بالرغم من عدم متابعتي -مع الأسف الشديد- للمنتج الدرامي السوداني لسنوات طويلة، إلا أن الجدل الذي عم وسائل التواصل الإجتماعي مؤخراً دفعني لمشاهدة عدد من حلقات مسلسل "عشم". بعد المشاهدة -السريعة- عبر الإنترنت لأجزاء مختلفة من المقاطع بدأت أفكر في كتابة تعليق يناسب ما شاهدته من نقاط سلبية وإيجابية شملتها هذه المقاطع من حلقات المسلسل، وبطبيعة الحال فكرة المسلسل نفسها. الحقيقة أعجبني تعليق أحد السودانيين وقد اختار أن يعرِف نفسه أسفل التعليق في اليوتيوب باسم "أضرب الهم بالفرح"، وكتب ساخراً: (والله اني أحب السودانيين "وايد" .. شعب عظيم ربي يوفقكم .. أخوكم من كردفان). أكتفيت بهذا التعليق، يقيناً بأن اهل السودان -والحمد لله- لا يزالون بخير، وهناك أعداد كبيرة من عامة أبناء الشعب والمثقفين -المحافظين- يدركون مزايا الإرث الثقافي السوداني بجمالياته المعروفة ويسخرون من الواقع الدخيل. ثمة أمل ان تستمر قوة التحصين الثقافي المكتسب طبيعيا لدى مكونات المجتمع السوداني من مثل هذه الاجتهادات المنحرفة. رغم قناعتي بأن شرائح واسعة من الجمهور لا تزال تتمسك بالطابع المحافظ للتقاليد السودانية أمام التسارع في جرأة بعض المؤسسات الإعلامية السودانية -التجارية- الساعية للربح، وتجاوزها للتدابير التي تحول دون كسر الموروث والخروج من عباءة الثقافة السودانية المتأصلة في الشخصية السودانية بالفطرة. بكل صدق أرى ان الايجابيات التي شملها المسلسل تكمن في ظهور وجوه شابة جديدة بإمكانها إثراء المشهد الدرامي السوداني، ولا يجب ان يحبطها التعرض للنقد البناء من زوايا ثقافية، وهنا لابد ان نعترف انه لا تثريب على الأداء الفني للأفراد. ولكن من الواضح ان كاتب السيناريو لهذا المسلسل ركز جهده في تماهي الشباب مع الوتيرة المتسارعة للانحرافات الثقافية، واختزل جُلّ العادات والتقاليد العريقة في ممارسة شرائح -محدودة- من بين المقيمين خارج السودان، أولئك الذين تأثروا بثقافات عربية أو ربما أجنبية دخيلة على الواقع السوداني بشكله التقليدي، وبالتالي هذا العمل تناول العادات السودانية العريقة من منظور قلة لا تنظر للمعيار الثقافي السوداني من زاوية الحفاظ على الموروث وانما سرعة التأثر بالعوامل الكامنة في التفسخ الثقافي وبعض توجهات المجتمعات الهشة، وبالتالي الخروج على القيود الصارمة التي رسخت لها الثقافة السودانية باعتبارها وليدة مجتمع محافظ ضاربة جذوره في عمق التاريخ كإمتداد لحضارة راسخة عمرها يفوق الخمسة آلاف سنة!. مع ذلك، اذا جاز لى ان أضيف كلمة واحدة لتعليق الأخ السوداني الأصيل الذي سمى نفسه "اضرب الهم بالفرح"، سأقول: أن الاسم الأفضل لهذا العمل الفني هو مسلسل "وهم" وليس "عشم"، لأن العمل يوهم المشاهد بواقع لا يعبر عن ثقافة غالبية المغتربين ناهيك عن الشعب السوداني كله. ومن جهة أخرى فإن التسارع في انتاج البرامج التلفزيونية المنحرفة يشكل خطرا على المجتمع السوداني كله، وهنا على الجهات المختصة القيام بواجباتها كاملة في صياغة المعايير المطلوبة بداية من مرحلة الإعداد واختيار الفكرة والتدقيق في كتابة النص وان تشترط على هذه المؤسسات -الربحية- ضرورة مراعاة جانب رفع الوعي والارتقاء بالمحتوى الفني حفاظا على الهوية السودانية بما يقود لتحصين المجتمع السوداني من الظواهر الدخيلة والترويج للثقافة السودانية الأصلية، ترسيخا لسلامة المسلك الاخلاقي والتأصيل للممارسة الدينية القويمة -مظهرا وسلوكا- والاستفادة من الإرث الثقافي الديني بتفعيل العادات المتوافق حولها وليس البدع الدخلية على المجتمع -المختلف حولها- والتي فرضتها حالة الانفتاح الفوضوية التي جسدتها الفضاءات المفتوحة. مسلسل "عشم" لم يعتمد الفكرة والقصة كأساس وانما شكليات وحالات شاذة لفئة محدودة لا يمكن إسقاط ممارساتها وسلوكياتها على المغتربين أو المهاجرين بصورة عامة. وبالتالي فإن هذا المسلسل يعبر عن قناعات فردية ومغالاة لفئات محدودة في المجتمع "المتفرجن أو المستعرب"، لا يجب ان تعمم على الحالة السودانية المتأصلة رسوخا بسماحة عادات وتقاليد أهل السودان وان كانوا خارج حدود الوطن العظيم!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. //////////////////
أرض السمر.. حلقة بارا "ناقصة"! .. بقلم: خالد الإعيسر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. بداية أحيي الجهود التي بذلها الأخ الصديق العزيز المخرج البارع سيف الدين حسن في التوثيق للسودان بصفة عامة عبر سلسلة أفلام أرض السمر (السودان كما لم تره من قبل) . وأشكره تحديدا على الحلقة الخاصة بمديني بارا -مسقط رأسي- والتي أُنتجت وبثت في رمضان هذا العام 2018م. لقد شاهدت الحلقة التي سلطت الضوء على تاريخ هذه المدينة العريقة عبر الإنترنت اليوم، وعادت بي الأشواق لمراتع الطفولة والصبا حيث عشت أيامي الجميلة، واستدعت الذاكرة مقولة خورخي لويس بورخيس "نحن لا نسكن إلا الأماكن التي نغادرها" وبارا لا تزال مزروعة في الأعماق رغم بعد المسافة. الحقيقة -وبكل أسف- ان الحلقة لم تعبر عن جوهر تاريخ هذه المدينة بصورة عميقة وشاملة، وتجاوزت العديد من المحطات التاريخية المهمة للغاية، ربما الخطأ -والله أعلم- ينسب لابن المدينة المؤرخ المعروف الأستاذ خالد الشيخ حاج محمود، أو الراوي "الفلسطيني" دكتور أسامة الأشقر، أو المخرج القدير سيف الدين حسن مدير شركة نبته الإنتاج الفني والإعلامي، أو فريقه العامل، والذي سبق وان أنتجت معه فيلمين (الأول: في غياهب غوانتانامو.. والثاني: رجل من كرمكول)، وبثتهما قناة "الجزيرة" وأحدهما بثته "قناة الشرقية نيوز" ابتداءا، لذا أعلم جيداً مدى تجويد الأستاذ سيف الدين حسن لمثل هذه الأعمال الوثائقية ومهاراته الفنية الفائقة التي يشهد عليها فوزه بالعديد من الجوائز الدولية، وايضاً كفاءة فريق عمله وتميزه. لكن للأسف هذا التوثيق عن مدينة بارا شابته بعض الملاحظات وتناول الأمور بسطحية تجاوزا -المؤكد أنه أمر غير مقصود- ولكن عدم ذكره لأهم المكونات السكانية بالمدينة والمنطقة "كما هو حال قبيلة دار حامد ودورها التاريخي" يعد أحد أهم هذه الملاحظات السالبة، بالإضافة لعدم ذكره لشخصيات مهمة أيضا داخل المدينة كان لها سهمها -المعروف- في سجل التاريخ. أيضا هناك ملاحظة مهمه للغاية ارتبطت بالحقبة الاستعمارية تمثلت في حرق العلم الإنجليزي "في حالة نادرة لم تحدث في أي بقعة أخرى بالسودان"، للأسف لم يتطرق لها في التوثيق. الخلاصة هي أن هذا العمل يجد منا كل التقدير ولكن لابد من إجراء حلقة أخرى مستقبلاً لأن تاريخ مدينة بارا العريقة اكبر من أن يتم تناوله في دقائق معدودة، ومن زاوية أغنية "ليمون بارا" التي تتضمن خلطا للإرث الثقافي ربط المدينة بإيقاع مناطق جنوب غرب كردفان بينما إيقاع سكان المنطقة هو الجراري الذي اشتهرت به قبائل الأبالة في شمال كردفان!. وان كان من كلمة تشفع للتجاوزات في مثل هذه الأعمال الفنية الكبيرة والمهمة فإن شعار البرنامج يقول: (حاولنا نبقى دليل نعكس صور للغير)، إذن لهم أجر المحاولة على أي حال، لا سيما وانهم يجتهدون لعكس صورة إيجابية عن جماليات كل أرض السودان!. شكراً لأسرة سلسلة "أرض السمر" وتمنياتي القلبية الصادقة لهم بالتوفيق في أعمالهم المستقبلية، وثقتي كبيرة في قدرات الأخ سيف الدين حسن ومجموعته المميزة لعكس الوجه المشرق للسودان وشعبه الأصيل!.