كانت إجازة عيد الفطر المبارك "المبحبحة" هذا العام فرصة لمعاودة الوالدة، أطال الله عمرها، فى الخرطوم. ولمحدودية المهمة وقصر المدة فقد إنحصرت تحركاتى بين منزل والدي، يرحمه الله، فى حى الرياض شارع 117 وبين منزل والد زوجتي، يرحمه الله، فى حى العمارات شارع 17- هذا الرقم، 17 المرتبط بالفداء والشراء، قد إشترك فى موقع المنزلين مصادفة لكنه رقم له دلالات حلوة دائماً – كنت أتحرك بين الموقعين يومياً بل أكثر من مرة فى اليوم الواحد بوسيلة المواصلات الجديدة "أمجاد"، ولا أدري ما هي أمجاد سيارة كورية عادية إلا إذا كانت رمزاً لدولة كوريا ذات المجد!، وأحياناً أجد فضل ظهر. ويتندر بعض الظرفاء على أشهر أناشيد عهد مايو "أمة الأمجاد" بأن شاعرها قد توقع برؤية ثاقبة أننا سنصبح فعلاً أمة الأمجاد. وسترد في المقالة تجربة فريدة مع نجم جديد بزغ في سماء مواصلات العاصمة، اسمه "ترحال"، يؤكد هو الآخر مَلَكة استشراف المستقبل لدى الفنان الكبير الكابلي، متّعه الله بموفور الصحة العافية، حينما شدى برائعته الخالدة: "زمان الناس هداوة بال ... وانت زمانك الترحال". وفى ظهيرة يوم ما وأنا أقف فى شارع 117 متجهاً إلى شارع 17 فى إنتظار أمجاد أو فضل ظهر إذا بسيارة صالون خاصة تقف أمامى مكتوب عليها "ترحال".. وعلمت فيما بعد أنها أشبه بشركة النقل الأمريكية على شبكة الإنترنت المعروفة "أوبر" التي نجدها الآن فى كل مكان فى العالم مع الفارق. إتفقنا على المشوار والأجرة وركبت وتحرك الشاب فى إتجاه العمارات وإنشغلت بجوالى وهو يتحدث عن نظام وميزات ترحال عن أمجاد وبقية وسائل المواصلات فى الخرطوم وصراحةً لم يشدنى حديثه لأن سيارته كانت متهالكة، وماشية بالجلالة كما يقولون، وفى بالى سيارات "أوبر" الفخمة شكلاً ومضموناً فى بلاد العالم الأخرى التى زرتها. العزاء الوحيد أنها كانت أحسن حالاً بقليل من أمجاد فعلى الأقل لم أثبت باب السيارة بيدى طوال الرحلة، خوفاً من السقوط، كما كان يحصل لى دائماً فى أمجاد. الشاهد بمجرد أن تحركنا سألنى الشاب : "ممكن أأخرك دقيقتين" فأجبته بنعم إعتقاداً منى أنه سوف يعرِّج فى طريقه على محطة البنزين التى كانت أمامنا فى الطريق إلا أنه غير إتجاه الطريق كلياً إلى شارع عبيد ختم- وهذا التغيير، لو يعلم القاريء الكريم، مخيف للراكب من نواحى أمنية - وعندما سألته أجاب : " أنه سوف يمر على الغسال حتى يأخذ ملابسه" ويواصل المشوار إلى العمارات.. تخيلوا ذلك الطلب..سألت نفسى أيعقل أن يحصل هذا فى خدمة مفترض أن تكون هى الأجود!!.. حقيقةً ماكنت مرتاحاً للطريقة ولا التطبيق ولا شكل وصلاحية السيارة لهذه الخدمة من أولها كما أن طلبه هذا ضاعف من شكوكى فى أنه لا علاقة له البتة بترحال وإنما ينتحل تلك الصفة لإصطياد من هم مثلى ليس لهم سابق تجربة عن خدمة ترحال فى السودان .. على كل حال وافقت له على مضض بإعتبار أنه سوف يعرّج على محل غسيل جاف فى مول عفراء، والذى كان لى فيه غرض، إلا أنه دخل يمين شمال يمين فى عدة شوارع فرعية صغيرة فى حى أركويت إلى أن توقف جوار منزل صغير داخله دكان أمامه الملابس منشورة فى حبل غسيل شُدّ بين خشبتين فى العراء. دخل السائق محل الغسال ووجده يتغدى مع مجموعة كبيرة من زملائه وجيرانه لكن الغسال لم يعره إهتماماً بل واصل فى إتمام وجبة الغداء خوفاً من ألا يجد شيئاً يأكله إذا تحرك أو غاب عنهم طرفة عين لأداء واجبه. وبعد أن تغدى على راحته وأعقبها بكباية شاى سادة ثم سيجارة بنسون لزوم الكيف ناوله ملابسه المكونة من قطعتين فقط.. وفى كل ذلك الوقت وأنا أنتظره داخل السيارة.. دقيقتين صارت أكثر من نصف ساعة.. فلعنت ترحال واليوم الذى ركبت فيه ترحال ومن يومها عدت إلى أمة "الأمجاد". فلتعذرنى شركة ترحال إذا كان هذا الفتى ليس منهم. وأنا فى خضم الزعل من هذه الواقعة تذكرت قصة الأخت نفيسة وصحبتها، فالشىء بالشىء يذكر، فقد جرى لي اليوم ما جرى لهما فى السنة الماضية. نفيسه وصحبتها خرجتا من حى الصحافة لزيارة صاحبتهما مريضة نزيلة مستشفى الشرطة بالخرطوم وإستغلتا سيارة "أمجاد" أجرة للمشوار إلا أن السائق بدلاً من أن يتوجه صوب المستشفى سار بهما فى إتجاه مختلف إلى السوق الشعبي ووقف هناك. وبعد مقدمة طويلة عن ضنك المعيشة أفاد بأنه يود شراء خضار لمنزله طالما هو قريب من السوق. إلى هنا كان الطلب شبه مقبولٍ لنفيسة وصحبتها لكنه زودها حبتين، كما يقولون، حين طلب منهما أن يدفعا له الأجرة مقدماً حتى يسدد ثمن الخضار الذى سوف يشتريه.. أخذ منهما مبلغ زيادة تحت حساب الأجرة و إشترى خضاره ووضعه أمامهما فى السيارة وتحرك فرحاً و هو يغنى وعلقت نفيسة على تصرفه هذا: "ما فضل غير أن يقول لنا ورقوا الخضرة وقشروا البطاطس على بال ما نصل المستشفى!" فضحكت وتذكرت سائق "الأوبر" فى أندونيسا وهو مثال آخر سوف أحكيه لكم فيما بعد. وعندما وصلوا المستشفى كان وقت الزيارة قد إنتهى قبل ربع ساعة بسبب إنتهازية سائق أمجاد فرجعا بخفى حنين. والأدهى والأمر أنه لم يُعد لهما باقى المبلغ الذى أخذه مقدماً دون الأجرة قائلاً لهما: "سامحوني لأن سعر ربطة الملوخية زاد من أمس وكيلو البطاطس أصبح بكذا..!!" هذا هو تجسيد لمستوى خدمات المواصلات فى السودان.. فيه إنتهازية وإستهتار وإستغلال وعدم تقدير لأبسط حقوق الزبون.. وقس على ذلك أشباهه. كنا فى زيارة إلى بالى فى أندونيسيا فى أبريل الماضى وأثناء ما كنا نستغل سيارة "أوبر" فى طريقنا إلى المطار رّن هاتف السائق أكثر من مرة وفى كل مرة كان السائق يستأذننا حتى يجاوب على من إتصل به وكان ينهي المحادثة فى أقل من ثانية، وحتى بعد أن يجاوب كان يتأسف على الإزعاج الذى كان يسببه لنا.. منتهى الأدب والإحترام والمهنية. أين سائق ترحال وأمجاد من ذلك !! من المحاسن أن السودانيين، بما لديهم من إطلاع وإتصال وأسفار، يستجلبون آخر التطبيقات والتكنولوجيا الموجودة فى العالم إلى السودان لكن المشكلة الكبرى أن هناك مسخ وتشويه فى التطبيق نسبة للإستهتار البشرى وعدم التدريب وعدم المهنية وعدم وجود البنية التحتية الملائمة المساعدة. عندما ضقت ذرعاً بالمواصلات أمجاد وترحال ولوجود مناسبة زواج فى منزلنا فى ذلك اليوم، تحتم كثرة الحركة، إستأجرت سيارة صالون رغم هجرى للسواقة فى شوارع الخرطوم لعشرات السنين. إلا أن هذه السيارة أتعبتنى أكثر مما أفادتنى لأسباب عدة أذكر بعضها : أولاً هى سيارة تجميع سودانى ومفتاحها إلكترونى أو النوع الذى يعمل عن طريق الشحن الكهربائى.. فكلما جلست لتشغيل المحرك أرى فى الشاشة عبارة "لم نستطع التعرف على المفتاح" وعلمت من مسئول مكتب التأجير أن بطارية المفتاح تحتاج إلى شحن ولذلك فى كل مشوار كان لابد لى أن أنتظر حتى يشحن ويعمل مفتاح السيارة.. ولم أدرى أهو عيب فى هذه السيارة بالذات أم كل السيارات.. المشكلة لا تجد مساعدة من أحد فشعار الخدمات فى السودان "طير من جنبى وشيل شيلتك.." ولك أن تتخيل مدى التأخير والإزعاج الذى تسببه تلك التكنولوجيا المستوردة أحياناً. ثانياً سأل سائل : "قيادة السيارة فى السودان أهى ذوق أم زوغان؟" حقاً هناك فوضى عارمة فى القيادة والإنضباط فى الشارع من السائقين والمشاة - وكما ضحك أحدهم قائلاً : "أنه لاحظ أن المشاة فى السودان يوقفون السيارات بأيدهم ويمشون فى الشارع المسفلت فى حين تسير السيارات فى الشارع الترابى" وهذه حقيقة- وبدلاً من أن تكون القيادة "فن و ذوق" أصبحت القيادة بالعضل والتنابز بل أحياناً كثيرة إشتباكاً بالأيدى حيث تتعطل الحركة فى الشوارع لساعات طويلة فتحتار من تلك الحالة التى تعترى السودانيين ما أن يمسكوا بمقود السيارة حتى تتبدد السماحة والأريحية إلى تجهم الوجوه وجوارح الكلم و الضرب المبرح. لقد وقفت أكثر من مرة ومعى العشرات من السائقين فى إحدى الشوارع الرئيسة فى وسط العاصمة لأكثر من ساعة بسبب إشتباك سائقين وتجّمهر المارة بسبب ذلك. سئمت من السواقة والزواغة ولذلك عدت أدراجى إلى أمجاد فهى أكثر حفظاً للروح وأكثر راحة للأعصاب. ثالثاً قال الله تعالى فى محكم تنزيله فى سورة الضحى "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ.." لم تأت هذه الآية إلا لأن السائل فى السودان قد يخرجك عن طورك أحياناً وهذا ما حصل لى بالظبط. وأنا أنتظر داخل السيارة إياها فى منطقة سوق السجانة فإذا بشاب فى مقتبل العمر يطرق زجاج شباك السيارة بيده وكأنه شرطى مرور ففتحت له الزجاج وإذا به يطلب ما يسد به رمقه.. وكان يتحدث بطريقة غريبة لم أعرف إن كان مريضاً نفسياً أم معاقاً أم مخموراً..لا يهم .. أعطيته المقسوم مما كان معى آنذاك إلا أنه إعترض على المقسوم بشدة ورفض قبول المبلغ بل رفض أن يسحب يده من داخل السيارة وأصّر على الزيادة رغم إعتذارى الشديد له عما يطمع فيه.. صبرت عليه ونفذ صبرى وعندما ضقت زرعاً من إصراره و تصرفاته الهوجاء حذرته برفع زجاج الشباك إذا لم يسحب يده فلم يفعل.. فرفعت الزجاج حتى ضغط الزجاج على معصمه ولكنه لم يهتم ولم يرّف له جفن.. فأدرت محرك السيارة وطلعت بأقصى سرعة من أمامه وتركته حائراً فى مكانه إلا أننى رأيت فى المرآه أن زميلاً له كان يقف أمام باب السيارة الأمامى من الجانب الآخر أثناء ما هو يشغلنى فى الحديث.. وعلمت فيما بعد أنهم عصابات منظمة تتخذ أسلوب التسول هذا لتنفيذ جرائمهم. ولذلك فضلت العودة إلى أمجاد لسلامة الجسد والجيب. الأجواء فى السودان يسودها إرتفاع الأسعار وإرتفاع حرارة الجو. الغلاء مرده إرتفاع سعر الدولار الذى فاق الأربعين جنيه وكل الأسعار فى جميع الأسواق إرتفعت تناسباً مع إرتفاع سعر الدولار حتى سعر البطيخ.. فقد برر لى بائع البطيخ عندما إحتجيت على سعره وعلاقته بالدولار رد علىّ ساخراً: "أتحسب أنه يأتينا مدردقاً! " بمعنى أن سعره يزيد مع زيادة أسعار النقل والترحيل التى تزيد مع زيادة أسعار البترول المرتبطة بسعر الدولار. وهكذا أصبح الدولار هو المسيطر على سير الحياة فى السودان مع تراجع سعر الجنيه السودانى بل إختفاءه من البنوك وأجهزة الصرافة الآلية و حتى من الجيوب. ورغم القتامة الضاربة وضنك المعيشة للأغلبية وفقدان الأمل فى إنفراجة قريبة هناك بعض من إشراقات هنا وهناك. لكن من المؤكد أن هذه الإشراقات كلها لا تمس جوهر حياة الناس لكن تعطيك شعوراً بالتغيير. فقد لاحظت إنشغال الرجال والشباب والأطفال وحتى بعض النساء بأجواء كاس العالم ولمست فرحتهم. فما دخلت منزلاً إلا وجدت فيه الآباء والأطفال مجتمعون أمام التلفاز ليلاً ونهاراً كل منهم يشجع فريق من الفرق التقليدية المعروفة مثل فريق إنجلترا فرنساالبرازيل والأرجنتين وألمانيا إلخ.. تاركين فرق مثل كرواتيااليابان أرجواى وبلجيكا بلا بصيص أمل فى الكأس. وحتى الونسات فى المكاتب والشوارع والمناسبات سادتها أجواء كاس العالم وأخبار الفرق والتنبؤات بمن سيفوز اليوم ومن سوف يحوز على كأس العالم فى نهاية الدورة. ولم تقصر محطات التلفزة و"بى إن سبورتس" مشكورةً بعرض جميع المباريات كما لم يقصر المعلقون الرياضيون من المغرب العربى بالتعليق وشد إنتباه المشاهدين إلى المباريات. مؤكد هو برنامج حافل شغل وما يزال يشغل بال معظم الناس فى السودان هذه الأيام. وكان رفيقي فى هذا السفر داخل السودان الطفل جمال سعد فقد كان خير معين لى فى المتابعة.. فشغفه بالرياضة بصفة عامة وحبه لكرة القدم بلا حدود جعله ملماً بمجريات كأس العالم بل كأنه أحد رجال الفيفا.. وسوف يحل ضيفاً علينا فى فعاليات كأس العالم فى الدوحة فى عام 2022 إذا مد الله فى الأيام. وفى هذا الجانب الرياضى كانت الأزمة الإدارية فى نادى المريخ على أشدها بل هى سيدة الموقف لا تقل حضوراً عن فعاليات كأس العالم..فما زالت الجماهير والصحف تتحدث عن الأزمة وتحليل الأسباب وإقتراح الحلول وماذا بعد جمال الوالى؟ ومن سوف يشيل الشيلة؟. ورغم أنها أزمة من الأزمات المتكررة فى كل الأندية بين الحين والآخر إلا أنها شغلت عدد كبير من جماهير الرياضة. من الأشراقات أيضاً المدارس الكنسية فى السودان مثل كمبونى وسستر إسكول واليونتى والراهبات.. فهى ما تزال صامدة وتقاوم أى تغيير وضغوط من قِبل وزارة التربية والتعليم وتحاول أن تحتفظ بمستواها الأكاديمى ونظامها الذى عرفت به طوال القرون الماضية فهى مدارس تاريخية أنشئت فى السودان منذ عام 1902. وجدت الفرصة لزيارة مدرسة اليونتى مع سعد لإستلام نتائج إمتحانات شهادة لندن التجريبية لأبنائه عبدالسلام وجمال. وهذا الأرتباط بشهادات لندن فى حد ذاته يعتبر حرص من الإدارات المحلية والعالمية على المواكبة والإحتفاظ بالمستوى الأكاديمى العالمى وهذه تعتبر من الإشراقات الهامة. ولذلك فهناك منافسة حادة للقبول فى هذه المدارس رغم غلاء الرسوم الدراسية. فقد أدرك معظم الآباء أن الإستثمار فى الأبناء هو إستثمار ناجح بكل المقايس.. وأيضاً كانت فرصة لى أن تجولت داخل المدرسة وسررت لإحتفاظها أيضاً بنظافتها ورونقها ونظامها ومستواها القديم الذى خبرناه منذ سبعينيات القرن الماضى. وللنجاح الباهر لأبناء سعد فقد دعتنا والدتهم الدكتورة سلمى إلى وجبة غداء لا تنسى مع الأبناء فى مطعم "أوزون" الشهير فى الخرطوم 2. وكانت فرصة لى أيضاً أن أزور مطعم أوزون الذى كنت أسمع به ولا أراه.. لا لشىء إنما لضيق الوقت الذى يضيع عادة فى إهتمامات أخرى آخرها الترويح عن النفس. وكانت هذه هى المرة الأولى التى أزور فيها هذا المكان وفعلاً أدركت أنه مكان فاخر يعد من أجمل أماكن الترفيه فى بلادى بل يضاهى المستويات العالمية التى شاهدناها فى مدينة دبى وبقية مدن العالم من حيث الشكل والمضمون.. وأهمها فقد كان الجو بارداً بتقنيات التكييف الحديثة رغم حرارة الإجواء فى الخرطوم.. ولقد أعجبت أيما إعجاب بموقعه وجلسته وطعامه وشرابه وخدماته والجو العام الذى كان يسود المكان والذى يعد متنفساً للشباب والأجانب من كل الجنسيات وقد ضاق بهم المكان على سعته. وندمت على الوقت الذي مضى من إجازتى ومن يومها قررت أن أقضى بعض الوقت يومياً فى هذا المكان الذى يعد إشراقة من اشراقات بلادى. ومن الإشراقات التى شاهدتها .. بدون تحيز .. بنايات مشيرب الإستثمارية الخاصة بشركة الديار القطرية والتى تقع فى الضفة الشرقية من النيل فى الخرطوم بحري فى حى الوابورات القديم. حقيقةً هى تحفة معمارية تقف شامخةً على ضفاف النيل مواجهة للقصرين الجمهورى القديم والجديد وكبرى المك نمر الجديد. فقد إكتملت المبانى على أيدي مقاولين صينيين وحالياً جارى الإستلام من المقاولين لتسليم الملاك. زرت موقع البنايات الجديدة وتيقنت أن كل شققها تطل على النيل ولذلك هناك منظر بانورامى جميل وإطلالة على الكورنيش الذي زين بجلسات وحدائق وكافتيريات ومطاعم مواجهة للنيل. كما أن الشقق من الحجم الواسع وشطبت بمواصفات ومواد عالمية وتقسيمات مناسبة روعى فيها الإطلالة على النيل من الغرف والبلوكونات. كما أن للمبنى مواقف للسيارات فى القبو ونظام حراسة طوال 24 ساعة. ويعتبر هذا الموقع هو أول منطقة سكنية تطل مباشرة على النيل. فكما نعلم أن الضفة الغربية للنيل الأزرق كلها تاريخياً إحتلتها الوزارات والمكاتب الحكومية والقصر الجمهورى. ولذلك أخال أن موقع مشيرب يعتبر أغلى منطقة فى العاصمة المثلثة حالياً وبالتالى فهو إستثمار جيد ذو عائد مجزٍ لمن تملك أو يتملك فيه. ومن الإشراقات .. فى اليوم الأخير من إجازتى دُعيت إلى جلسة تعارف ونقاش على وجبة غداء مع شباب فى سن أبنائى هم شباب نهضة حلفا... ورغم ما يوحى به الإسم إلا أنهم كيان شبابى جديد لا شأن لهم بالسياسة والجهوية والعرقية ولكل ما كرست له الحكومة للتفرقة بين الناس لتسُد. فقد حصروا مشاكل الإنسان فى الزراعة والمياه والأمراض وتطوير المدن والقرى والمستشفيات والتعليم وتطوير نظام الإدارة بل تطوير الإنسان من حيث هو كإنسان. وظلوا يعملون على الإلتفاف لحلها بما يملكون من تجانس وعزيمة ومعرفة ومال. فهم شباب أدركوا أن المال عصب الحياة ولذلك عملوا بسواعدهم فى كل المجالات وأصبحوا قوة مالية مؤثرة فى المجتمع وأصبحوا قيادات جديدة مقبولة لها أهداف فى صالح الجميع. وللعلم فإنهم الشباب نفسهم الذين إشتركوا فى الصلح مع قبيلة البطاحين الأكارم فى أبودليق وأخذوا العفو منهم عن ضابط الشرطة الخطيب الذى أفرج عنه من الحبس حين كان ينتظر تنفيذ حكم بالإعدام .. ولذلك أناشد الإلتفاف حول هذه المجموعة حتى لا تضيع الجهود فيما يفرِّق بين الناس فى الوقت الذي تكبر وتتأزم فيه مشاكل الإنسان الحياتية. فقد فقدنا البوصلة وضاعت هويتنا من يوم أن إختصرناها فى الدين والحزب والقبيلة والجهوية التعيسة. فنحن الآن أمام محك حقيقى وإختبار لقدراتنا الذاتية وشبابنا على المراجعة والتقدم. وحتى الأجازة القادمة أمنياتى أن تشرق شمسنا ونرى إشراقات فى كل مكان فى السودان. شوقى محى الدين أبوالريش عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.