كانت مناظر بديعة ومبهرة.. عشرات القرى على جانبي طريق التحدي الخرطوم – عطبرة وقد اشرأبت فيها أعمدة الكهرباء لتنير الظلام كأنها في عرس مستمر.. الغبطة كادت تخلعني من مقعدي في السيارة التي أقلتني الأسبوع الماضي إلى مدينة الحديد والنار لأداء واجب عزاء.. ومع تقاصر المسافات واختزال الزمن بفضل الطريق المسفلت كانت مظاهر التنمية أكثر وضوحا وإسفارا كلما أقتربت السيارة من مدينتي عطبرة والدامر. قرية لا يتعدى عدد بيوتها العشرة دخلتها الكهرباء.. وهذه الكهرباء لم تدخل لأجل مشروع تجاري ما بل دخلت خصيصا لفائدة أولئك المواطنين الذين قبضوا على الجمر سنين عددا.. حياتهم كانت تمور مورا شديدا بالأعباء وبالصعاب.. لطالما بكت تلك القرى وانتحبت حتى تصدع قلبها لسوء حظها فقد ألقت بها الحكومات المتعاقبة في عوالم النسيان.. لم يكن هناك محل لحظوظ الأنفس في حياة أهلها.. كل تلك المعاناة تذكرتها بينما كانت السيارة تضرب شارع الأسلفت ضربا فراحت صور المعاناة تعبر خواطري كتلك السحب التي راحت تعبر السماء تحت النجوم. أما اليوم وبعد أن كحّلت تلك القرى عينها بالكهرباء فهي تستشرف للمستقبل مطالع جديدة ورشيدة.. فالكهرباء التي استعصمت بالبعد حينا من الدهر أحالتها التنمية المتسارعة إلى حقيقة واقعة.. تلك التنمية التي أصبحت تفيض على السكان الحماية والأمن والثبات.. اليوم نقول بثقة إن إدعاءات أوكامبو وتلميحات (الجنائية) ستذهب أدراج الرياح.. فالشعب الذي حصل على كل هذه المكاسب التنموية أصبح يتمتع بقدرة فائقة على التحدي سرعان ما ينسى معها أي المنغصات أو خزعبلات. إن فجر السودان جميل في رداء ليل مضى بغير رجعة وابتسامة نهار مقبل لا مدبر.. ليل كان ديدن المشاريع (التنموية) فيه الموت قبل الميلاد.. كل مشروع منها كان كرجل ضخم يدب ثقيلا ويسعل في كل خطوة.. إن الدرس المستفاد من معركة التنمية أن أكثر ما نحتاجه هو إعمال الفكر والخيال أكثر من حاجتنا لسن الألسن. [email protected]