في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    من يبتلع الهلال… الظل أم أحبابه؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان: القارة الملغومة .. ورعود الانتخابات .... بقلم سليم عثمان
نشر في سودانيل يوم 22 - 03 - 2010


Saleem Osman [[email protected]]
كنت أنوى أن أخصص مقال هذا الأسبوع لعيد الأم ، فتذكرت أننى فقدتها منذ عام رحمها الله رحمة واسعة وكل نساء ورجال المسلمين .، . » ، لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، خلال الأسبوع المنصرم ،والانتخابات على الأبواب ،والكل ينشد ود الناخبين وكل كاميرات وميكرفونات شبكات التلفزة العالمية ، قد جعلت السودان وجهتها وقبلتها ،وكارتر ورهطه وجيوش أوربا كلها ، ومنظمات العالم المعنية بالانتخابات والمجتمع المدني السوداني كله مهموم بمراقبة الانتخابات والكل يرجو ويتمني ان تجري فى سلام وهدوء وشفافية ونزاهة .،وقناة الشروق والنيل الأزرق تقومان بدور كبير فى زيادة حرارة الطقس الانتخابي وقناة الجزيرة تدخل على الخط ليتابع ملايين الناس المهرجان الانتخابي الكبير .
لا يستطيع المرء . أن ينام داخل بيته هذه الأيام، حيث ترتفع حمي الانتخابات وحرارة حملات المرشحين الانتخابية ، سواء كانوا يغازلون كرسي الرئاسة ، الذى أصبح مقدسا عند البعض ،أو دائرة جغرافية نائية فى قارة مترامية الأطراف، تسمى السودان ،لم يتذكرها السادة المرشحون الا هذه الأيام ،فراحوا يخطبون ود أهلها علهم يحملونهم الى حيث قبة البرلمان الوطني، أو حتى مجلس تشريعي فى الولاية الشمالية، أو ولاية الوحدة ،أو ولاية القضارف أو ولاية شمال دارفور ،لغة الخطاب اختلفت كثيرا بين مرشحي الرئاسة ،فراح مرشح المؤتمر الوطني يبشر الناس بفوز كاسح على خصومه وبحل وشيك لقضية دارفور بعد توقيع اتفاقين إطاريين مع حركتين متمردتين من الإقليم .أهمهما .حركة العدل والمساواة ،بعد أن كان بينهما ما صنع الحداد، ولعل ذلك من بشريات تطبيع العلاقات بين الخرطوم وأنجمينا ،فالخبر القنبلة الذى أطلقه مرشح المؤتمر الوطني، السيد عمر البشير فى هذا الصدد ،ما يزال يثير صدي واسعا فى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ،كونه حمل معه أمالا عراضا لمئات الالاف من سكان دارفور،الذين أخرجتهم الحرب من ديارهم دون جريمة ارتكبوها ، حيث وضعتهم الأقدار بين نيران الأطراف المتقاتلة ،فلم يجدوا بدا من الفرار ،الى حيث الحياة ولا حياة ،الى معسكرات تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة، ينتظرون اغاثات أولئك القوم البيض ذوي العيون الخضر، علهم يجودون عليهم ببعض الفتات ،بعد أن كانوا رجالا ونساء أعزة فى قراهم ،يزرعون ويرعون أبلهم، لا يعكر صفو حياتهم سوى حادث نهب فردي على مواشيهم، أو قتل فرد منها كحدث طبيعي، كان يقع فى كل حين ، فكانوا يحلونه بالجودية ، التى عرف بها إنسان دارفور ،وكان طبيعيا أن تختطف القضية من بين أبناء الإقليم لتصبح قضية عالمية ،وتصبح أجندة لدول فى محيطنا الإقليمي والدولي ، وتصبح قضية واضحة المعالم تتمثل فى عدم التوزيع العادل للثروة والسلطة وإزالة الغبن والتهميش الذى ران فى فضاءات الإقليم ردحا من الزمن، لتصبح ساحة للمزايدات بين الحكومة والحركات التى تحمل السلاح ،والتي بدورها أخذت تنشطر وتتشظي ،مما زاد من معاناة مواطني الإقليم ، حتى جاء توقيع الحكومة مع الحركتين لبشر بقرب طي تلك الصفحة السوداء، من تاريخ السودان الحديث ،.الاتفاق على النقاط الخلافية الرئيسية بقضايا التوزيع العادل للثروة والسلطة مع التداول السلمي لها والتعويضات والحواكير وغيرها من الأمور التى لابد أن يكون محلها طاولة التفاوض .
كل الذى حدث مؤخرا فى الدوحة لم يعجب كثيرين من أهل المعارضة سيما فى هذا الظرف الذى يسعي فيه الجميع لملئ شباكهم من غنيمة الانتخابات ، اصواتا من الناخبين على كل المستويات وبالطبع لم يعجب عبد الواحد نور كون بعض رفاق دربه أصبحوا يركبون قطار السلام المتحرك ببطء ، ما كان للاتفاقين أن يمرا مرور الكرام من المنافس الكبير للبشير، السيد الإمام الصادق المهدي، الذى يردد دائما المقولة الشعبية «من فش غبينته خرب مدينته » ، فقال السيد المهدي بعيد إطلاق البشير لتصريحه المثير والمهم فى آن قبيل التوقيع مع حركة العدل « ماممكن هم من أوصلوا دارفور الى ماهي فيه «يقصد أهل الإنقاذ »ويضيف متسائلا : كيف يصبح الجلاد جراحا ؟» انتهي كلام السيد الصادق المهدي ،ودعونا نناقش الرجل بهدوء .
لا يختلف اثنان أن السيد المهدي رجل مثقف موسوعي الثقافة ووطني من طراز فريد ولا يختلف اثنان انه متحدث لبق وصاحب تجربة ثرة فى العمل السياسي ، أو هكذا أحسبه ،فالرجل الذى خرج من السودان مغاضبا ذات ليلة أو نهار، لاتهم ساعة خروجه، ميمما وجهه صوب إرتريا ، واعتبر أنصاره خروجه بتلك الطريقة نصرا فيما عرف ب «تهتدون »عاد بمحض ارادته الى السودان، بعد سنوات من الإيمان بضرورة إسقاط النظام الإنقاذي، بقوة السلاح ولما تيقن أن ذلك أقرب وأسهل منه حلب لبن الطير، ومصافحة العنقاء ،حمل الرجل قلمه بعد أن رمي بندقيته، ونزل من فوق صهوة جواده ، ليبدأ مرحلة جديدة من جهاده السلمي ،جاء يحاور الإنقاذ، ويثني على انجازاتها الكثيرة ، فى البترول والطرق والكباري والسدود وفى اتفاقية السلام ،لكن مع كلمة «لكن » ولعل هذه الكلمة كانت العائق، بينه وبين حزبه للانخراط مع المنخرطين رغم التراضي الذى وقعه مع الحكومة ، سرعان ما ضاق بعدم تنفيذ المؤتمر الوطني لبنوده ،واليوم يظن السيد الامام وهو الحصيف الذى يصفه خصومه بأنه دائما ما يمسك العصا من منتصفها ،ويحاول الرقص على كل الحبال ، لإرضاء كافة الأطراف ،مما يجعله شخصية وفاقية ،فالحركة الشعبية على سبيل المثال لا تثق به وتعتبره اقرب الى المؤتمر منه إليها ،فيدلل هؤلاء بترشيح نفسه فى انتخابات الرئاسة، بدلا من دعم مرشح الحركة السيد ياسر عرمان ،سرعان ما يأتي الرد ، ربما يحدث ذلك فى الجولة الثانية من سباق الرئاسة ، حال اقتراب عرمان من البشير فى الجولة الأولي ، أما اذا كان المهدي الأقرب فلماذا يتنازل لعرمان ، أول ما يستوقف المرء هنا، أن تجمع جوبا والمهدي عضو أصيل وقيادي فيه، يعرف صعوبة فوز أي مرشح على البشير من الوهلة الأولي ، لذلك لابد من السير على دروب نظرية الدكتور حسن الترابي التى تسمي «التشتيت » .
من حق السيد الصادق المهدي أن يهاجم مرشح المؤتمر الوطني ومن حقه أن يطلب مناظرة تلفزيونية معه ،وقد يتفوق السيد المهدي على البشير فى تلك المناظرة ، فالسيد خريج أكسفورد البريطانية الشهيرة ،والبشير خريج الكلية الحربية ،والسيد الصادق أصلا« كلام »كناية عن تمكنه من الكلام، والكل يذكر كيف أن بعض صحف الجبهة الاسلامية القومية، فى عهد ديمقراطيته المغتصبة كانت ترسم كاركاتيرات ساخرة عنه ، وهو ممسك بالميكرفون أمام المرآة قبل أن يتوجه الى مكتبه فى مجلس الوزراء، وكيف أنه لو رأي بضعة أشخاص يحملون ميتا فى «عنقريب »تمنى لو كان هو الميت نفسه ،كناية عن حبه للسلطة والجماهير ، وليس عيبا أن يحب سيادته السلطة، فليس فينا من لا يحبها، ولكن العيب أن نحب السلطة لذاتها، دون أن نوظفها لخدمة الآخرين ، خصوم الصادق يقولون انهم شاهدوا الصفوف وعايشوها فى عهد ديمقراطيته الميمونة، لا فى عهد الإنقاذ، يقولون انهم وقفوا فى صفوف البنزين والخبز وعانوا من فوضي المظاهرات والإضرابات ،فى عهده لا فى عهد الإنقاذ ،فأنا شخصيا أعتبر وصول التيار الكهربائي الى منزلنا الكائن فى قرية الزورات أقصى شمال السودان، من عجائب الدنيا الثماني ،وان أصل الى مسقط رأسي فى خلال بضع ساعات من الخرطوم بعد أن كنت أصلها فى ثلاثة أيام كاملات فى السابق «فى عهد السيد الصادق المهدي » معفرا مغبر الوجه والثياب، يجعلني أقف فى صف الواقفين أمام صناديق الاقتراع ، لمنح صوتي للبشير «رغم أن لي تحفظات كثيرة على مجمل السنوات العشرين الماضية من حكم الإنقاذ ،فمن أراد الرجوع إليها يمكنه ذلك بمطالعة أرشيف هذه الصحيفة» وغيرها،والعين لاتنكر أبدا ضوء الشمس من رمد .ولا المواطن المنصف يمكن ان يقارن بين كافة انجازات الحكومات الوطنية وحكومة الإنقاذ ،رغم أن كل تلك الانجازات تظل أقل من طموحات وطن بحجم قارة هو السودان ،وقد نتفهم أن رعود الانتخابات ،وبروقها بل وصواعقها يمكن أن تحمل سياسيا مخضرما كالسيد الصادق المهدي ، ليقول ان احلال السلام فى دارفور من قبل البشير وحزبه مستحيل ، ذلك انه بقوله هذا ينسي أن البشير وحزبه أتيا بالسلام الذى ينعم هو وكل شعب السودان ويستظلون بظلاله الوريفة الآن وهو ينسي ان الانتخابات التى يتحدى فيها البشير وينازله فيها بقوة هى ثمرة طبيعية لاتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ،فهل يعجز البشير الذى أوقف أطول حروب القارة السمراء فى الجنوب أن يجلب سلاما مثله فى دارفور، مهما كانت حجم إخفاقاته فيها ؟ نعم من حق السيد الصادق أن يغار ويشعر بخيبة أمل، فى قرب التوصل لحل لأزمة دارفور، التى يظن معظم أهلها أنه أيضا شارك فيها فقد زرت فى بدايات أيام الثورة مناطق شمال دارفور، ورأيت بأم عيني أن الناس هناك كانوا ينازعون النمل بيوته، بحثا عما أدخره لأيام الجفاف، كانت دارفور مسرحا لقوات المعارضة والحكومة التشادية ،وكانت الآليات العسكرية المحطمة هناك، أكبر دليل على أن السودان كان مستباحا ، فى عهد حفيد المهدي الكبير ،كانت المدن تسقط واحدة تلو الاخري كأوراق الخريف، ويكفى أن قرنق لم يجلس الى السيد الصادق المهدي بصفته رئيسا للوزراء منتخب من قبل الشعب، وأن حزبه لديه 99 نائبا يمثلون الشعب فى البرلمان ، بل جلس إليه كرئيس لحزب الأمة القومي ،من حق السيد الصادق أن يحكم السودان وأن يفوز على البشير لكن ليس من خلال «بنكنوت أخضر » وليس من خلال تنفيذ املاءات غربية والجلوس فى السفارات، مع عناصر المخابرات الغربية والإقليمية ، وعلى السيد الصادق أن يعلم بأن مياها كثيرة جرت تحت كل جسور السودان ولمدة عشرين عاما ، فسودان اليوم ليس سودان الأمس ،ونعلم أن الصادق نفسه ليس رجل الأمس،و ربما اتعظ بما جري له ليلة الثلاثين من يونيو 1989، فبينما كان يمارس حياته الاجتماعية، ويلتهم ما لذ وطاب من أطايب الطعام ويحلى بأم علي، كانت دبابات البشير تتحرك لتأمين وإنقاذ البلد، ويكفى أن البشير الذى يصفه الصادق بالفشل ،هو من أمر بعدم نشر الصور التى التقطت له لحظة القبض عليه ، لأنه يعرف أن الصادق ابن أسرة لها مكانتها فى تاريخ السودان ،ولابد للكريم أن يرحم عزيز قوم ذل ،من حق السيد الصادق المهدي أن يهاجم خصومه جميعا خاصة المؤتمر الوطني، ولكننا لا ندري أيهما الذى يسكن بيتا من الزجاج ؟الذى أوقف أطول حرب فى الجنوب والذي أخرج البترول من باطن الأرض ، والذي جعل سيارات المهدي تجري فى آلاف الكيلومترات المعبدة من الطرق فى طول السودان وعرضه ، تتزود بالوقود فى كل مكان ،أم الذى جعل الناس يستيقظون فى الرابعة فجرا ليس لأداء صلاة الصبح إنما للحصول على بضعة «رغيفات لأطفاله ؟» ولا أدري كم صنفا من الخبز يوضع فوق مائدة السيد الأمام اليوم، أم أنه« كنسيبه» لا يأكل إلا المفروكة بالكسرة المرة والعصيدة بالتقلية ؟كيف يدعو السيد الصادق المهدي الحركات التى تحمل السلاح فى دارفور بالتخلي عن« العناد والزاد ؟» ويستكثر على خصمه البشير أن يدعوهم للجنوح الى السلام ،وحتى اذا افترضنا جدلا انهم من أوصلوا دارفور لما هى عليه الآن، أليس من واجبهم إطفاء النيران الى أشعلوها ؟ولو كان هناك شخص واحد على قيد الحياة أو ورقة واحدة لينة؟ فإذا كان السيد الإمام ينوى منح نسبة من السلطة لحاملي السلاح فى دارفور حال فوزه ، فهو متهم أيضا من قبلهم أنه لم يمنحهم شيئا يذكر عندما كان رئيسا للوزراء ،فإن ذات الشئ هو ما يعد به منافسه البشير أيضا ، ولكن ما هى رؤية الإمام لكثير من القضايا الوطنية الاخري ، سيفشل البرنامج الانتخابي للمهدي إن ارتكز على مهاجمة المؤتمر الوطني ومرشحه ، وبني على إسقاط نظامه ،لان انجازاتهم تتحدث عن نفسها ،يكفى أن نقول لحفيد المهدي ان محافظة أمبدة لم يكن بها مدرسة ثانوية واحدة للبنين كى ندرس فيها فى عهده ، الان بها قرابة ثلاثين مدرسة وبعد عامين فقط سوف يصل العدد لخمسين ، ولا نريد أن نتحدث عن ثورة التعليم العالي، يكفي أن يعلم أن جامعات سميت باسم أكابر أسرته بينما لم يسم البشير جامعة أو معهدا باسمه ، كفاك تنظيرا أيها الأمام لا تحاول بناء مجد ضاع منك أو ضيعته، لا يهم كيف ضاع«ستقول اغتصبوه مني » وأنت على أعتاب الخامسة والسبعين،فبينك وبين البشير صناديق اقتراع، وسوف يقول الشعب فيكما كلمته تحت سمع وبصر مراقبين من كل أصقاع الدنيا،وذلك بعد أيام قليلة وهاهو الترابي يرفض تأجيل الانتخابات وهي على أية حال ستجري شارك فيها المعرضون أم لم يشاركوا ومن الأفضل للمعارضين ان يجربوا حظهم فيها عسي ولعل الشعب يحملهم مرة أخري لسدة الرئاسة والحكم ولن يفيد السيد الامام أو غيره من المعارضين ترديد ما تبثه دوائر محلية وإقليمية ودولية مغرضة عن الحاكمين فى السودان ، نافس عزيزي الأمام بشرف ، فلو حاولت أن ترمي البشير بحجر فسوف يلقمك كل أحجار جبال كرري ،لسنا بحاجة الى أن تناظر أيها الرجل الهمام أحدا، كفانا التنظير وليس الوقت وقت زراعة الوقت الان وقت حصاد ، الذى سمعناه منك كثير ،حتى كاد أن يصيبنا الصمم ،بل نحن بحاجة الى أن تعمل فكرك وأن تستفيد من تجاربك فى الحياة ، فقد ولى عهد الكلام وحان عهد العمل ،وإلا سوف نردد مع الداعين ،أذهب سيدي الى نادى المريخ لترأس مجلس ادارته، وليذهب معك الترابي الى نادى الهلال ليتولي فيه ذات المنصب، هذا إن قبل كل من جمال الوالي رئيس امة المريخ أوصلاح إدريس رئيس أمة الهلال ومن خلفهما بالطبع جماهير الناديين الكبيرين،بأن تحلا مكانيهما ، ولن نقول لكما اذهبا الى جامعة الخرطوم للتدريس،لتدريس العلوم السياسية والقانون الدولي ، فالقانون يمنعكما من ذلك لانكما تجاوزتما عتبة الستين بكثير . ونختم حديثنا بأبيات من رائعة الشاعر الكبير محمد عثمان عبد الرحيم :
أيها الناس نحن من نفر عمروا الأرض حيثما قطنوا
يذكر المجد كلما ذكروا وهو يعتز حين يقترن
حكموا العدل فى الوري زمنا أترى هل يعود ذا الزمن
. . الأخرى ؟. واعتقد أن أهل السياسة وفى هذه الأيام بالذات بحاجة الى أن يحبوا بعضهم بعضا ، أترانا ننشد مستحيلا .
يقول الامام الشافعي عليه رحمة الله .
إن شئت أَنْ تَحيا سليمًا مِن الأذى
ودَيِنُكَ مَوفُورٌ وَعِرْضُكَ صيّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فَكلكَ عوراتٌ وللنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنَاكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايبًا
فَصنهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ للنَّاسِ أَعْيُنُ
وَعَاشِرْ بِمَعْرُوفٍ وَسَامِحْ مَنِ اعْتَدَى
وَدَافِعْ وَلَكِنْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ
*********
كمْ ضَاحِكٍ والمَنَايَا فَوْقَ هَامَتِهِ
لَوْ كَانَ يَعْلَمُ غَيبًا مَاتَ مِنْ كَمَدِ
مَنْ كَانَ لَمْ يُؤْتَ عِلْمًا فِي بَقَاءِ غَدٍ
مَاذَا تَفَكُّرُهُ في رزق بعد غَدِ.
وقال في الذي يعظ الناس وينسى نفسه:
يا واعظ الناس عما أنت فاعله
يا من يعد عليه العمر بالنفس
أحفظ لشيبك من عيب يدنسه
إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها
وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تملك طريقتها
إن السفينة لا تجري على أليس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على
ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرسٍ
يوم القيامة لا مال ولا ولد
وضمة القبر تنسي ليلة العرس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.