صحافي سوداني مقيم في واشنطن [email protected] بعد مرور قرابة الأسبوعين على التحدي الذي طرحه مرشح حزب الأمة القومي للرئاسة، السيد الصادق المهدي، على الرئيس عمر البشير، بطلبه مناظرة تجمعهما، بل وتشمل كل مرشحي الرئاسة، لم يفتح الله على جماعة المؤتمر الوطني بكلمة واحدة سلبا أو إيجابا.ففي الحوار الذي أجراه معه، في منزله في أم درمان، سأل مقدم برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة واسعة الانتشار، الزميل أحمد منصور، سأل السيد الصادق المهدي: هل تقبل بقيام مناظرة بينك وبين الرئيس البشير؟ فأجاب المهدي:لا أقبل، بل أطلب. رمى الصادق المهدي، بكل حنكة واقتدار، بالكرة إلى ملعب المؤتمر الوطني، لكنهم غضوا الطرف إلى غاية الآن، وخرجوا بالصمت "الثقيل" عن لا ونعم.وكم هو قاسٍ فعلا أن يصمت الذين اعتادوا الكلام، واعتادوا التهديد والوعيد، على وعيد "ناعم" من قبل رئيس حزب الأمة، الذي يدرك أن الدعوة التي وجهها لجميع منافسيه، بمن فيهم البشير، المعنيّ بها فعلا، هو البشير لا سواه، فالمهدي على وفاق مع غالبية المرشحين الآخرين الذين تتفق برامجهم في حدها الأدنى على إنهاء الحكم الديكتاتوري الذي استمر عقدين حتى الآن وخلّف مأساة وطنية تجل عن الوصف. كيف السبيل إلى هذه المناظرة إذن؟ في اعتقادي أن حال البشير حيال هذه المناظرة كحال من يدفعه الآخرون - عاريا وبلا سلاح - إلى ساحة منازلة، غريمه فيها بكامل عدته وعتاده، لا، بل ويرجو الآخرون في هذه الحال منه، نصراً مبينا.لكن الآخرين لم يدفعوا البشير إلى غاية الآن إلى قبول هذه المخاطرة فهم، بل وهو نفسه، يعرفون نتائجها الوخيمة سلفا، ولا مناص في هذه الحالة من تجاهل الدعوة الواضحة المبثوثة إلى أركان الأرض الأربعة إلى المبارزة. مستشارو البشير وبطانته يعلمون أن موقفه أصلا ضعيف، ولولا استشعارهم الخطر لما بادروا إلى طرق أبواب الحركة الشعبية لاستجداء تنازل السيد ياسر عرمان لفائدة البشير.الغريب أنهم هُرعوا إلى الحركة الشعبية، في حين أن بعضهم لا يزال مصرّا على ضمان فوز البشير وبفارق كبير عن الآخرين.لا، بل وفضحوا أنفسهم بهرولتهم إلى جوبا طلبا لنصرة الحركة الشعبية - الكافرة، النصرانية في عرفهم - وهم الذين حركوا سابقا جماعاتهم لاصدار بيان يكفّر من ينتمي إليها، بل ولم يتركوا رذيلة إلا وألصقوها بياسر عرمان وباقان أموم تحديدا.الأنكى من ذلك أن خال الرئيس، الصحافي النحرير والمثقف الخطير والعلّامة الذي بزّ الخلق أجمعين، الطيب مصطفى بشرنا بالويل والثبور، وعظائم الأمور، والمراقص التي ستفتح في قلب عاصمتنا الحضارية، والحانات التي ستبذل شرابها للعطشى في الشوارع المتوضئة في الخرطوم، إذا فاز ياسر عرمان بالرئاسة، هذا الياسر الذي لا يصلح حتى لقيادة أسرته حسب الطيب مصطفى، الذي قال فيه ما لم يقل مالك في الخمر، ولم يشجب أحد قادة المؤتمر الوطني كلامه هذا حتى ولو من باب الدبلوماسية والمصالح مع الحركة الشعبية. وبعد تمنع الحركة الشعبية ورفضها الواضح لاستجداء المؤتمر الوطني، وانكشاف ظهره بهذه الطريقة، وانتعاش آمال السودانيين في إمكان الإطاحة بالبشير وحزبه، لو توفرت للإنتخابات أدنى شروط النزاهة - وفي تقديري، هيهات - فليس أمام المؤتمر الوطني سوى غض الطرف نهائيا عن مناظرة كهذه، سواء مع الصادق المهدي أو مع ياسر عرمان،. البشير الذي لم يجد شيئا يذكره ضد رئيس الوزراء السابق سوى اضاعة وقت البلاد في كثرة الكلام، يعجز اليوم عن دفع هذا الاستحقاق الإنتخابي ، فكيف بحزب يكون واثقا كل هذه الثقة في فوز مرشحه الرئاسي، ثم لا يستطيع دفعه لإجراء مجرد مناظرة مع مرشح آخر؟ وكيف لا تتوفر أدنى ثقة بالنفس لدى هذا المرشح الرئاسي لخوض غمار مجرد مناظرة يطرح من خلالها رؤاه وتصوراته وبرنامجه الإنتخابي، اللهم إلا إذا كان برنامجه أفرغ من فؤاد أمّ موسى؟ وكيف يستقيم بالفارس الجحجاح أن يلوذ بالفرار من مجرد مناظرة، لا معركة عسكرية؟ أليست هذه فضيحة تُضاف إلى فضائح المؤتمر الوطني، ودلالة واضحة على صعفه وضعف مرشحيه؟ كيف سيقنع شعبه إذن هذا المرشح؟ كيف سيقنع الناس وهو عاجز عن مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق؟ كيف وهو وحزبه يختبئون من مجرد مناظرة، ولا يفتح الله عليهم بكلمة واحدة حيالها؟ أهو الخوف؟ أهي الثقة المعدومة بالنفس؟ أهو الشعور بقصر القامة الفكرية والثقافية والسياسية حتى بعد 20 عاما من السلطة؟ أهو الاحساس الدائم بأن العماد الرئيس لهذه التجربة كلها هو حزب السلطة وأجهزة الأمن ومنطق القوة لا قوة المنطق؟ أم أن البشير - بعد تجربة صلاح قوش مع أهل منطقته - يخشى أن يكون على كل لسان، خاصة أن غريمه لا تنقصه السخرية، ولا الثقافة، ولا الفكر؟ كان عنترة بن شداد يقول دائما إنه يبدأ المعركة بضربة على عنق رجل ضعيف تهتز لها قلوب الفرسان، لكن، حتى ذلك الرجل الضعيف التعيس كان على الأقل شجاعا في دخوله إلى ساحة الوغى. فكيف بساحة يصول ويجول فيها فارس متوعدا آخر، وداعيا إياه للنزال، والآخر متحصن بصمت غير بليغ على الإطلاق، فهل تُرى سيتزحزح البشير عن موقفه وينزل إلى الحلبة الساخنة؟