كانت نواة للمكتبات الصفّيه التى كان تلاميذ كل فصل يتداولون ما يرد اليها من كتب الانجليزية التى يتبرّع بها المعلمون اوامما يبتاعها الطلاب من حراشتراكاتهم المالية الاسبوعيه مما كان له من الاثار ارتفاعا بمهاراتها لديهم .. فلا غروِ ان كان مستوى التلاميذ فى المدارس الوسطى فى اللغة الانجليزية فى تلك الايام عاليا شفاهة وتحريرا وفهما بفضل ما كان تاتى به تلك الكتب المصاحبة من المعلومات عن بلدان العالم الفسيح وعن اهليها وتاريخهم وثقافاتهم ووسائل حياتهم التى تحكى عنها تلك الكتب الوفير, اما ما كان يتحتم علينا الالمام به من قواعد اللغة الانجليزيه فقد كان ياتينا من الاستاذ بداية وفق ما كان يراه لازما وضروريا للعلم به دون الاستعانة بكتاب يكون تحت ايدينا خلال ذلك العام الاول ألآ ان تدريس تلك القواعد بما عرف بأسم"Grammar "اضحى ممنهجافى عامنا الثانى بتخصيص حصة قائمة بذاتها مع كتاب تحت مسمى English Composition Course الذى كان شبيها بكتاب النحو الواضح فى اللغة العربية – نتابع محتويائه التى تتضمن تمارين تطبيقية قائمة بذاتها لا صلة مباشرة لها بما كان يحتويه Reader 2 من موضوعات او قصص .غيران الاستاذ يوسف كان يزيد من تعرّفناعلى قواعد اللغة من حين لآخربما يعن له لفت انظارنا ايه من خلال اطلاعنا على ما يرد فى الريدر.. وبطبيعة الحال فان كل سعى الى تجويد اللغة كان قِوامه اضافة الى الالمام بالقواعدGrammar"" كان يرتكز على حفظ المفردات وكتابتها صحيحة والادلاء بمعاتيها في اوقات بعينها تعارف الطلاب على تسمبتها"بحصة ال Spelling" " شفاهة وتحريرا وهى الحصص التى كانت خلالها اوعند قرب موعدها يرتفع مستوى ضغط الدم لدى البعض منّا خاصة لو اتخذ الاستاذ قراره باختبارنا فى مدى مواصلة حفظنا للمفردات على حين غِرّة اودون سابق اعلان. ..ومع ال Spelling كانت هناك حصة الاملاء" Dictation" وما يتبعها من تكريم الاستاذ لمن يعيد اليهم كراساتهم بعد تصحيحها خالية من اى خط احمرتحت اى كلمة مما املاه علينا فضلا عن اشادته بمن كان خطهم جميلاونظيفا ويتبعون اصول الكتابة التزاما بكتابة الحروف بين السطورالخمسة الافقية المبيّنة على صفحات كل كراسة والتى يجب الالتزام بالكتابة بينها .ومما لا شك فيه ان أل "Dictation" الاسبوعية كانت اهم عوامل تثبيت وتركيز مهارات اللغة فى الاذهان اذ من خلالها يتدرب التلاميذ على الاستماع والفهم والكتابة الصحيحة. رحم الله استاذنا يوسف الكارب قى الفردوس الاعلى فقد كان له الفضل .. كل الفضل فى كل ما تحقق لنا من دراسة للغة الانجليزية فى بداية عهدنا بها فضلا عما تلقيناه منه من أدب اللغة العربية واشعارها فى عامنا الاخير1948ونحن نتطلع الى عبورالنيل الازرق الدفاق الى حنتوب.. ومن غرائب الصُدَف ان يكون من جلسنا الى حلقات درسه وهو يواصل تركيز مهارات اللغة الانجليزية فى اذهاننا خلال السنتين الاخيرتين..تالته ورابعه عامى 1947 و1948 كان هو ذات المعلّم الذى شارك فى تدريسنا فى سنة اولى عام 1945عددا من القصائد والمحفوظات والاناشيد والمنثورمما قال اوكتب كبار الادباء باللغة العربية مشاركا اثنين من رفاقه معلمىها كما سيأتى تذكاره عند الحديث عما اتحفنا به منها فى ذلك المكان الطيب.. كان هو مكاوى افندى المرضى.معلمنا اللغة الانجليزية فى العامين الاخيرين. حمل الاستاذ مكاوى رايات التعليم والهداية والارشاد عالية خفّاقة بعزيمة واقتداروبوجه باش يغلب عليه الابتسام كل حين.. الآ ما ندر من ساعات عبوس لا يطول وكما قال الشاعر الكبير الاستاذ عبد الله الشيخ البشير فى احدى قصائده عن المعلمين" لم يكن حزمهم قهرا ولا هزلهم ضعفا .. وما كان يوما عقابههم ايلاما".. هكذ كان مكاوى افندى المرضى.. العاشق الصب لعمله اينما حل او ارتحل حسبما كان يتداوله طلابه عن سيرته العطرة كلما "انزلت مجموعة منهم – عند كل لقاء - ملفه ايجابا". ومثلما احببناه فقد طغى حب طلابه ممن التقاهم فى المرحلة الثانوية فى جنوب السودان حيث اعطى وبذل يعلّمهم اللغة الانجليزية والرياضيات فى مدرسة عطّار..اشاد به زملاؤه وتلاميذه الذين منحوه من اجلالهم واكبارهم ما يفوق كل وصف خاصة ابّان فترة عمله ناظرا لمدرسة الابيض الاميرية الوسطى..من فرط الاعجاب به كان البعض منا فى ودمدنى الاهلية يقلّدون مشيته وكنت من المقلّدين خطه على السبورة وتوقيع اسمه على كراساتنا وهوالسعيد المبتهج بيننا.. لم يقتصر بذل الاستاذ مكاوى على تدريس اللغة الانجليزية فحسب بل كان ثانى الاثنين (شخصه وسليمان افندى احمد سليمان) اللذين كان يوكل اليهما تدريس الرياضيات لطلاب فصلى رابعه شرق ورابعه غرب فى سنوات سابقات.. سعدنا بتدريس الاستاذ مكاوى اللغة الانجليزية فى العامين الاخيرين .. سنه تالته ورابعه مواصلا المزيد تركيزا على ما تلقيناه من رفيقه يوسف الكارب وزاد وافاض..تخيرلنا من الكتب المصاحبة لريدرز( 3 و 4 ) فى 1947 وريدرز (5 و6) فى 1948 امتعها صياغة واثراها مادة.. انتقلنا معه الى على سبيل المثال الى جزيرة "مونت كريستو" قصة من تاليف " الكاتب "الكزاندر دوماس" حيث التقينا بمن كان يُدعى "ادموند دانتى"مساعد الربّان الذى تولى قيادة ال " Good Ship Pharoah that was, on May 24, 1815;seen drawing slowly near to Marseils"" بعد وفاة قائدها كابتن "ليكليريك" الذى جاءه اجله المحتوم وهو فى عرض البحر حيث كان قدره ان تكون اعضاء جسمه طعاما للحيتان واسماك القرش. ولكن كابتن ادموند دانتى بسبب رسوه بالسفينة(ليزودها بالوقود) عند شاطىء جزيرة "اِلبا" حيث كان الامبراطور الفرنسى المخلوع نابليون بونابرت يقيم منفيا عن بلاده (فرنسا) تم اعتقاله اِثروشاية به من احد رفاقه حال وصوله بالسفينة الى مرسيليا ..بتهمة المشاركة فى محاولة انقلابية متوهّمة لاعادة حكم الامبراطور المخلوع..واودع أدموند ااحد سجون فرنسا منيعة الحيطان "الشاتوديتييف" سنين عددا الى ان تمكن من الفراربتمثيله مفارقة الحياة ودخوله اكفان سجين صديق كان يجاوره سكنا فى السجن حالما عرف ان جاره السجين قد تُوفِّى حقيقة مؤثرا اللحاق بكابتن ليكليريك فى عرض البحربدلا من البقاء سجينا لا يدرى متى ياتيه الافراج ان كتبت له المزيد من العيش.. وبدلا من ان يستسلم لقدره بين الامواج حالما اُطيح به فى مياه البحرليكون طعاما لأسماك القرش ظل يقاوم امواج البحرالابيض المتوسط سابحا الى ان وصل الى بر الامان وتمكن فى نهاية المطاف من الوصول الى وشاته والاقتصاص لنفسه ممن خانوه وغدروا به. وتواصل تطوافنا مع الاستاذ فى عامنا الاخير برّا وبحرا شرقا وغربا فى انحاء العالم الفسيح حيث كانت جزيرة الكنز Treasure Island من احب المواقع الي نفوسنا حيث التقينا قبل الوصول اليها بصاحب الساق الواحده "" Long John Silver at the Bimbo Inn with,his Yo Ho Ho, the bottle of Rum الى غيرذلك من القصص المثيرة فى جزيرة هواى قبل ان تصبح ولاية امريكية فى لاحق من الزمان. امّا ما كا يمليه علينا من القطع الاملائيه فقد كانت من نفايس المنثورمن القول بما كانت تحتويه من الحِكَم وسامق المثل ا وبما كان بعضها يفيض برفع الروح المعنوى وشحذ الهمم والتفاؤل والتطلع الى كل ما هو مشرق وزاهر من كل مستقبل واعد.. لا ازال اذكركلمات اول قطعة املائيه املاها علينا فى يناير 1948 ونحن نستقبل بداية عامنا الاخير فى الصرح العظيم ..جاء فيها" " Let us take heart and drive away our regrets and failures with dying old y year. Let us take off every grain of despair, pessimism and hatred that may root us to the earth. Let us adventure boldly into the large doors of 1948, be brave, bold, optimistic and daring so that we may find therein the glory and happiness that we all seek. وكيف لنا ان ننسى منظومة "The Light Brigade " و"اقدام جنودها الستمائة واقتحامهم ساحات الوغى" التى تقول بعض كلماتها التى لا يزال جرّس قافيتها يتردد صداه فى آذان من يذكرون ذلك الماضى الذى كان لنا وكانت منه تنساب المُنَى نحو سودان زاه نضير! Half a league, half a league; Cannon on right of them; Cannon on left of them . Half a league all onward, into the valley of Death; rode the Six Hundred.. with Cannons behind them volleyed and thundered . When can their glory fade? O the wild charge they made, All the world wondred! Was there a man dismayed? Nay! They all had nothing to say; except to listen and obey! Honor the charge they made; Honor the Light Brigade, Noble Six Hundred. Into the valley of Death, into the jaws of Hell.. Rode the Six Hundred. اما تدريسه قواعد اللغة الانجليزية فقد كان السهل الممتنع.. كانت البداية - على الرغم من سابق ما عرفناه من مبادئها –تركيزالاستاذ فى ذلك العام كان على التراكيب صحيحة البنيان والتنظيم لاجزاء كل جملة..ارتباط الافعال وهى اداة التعبيرعن كل مضمون ومحتوى بالزمن ..ماضيه وحاضره ومستقبله.. واتساقها مع كل فاعل او نائب له مفردا كان او فى جماعة فضلا عن التقليل من استخدام القصارمن الجُمَل التى تحدث قدرا من التقبّض وتعيق سلاسة التعبير و تقلل من حلاوة الاحساس بطعم انطلاق الافكار..وللانعتاق من ذلك فقد تدربنا على استخدام "الكلوزز" .."ريليتيفز" و"ادفيربيلز" مع "الادجيكتايفلز" منها ..الى جانب ادوات الترقيم (بنكتويشن) .."فُل ستوب" و"كُمَز"ا و"سِمِى كولَن" و"انفيرتيد كُمَز" وغيرها مما يعين فى أيضاح المعنى لكل ما هو مكتوب.. و اضافة الى هذا وذاك كان لنا من الاستاذ المتمكن من ناصية التدريس تدريبنا الوافى على كتابة الموضوعات الانشائية.. الوصفى منها للمناظرالطبيعية وما ياتى على يدى البشرمن احداث (مباريات كرة القدم وحوادث الطرق نموذجا) او وصفا لبنى البشر( لن انسى حينما طلب ذات مرّة من كل منّا وصف واحد من زملائنا(دون ان نذكر اسمه) ليتمكن هو من التعرّف على ذلك الموصوف من خلال المكتوب عنه. فضلا عن كتابة التقارير ومساندة ودعم مختلف وجهات النظراو دحضها ..الى غيرذلك من اغراض وانماط كتابة الموضوعات..هذا فضلا عن كتابة نهايات لقصص كان ياتينا ببداياتها او العكس بكتابة بدايات لقصص يورد لنا نهاياتها ولن ننسى تدريبه لنا على كتابة الملخصات لكل ما نقرأه من كتب اونصوص هنا وهناك مما كان يحثنا على قراءته ما وجدنا الى ذلك سبيلا. ذلك بالتعبيرعن النقاط الرئيسية فى غيراستخدام للمفردات التى كان كاتب النص قد سبق له استخدامها.. بقدر المستطاع.. وكم كان حرصه كاملا على حسن الخط وتجويده والبعد عن الشطب.وبينما نحن فى خضم ذلك الحراك المعرفى الزاخر كانت الايام سراعا تمضى والكل مشغول ينتظرويترقب منتصف شهرديسمبرللفراغ من اداءامتحانى اكمال المدارس الوسطى وامتحان الدخول للمدارس الثانويه المترادفين. وما كنا ندرى ان ايام بقاء الاستاذ فى الصرح الكبيرتدنو وتقترب ونحن بين مصدق ومكذّب ما كان يتناقله بعض الرفاق عن رحيل متوقع للاستاذ عن مدينة ودمدنى..الى ان فاجأنا الاستاذ ابوشرف ذات صباح حزين بتأكيد ما ظل يسرى عن ذلك الرحيل الذى ظل الاستاذان ابو شرف وصالح مصطفى الطاهروزملاء المعلم الكبيرلا يألون جهدا فى مساعيهم لأثنائه عنه.. ولكن الاستاذ كان قد حزم امره وسبق له الوعد..وهو الذى عرفناه من الذين اذا حدّث صدق واذا وعد التزم واوفى واذا اؤتُمن حافظ على الامانة وهل كان هناك افدح عبئا من امانة التربية والتعليم التى بنى لها الاستاذ مكاوى واقام مترهّبا فى صوامعها مع رفاقه المعلمين الاخيار! وجاء يوم وداعه الحزين.. ذات مساء فارق فيه الاشراق اجواء صرحنا الباكية المنتحبة حيطان حجرات الدراسة فيه.. ولم يكن لِما فاض به حفل الشاى الذى اقمناه نحن طلابه فى رابعه شرق من طعم او مذاق( وهل كان من هم احق منا ان يقيمه على شرفه)! وتعاقب المتحدثون طلابا ومعلمين وذرفوا من الدمع الهتون الآنهار. ولا تزال اصداء نحيب الاستاذين مكاوى وابوشرف ترن فى اعماق نفوس كل من سعدوا بالجلوس الى حلقات درس معلمى المدرسة الاهليه ومدعوويهم من اهل المدينة الباسلة يتقدمهم اعضاء لجنة المؤسسة الحزانى. وتوقف ابو شرف عن الحديث عدّة مرات وهو يغالب نفسه الى ان جلس .. قبل ان يكمل حديث وداعه رفيق دربه .. ينتحب بعد محاولات المعلمين لفك ارتباط عناق الاستاذين.. وفى نهاية المطاف وقف الاستاذ المحتفَى به وصوته يتهدج ويتوقف حينا بعد حين يستجمع قواه ليواصل حديثه مودّعأ دياراحبابه..بقصيدة عصماء ابانت لنا ما كنا نجهله عن شاعرية الاستاذ .. قصيدة جمعت فى حرف من حروفها ذكريا ست سنوات قضاها الاستاذ فى مدينة ودمدنى يعلم ابناءها ويهديهم سبل الرشاد ..كان مطلعها "ياديار الاحباب عِمّى ديارا" ومن بين ابياتها "يا ديار الاحباب لولا طموحى لرضيت المقام حسبى فخارا".. ولكن لن تبقى الارض او تدوم السماء.. او يظل معلم فى موقع واحد طال الزمان او قصر..فالتغيير والاحلال والابدال فى كل مرفق ومكان وزمان سنّة من سنن الحياة .. وغادرالاستاذ مدينة ودمدنى فى رحيل " لم يكن بعده منقلبا" الى مدينة القضارف مشاركا زميلا له من كبار المعلمين من رجال مدينة امدرمان اعباء انشاء وادارة المدرسة الاهلية فيها ورعاية طلاّبها فسمقت وذاع اسمها - شأنها شأن الكثيرات من رصيفاتها الشامخات من الصروح التعليمية غيرالحكومية فى انحاء متفرّقة من السودان بفضل تفانى واخلاص معلميها والعاملين فيها وظلت مدرسة القضارف الاهلية الوسطى مع رفيقاتها المدارس الحكوميه تهادى المدارس الثانوية كتائب الخريجين فيها عبر الزمان . وقبل ان اختم تناولى سيرة اسالذنا الجليل مكاوى افندى المرضى لآ بد لى من تذكار ما ابلغنى به الاخ الكريم ابن الدفعه الاستاذ صلاح الكارب ( حفظه الله ومتّعه بالمزيد من الصحة والعافية..وهوابن شقيق استاذنا العزيز الرا حل يوسف الكارب) ما تعرّض له من تجربة و موقف اترك للقارئين تصورهما.. ذلك ان الاستاذ صلاح الدين الذى التحق بالتعليم حال تخرّجه فى جامعة الخرطوم عام 1957 ظل يدَرّس اللغة الانجليزية بكليّة المعلمين الوسطى ( وهى من الاقسام الكبرى ان لم يكن اكبرها فى معهد التربية فى بخت الرضا) حيث كان من مهام العاملين فيه فضلا عن تدريس مختلف المواد المشاركة مع افراد اقسام المعهد الاخرى فى وضع المناهج وتجريبها فى قسميها لأعداد المعلمين (مبروكه وسادسة).و لمّا كانت اللغة الانجليزية هى لغة التدريس فى المدارس الثانوية ولغة الدواوين الحكومية ما يحتم تمكين معلميها ودارسيها فى المدارس الوسطى وتسليحهم باكبرقدر ممكن من مهاراتها عبر الاعداد المتميز والتدريب الوافى لمعلميها فى تزامن مع السعى الى تجريب مناهجها وتفقد اداء معلميها المنتشرين فى مدارس البلاد الوسطى كان قدرالاخ صلاح ان ينطلق فى اطاربرنامج عمله بالمعهد العريق خلال شهر اكتوبر فى واحدة من اعوام ستينات القرن العشرين الى مدينة الابيّض حاضرة مديرية كردفان متفقدا اداء معلمى اللغة الانجليزية فى مدارسها..كم كانت سعادته غامرة ان يلقى استاذه السابق مكاوى ناظرا للمدرسة الاميرية فى الابيّض.. ولكن مفاجأة اكبركانت تنتظره .. تلك هى ان يكون الاستاذ مكاوى هو من يتولّى تدريس اللغة الانجليزية لطلاب السنه النهائسة فيها!! وللقارىء ان يتخيل مشاعر الاستاذ صلاح الدين الذى كانت من مهامه فى تلك الزياره تفّقُّد وتُقويم اداء مدرسى مادة اللغة الانجليزية فى تلك المدرسه الذين كان من بينهم استاذه مكاوى افندى الذى درّسه ذات اللغة الانجليزية قبل اثنتى عشرسنه فى مدرسة مدنى الاهليه الوسطى.فى صباح اليوم التالى من وصول الاخ صلاح الدين الى الابيّض فاجأه الاستاذ مكاوى يطلب منه التوجه معه الى فصل السنة الرابعه!!..تردد صلاح فى بادى الامر ولعله ظنا منه ان دعوة الاستاذ لمرافقته كانت ضربا من التلطّف وحسن التعامل مما عرفناه متأصّلا فى وجدان الاستاذ مكاوى ولم يكن صلاح الدين (حسبما افاد) ليصدّق انه سيقوم بتفقد اداء واحد من معلميه ويرفع تقريرا عنه! ولكن تحت الحاح واصرار الاستاذ مكاوى فى حزمه المعهود ساعات الجد كان لا بد مما ليس منه بد .. لزاما على الاستاذ صلاح الدين مرافقة معلّمه وضرورة ووجوبا ان يتخلّى عن احساس تتلمذه على يديه وانه كان فى يوم من الايام واحدا من طلابه.. ولاّ بد له ان يقوم بما كان يتحتم عليه القيام بما جاء من اجله فى مهمته التفقدية تلك .. ولا بد له من حضورحصص كل معلمى المادة فى المدرسة بصرف النظرعمّن كان يقوم بتدريسها وكتابة تقريره عن ادائه.. فانصاع الاستاذ صلاح ودخل الفصل لآ يفيض به الآّ احساسه انها سانحة لاستعادة ذكرى ايام كان يظنها لن تعود.. وجلس بين الجالسين فى الصف الخلفى .. شارد الذهن يسترجع ذكريات جلوسه عام 1948 عند مدخل فصل رابعه شرق فى مدرسة ودمدنى الاهليىه عندما كان الاستاذ مكاوى يتجلى فى تلك الايام .. وقبيل نهاية الدرس وقف "المفتش"( وهو اللقب الذى كان يطلق على اساتذة بخت الرضا فى رحلاتهم التفقديه) صلاح الدين وطلب من استاذه السماح له بمخاطبة الطلاب.. وفى صوت متهدج يعلو ويهبط خاطب صلاح الدين طلاب الفصل حامدا الله كثيرا ان يلتقى باستاذه بعد غياب دام لأكثر من عقد ونصف من الزمان.. مبينا لهم ان حضوره وجلوسه بينهم فى ذلك الصباح الاغرلم يكن الآ استعادة لذكرى ماض كانت ايامه بكل المقاييس وافرة الاشراق لمّا كان مكاوى افندى المرضى يتجلى ولا يزال عطاؤه يفيض ويزداد فهىَ من اسعد لحظات حياته وقد تعشّق مهنة التعليم فى شخوص معلميه الذين كان من بينهم الاستاذ مكاوى الذى ترك من البصمات الخالدات والآثارالباقيات فى اغوار الابدية وابعاد اللانهائية وسار على دربهم يقتفى آثارهم صار معلّما فى بخت الرضا .. فقد عاش تجربة دراسة اللغة الانجليزية على يدى معلمهم استاذه مكاوى قبل عقد ويزيد من الزمان.. والطلاب فى دهشة تملآ نفوسهم يكادون لا يصدقون ما يرون مع قدرمن الاجلال والاكبار واعجابهم يفيض من اعينهم بالاستاذين.. مكاوى المرضى ناظرهم وتلميذه صلاح الدين الذى جاء يتفقد ويقوّم اداء من علمه الانجليزية فى يوم من الايام! وفى النهاية اقول ..هكذاهى كانت مهنة التعليم..(لما كان التعليم تعليم والمدارس مدارس والمعلم يبنى انفسا وعقولا و"يفرح الزمان بذِكره وهوالذى لو كان قد خيِّر منذ ولادته لما كان غير معلِّم يختار" لتظل مهنة تفيض بصفاء النفوس ونقاء السرائر وبالتواضع واتخاذ اهلها الحقيقة فى الحياة مراما فى سعيهم المتواصل للخروج بالدارسين من ظلمات الجهالة الى انوارالحياة,, وهل كان هناك من هواشرف او اجَلّ من الذى ينشىء الانفس والعقول فى تجرد ونكران ذات ودون امتنان.. وهو يتعشق جمالها ويشقى بحبها( كما تغنّى لها وبها المعلم الكبيرمبارك حسن الخليفه (متّعه الله بالمزيد من الصحة والعافية) وشدا بها الكثيرون غيره من رفاقه اوغيرهم وكانت محمولة فى حدقات عيون من ظلّوا يعطونها قدرها اجلالا واكبارا ..قبل ان ياتى عليها زمان يقال فيه "يعنى شنو لو الانقاذ احالت ليها دستة مدرسين للمعاش..ممكن تجيب غيرهم.. و هىّ الانقاذ موش كتّر خيرا ادَّتهم معاشات" ! يا سبحان الله! يا قوم . يا ناس يا ويحكم! ليت فى الآذان وقر يحجب سماع ما قيل!و عندما يتحدث البعض عن اليوم العالمى للمعلّم بكل اسف لا يذكره اهل وزارة التربية فى هذا الزمان. و لا نملك الآ ان نرفع الاكف الى الله ضارعين ان يرحم الله من انتقلوا الى رحاب ربهم من حملة مشاعل التعليم والتربية " الذين خرج من معاطفهم الاطباء يداوون جراح الناس والجراح كثار. ومن معاطفهم خرج المهندسون يبنون االناطحات للسحاب متجددة وغيرها مما يرتجيها الاعمار.. ومن معاطفهم خرج الرؤساء والوزراء ورفاقهم الابرار.. وكذا الصحفيون خرجوا من ذات المعاطف يندفعون وامامهم تتسابق ال"حريّات والتيار" .. ماذ ا يقولون ويعيدون ومعاطفهم لا تزال تفيض مشاتلا وابذار" وفى النهاية يردد لسان حال المرحوم معلّم الاجيال العزيزالراحل مكاوى افندى المرضى فى الفردوس الاعلى مع الاستاذ المبارك حسن الخليفه " هى مهنتى وانا الذى اختار وانا المعلّم والمدى افكار"..كما كان يرجو كبير المعلمين شيخ الشعراء السودانيين المرحوم عبدالله الشيخ البشير ان تطول به الآجال وتصدق الآمال ليرى اهل السودان وقد "ردّوا للمعلم بعض حقّه 00 فرضا عليهم فى اعناقهمم وذماما.. فالله لا يهب الفلاح لموطن00 تلقى المعلم دوما فى حماه مستضعفا ومضاما ! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.