عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. حق اللجوء الى العدالة من الحقوق الأساسية للإنسان نصت عليه جميع المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لكن في بعض الأحيان لا يستطيع الشخص الذهاب للمحكمة لاقتضاء حقوقه بسبب عدم قدرته المالية أو تحمل تكاليف ورسوم التقاضي ، ويحتاج الى المساعدة القانونية سواء من قبل الدولة او من قبل المنظمات أو الافراد ، وتقديم المساعدة يكون بالاستشارات القانونية أو بالتمثيل القانوني والظهور نيابة عنه أمام المحاكم. والمساعدة القانونية حق يجب على الدولة أن تكفله للمواطنين باعتباره الضمان الوحيد والسبيل الأمثل للوصول للعدالة وفي تكافؤ الفرص وفي التقاضي واللجوء إلى المحاكم ، ويعتبر من متطلبات حق الدفاع والمحاكمة العادلة، عملا بمبدأ المساواة بين أمام القانون والمحاكم بصرف النظر عن مقدرة الشخص المالية . ومصطلح " المساعدة القانونية " كما جاء في مبادئ الأممالمتحدة يشمل : المشورة والمساعدة والتمثيل القانوني للأشخاص المحتجزين أو المقبوض عليهم أو المسجونين أو المشتبه بهم أو المتهمين بارتكاب جرائم وللضحايا والشهود في إجراءات العدالة الجنائية . وتأتي اهمية المساعدة القانونية المساهمة في انها تساعد في خفض وتقليص مدة الإحتجاز والحبس للمشتبه فيهم بارتكاب جرائم ، والتقليل من الادانات الخاطئة واكتظاظ دور التوقيف والحبس ، وتساهم في زيادة نسبة الوعي القانوني وتبصير المواطنين بحقوقهم مما يجنبهم الوقوع في الجرائم . بعض الأنظمة القانونية ربطت الحق في المساعدة القانونية بحالة (الضرورة) التي تقتضيها مصلحة العدالة، بحيث يتم النظر الى الحالة ومن ثم التقرير بشأنها هل تستحق مساعدة قانونية ام لا ، وتعتمد هذه الأنظمة في تقدير "مصلحة العدالة" على خطورة الجريمة وما يترتب عليها من مالات في حال عدم وجود مساعدة قانونية للمتهم او المقبوض عليه، وأيضا تعتمد على العقوبة المحتمل صدورها في مواجهة المتهم ومدى تعقيد القضية وإجراءاتها ، حيث جاء في المبدأ الأول من مبادئ الأممالمتحدة بشأن سبل الحصول على المساعدة القانونية في نظم العدالة الجنائية المعتمدة من الأممالمتحدة : (ينبغي على الدول أن تكفل التمتع بالحق في الحصول على المساعدة القانونية في نظمها القانونية الوطنية على أعلى مستوى ممكن ، بما في ذلك الدستور) ، وهذا يمثل اقرار بأهمية المساعدة القانونية واعتبارها عنصرا أساسيا من عناصر العدالة الجنائية التي تقوم على مبدأ سيادة القانون والمحاكمة العادلة. وأيضا جاء في المبدأ (6) من مبادئ أساسية بشأن دور المحامين التي اعتمدها مؤتمر الأممالمتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بهافانا 1990م " يكون للأشخاص الذين ليس لهم محامون الحق في أن يعين لهم محامون ذو خبرة وكفاءة تتفق مع طبيعة الجريمة المتهمين بها، ليقدموا إليهم مساعدة قانونية فعالة، وذلك في جميع الحالات التي يقتضي فيها صالح العدالة ذلك، ودون أن يدفعوا مقابلا لهذه الخدمة إذا لم يكن لديهم مورد كاف لذلك" والمادة (14/3/د) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية : « ... أن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكما، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر» في السودان المساعدة القضائية تقوم بها جهتين ، الجهة الأولى : هي إدارة العون القانوني بوزارة العدل التي انشأت بموجب قانون تنظيم وزارة العدل ، حيث تقوم هذه الإدارة بتقديم المساعدة القانونية للمواطنين في حال ثبوت اعسارهم وعدم قدرتهم على دفع تكاليف التقاضي أمام المحاكم استناداً على مبدأ دستوري جاء في المادة (34/6) من دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م : « يكون للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه شخصياً أو بوساطة محامٍ يختاره ، وله الحق في أن توفر له الدولة المساعدة القانونية عندما يكون غير قادرٍ على الدفاع عن نفسه في الجرائم بالغة الخطورة» . الجهة الثانية : نقابة المحامين وهي تقوم بهذا الدور منذ أمد بعيد ذلك استناداً لقانون المحاماة لسنة 1983م بتعديلاته المختلفة ، تقرر لجنة قبول المحامين منح المساعدة القضائية بما فى ذلك تقديم النصح القانوني والحضور أمام المحاكم اذا تقدم لها أحد طرفي الدعوى المدنية طالباً المساعدة القضائية وثبت للجنة أن طالب المساعدة القانونية معسر وعاجز عن دفع أتعاب المحاماة وأن هناك أسباباً معقولة للدعوى التي أقامها أو المقامة ضده ، أو اذا طلب وكيل وزارة العدل أو احدى المحاكم الجنائية من اللجنة تعيين محام للدفاع عن متهم، ذلك استناداً لما هو منصوص عليه في دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م المادة (134/2) " تُعنى المحاماة بالحقوق الأساسية للمواطنين وتحميها وترقيها ويعمل المحامون لدفع الظلم والدفاع عن الحقوق والمصالح القانونية لموكليهم ويسعون للصلح بين الخصوم، ويجوز لهم تقديم العون القانوني للمحتاجين وفقا للقانون " قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م نص على حالات محددة للمساعدة القانونية ، حال كان المتهم معاقب بالسجن مدة عشرة سنوات او اكثر او معاقب بالقطع او بالإعدام ، حيث نصت المادة (135) " إذا كان المتهم بجريمة معاقب عليها بالسجن مدة عشرة سنوات أو أكثر أو بالقطع أو بالإعدام معسراً فعلى النائب العام أن يُعيِّن من يدافع عنه وتتحمل الدولة كل النفقات أو بعضها " ، هذا النص يعتبر جيد أذ انه يلزم الدولة بتقديم العون القانوني بصفة وجوبية في الجرائم الخطيرة (الإعدام - القطع - السجن عشرة سنوات فاكثر) واذا الدولة لم توفر المساعدة القانونية للحالات التي وردت على سبيل الحصر في هذه المادة تعتبر المحاكمات باطلة وتمثل اجهاض للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة ، لكن هذه المادة تشير خروج الجرائم المعاقب عليها بعقوبات اخرى غير المنصوص عليها عن نطاق تقديم المساعدة القانونية، وهذا مسلك خطير يخالف المادة (14/3/د) من العهد الدولي التي تلزم الدولة بتعيين محام للدفاع عن المتهم متى ما كان معسراً بصرف النظر عن نوع الجريمة أو عقوبتها ، خاصة اذا علمنا ان هناك عدد كبير من الجرائم معاقب عليها بعقوبات تعتبر عند الكثيرين عقوبات غير يسيرة ويحتاج مرتكبيها الذين لا يملكون المال لتكليف محامين للدفاع عنهم للمساعدة القانونية . كانت المادتان (212) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1974م والمادة (193) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1983م تنصان على أنه يحق لأي شخص متهم أمام أي محكمة جنائية الحق في أن يدافع عنه مترافع ، على أنه في حالة الجرائم الخطيرة إذا كان المتهم معسراً يقوم النائب العام بناء على طلب المتهم بتعيين من يدافع عنه وتحمل كل أو جزء من النفقات متى ما إقتنع النائب العام أن في تعيين محامي ضرورة تقتضيها العدالة ، ومن الملاحظ في المواد المشار اليها في القوانين السابقة ان حق المساعدة القانونية ربطت بمعيارين ، المعيار الأول : (الجرائم بالغة الخطورة) والمعيار الثاني : (اقتناع النائب العام) ، والقانون الحالي اشترط لتقديم المساعدة القانونية (جرائم معينة معاقب عليها بعقوبات محددة)، وبالنظر لما هو مطبق في بعض البلدان الأوروبية والدول الحديثة نجد أن ما عليه العمل في السودان في كل القوانين لا يتماشى مع قيم العدالة وحقوق الانسان وكفالة حقوق الدفاع ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، وهذا يمثل مصدر قلق للعديد من الهيئات والمنظمات المهتمة بحقوق الانسان التي تسعى الى ان يتلقى أي معسر المساعدة القانونية اللازمة بغض النظر عن نوع القضية والعقوبة المترتبة عليها. والمساعدة القانونية تصطدم في معظم البلدان بشح الموارد وامكانيات الدول ، وعدم قدرة الدولة على تقديم المساعدة يجعل النص عليها في الدساتير والقوانين مجرد عبارات للتزيين ، وتظل حبرا على ورق مالم يتم التغلب على هذه المشاكل بإستقطاب الجهد الشعبي وتفعيل العمل الطوعي في أوساط المحامين والمؤسسات والجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان وتخصيص جزء من ميزانية الدولة ، وسن قانون خاص بالمساعدة القانونية والعون القانوني وتعزيز نشر الثقافة القانونية وإتاحة المعلومات وشرح الإجراءات وكيفية الاستفادة من الخدمات ، تحقيقاً للعدالة ومساعدةً للضعفاء والمحتاجين والدفاع عن حقوقهم ، من اجل تكافؤ الفرص في الوصول للعدالة والمحاكم .