مضى ما يقارب الثلاثة اسابيع ، على تشكيل الحكومة الجديدة، والتى تم اختيار معتزموسى رئيسا لوزرائها، وكان البشير قد خاطب الشعب السودانى ،فى العاشر فى سبتمبر الماضى ،معلنا اقالة الحكومة السابقة ،وحدد فى ذات الخطاب، الموجهات والبرامج الاقتصادية، التى يتعين على الحكومة الجديدة تنفيذها ، ورغم الخطاب جاء ملئاً بعبارات الاسترضاء ،ورغم الاسم الرنان للبرنامج الاصلاحى للاقتصاد ، تبقى الحقيقة المرة هى نفسها ؛وهى ان هذا النظام لن يقوم مطلقا ،باى اصلاح اقتصادى ،يصب فى صالح تعافى الاقتصاد السودانى ،او فى مصلحة المواطنين، فالنظام الذى افتتح عهده باطلاق سياسة التحرير الاقتصادى ،والتى تمكن من خلالها ،وفى خطوات بالغة القسوة والضرر ، بتخصيص القطاع العام ،وتمليكه عن طريق وسطاء زائفين،للكيان الاقتصادى للحركة الاسلامية ،والنظام الذى قام بتدمير المؤسسات والقطاعات والمشاريع الحيويةالمنتجة،التى لم يتم تخصيصها كالسكة حديد والخطوط البحرية والجوية ،ومشروع الجزيرةومصانع الغزل والنسيج ومحالج الاقطان ومدابغ الجلود ،والتى دمرها بغية السيطرة على انشطتها ،والنظام الذى كَوَّن شبكات الفساد المنظم ،الاضخم فى تاريخ كل دول العالم ،ثم قام بتسكينها فى كافة مرافق ومؤسسات الدولة ، لتقوم بامتصاص مواردها ،وتحولها الى خزائن التنظيم البعيدة عن اى رقابة ، والنظام الذى كون امبراطورية اقتصادية سرية تتحكم فى اقتصاد الدولة،والنظام الذى جعل من السودان ،مركزا عالميا لغسيل اموال الفساد وتجارة المخدرات والاسلحة ، وكل الاموال المشبوهة ، ليس بمقدوره ان يمضى بحكم طبيعته وبحكم وظيفته ، خطوة واحدة فى اى خطة اصلاح مزعوم. ذلك ما اكدته تجربة التسعة والعشرون عاما الماضية، من حكم الحركة الاسلامية ،والتى اثبتت انها ليست سوى تنظيم وظيفى،صممت مناهجه وسياساته وعقيدته، ليكون فيلقا متقدما للرأسمالية العالمية ،فالحركة الاسلامية حين استولت على السلطة، بتخطيط مسبق ،قامت بتطبيق تلك الخطوات والسياسات المدروسة بعناية ، وكل ما نتج عن ذلك ،من اثار اقتصادية وسياسية واجتماعية، كالارتفاع المخيف فى معدلات الفقر، وتدهور قيمة العملة ،وارتفاع معدلات التضخم ،وتدهور الانتاج فى كافة القطاعات المنتجة، وعلى راسها القطاع الزراعى ،وتهجير سكان الريف الى المدينة ،وهجرة الكفاءات السودانية والعمالة السودانيةالى خارج السودان ،وصولا للانهيار الاقتصاد غير المعلن، كل ذلك وغيره، كان امرا مقصودا ومطلوبا حدوثه،بهذا الشكل والقدر الذى حدث به، تمهيدا للخطوة الاخيرة،المتمثلة فى السيطرة القسرية الكاملة على كل موارد البلاد الهائلة التنوع ، والتى فى غالبها ظلت بكرا لم تستغل من قبل،وتمليكها لوحوش الراسمالية الجديدة . بدون ادنى شك ،ان سياسات خصخصة القطاع العام ، وتعويم سعر صرف العملة من التوجيهات الاساسية التى ينادى بتطبيقها صندوق النقد الدولى، الذراع الاستعمارى للراسمالية المتوحشة ،والذى له لا تكاد وفوده تغادر الخرطوم ،ويشارك بشكل راتب فى توجيه السياسات الاقتصادية للنظام ،الا ان تطبيق تلك السياسات ،و البرامج على الارض فى السودان ،اتى مشابها لعقيدة وفكرة وقيم الحركة الاسلامية ،والتى انجزت المهمة باقذر وابشع طريقة ممكنة،،كلفت الوطن ما لايمكن تعويضه،من خسائر لا سبيل لحصرها. للقيام باقالة لكن سؤال اللحظة الراهنة ،يدور ماهي طبيعة ودوافع البشير الحكومة القائمة وتعيين اخرى جديدة؟ وماهو البرنامج الاقتصادى المناط بحكومة معتز موسى تنفيذه .؟ والذى بالضرورة،سيكون فى ذات الاطار والخط والوظيفة التى ظل يؤديها النظام منذ مجيئه،والتى تحدث عنها المقال بالتفصيل فى الفقرات اعلاه. للوصول الى الاجابات ،الحقيقية على هذه الاسئلة، لابد من الرجوع التوقف مطولا،عند جذور وطبيعة ومحتوى الصراع المحورى،الذى ظل يدور داخل الحركة الاسلامية والنظام،والذى تمحور حول اختيار البشير مرشحا للحزب، فى للانتخابات الرئاسية القادمة،المزمع عقدها فى 2020. فقد تفجر الصراع هذه المرة باكرا،حول اعتماد البشير مرشحا للحزب فى الانتخابات الرئاسية القادمة،والحقيقة ان هذا الصراع ،رغم تغليفه بالجوانب التنظيمية والدستورية -التى تنص على انه لايجوز لرئيس تولى المنصب لاكثر من دورتين رئاسيتين- الاان دوافعه الحقيقة تتجاوز تلك الاسباب الدستورية، التى لا يحفل بها الاسلاميون مطلقا،و ترجع جزوره الى طبيعة تكوين النظام نفسه ،والاجنحة المتعددة داخل الحركة الاسلامية،ورؤية الحركة،وتخطيطها لتجاوز التبعات والتهديدات المصيرية لوجودها المستقبلى،التى ترتبت على تجربتها الكارثية فى الحكم ،وقد تناولت هذه المحاورالمتصارعة ، بتفصيل اكثر ، فى مقال سابق بعنوان (رقصة الذئاب و معركة كسر العظم الصامتة فى الخرطوم – حملة المشعل الاخوانى والعسكر)(1) تم نشر على صحيفة الراكوبة الالكترونية وبعض المواقع الاسفيرية الاخرى فى نوفمبر 2014 . وقتها ولاول مرة، منذ انقلاب الحركة الاسلامية فى يونيو 1989،ظهر الى العلن،ان استمرارية البشير رئيسا للبلاد ،اصبحت موضعا للخلاف داخل الحركة الاسلامية، فقد تم الاعلان ،عن وجود تيار قوى داخل الحركة الاسلامية، مدعوم بالكامل من التنظيم الدولى للاخوان المسلمين ،يدعو للتخلص من كل الحرس القديم للنظام، بما فيهم الرئيس نفسه ،و كل بطانته فى مؤسسة الرئاسة،واستبدالهم بوجوه شابة اكثر قبولا، وغير ملوثة بموبقات وجرائم النظام,ضمن مخطط اكثر شمولا،يهدف الى غسل الحركة الاسلامية من تجربة حكمها الاجرامية الفاشلة ،و تحميل وزر وموبقات هذه التجربة بكاملها ل "نظام ديكتاتورى يقوده البشير" منفصلا عن الحركة الاسلامية ،وهذا الامر ادركه مبكرا ، البشير والزمرة المراد رمى بوائق التجربة عليها،من العسكر وبعض المدنيي من الحرس القديم ، وعلى راس هؤلاء اخبث رجال الحركة والنظام، على عثمان محمد طه ، والذى قاد مسرحية اعادة ترشيح البشيرمن داخل مجلس شورى المؤتمر الوطنى فى نوفمبر 2014 . وكان قبلها البشير يدلى بالتصريح تلوالاخر ،بانه لن يكون رئيسا للسودان فى 2015 ، الا انه اعاد انتخاب نفس رئيسا فى تلك الانتخابات الصورية ،والتى انتشرت فيها صور مراكز الاقتراع الخاوية و موظفيها المستلقين فى نوم عميق. لم يتوقف البشير عن ترديد نفس تصريحاته الكاذبة،التى يزعم فيها بانه لايرغب فى الاستمرار رئيسا لفترة قادمة، وان فترة حكمه هذه هى الاخيرةله، بحكم القانون،الا انه فى الواقع ،كان ينهج نهجا مختلفا،اذ استغل هذه الفترة لتكريس سيطرة جناحه الامنية والتنظيمية على النظام ،الا انه و بالمقابل ،فشل فى السيطرة على،امبراطورية التنظيم الاقتصادية والمالية الهائلة الحجم ، والشديدة التعقيد والمتشابكة التركيب، والتى ظلت خاضعة فى كل الظروف و"المفاصلات" السابقة اوالحديثة، لنفس "القيادة التنظيمة " والتى تتحكم بشكل شبه مطلق، بجميع الانشطة والسياسات والتشريعات وجميع المؤسسات الاقتصادية والمالية فى الدولة ،وتسيطر بشكل حصرى على انشطة واموال الاقتصاد السرى للتنظيم ، وهى الجهة المسئولةحصرا ايضا ، عن التمويل الاستراتيجى للنظام تمويل ضخم ياتى من اموال الامبراطورية السرية للتنظيم ، بهدف ضمان استمرارية وجود النظام ، ويشمل تمويل كافة العمليات الامنية والسياسية داخل وخارج السودان ،وتوفير التمويل والسيولة اللازمان، للحفاظ على الحد الادنى من التوازن الاقتصادى المطلوب ، حتى يتسنى للتنظيم الاستمرار، فى نهب وامتصاص موارد الدولة، دون ان يؤى ذلك الى حدوث انهيار اقتصادى شامل ، بكل عواقبه المخيفة على النظام ، هذه القيادة البالغة النفوذ والتاثير ،هى التى تقود الحراك الداعى الى استبدال البشير،هو وحرس النظام القديم. وهى التى تدعم مخططات التسوية المسماة بالهبوط الناعم ،ولعل هذا السيطرة المطلقة،كانت هى الدافع الاقوى،لمحاولة النظام تعيين عالم الاقتصاد المحسوب على اليسار ،د.عبدالله حمدون،وزيرا للمالية ، على امل ان يكون قادرا على تفكيكهاو الغاء تاثيرها على النظام اوالحد من سيطرتها. كما اسلفت ،فقد اندلعت المعركة حول ترشيح البشير هذه المرة مبكرا،وبآليات واسلحة مختلفة، عن ما دار فى 2014 ،فلم يعد الامرمحصورا داخل اروقة مجالس الحزب والحركة. استباقا لترشيح البشير لنفسه مجدد ا ،والذى كان معلوما داخل دوائر الحركة الاسلامية ، قام الفريق الرافض لاعادة ترشيح البشير و المتحكم بامبراطورية الاقتصاد والمال،بوقف تمويله الاستراتيجى للنظام ،وبتجفيف السوق والبنوك من العملة الصعبة، وبرفع قيمة الدولار فى السوق الموازى لاكتر من الضعف ،بالتزامن مع بداية تطبيقالنظام لتعويم سعر صرف الجنيه السودانى، فى بداية ينايرمن العام الحالى، وبالنتيجة ارتفعت بشكل جنونى اسعار كل السلع بما فيها السلع الاساسية كالخبز والدواء الوقود ، و اسعار الخدمات لاكتر من الضعف . و عجز النظام عن توفير الاموال اللازمة من العملات الصعبة ،لاستيراد الدواء او الوقود او حتى لصيانة مصفاة البترول فى الجيلى حاول البشير وفريقه ،التحكم فى سعر صرف الجنيه السودانى ،فى السوق الموازى،بتخفيض موزون لحجم السيولة النقدية المتداولة من الجنيه السودانى، وتحديد سقف محدد للسحب اليومى من البنوك،الا ان الجناح المضاد ،تمكن ايضا من استغلال هذه الخطوة ضده، اذ قام بتجفيف البنوك والسوق من السيولة النقدية ، ليلقى بمزيد من الضغط على البشير ،فى خضم هذا الواقع المافيوى المتشابك المصالح والشخوص ،والمعقد التركيب والاجندة ، قام البشير باستعادة خدمات جنرال الامن السابق صلاح قوش ، سليل الحاضنة الامنية للحركة الاسلامية ، واحد اهم القيادات الامنية للنظام ،والمدان سابقا بتدبير انقلاب على الرئيس ، ويبدو ان الامر قد تم بتوصية خاصة ،من رجل النظام الاقوى(سابقا ) الاستاذ على عثمان محمد طه ، والذى كان قوش ،من اقوى اخلص واشد رجاله المقربين،عندما كانت تدين له كل بالطاعة كل مؤسسات الدولة والنظام والحزب والحركة السرى منها والعلنى. عاد قوش بما فى حوزته من ملفات ومستندات ،حوت الكثير مما كان ، يدور فى عالم المال والاعمال الاسلاموى ،من فساد واجرام وغسيل اموال ،فابتدر البشير حملته الانتقائية والمحسوبة الخطوات ضد الفساد ،و كان حصادها الاول بعض صغار (جوكية) الامبراطورية الاقتصادية للتنظيم، ممن استطاع ان يطولهم ، ، وراينا كيف ان الجميع قد تفاجأوا ، بحجم الثروات القارونية التى وجدت لدى هؤلاء ،الا ان هذه الثروات، التى تعود ملكيتها فى الاصل الى التنظيم ، ليست سوى جزء ضئيل،من اقتصاد التنظيم فى السودان،والذ ى بدوره ، لا يشكل سوى جزء متواضع ،من اعمال امبراطوريتهم الاقتصادية الكبرى، والمحفوظة اموالها ،فى اعرق البنوك السريةفى العالم ، وفى الملاذات الضريبة الامنة ، والتى تقبع املاكها فى جنان الاستثمار الخليجية والاسيوية والافريقة مؤخرا. اراد البشير بحملته الانتقائية تلك ضدالفساد تحقيق ثلاثة امور : اولها : ضمان قيام حزب المؤتمر الوطنى ، ممثلا فى مجلس شوراه ، باعادة اختياره ،مرشحا اوحدا للحزب فى انتخابات 2020 ،وهو الامر الذى سيضمن به ، تعطيل مخطط قيادة التنظيم فى ابعاده هو ورهطه من الحرس القديم ، تمهيدا لتحميلهم وزر تجربة حكم الانقاذ باكملها. بعد اكمال تسويات الهبوط الناعم . ثانيها: الضغط على اباطرة المال والاقتصاد السرى ،لاستعادة التمويل الاستراتيجى للنظام ،والذى لايستطيع النظام الاستمرار بدونه. ثالثها : وهو الهدف الاستراتيجى، الذى يسعى اليه البشير وفريقه ، وهو تحييد الجناح المعارض لاستمراره فى السلطة،وكف يده عن التلاعب بالوضع الاقتصادى الداخلى ،وحرمانه من عقد تحالفات اواتفاقيات سرية من خلف ظهره ،على المستويات المحلية والاقليمية والدولية، خاصة ان جناح الرئيس المسيطر بشكل شبه تام على القرار السياسى والامنى ،يدرك ان ابواب سوق المساومات الاقليمية والدولية ،لم تغلق امامه ،رغم خذلانه من قِبَل حلفائه الجدد فى الخليج ،لكنه ظل وباستمرار يبلغ الرسالة تلو الرسالة،لحلفائه هؤلاء ،و لكافة الاطراف ذات المصلحة ،انه على استعداد للمضى قدما فى طريق المساومات، الى ابعد مدى ممكن، رغم فداحة وكارثية الثمن ، الذى سيتم دفعه من موارد ومقدرات وسيادة وسلامة ووحدة هذا الوطن . الذى يبدو فى المشهد حتى الان ،ان جناج الرئيس بهذه المساومات المرحب بها دوليا،وبتهديده الخشن بتوسيع حملته الانتقائية ضد الفساد ،لتشمل قطاعات اكثر حيوية،وتطال شخصيات اكبر تاثيرا، قد تمكن من تمرير امر الترشيح بشكل حاسم داخل الحزب،وبالتاكيد ضمن ايضا قيام البرلمان الخاضع للنظام بتعديل الدستور، ان لم تحدث مفاجات مذهلة ،او حادثة كبيرة،تطيح بكل هذا التخطيط المحروس امنيا وعسكريا،غير ان مجرى الاحداث فى مسارها الحالى، يشير الى اننا سنشهد البشير رئيسا لفترة قادمة لا احد يعرف كيف ستتطور الاحداث فيها.او كيف سيكون رد فعل المعارضة السودانية. فى ظل هذه الوقائع المعقدة ،و المعباة بالصراعات والدسائس ،والمؤامرات والحروب الصامتة والعلنية ، وكثير من التحالفات السرية داخليا وخارجيا ،جاء التغيير الحكومى الذى اجراه البشير ،باقالة الحكومة السابقة، وتعيين اخرى جديدة كخطوة متقدمة، فى تمكين جناحه من السلطة التنفيذية ،وتجريد الجناح المعارض لاستمراره رئيسا ،من كافة مصادر ومراكز قوته فى النظام ، تجلت تلك الخطوة فى اسناده رئاسة الحكومة ،لقريبه معتز موسى القادم لرئاسة الوزارة،مكبلا بملفات الفساد الهائل لوحدة تنفيذ السدود، التى كان يعمل بها لما يزيد عن الخمسة عشر عاما ، تولى خلالها ادارات ا لاعلام و التمويل والمشاريع فى الوحدة ، كما تجلى ذلك ايضا فى اسناد وزراة الداخلية، بكل اهميتها وحساسيتها،ولأول مرة فى تاريخ الانقاذ لرجل من خارج منظومة الحركة الاسلامية، هو الدكتور احمد بلال ،الاتحادى السابق،والمعروف بولائه الشديد للبشير. وفى نفس السياق ذاته كانت المحاولة الفاشلة،لتسليم وزراة المالية لدكتور عبدالله حمدوك. وتجى ايضا فى نفس السياق التمكينى لجناج البشير ،كافة القرارات التى اعقبت تشكيل الحكومة ، بفصل واقالة واحالة العشرات للمعاش ،من كبار رجال الجيش والشرطة والقضاء والخدمة المدنية . جميع هذه الخطوات غير المسبوقة داخل النظام والحركة ، تؤكد على بلوغ معركة كسر العظم بين الجناحين، حدا غير مسبوق،قام فيه وسيقوم البشير، المدعوم بنفوذه داخل الجيش، والاجهزة الامنية ،بعمليات تجريد واسعة للجناح الاخر فى النظام، سعيا منه،ليكون المفاوض النظامى الوحيد ،فى المساومات القادمة، لتشكيل مستقبل السودان السياسى،وفقا لخارطة الطريق الافريقية - المسمى الرسمى للهبوط الناعم - حتى يضمن عدم التضحية به برهطه، فى التسوية التى ستتم برعاية المجتمع الدولى ،والتى بات يعرف تفاصيلها كاملة . وهنا لابد من التاكيد مرة اخرى،انه انه يجب عدم الاستخفاف بمقدرات الجناح الاخر . رغم ان كل مؤشرات الواقع الحالى ،تميل لتأكيد ان جناح البشير قد كسب معركة السيطرة على مفاصل التظام حتى الان ، سياسيا قام البشير بتكويين الحكومة الجديدة ،وفقا لمعيار واحد فقط هو الولاء المطلق له،لكن كيف ستعالج الحكومة الحالية ازمات الاقتصاد المنهار،و كيف سيحل النظام معضلة التمويل الحيوى لبقائه ؟ حمل خطاب البشير فى العاشرمن سبتمبرالحالى الخطوط العريضة لما اسماه ب "المشروع الوطنى المرحلي لإعادة التوازن الاقتصادي" والذى طرح فيه الموجهات للسياسات الاقتصادية التى ستتبعها الحكومة الجديدة، فى معالجة الازمة الاقتصادية ،وتتلخص بنودةالعريضة كما وردت نصا فى الخطاب فى : 1- مراجعة مشروعات التنمية واعادة النظر فى اولياتها وفقا لاهميتها، وفق منظورالتنمية من اجل الناس 2- حفز الإنتاج في المشروعات الزراعية الكبرى . 3- تنفيذ برنامج اسعافى عاجل يتضمن مشروعات بعينها ذات عائد سريع ستقوم رئاسة الجمهورية بتخصيص الموارد اللازمة لها ،بشراكة بين من اسماهم بابناء الوطن المخلصين والاصدقاء الحادبين . باختصار شديد ،ورغم حشد الخطاب بالعبارات المستجدية للتاييد ،و تغليفه للاجراءات والخطط الاقتصاديةالقاسية الواردة فيه ،بتردد عبارات الحرص على معاش الناس ،فان المشروع الوطنى لاعادة التوازن الاقتصادى،المطروح فى خطاب البشير هذا ،ماهو الا مزاد علنى كبير، يتم فيه بيع كل ماتبقى فى السودان من موارد ومشاريع تنمية ،ومشاريع واراضى زراعية وغيرها مما يمكن بيعه ، باشراف ورعاية مباشرة من رئاسة الجمهورية، التى ستستعين بابناء الوطن الخلص ، والاصدقاء الحادبين فىانفاذ البيع من خلال ذلك المزاد ، و لسخرية الاقدار، فان عبارة ابناء الوطن الخلص ،تشابه كثيرا الاوصاف التى اطلقها محمد يوسف كبر نائب الرئيس الجديد،على ابطال فضيحة سوق المواسير فى الفاشر ،حين كان واليا هناك . اما "الاصدقاء الحادبين" ،فلن يكونوا سوى ثلة من مبعوثى صندوق الدولى ،الدائمى الحضور فى الخرطوم ،وعدد من كبار المستثمرين والممولين من دول،وبنوك وصناديق مالية ومؤسسات استثمارية وشركات وافراد ،ممن لهم باع وسابق معرفة وخبرة ،فى كيفة التعامل مع المتطلبات "الاستثمارية" للنظام ، وطرق تغذية اى شبكات الفساد النظامى ، بعائدات الدولة من الاستثمارات المزمع اطلاقها، فى مشروع اعادة التوازن هذا، وهنا يمكن القول بالفم المليان، ان ذلك التشبيك المعقد بين تخطيط النظام للاستثمار ، واصحاب المال من المستثمرين ،وشبكات الفساد التى ستبتلع معظم تلك الاموال،قد وجد ضالته فى شخص معتز موسى،رئيس الوزراء الجديد والذى عين نفسه وزيرا للمالية ، ليقوم بخلق نسخة جديدة شبيهة بالاقتصاد الاسلاموى السرى خاضعة لسيطرة جناح البشير، فهوبلا شك الاكثر تاهيلا للقيام بذلك بحكم ولائه المطلق للبشير " صلة الدم "، وبحكم "كشكول" خبراته السابقةومعرفته لشروط ومتطلبات استقطاب الممولين والمستثمرين،لوحدة تنفيذ السدود ،وبحكم ايضا معرفته اللصيقة بخفايا واسرار، تجنيب واخفاء اثر مئات ملايين الدولاارات، من اموال الوحدة، فى بعض الحسابات السرية،و التى ظهرت تسريبات سابقة بانها مفتوحة ، باسم مدير وحدة تنفيذ السدود ، اسامة عبدالله والذى يشغل وباللمصادفة منصب والى القضارف،والتى تعد من اكثر الولايات خصبا وثراءا بالاراضى الزراعية .!!! بالتاكيد انه ستكون بالاضافة لعمليات البيع والخصخصة تلك ،العديد من الاجراءات الاصلاحية ،والتى فى فى مجملها ستتعلق بكيفية السيطرة على التضخم ،و توفير السيولة وتوفير العملة الصعبة – حتى الان تم طباعة فئة المئة جنيه ،وهنالك تسريب عن تحرير كامل لسعر الصرف- لكن كل هذه الاجراءات، ليست سوى عبارة ،عن مجموعة حلول تلفيقية ،يجرى تنفيذها ،وفقا لمصالح وتشابكات لادخل لها بمصلحة الوطن والمواطن - تجلى ذلك فى مكوث الدولة متفرجة فى وباء كسلاحتى بعد زيارة رئيس الوزراء اليها – وبالتأكيد انها فى مجملها ستزيد من المعاناة ،والفقر ،واعداد الباحثين عن الهجرة،من وطن يسعى فيه النظام الحاكم ، الى استغلال الازمة الاقتصادية العميقة التى خلقها بيديه، ليتمكن من بيع وتمليك،كافة موارده، لاستثمارات راسمالية لعينة . --------------------- https://www.alrakoba.net/news.php?action=show&id=170175 (1) عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.