يرتبط عدم الثقة في الجهاز المصرفي غالباً بالأزمات المالية التي ينتج عنها بالنسبة للبنوك مسارعة المودعين المذعورون الي سحب اموالهم من البنوك، واحجام البنوك اقارض بعضها البعض لانعدام الثقة، مما يتسبب في التباطؤ الاقتصادي. لذلك تسارع الحكومات والقادة السياسيون الي حماية النظام المصرفي ونذكر هنا الازمة الاسوأ 2007-2008م التي شهدتها الولاياتالمتحدةالامريكية وبقية العالم، حيث اقر الكونجرس خطة لإنقاذ البنوك الامريكية تبلغ قيمتها 700 مليار دولار سنوياً في عهد جورج بوش، وسارع ايضا القادة الاوربيون الي ايداع تريليونات الدولارات كضمانات للودائع والقروض بين البنوك لبث الثقة في نفوس مواطنيهم، لأنه معروف أن انهيار الثقة يعنى تعقيداً للازمات المالية وانهيار المزيد من المؤسسات المالية، معنى ذلك أن الدولة تكون هي الحامي والضامن للثقة وليس العكس. واهم المخاطر التي تتعرض لها البنوك مخاطر السمعة والثقة وهي قد تؤدي بالبنك الى الفشل والافلاس أو تقل ارباحه وقدرته على التمويل والاقراض. رغم انه حسب علمي لم يحدث انهيار فعلي لأي من المؤسسات المصرفية في السودان رغم الحديث عن تعثر بعض البنوك، لكن الازمة الاقتصادية الخانقة قد تحدث ذلك، وقد يحدث ذلك التعثر المصرفي الذى لازم البنوك السودانية، وضعف رقابة البنك المركزي، وانهيار سعر صرف الجنية مقابل الدولار بشكل سريع منذ يناير 2018م ونذكر أن الناس سارعت الى سحب ودائعها لشراء الدولار والاصول للمحافظة على قيمة اموالهم، وفي فبراير 2018م وضع بنك الخرطوم سقفاً للسحب في حدود 30 ألف جنيه لكل عميل بسبب اقبال العملاء على سحب كامل مدخراته، أيضا الاجراءات الأخيرة التي اتبعتها الحكومة للسيطرة على السيولة النقدية؛ واي بنك يعاني من نقص في السيولة ولم يكن يملك سيولة سريعة فهذا يعني انه أفلس وقد يكون رأس ماله قد تآكل لأن الصرف على البنود التشغيلية ربما تكون على حساب ودائع العملاء. لكن ازمة الثقة في اعتقادي بدأت منذ وقت مبكر بقرار تبديل العملة في عام 1991م والذى كان هدفه امتصاص السيولة خارج الجهاز المصرفي وادخال الدينار بدلاً من الجنيه والمشكلة لم تكن في القرار ولكن ما تبعه من قرارات اخري مثل تقييد حدود السحب من الحسابات وتحديد الفئات النقدية للمبالغ المسحوبة من الحسابات، مما أدى الي لجوء التجار الي الاحتفاظ بأموالهم خارج الجهاز المصرفي، وهذا الاتجاه من العملاء عطل الادخار وبالتالي انقاص مجمل قيمة الاستثمار واوقف حركة نماء الدخل العام، وأعاق النشاط الاقتصادي بصورة عامة، أيضاً كان العملاء يسحبون أموالهم مجرد تحصيل شيكاتهم او ورود تحويلات الي حساباتهم؛ من جانب آخر كانت هناك ظاهرة على من جانب بنك واحد تقريباَ وهي التلاعب في عدد الاوراق النقدية في كل حزمة نقدية عند صرفها ولم تتعامل السلطات النقدية بحزم في ذلك الوقت مع الظاهرة التي لا شك كان لها تأثير على الثقة؛ كما كانت اجراءات السحب من الحسابات المفتوحة بالدولار طامة حيث يتم تحديد سقف للسحب من الحساب ولاشك انها اجراءات منفرة جعلت الناس لا يفتحون حسابات بالعملة الصعبة؛ وظهرت في تلك الفترة ظاهرة التلاعب بتحويلات المغتربين الواردة خاصة تلك الواردة من الجماهرية الليبية، ايضا التلاعب في الحسابات الجامدة؛ وكثير من البنوك حول العالم أدت مخالفات القوانين والتعليمات، وخيانة الامانة والثقة التي اقدم عليها بعض العاملون الي الاساءة الي سمعة هذه البنوك وتوقف العملاء عن التعامل معها، ومعروف ان من اهم عوامل النجاح مدى ثقة العملاء في البنك، ونذكر هنا نقطة جد مهمة ألا وهي تلك الثقة المتعلقة بالسيولة النقدية وتوفرها دائماً لمواجهة مسحوبات العملاء، وحفظ حق العميل في سحب امواله متى ما شاء سواء كانت من حسابه الجاري او الودائع تحت الطلب، ولن نتطرق الي احتياجات البنك التشغيلية وقدرته على توفير التمويل للمستثمرين والعملاء لأن المشكلة الأخيرة في السودان لا تتعلق بالتحويلات بين الحسابات أو منح التمويل لكن كانت متعلقة بتقييد حدود سحب العملاء من حساباتهم. وتنطوي الثقة على اركان ثلاث، الركن الأول متعلق بتوقع رد فعل الطرف الآخر، والثاني متعلق بإمكانية الاعتماد على الطرف الاخر، والركن الثالث متعلق بوضع الثقة الكاملة بالطرف الآخر، لذلك عند فقد العملاء للثقة في البنك ينزعون نحو سحب ودائعهم وربنا يكون ذلك على مستوى واسع يؤثر على البنك ووضعه المالي واستقراره، من جانب آخر قد يسحب العملاء ودائعهم خوفاً من اخفاض العائد بسبب تدني كفاءة العاملين في البنك وهذا ما يعرف بمخاطر المصداقية والثقة، فالتزام ومسؤولية البنك تجاه العملاء هي زرع الثقة، وتنشأ ثقة العملاء من خلال التزام البنك بما يتعهد به، ونقيض ذلك يزعزع أركان الثقة مما يؤدى احجام العملاء والمتعاملون عن الايداع والتعامل مع البنك، والثقة كذلك ترتبط بالتعامل والالتزام والارتياح والرضا وهذا ما يتوافق مع نظريات التسويق. أيضا ظاهرة هروب رؤوس الاموال الي دول الجوار ربما ترتبط بضعف الثقة في القطاع المصرفي السوداني بسبب عدم قدرته على التعامل مع منظومة الصيرفة الدولية بسبب العقوبات الاقتصادية الامريكية، فبنوك دول الجوار تتميز بمنح تسهيلات كبيرة مع القدرة على التعامل مع القطاع المصرفي العالمي دون مشاكل. إن ما تسببت فيه اجراءات الحكومة منذ 1991م، كان خصماً على مجمل العمل المصرفي وساهم في زيادة اجواء عدم الثقة بين العملاء والبنوك، وتلوح في الافق نذر موجة سحب للودائع والاموال من البنوك في ظل وجود سبب قائم ومستمر الا وهو تدهور قيمة الجنية، وهذا السحب الجماعي للودائع سوف يتسبب في انهيار البنوك. ونسأل كيف سوف يتم معالجة هذه الازمة والخروج من ازمة الانهيار الحاد في ثقة العملاء في الجهاز المصرفي. الصيحة: 04/07/2018 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.