[email protected] (1) هززت رأسى متعجباً عندما قرأت الاسبوع الماضى ان صحيفة سودانية جديدة يرأس تحريرها الاستاذ الهندى عزالدين ستصدر قريبا باسم (الاهرام)، اذ تذكرت ان عددا كبيرا من الصحف التى صدرت خلال ربع القرن المنصرم وتلك التى تصدر الآن تحمل اسماء منقولة – او بالاحرى مختطفة - من أسماء صحف مصرية وعربية، وهى ظاهرة تستحق التأمل. لماذا نحن كالقرود نقلد الآخرين حتى فى اسماء صحفنا فننقلها من مصر والخليج وانحاء اخرى من العالم؟ والاسماء، أيّا كانت، لها سحرها وتأثيرها وسلطتها، كونها العنوان والمدخل الشرعى لثقافات الشعوب. اذا كنا نأنس فى انفسنا الكفاءة والقدرة على اصدار صحيفة فكيف يستغرقنا الكسل العقلى ويلفنا جدب الخيال فنعجز عن ابتكار أسماء أصيلة وينتهى بنا الحال الى التقليد الاعمى؟ انظر الى الصحف المصفوفة فى مراكز التوزيع فتقرأ سلسلة من أسماء هى فى الاصل أسماء عريقة لصحف عربية واسعة الانتشار. الأدهى ان عندنا صحيفة اسمها (الحرة)، وهو اسم لقناة تلفزيونية عربية تمولها وكالة الاعلام الامريكية. حتى اسماء القنوات التلفزيونية الاجنبية لم نرحمها فهبرناها هبراً. وعن اسماء الزوايا والاعمدة الصحفية والبرامج التلفزيونية والاذاعية التى نستوردها من الخارج كما نستورد علب التونا والاناناس والفيمتو حدث ولا حرج. وأعجب لكاتب او اعلامى يعجز عن ابتداع اسم اصيل لزوايته او عموده، او مجاله التنويرى أياً كان، فينتحل اسما اجنبيا ينسبه لنفسه، ثم يريدنى بعد ذلك – ويا لقوة العين - ان اتتبعه واتعلم من ابداعه وأستنير! (2) قال لى سفيرنا فى داكار، الصديق الدكتور خالد محمد فرح، فى شأن ما ورد عن صدور صحيفة سودانية جديدة تنتحل اسم الاهرام المصرية، ان لفظة (الاهرام) المستخدمة فى مصر لها مقابل لغوى ذائع فى بعض مناطق السودان لوصف الاهرام السودانية التى تقع فى مراكز مثل البجراوية وكبوشية وغيرها من مناطق الشمال، وهو اسم (الطرابيل). وقد تبين لى ان (الطرابيل) كلمة عربية فصيحة وقد وردت اليها الاشارة فى مخطوطة للدكتور عبدالله الطيب تحمل عنوان: (الطريق نحو التجهيزى)، وقد نشرها عالمنا الكبير لاحقا فى كتابه (من حقيبة الذكريات) . جاء فى لسان العرب، حرف الطاء:( الطربال بناء عال. الصخرة العظيمة المشرفة من الجبل. بناء مثل المنارة). كلمة الطرابيل اذن هى المقابل المستخدم فى السودان للفظة الاهرام المتداولة فى مصر، وان كنت اميل الى الاعتقاد ان اللفظة ربما كانت مألوفة فى بعض انحاء مصر ايضا بقرينة ان هناك صحافيا مصريا بارزاً، ترأس فى زمن مضى رئاسة تحرير جريدة (الوفد) العريقة يحمل اسم: عباس الطرابيلى. ان الاهرامات كانجاز حضارى مما يجب ان نعتز به نحن السودانيون لأن التراث الفرعونى الذى يفاخر به اهل مصر انما هو فى الأساس من ثمرات حضارة نوبية ضاربة فى اغوار التاريخ. والمعروف عن الطرابيل السودانية انها اقدم من اهرامات الجيزة والاقصر، واقوى دليل على ذلك هو صغر حجمها، والثابت منطقيا وهندسيا ان النموذج الهندسي يبدأ تنفيذه صغيرا ثم يكبر. مهما يكن من أمر فقد خطر لى ان اقترح على الاستاذ الهندى عزالدين ان يترجل عن صهوة التقليد المصراوى التليد وان يمتطى حصان التأصيل السودانوى الوطيد، فيضرب صفحا عن اسم (الاهرام) المستورد من وراء الحدود، والذى كان قد اعتزم اتخاذه عنواناً للصحيفة الجديدة، وان يسمى صحيفته عوضا عنها بالمسمى السودانى (الطرابيل)، وله ان شاء ان يتخذ الاسم مفردا فيسميها (الطربال) ويكون هو، تبعا لذلك، رئيسا لتحرير صحيفة الطربال او الطرابيل. وانعم بها من صحيفة، وانعم به من رئيس! (3) وكنت قد تداولت فى اطار دائرتى الالكترونية الضيقة، التى تضم نفراً من خاصة اصدقائى، حول قضية التقليد والنقل واستيراد الاسماء فاذا بالنقاش يستطرد ويمتد ويتسع حتى اصبح بين يدى محصول الكترونى يضاهى فى ضخامته وثقل محتواه كرشة الجمل. فقد اجتمع الآخرون على ان الامر لا يقتصر على الصحف، بل ان قضية النقل والتقليد ضاربة فى حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية بحيث تغطى فضاءً عريضاً يشمل – ضمن ما يشمل - أسماء المدن والقرى والأحياء السكنية التى ظللنا نقتلعها من بيئاتها الأجنبية ونسمى بها مرابعنا، بما يؤشر الى امتداد حالة الخمود العقلى وإدقاع الخيال بحيث تعذّرت وتعثرت قدرتنا على سك الاسماء المعبرة عن حياتنا وثقافاتنا الوطنية وابتداعها لأغراض الاستخدام المحلى، فأنتهينا الى ان نسمى كثيرا من أحيائنا بأسماء الدول والمدن والاحياء المصرية والخليجية. يضاف الى سلسلة الامثلة الكاشفة لممارسات التقليد والنقل العشوائى أسماء الاحزاب والتنظيمات السياسية والمدنية، واسماء المحال التجارية، وأسماء الابناء والبنات، والقاب المطربين والمطربات ولاعبى كرة القدم، واسماء الثياب النسائية وغير ذلك كثير. ولكننى امهل تقليد ونقولات المدن والاحياء، والتقليدات والنقولات الاخرى، حتى الاسبوع الاول من ديسمبر فأتناولها فى حلقة منفصلة. (4) وقد أعاننى الصديق الاستاذ حسن البشارى، مدير تحرير صحيفة (الايام) السابق ورئيس قسم الاخبار الدولية بصحيفة (الشرق) القطرية حالياً فى رصد بعضٍ من نماذج الصحف السودانية التى انتزع اصحابها اسماء الصحف الاجنبية والصقوها على ديباجات صحفهم دون ان يطرف لهم جفن. وقد توقف بعضها عن الصدور فى مراحل مختلفة خلال السنوات الماضية بينما لا يزال البعض الآخر يواصل اصداره. من هذه الصحف: "الاخبار"، التى يملكها ويرأس تحريرها الصديق الاستاذ محمد لطيف، وكان قد اتخذ اسم الاخبار من قبله الصحافى الكبير رحمي سليمان. ثم "اخبار اليوم" وعليها الاستاذ احمد البلال الطيب، و"المساء" للاستاذ حسين خوجلى، و"آخر لحظة" ويرأس تحريرها الاستاذ مصطفى ابو العزائم. وجميعها منقولة من اسماء لصحف مصرية. و"الوطن" للاستاذ سيداحمد خليفة، وهو اسم لصحيفة كويتية شهيرة، و"الوفاق" التى اسسها الراحل المرحوم محمد طه محمد احمد وهو اسم لصحيفة عربية ايرانية، وهناك صحيفة رياضية سودانية باسم "صدى الملاعب" والاسم منقول من برنامج تلفزيونى يحمل ذات الاسم للمذيع الرياضى مصطفى الأغا بقناة دريم المصرية. ومن الصحف التى توقفت عن الصدور "النهار"، لصاحبها الاستاذ الكبير يحى العوض، وهو اسم لصحيفة بيروتية عريقة، ولكن الاستاذ يحى العوض استبرأ بعد ذلك من داء النقل والتقليد ولو لبعض الوقت حين اصدر مجلة باسم "القوم" وهو اسم من ابتداعه اذ لا ضريب له فى كل الدول العربية، ولكنه سرعان ما عاد إلى التقليد حين أصدر من لندن في نهاية التسعينات صحيفة "الفجر" المعارضة الممولة من دولة إرتريا، والإسم كما هو واضح منقول عن صحيفة "الفجر" الاصلية التي أسسها عرفات محمد عبدالله في أوائل القرن الماضي، وان كان التشبه بعرفات وتقليده مما يجوز ان ينطبق عليه المثل المأثور " التشبه بالرجال فلاح". وهناك صحيفة "السياسة" لرجل الاعمال خالد فرح وهو اسم شهير للصحيفة الاولى فى دولة الكويت، و"الدستور" للاستاذ محجوب عروة، و "الرأى" للمرحوم الاستاذ محمد مدنى توفيق وكلا الاسمين منقول من الاردن، و"الاتحاد" التى رأس تحريرها الاستاذ صلاح محمد ابراهيم وهو اسم لصحيفة ظبيانية عريقة، وقد أعاد اصدار "الاتحاد" مؤخرا القطب الختمى الكبير السيد عبدالله المحجوب. وكانت هناك ايضا "الحياة" للاستاذ محمد الياس السنى وهو اسم لصحيفة لبنانية عريقة تصدر حاليا من لندن، وان كان الراحل بشير محمد سعيد وشريكيه فى دار الايام قد نالوا قصب السبق فى مضمار انتحال هذا الاسم اذ اصدرا فى نهاية الستينات مجلة باسم "الحياة". والغريب ان حزب الجبهة الاسلامية القومية، الذى صدعنا تصديعاً بقضية الاصالة، وقف حماره التأصيلى عند عقبة اختيار اسم للصحيفة الناطقة باسمه خلال سنى الديمقراطية الثالثة فانتهى الى استيراد اسم (الراية) من دولة قطر واطلقها على صحيفته، وقد عجبت لذلك ايما عجب. وهناك حالة واحدة لصحيفة سودانية استوردت اسمها من الولاياتالمتحدة اذ انتحلت لنفسها اسماً كان الدكتور النور حمد وآخرين قد اتخذوه لصحيفة اصدروها من ولاية تكساس الامريكية فى بداية التسعينات وهو (الراى الآخر)، التى تعتبر اول صحيفة سودانية على الاطلاق تصدر فى الولاياتالمتحدة. تلقف الاستاذ محى الدين تيتاوى نقيب الصحفيين الحالى الاسم ونقله الى السودان وأسس تحته صحيفته التى اصدرها وترأس تحريرها فى العام 1995. ومن عجائب صحافتنا المحلية التى لم تقلد فيها احدا بل اتبعت فيه بنات افكارها اضافة بعض الصحف السودانية لكلمة ( الدولى ) لأسمائها دون ان تكون صفة الدولية منطبقة عليها. ومعلوم ان عددا من الصحف والمجلات حول العالم وبخاصة فى الولاياتالمتحدة واوربا تصدر طبعتين واحدة محلية موجهة للداخل واخرى دولية موجهة للقارئ العالمى، كما ان هناك صحفا عربية تصدر فى عواصم كبرى وتوزع مئات الالاف من النسخ فى اركان العالم الاربعة مثل "الشرق الاوسط" اللندنية وتكتسب من ثم صفة (الدولية). غير ان عندنا فى السودان صحف ممعنة فى المحلية، بل ومتواضعة التوزيع الى حد كبير فلا تبيع سوى آلاف لا تزيد على اصابع اليد الواحدة، وتذهب مرتجعاتها بالاطنان الى باعة الطعمية والفول السودانى، ومع ذلك تجدها تطرز اسمها وتوشيه بكلمة (الدولية). ويذكرنى ذلك بمنظر طريف رأيته فى مدينة القاهرة قبل عدة سنوات اذ شاهدت رجلا قمئ المنظر يقود دراجة متهالكة وقد ثبت فى مقدمة "رفرف" الدراجة العلامة المعدنية للنجمة الشهيرة التى تجدها فى مقدمة سيارات مرسيدس الالمانية! (5) والغريب ان تاريخنا الوطنى يكشف لنا ان الرعيل المؤسس فى مضمار الصحافة السودانية كان اكثر سموقا واعتزازا بالذات اذ تجانف النقل والتقليد، فباستثناء حالات نادرة كحالة صحيفة "التلغراف" التى اصدرها المرحوم صالح عرابى مترسما خطى الصحيفة البريطانية العريقة التى تحمل ذات الاسم، فقد التمس الرواد لصحفهم التى اصدروها قبل اكثر من خمسين عاما اسماءً سودانيةً خالصة لم تعرفها غيرنا من الدول التى كانت قد بلغت شأوا عظيما فى صناعة الصحافة. بل ان بعض هذه الدول – فى خطوة عكسية – كانت هى من نقل اسماء صحفنا السودانية واطلقها على صحف صدرت ولا زالت تصدر فى تلك البلدان. ما قولك فى أسماء كالحضارة، والفجر والصراحة، والسودان الجديد، والعلم، بفتح العين واللام، والميدان، وصوت السودان، والناس والزمان، والصباح الجديد، والنداء، والايام، والصحافة، والرأى العام؟ وقد اقتبست دول عربية بعضا من هذه الاسماء السودانية ووظفتها لتسمية مطبوعاتها، اذ صدرت فيها فى مراحل زمنية لاحقة صحف مقلدة لنا كصحيفة الايام فى كل من البحرين وفلسطين، والصحافة فى تونس، والرأى العام فى الكويت، والعلم فى المغرب، والفجر في مصر والجزائر. وذلك قبل ان يقدّر الله لذلك "المد" الصحافى والثقافى السودانى الجسور ان ينحسر وينكسر، ليبدأ عصر "الجزر" المتطاول حيث اصبحنا عالة على الآخرين وتُبّعا نقلد ما يصنعون، حذوك النعل بالنعل. وأكاد اظن ان اول مظاهر الوهن بالاتجاه الى النقل والتقليد تجلت فى العام 1959 حين اصدرت حكومة الانقلاب العسكرى بقيادة الفريق عبود صحيفة باسم (الثورة)، وكانت عدد من الدول العربية التى عرفت الانقلابات العسكرية قبل ذلك العهد قد اصدرت بالفعل صحفا عديدة تحت ذلك المسمى. (6) وكان من ضمن ما تداولنا فى حلقتنا الالكترونية أسماء الاحزاب والتنظيمات السياسية التى عرفها السودان فى تاريخه المعاصر، وادهشنى عند المراجعة ان وجدت الكثرة الكاثرة من اسمائها مستورد من الخارج. اسم اكبر واعرق الاحزاب السودانية وهو حزب الامة منقول بنصه وفصه من حزب الامة المصرى الذى كان يمارس نشاطه فى شمالى الوادى قبل الثورة المصرية. واسم الحزب الوطنى الاتحادى منقول من الحزب الوطنى المصرى بقيادة الزعيم مصطفى كامل، وقد سئل الرئيس الراحل اسماعيل الازهرى فى ندوة بجامعة الخرطوم عن مصدر كلمة الاتحادى التى تم الحاقها باسم الحزب فقال ( الاتحادى كلمة أضافها القدر). وكان ابو الوطنية السودانية الاستاذ احمد خير قد ذكر فى كتابه (كفاح جيل) ان تسمية مؤتمر الخريجين جئ بها بعد تمثل واستحسان تجربة حزب المؤتمر الهندى. وعندما اطلق الشيوعيون المصريون الاوائل على حركتهم مسمى "حدتو" (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى)، لم يتردد الشيوعيون السودانيون فى استيراد الاسم مع تغيير حرف واحد فقط اذ اطلقوا على تنظيمهم اسم "حستو" ( الحركة السودانية للتحرر الوطنى). وقد نقل الاخوان المسلمون السودانيون الاسم كما هو من مصر، تماما كما سكه مؤسس الجماعة الامام حسن البنا واستمسكوا به زمنا، حتى انفرد الشيخ حسن الترابى بالتيار الاوسع من تيارات الحركة الاسلامية وابتدع له أسماءً جبهوية مثل جبهة الميثاق الاسلامى والجبهة الاسلامية القومية وهى اسماء كانت قد استهلكتها التيارات اليسارية فى العالمين العربى والافريقى وامريكا اللاتينية. ولم يكن ضباط القوات المسلحة الذين انتظموا فى حركة اردوا بها احداث التغيير الثورى فى مايو من العام 1969 بأكثر أصالة وسودانية من غيرهم، اذ عجزوا عن سك اسم سودانى لتنظيمهم فجاءوا باسم (الضباط الاحرار) "سرةً فى خيط" من مصر المؤمنة واتخذوه لانفسهم أسما وعنواناً! كما ان اسم (ثورة الانقاذ الوطنى) الذى اتخذته العصبة المنقذة لانقلابها فى العام 1989 لم يكن سوى شعار مكرور ومستعاد، فقد استخدمت اسمى "الانقاذ الوطنى" ومرادفها "الخلاص الوطنى" قبلها اعداد تند عن الحصر من الحركات المسلحة والانقلابات والثورات الحقيقية والمزيفة حول العالم. وفى معتقدى ان الاستاذ محمود محمد طه كان هو الاكثر اصالة من بين مؤسسى الاحزاب الشمالية اذ اطلق على حزبه اسم الحزب الجمهورى. وفكرة الجمهورية هنا تجئ من ارضية المقابلة بين النظام الجمهوري والنظام الملكى، وكانت الملكية كنهج لحكم السودان مطروحة بشدة فى ذلك الزمان. ويختلف ذلك كليا بطبيعة الحال فكرة الجمهورية التى قادت الى انشاء الحزب الجمهورى الامريكى. غير انه لا بد من الاشارة الى ان عدداً من التنظيمات والحركات الجنوبية كانت قد ابتدعت لنفسها اسماءً محلية مثل (انيانيا) التى تأسست فى العام 1963 كجناح عسكرى لحزب سانو بقيادة جوزيف ادوهو، ثم تحول الى الجناح العسكرى لجبهة تحرير جنوب السودان. واسم انيانيا عبارة عن توليفة من حروف مستمدة من لغتى المادى والمورو وتعنى السم الزعاف الذى لا يمهل. وفى ذهنى ان هناك اسم لحركة انفصالية دارفورية قامت فى الستينات باسم (سونى)، ولم تكن الشركة اليابانية الشهيرة المنتجة للالكترونيات قد ظهرت بعد الى الوجود وطبق صيتها الآفاق، ولذا فاننى اغلب الظن ان يكون ذلك اسما محلياً، وربما اعاننى على فك شفرة ذلك الاسم واحد ممن عاصروا تلك الحركة او عرفوا عنها. ومن الاحزاب والجماعات ما تجاوز كونها كيانات سودانيه ذات اسماء مستوردة، اذ هى تعتبر فى نظر الكثيرين وكالات او فروع مباشرة لجهات اجنبية، ومن ذلك حزب البعث العربى الاشتراكى، بفرعيه العراقى والسورى. ومن ذلك ايضا جماعة انصار السنة المحمدية السعودية وفرعها السودانى، واللجان الثورية التى انتجتها وصدرتها الى السودان ليبيا العقيد. ومن الاسماء التى جاءتنا منقولة من الجمهورية الاسلامية الايرانية اسم تنظيم "شباب البناء"، الذى اتت به الجبهة الاسلامية القومية فى النصف الثانى من الثمانينات واقامت خلاياه فى هيئة تشكيلات عسكرية برغم مظهره المدنى. ثم تنظيم الدفاع الشعبى الانقاذوى الذى هو استنساخ لتجربة الحرس الثورى الايرانى. غير ان الذى لا خلاف عليه هو ان الاسم الذى اتخذته العصبة المنقذة لحزبها الحاكم، وهو "المؤتمر" الوطنى انما هو بدوره اسمٌ منتحل انتحالا مركباً. انتحله اولا الذين استوردوه من الهند ووظفوه لتسمية "مؤتمر" الخريجين، ثم انتحلته الجماعة التى كان يقودها القاضى الوطنى عبد المجيد امام، وكان قد أسس حزباً باسم "المؤتمر" عقب الانتفاضة الرجبية فى 1985، ثم قامت "جماعة الدكاترة" التى كان على رأسها الدكتور تيسير محمد احمد و الدكتور عمر عبود والدكتور شاكر زين العابدين فى ذات الحقبة الزمنية بانتحال نفس الاسم مرة اخرى فأطلقت على تنظيمها اسم حزب "المؤتمر" وذلك تحت شعار: (يا عزيزى كلنا منتحلون). وعقيب اندلاع الثورة المنقذة تداولت المجموعة الحاكمة حول مسألة خلق تنظيم سياسى يستوعب جمهورها وفكرها، وانتهى بها التفكير (العميق)، الذى هو دأب العصبة المنقذة، الى اعادة انتحال نفس اسم "المؤتمر" للمرة الرابعة فى تاريخ السودان فاتخذته اسما لحزبها الحاكم، وكأن الاسماء قد شحّت فى السوق وانعدمت. وكان الراحل القاضى عبد المجيد امام هو الوحيد الذى نازع العصبة المنقذة حول ذلك الاسم باعتبار انه كان قد أسس حزبا شرعيا تحت مسمّاه، ولكنه داخ سبعة دوخات واصيب بالدوار فى سراديب ومسارب القضاء الانقاذوى دون يتمكن من الحصول على حكم يرد له حقه. بارك الله فى الهند، وفى آبائها المؤسسين، وعلى رأسهم المعلم العظيم المهاتما غاندى، ونفعنا ببركات (أسمائها) الخالدة، مثل اسم "المؤتمر"، الذى كاد ان يتحول فى تاريخنا المعاصر الى "فيلم هندى"!! --------- (نواصل). نصوص خارج السياق (فى هذه الزحمة من الجمال والالحان الشجية ولد عثمان ألمو، من أبناء البرتة. ليس هذا هو اسم والده. انما هو اسم التاجر الحبشى الذى كان والد عثمان ألمو يعمل عنده. والاحباش تطلق اسم ألمو على الرجل والمرأة على السواء، واحيانا يقولون: المايو. وعثمان من الفنانين الذين لا يعرفهم الكثير من ابناء هذا الجيل، وهو اول فنان جاز فى السودان، قبل فرقة نجوم بحرى والديوم وشرحبيل احمد. ولولا معاصرة احمد مرجان له لكان عثمان ألمو هو امير الحان المارشات العسكرية. أكثر ما يؤلمنى هو ان الحان عثمان المو الجميلة من المارشات، المستوحاه من الحان الفولكلور للقبائل السودانية، قد اصبحت هى مارشات الفجر للانقلابات العسكرية. اسمعوا له فى لحنه الخالد "انا ليتنى زهرٌ" من غناء رمضان زايد وكلمات الشاعر مبارك المغربى. ضرورى يا قصى همرور "تكشكش" لينا الصادق شيخ الدين ليلقى لنا الضوء على موهبة هذا الفنان المتميز). مقتطف من مداخلة للدكتور عاصم حامد فى خيط بعنوان: "المو لمن فاتهم الاستماع" بصالون الجمهوريين على الشبكة العنكبوتيه. عن صحيفة ( الأحداث ) مقالات سابقة: http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%E3%D5%D8%DD%EC%20%DA%C8%CF%C7%E1%DA%D2%ED%D2%20%C7%E1%C8%D8%E1&sacdoid=mustafa.batal