شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات الرئاسة: المُولد والحمّص! ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 03 - 02 - 2010


[email protected]
(1)
يوم الجمعة الماضية فتحت بريدى ورأيت فى مقدمته رسالة من صديق عنوانها (تفاءلوا بالمرشح لا تجدوه). وبطن الرسالة خالٍ تماماً الا من جملة واحدة قصيرة ورابط الكترونى. الجملة تقول:( من يضحك أولاً، لا يضحك بالضرورة أخيراً). أما الرابط فيقود الى خبر نشرته احدى الصحف يشير الى اعلان مفوضية الانتخابات قفل باب الترشيح لرئاسة الجمهورية وكافة المستويات الانتخابية الاخرى، بعد ان اعتمدت ثلاثة عشر مرشحاً لمنصب الرئيس. وما أن أكملت قراءة أسماء المرشحين المعتمدين حتى ألفيت نفسى وجهاً لوجه مع ما يمكن وصفه بمربط الفرس فى الرسالة كلها، وهو ان إسم استاذنا ومرشحنا لرئاسة الجمهورية الدكتور عبدالله على ابراهيم لم يرد ضمن قائمة المرشحين المعتمدين. وذلك على الرغم من انه كان أول من دفع بنفسه الى غمرات السباق الرئاسى، محتسباً عند ربه وشعبه أجر مدافعته فى دروب الجهاد الوطنى المثقف المستنير المتطهر من أدران الفساد والاستبداد، وذلك عبر وثبته الدرامية الشهيرة فوق منبر ندوة "طيبة برس" قبل عام ونيف.
وقد أصدر الدكتور عبدالله فيما بعد بياناً فصّل فيه وفسّر أسباب خروجه من مولد الانتخابات الرئاسية بغير حمّص. وقد لاحظت ورود لفظتى "المولد" و"الحمص" فى نص البيان على ذلك النحو، فاعتمدت اللفظتين من فورى فى معالجتى لأمر الانتخابات الرئاسية وجوائزها، على أساس ان التشبه بمرشحى الرئاسة فلاح، سواء ان خرجوا من مولدها بحمص او بدون حمص! فإن كان لمفوضية الانتخابات رأى فى مثل هذا التوصيف فإننى احيلها الى مرشحنا المردود، المعزول من مضمار السباق، والذى اثقلت عليه المفوضية بشروطها المتعسفة الجائرة، وحالت بينه وبين رئاسة الدولة. ولو كانت مفوضية مولانا أبل ألير قد خلّت بين مرشحنا وشعبه فاصطفاه للرئاسة لكان أول مثقف وطنى يحمل درجة الدكتوراه، ورتبة البروفيسيرية الكاملة من جامعة امريكية، هى جامعة ميسورى العريقة، يصل الى سدة الرئاسة على أكتاف الجماهير (تولى الراحل العلامة الدكتور التجانى الماحى منصب رئيس مجلس السيادة لعدة أشهر فى منتصف الستينات، وهو منصب رمزى شرفى يختلف فى اطاره وجوهره الدستورى عن النظام الرئاسى). ولكان مرشحنا عبد الله أيضا، وبحق، أول رئيس للسودان تتضمن سيرته الذاتية عضويته السابقة وانتمائه المؤثر والفاعل الى الحزب الشيوعى السودانى، ثم انقلابه بمقدار مائة وثمانون درجة الى مدافع عن الشريعة الاسلامية وتطبيقاتها، واحتفائه فى كتاب منشور بالقضاء الشرعى ونعته بأنه كان اكثر وفاءً ورحمة بالمرأة السودانية من القوانين البريطانية والهندية الوضعية. ثم لكان مرشحنا، الى جانب ذلك كله، ولا فخر، أول رئيس فى تاريخ السودان، يكتب سلسلة مقالات بلغت نحواً من اربعين حلقة، سكب فيها جهداً يكفى لبناء الهرم الأكبر، ثم جمعها فى كتاب من القطع الكبير يبلغ وزنة ستة ارطال ونصف الرطل، محاولاً من خلالها ان يثبت عمالة أحد خصومه السياسيين لدولة اجنبية، وكأن العمالة للدول الاجنبية عيب. وقد أفنى مرشحنا زهرة عمره بين ظهرانى الحزب الشيوعى الذى ظل متهماً بالعمالة للاتحاد السوفيتى حتى موت الاخير بالسكتة القلبية، فكان طلاب الجامعات المناوئين للحزب والمنددين بعمالته اذا خرجو فى مظاهراتهم الصاخبة ملأوا الجو هتافاً: (الجامعة تدوس عملاء الروس)! ومن عجب ان مرشحنا أفرغ وسعه فى تدوين تلك السلسلة الذهبية فى وقتٍ كان نحواً من مائة الف سودانى قد أصبحوا بالفعل مواطنين متجنسين كاملى الاهلية فى دول إمبريالية، مثل الولايات المتحدة، ذات نفسها، وكندا وكل دول اوربا. ومعلوم ان العميل الاجنبى اقل درجة بما لا يقاس من مواطن الدولة الكامل الاهلية الذى يؤدى اليمين عند تجنسه بجنسية اجنبية مقسماً على بذل روحه، وليس فقط معلوماته، دفاعاً عن حمى الدولة التى اكتسب جنسيتها. والمدهش أنه يرفل فى يومنا هذا بين حملة الجنسيات الامريكية والاوربية وأصحاب الولاءات الاجنبية المقننة، من رجال العصبة المنقذة الأماجد، من يشغلون وظائف قيادية ومناصب سيادية فى جهاز الدولة!
(2)
ولعلك تعى – أيها الأعز الأكرم – كيف أننى كنت قد عوّلت على مرشحنا عبدالله تعويلاً كبيراً، ووطّنت نفسى وهيّأتُها لموقعٍ متقدم فى حكومته، حال فوزه بالرئاسة، وهى الحكومة التى ظللنا، نحن معشر مشايعيه من أبناء عطبرة الباسلة وبناتها، نرقب نجمها ونتحراها كما يتحرى المسلمون أهلة رمضان والعيدين. ولكن الله غالب على أمره.
وقد تركنى خروج عبدالله على حين غرة من المولد الرئاسى بغير حمّص فى موقفٍ لا أحسد عليه. اذ تدانى موعد الاستحقاق الانتخابى، وأزف أوان الإدلاء بالأصوات دون ان يكون لى مرشح أسنده بصوتى وادعمه بقلمى. وقد طفقت وأنا فى عجلة من أمرى اجيل النظر الى قائمة المرشحين الآخرين المطروحين للرئاسة فى مسعىً مثابر للتوصل الى بديل أُطوق عنقه بقلادة ثقتى الغالية. ويبدو اننى بدأت مشروع البحث والتقصى بداية متعثرة جانبها التوفيق اذ ظننت، ربما بتأثير اقامتى المتطاولة فى الولايات المتحدة التى بلغت خمسة عشر عاماً، ان المدخل الطبيعى لتقويم المرشحين للرئاسة يكون بدراسة برامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمفاضلة بينها لمصلحة المرشح الذى يتفق برنامجه مع فكرى ومصالحى. كانت الصدمة الكبرى التى القت بى من حالق هى اننى لم اجد برامجاً واضحة معلنة لأى من المرشحين او احزابهم.
بدأت جولتى البحثية الاستكشافية بالحزب الاتحادى الديمقراطى، حزب السودان الكبير، ذا البطولات التاريخية وذا الامجاد. تذكرت ان المرتكز الاساسى لبرنامج هذا الحزب عند تأسيسه كان هو الاتحاد مع مصر او على الاقل التقارب معها. ولكن لا يبدو لى ان هذا الحزب ظل على وفائه لقضية وحدة وادى النيل، ولم يعد يأمل فى خير كثير من التقارب مع الاخوة فى شمال الوادى. وليس ادل على ذلك من ان جمعاً غفيراً من اقطاب الحزب وكوادره كانوا يشجعون الجزائر عياناً بياناً يوم المباراة المشئومة مع المنتخب المصرى فى ام درمان، دون ان يبادر مكتب الانضباط والمحاسبة فى الحزب بإدانتهم ومعاقبتهم. ثم قفز الى ذهنى فجأة ان الحزب العريق كان قد اصدر بالفعل برنامجاً سياسياً متكاملاً قدمه لجماهير الشعب السودانى عقب انتفاضة رجب-ابريل المباركة فى العام 1985. ليس صحيحا اذن ان حزب الحركة الوطنية يفتقر الى برنامج قومى، كما انقدح فى ذهنى اول مرة فسارعت بغير تثبت لاتهامه بالافتقار الى برنامج سياسى واضح (كبرت كلمة تخرج من افواههم ..). بل أن للحزب العتيد برنامج معلن، شأنه فى ذلك شأن الاحزاب الكبرى فى عالم اليوم، كحزب المحافظين فى بريطانيا والحزب الديمقراطى فى امريكا. البرنامج اسمه (الجمهورية الاسلامية). وهو برنامج شاب فى ميعة الصبا اذ لم يتجاوز عمره خمسة وعشرون عاما. ولأنه آخر برنامج مطروح رسميا من قبل هذا الكيان العريق فلا بد ان يكون هو البرنامج الحقيقى الذي يعبر عن فكر الحزب وطموحاته.
ما هى آخر مرة، يا ترى، تطرق خلالها الحزب الاتحادى الديمقراطى لقضية برنامج الحزب؟ ايجوز ان الحزب تداول، سراً او علناً، خلال السنوات الماضية حول برنامجه المعلن رسمياً منذ 1985 وقرر الاستمساك بعروته والمنافحة عنه؟ أيجوز انه قرر العكس، اى ان يتخلى عن الدعوة للجمهورية الاسلامية كلياً او ان يجرى على نموذجها بعض التعديل؟ لا علم لى. ولكننى أدرك يقيناً أنه لن يكون بوسعى أن امنح صوتى لمرشح هذا الحزب، الذى يتخذ من الجمهورية الاسلامية شعارا وبرنامجاً، وذلك لسبب بسيط وهين جدا، وهو اننى من المؤمنين بالدولة المدنية. وفارق بين الدولة المدنية والجمهورية الاسلامية. واعلم يا رعاك الله ان الدولة المدنية هى اسم الدلع للعلمانية. وكان الحزب الشيوعى السودانى قد اصدر منشورا داخليا لعضويته يوجهها فيه باستخدام عبارة (الدولة المدنية) فى المحافل الخاصة والعامة بدلا عن لفظة "العلمانية"، وقد التزمت من جانبى طواعيةً بما نص عليه ذلك المنشور، بالرغم من اننى لست عضوا في الحزب، وذلك تأسياً بقول الامام على: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو احق الناس بها". ابتغى بذلك، كما ابتغى الشيوعيون السودانيون، الفرار بجلدى من مسبّة التكفير التى علقت بدعوة العلمانية. لا سيما وان منشد الثورة المنقذة الأشهر، شنان، كان مبيناً شديد الوضوح، فلم يترك مجالا للبس او ابهام، وهو يُنشد مع فرقته فى افراح العصبة المنقذة ولياليها الملاح خلال سنيها الاولى بأصواتهم التى تشبه الرعود، والتى كادت تنخلع لها قلوب المرجفين من أمثالى: (الكلام ربانى والنظام قرآنى/ تانى ما فى ذريعة لحكم علمانى)!
(3)
انتقلت بعد ذلك باحثاً مستكشفاً الى حزب الامة القومى، حزب الامام الصادق المهدى. وليس أحبّ الى قلبى من أن اكون فى حمى حزب ودولة يقود دفتهما الامام الحبيب. كيف لا، وقد علمت – كما علم الناس - أنه أوفر أهل السودان علماً، وأشدهم مراساً، وأعلاهم راية، وأكثرهم نادياً، وأعزهم شرفاً وكرماً ومحتدا. غير اننى بعد ان رجعت الى الوراء لابحث عن برنامج حزب الامة واتدارسه، وجدت ان آخر برنامج طرحه الحزب هو البرنامج الذى قدمه بين يدى الديمقراطية الثالثة عام 1986، وقد اطلق عليه اسم (برنامج نهج الصحوة الاسلامية). وكانت الصحافة الاجنبية تترجم ذلك البرنامج بالعبارة الانجليزية (Islamic revival). ولكن الامام الحبيب كان يصر على ترجمة خاصة به يستخدمها فى احاديثه وحواراته مع اجهزة الاعلام العالمية وهى: (Islamic awakening). وترجمة الصحافة الاجنبية تحمل معنى البعث الاسلامى، غير ان ترجمة الامام، ومعناها الحرفى " التصحية أو الايقاظ من النوم" بدت لى وكأنها تصور شعب السودان مستغرقاً فى النوم، وهو فى حالة سبات عميق، وقد نسى دينه، فجاء البرنامج ليوقظه ايقاظاً فعلياً حسياً من أحلى نومة. وبرنامج الامام، وترجمته للفظة الصحوة، تعيد الى ذهنى صوراً من ماضٍ سحيق فى حياتى تركت أثارها النفسية على شخصيتى، حين كان والدى، رحمه الله وغفر له، يوقظنى من النوم عند الفجر رغما عنى لأداء صلاة الصبح. ولذا فإنك تجدنى، أيها الأعز الاكرم، شديد الحساسية تجاه البرامج السياسية التى تأخذ على عواتقها إيقاظ المواطنين وحثهم على الصحيان والتفرغ للمهام الجلائل العظام. وانا شخصياً افضل ان اترك فى حالى نائماً حتى استيقظ بنفسى فأودى ما علىّ من مكرمات كيفما اتفق. وآخر ما ارجوه من الحزب السياسى الذى ازمع ان اناصره ان يوقظنى من النوم رغما عنى، مهما كان نبل الغرض وجلال المقصد.
(4)
ولما أعيتنى رحلة البحث والتقصى فكرت فى أن اترك الاحزاب السياسية ورائى ظهرياً، وان انتقى من بين المرشحين مرشحاً مستقلاً، يخوض الانتخابات الرئاسية تحت مظلة اسمه وتاريخه الشخصى بغير برنامج حزبى سياسى. ومن هنا فقد تأملت اسم المرشح الدكتور كامل الطيب ادريس، الرئيس السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، لا سيما واننى سمعت عن الرجل كلاماً طيباً من لدن مراكز متعددة، لجهة مؤهلاته العلمية وكسبه المهنى الدولى ورعايته للمبدعين. غير ان هناك معضلة صغيرة قامت من حيث لم احتسب لتصير عائقاً بينى وبين تسميته مرشحاً لى. فقد تذكرت ان مصادر صحفية عالمية كانت قد أذاعت عن الرجل إبان رئاسته لتلك المنظمة أنه ارتكب مخالفات كبيرة، بمقاييس الغرب والمنظمات الدولية، وهى انه تعابث بمستندات رسمية تخص المنظمة لخدمة مصالحه الخاصة ذات الصلة بالتعيين والاستمرار فى الوظيفة والمرتب والمعاش وفوائد ما بعد الخدمة وما أشبه، وذلك بأن بدّل وعدّل فى تواريخ ميلاده تقديماً وتأخيراً. وكان التعديل الاول فى مرحلةٍ ما بغرض زيادة سنى عمره، بينما انطوى التعديل الثانى على تخفيض سنوات عمره.
وعلى الرغم من ان الكثيرين لم يتوقفوا عند هذه الدعاوى عند ظهورها فى تقارير رسمية منشورة قبل اعوام قليلة، تأسيساً على ان التلاعب بالاعمار يعتبر رياضة شعبية واسعة الانتشار فى السودان، الا ان الأمر يختلف عندى اختلافا شديداً. التلاعب بالعمر فى تقديرى الخاص يشبه التلاعب بأُوديوميتر السيارة. والاوديوميتر هو الجهاز الحاسب الذى يسجّل الكترونياً عدد الأميال التى مشتها كل سيارة. ومثل هذا التلاعب فى الولايات المتحدة يعتبر أمراً بالغ الخطورة. فاذا كانت السيارة موديل الفين وخمسة وعليها من الاميال حسب سجل الجهاز الحاسب خمسة وسبعون الف ميل، فإن قيام شخص ما باعادة تدوير الجهاز الحاسب بحيث تظهر وكأن السيارة لم تسر سوى اربعين الف ميلاً، بغرض خداع المشترى (او الناخب فى حالتنا) تشكل جريمة إحتيال فيدرالية يعاقب عليها القانون الامريكى عقاباً صارماً. والمتاعب التى مر بها المرشح الرئاسى كامل الطيب ادريس مع منظمته الدولية فيما يتعلق بالتلاعب بالجهاز الحاسب لتواريخ ميلاده ليست فى حد ذاتها مما يشغل بالى، ولا هى بذات شأن بالنسبة لى. كل الذي يهمنى معرفته هو: كم عدد الاميال التى مشاها المرشح على وجه الدقة؟ والمشكلة هنا هى ان هذه المعلومة بالذات، فى حالة الدكتور كامل الطيب ادريس، يحوطها شئ من الشبهات والعلل القادحة. وقيامى بالادلاء بصوتى لمرشح اشتهر عنه تقديم وتأخير تاريخ ميلاده حسب الظروف، بحيث لا يعرف الناخب عمره الحقيقى، لا يختلف عندى عن شراء سيارة مستعملة أجهل عدد الاميال التى مشتها، وهو ما لا يجوز، اذ ان اختيار مرشح للرئاسة فى شرعتى لا يختلف عن اختيار سيارة مستعملة، ومثلما ان شراء السيارة يتطلب كثيراً من الخبرة والحذر والتثبّت فكذلك يكون الامر بالنسبة لاختيار مرشح للرئاسة. وربما كان من الافضل طالما وقفنا عند هذه النقطة ان ابادر فأحث جميع المرشحين المتطلعين لحكم السودان على كشف تواريخ ميلادهم الحقيقية، وعدد الاميال التى مشوها على وجه البسيطة بدقة، حتى نتمكن نحن معشر الناخبين من تقويمهم تقويماً صحيحاً واعلان اختياراتنا الانتخابية عن بينة. وفى الوقت الحاضر فإن المرشح الوحيد الذى امتلك شجاعة الكشف عن تاريخ الميلاد وعدد الاميال الحقيقية التى مشاها، على القدمين وممتطيا صهوات الخيول وأمتنة المركبات السائرة والطائرة، هو الامام الحبيب الصادق المهدى، الذى تتضمن سيرته الذاتية المبذولة للعامة على الموقع الالكترونى لحزب الامة انه ولد فى الخامس والعشرين من ديسمبر من العام 1935. أطال الله عمره وبارك فيه ونفع به.
(5)
بعد الاخفاق المزرى والعقبات البالغة التعقيد التى واجهتها تجربتى لاختيار مرشح مستقل عدت كرة اخرى للبحث فى أسماء وبرامج المرشحين السياسيين. فكرت جدياً بعد التقصى الدؤوب والبحث المضنى أن ادلى بصوتى لمرشح قوات التحالف الوطنى، سعادة العميد (م) عبد العزيز خالد، الذى كان قد وعد شعب السودان بتحريره من نير العصبة المنقذة من خلال مسيرة زحف مسلح تنطلق مرتفعات اريتريا الى تخوم الخرطوم، ولكنه أجرى تعديلا بسيطاً على خطته بعد ان هداه الله الى الايمان بمنهج التحول الديمقراطى السلمى تحت رعاية ذات العصبة المنقذة. غير اننى بدلت رأيى بعد ان استرجعت حصيلة تجاربى مع سعادة العميد وكيانه السياسى. وكنت فى زمن مضى قد كتبت مقالاً عنوانه (الانبياء الكذبة)، توجهت فيه ببعض العبارات الناقدة للرجل، وكنت أظن انه بحكم خلفيته الزعامية الكاريزمية سيتقبل النقد بصدر رحب، الا ان الايام لم تصدق ظنى. وعلى الرغم من اننى بادرت فى وقت آخر بالعودة الى نفس المقال وسعيت الى تجلية جوانب وردت فيه وأثارت بعض الجدل، ربما بسبب غموض الصياغة، الا اننى فوجئت بردة فعل كارثية من قيادة حزب التحالف الوطنى. اذ لم يقتنع رئيس المكتب التنفيذى للحزب بتوضيحاتى، فكتب مقالاً نشره فى صحيفة " الاحداث" وعلى الشبكة الدولية، اندلق فيه الى هدير من الردح المروع وزئير من الشتائم المخزية، إذ وصفنى بأننى (رقاصة) ترقص فى شارع الصحافة (على الواحدة ونص). وربما كانت هذه هى المرة الاولى فى تاريخ السودان السياسى التى يستخدم فيها رئيس حزب وطنى مثل هذا التعبير فى وصم كاتب صحفى لمجرد انه خالفه فى الرأى ووجه بعض الانتقادات لحزبه وممارسات قيادته. وأنا اعرف الرقص أجمالاً، الا اننى لم اوفق قط فى معرفة المقصود بالرقص (على واحدة ونص) تحديداً. وقد سألت صديقاً ذى قدم راسخ فى هذا المضمار الحيوى، فذكر لى انه يغلّب الظن ان يكون ذلك نوع من الرقص المصرى الشرقى المعروف بهز البطن والارداف، او الرقص الاريترى الذى عرفته مواخير أسمرا على عهد الكفاح المسلح. وقد قررت من جانبى، والحال كذلك، ان امتنع عن الإدلاء بصوتى لسعادة العميد خشية ان يؤدى فوزه بمقعد الرئاسة الى سيادة ثقافة وطنية متشنجة ترفض الرأى المغاير، وتحتقر الموقف المخالف، وتتعامل بعصبية مفرطة مع المعارضين السياسيين، على نحو ما رأيت من مقال رئيس المكتب التنفيذى للحزب، مما قد يؤدى فى نهاية المطاف الى اتساع نطاق المعارضة لحكومة العميد المحتملة وانقسام قواها تحت ظل رئاسته للدولة الى فصيلين: فصيل من ضاربى الدفوف، وفصيل آخر من الراقصين على الواحدة ونص!
(6)
وقد أعيانى البحث المضنى بين المرشحين وبرامجهم، على امل الوصول الى المرشح والبرنامج الصالحين، حتى وجدت نفسى اقف عند قدمى قائد العصبة المنقذة ورئيس دولتنا الفتية المشير عمر حسن أحمد البشير، حفظه الله وأدام عزه. وأعرف عن الرئيس البشير انه صرح ذات يوم بعظمة لسانه أنه استولى على السلطة بأمر الجبهة الاسلامية القومية. البرنامج الحقيقى للمشير اذن هو برنامج الجبهة الاسلامية الذى ورثه حزب المؤتمر الوطنى. فأما حزب المؤتمر الوطنى فقد عقد مؤتمره العام قبل عدة أشهر واصدر بيانه الختامى وتوصياته التى يفترض انها تعبر عن برنامج الحزب. وقد قرأت ذلك البيان الختامى فى حينه فلم اجد فارقاً بينه وبين البيانات التى كان قد تخصص فى تسطيرها الراحل الكبير المغفور له الاستاذ احمد عبد الحليم خلال الحقبتين المايوية والانقاذوية. أما برنامج الجبهة الاسلامية القومية قبل الانقلاب فلغته واحده وصوته واحد الا وهو المناداة بتطبيق الشريعة الاسلامية. وقد كانت جماهير الجبهة بتحريض من قياداتها تملأ طرقات العاصمة والمدن الرئيسية مطالبة بتحكيم الشريعة وهى تهتف: (شريعة شريعة ولاّ نموت / الاسلام قبل القوت).
ولكن الذى بدا لى من تحرى تجربة الاسلامويين فى المعارضة والحكم، ان البرنامج والشعار يشهد انقلابات جوهرية بين المرحلتين، بحيث يصبح الاسلام مقدماً على القوت فى مرحلة المعارضة، ثم يعود "القوت" ليأخذ مركزاً متقدماً على الاسلام عندما يصل الحزب الى السلطة. فى ظل حكم المؤتمر الوطنى اذن القوت مقدم على الاسلام، والبنكنوت مقدم على اللاهوت، فقد انصرف اهل البرنامج القرآنى الربانى الى الشركات والمصارف وعمران الدنيا، ولم تعد الدعوة الى تطبيق الشريعة تأخذ فى أجندة الحركة الاسلاموية المكان الذى أحتلته على عهد الشعارات الرنانة، والتى تحت دعواها تصدت لابتلاء الاستيلاء على السلطة.
وقد تمكنت منى هذه القناعة عندما زرت الخرطوم فى مايو الماضى وجُبتُ شوارعها ووقفت على بعض مظاهر الممارسات السلوكية العامة. ومن ذلك اننى لحظت بعض الفتيات يرتدين نوعاً من الملابس لم اكن قد شاهدته من قبل عند السودانيات، وان كنت قد رأيته عند بنات الهندوس فى الهند وانحاء العالم الاخرى، وفيه تجد ملابس الفتاة تنفصل الى جزئين او قطعتين، عليا وسفلى، وبينهما فراغ يظهر جانبا مقدراً من بطن الفتاة. وعندما سألت قيل لى ان ذلك فستان معتاد عند بنات الخرطوم اسمه: "فصل الدين عن الدولة"! كما اننى شهدت فتيات اخريات يرتدين فساتين شفافة بالغة القصر أُنبئت ان اسمها "الشريعة اتشتتت". وعندها أيقنت أن مشروع الجبهة الاسلامية الدينى وهوسها فى أمر تطبيق الشريعة خلال سنوات المعارضة الديمقراطية، قد انفصل هو الآخر وتشتّت بعد وصول التنظيم الى طور الدولة وانغماس قادته وكادراته فى فتنة الحكم. وليس أدل على ذلك من أن البيان الختامى الذى أشرت اليه آنفاً، والذى صدر عن المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطنى، الوريث الشرعى للجبهه الاسلامية القومية، والذى انعقد قبل عدة أشهر جاءت خلواً من أية اشارة الى تطبيق الشريعة! لذا فقد عاد السؤال لينتصب فى ذهنى: ما هو على وجه التحديد البرنامج الذى يخوض المشير عمر البشير الانتخابات الرئاسية تحت بنوده؟!
عن صحيفة "الأحداث" - 3 فبراير 2010
مقالات سابقة:
http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%E3%D5%D8%DD%EC%20%DA%C8%CF%C7%E1%DA%D2%ED%D2%20%C7%E1%C8%D8%E1&sacdoid=mustafa.batal


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.