وصفت المنهج الانتقائي في المقالين (1، 2) بما يلي: "يؤدى المنهج الانتقائي لمآزق ومزالق كثيرة، مما يجعل من يستخدمه مكشوف الظهر، ضعيف التحليل، ناقص الحجة. ويضع القراء في موضع الشك حول مصداقية الكاتب، وامانة طرحه. كما ان المنهج الانتقائي يتعارض مع ضرورة التجانس الداخلي للأطروحة المعينة، وتطورها المترابط، الذي تؤدى مقدماته لنتائجه، بأدلة مرتبطة بسياق وتطور التحليل. وينبني المنهج الانتقائي على جمع مقتطفات، متفرقة ومعزولة عن سياقها، ومركبة تركيبا غير متجانس، لتبرر اراء مسبقة أو مواقف أو سياسات، او لتدافع عن مواقف وتاريخ حزب". كما ذكرت ان صديقي السر قد انجز أيام السرية دراسات بذل فيها مجهودا واضحا، ولكن كتاباته عن الحزب تتميز بالانتقائية، ورص المقتطفات بعيدا عن سياقها التاريخي، وتدوير نفس المقتطفات والمقالات مرات ومرات مع تغيير العنوان ". وتعرضت في المقال الاول لقضية المناقشة العامة التي نظمها الحزب الشيوعي السوداني، وما كتبه السر بابو عنها في مقاله الذي انتقد طرحي، ثم نقلت حرفيا، ما كتبته انا في كتاب (هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني؟). وقصدت ان يقارن القارئ ما قاله السر بابو عن طرحي، وحقيقية ما كتبت. وفي المقال الثاني عرضت ما كتبه السر في سطرين، وما كتبه عن علاقة الحزب بالحركة الشيوعية العالمية ، في سنوات التأسيس الأولى، وأوردت 9 امثلة لتدعيم ما طرحت من رأي، بينما انتقي السر ، في نقده، الموقف من نظام ناصر، والاعجاب بالتجربة الصينية واخرجهما من سياقهما في موضوعي. كتب الصديق السر ما يلي: " أشار د. صديق الزيلعي في مقال له بعنوان " ملاحظات حول قضية تجديد الحزب الشيوعي السوداني ، إلي أن المناقشة العامة لم تتناول نقديا تجربة الحزب الشيوعي والستالينية وسلبيات التجربة الاشتراكية ، وأن الحزب الشيوعي في رفضه لاتفاقية 1953 كان متأثرا بالتجربة الصينية ، ورفضه لنظام عبد الناصر بعد إعدام خميس والبقري، والمشاركة في انتخابات المجلس المركزي كانت نقلا حرفيا لمؤلف لينين " مرض اليسارية الطفولي " ، وأن الحزب الشيوعي السوداني فقد استقلاله بارتباطه بالحركة الشيوعية العالمية والمصرية، والنقل اللينيني للتحليل الطبقي لمزارعي الجزيرة ، وتأثر الحزب بمخطط المراحل الخمس التي أشار لها ستالين،. الخ." سأتعرض اليوم لقضية دخول الحزب الشيوعي لانتخابات المجلس المركزي. ونسبة لأنني تعرضت لها في سطر واحد فقط في المقدمة المذكورة، فاني سأنقل من نص بيان الحزب حول المجلس المركزي، ثم اناقشه. جاء في بيان الحزب بتاريخ 9/3/1963، ما يلي: " في هذه الأيام بالذات يدور الجدل عاليا جول دخول أو مقاطعة الانتخابات للمجالس المحلية، فان الحزب الشيوعي السوداني يرى من واجبه أن يؤكد بصورة قاطعة أن الأضراب السياسي العام ما زال السلاح القوي الذي يمكن ان تشهره الجماهير لإسقاط النظام الراهن، وإنه لا مقاطعة الانتخابات ولا دخولها، يمكن ان يكون بديلا لهذا الاضراب .... ان الحزب الشيوعي يهمه أن يكون موقفه واضحا أمام الجماهير العمالية وكل الشعب في هذه النقطة بالذات، ذلك ان النظام برمته وليس بمشتقاته فحسب، هو نظام رجعي غير ديمقراطي ودكتاتوري، وليس هناك سوى السذج من يعتقدون في ان تولد الدكتاتورية نظاما ديمقراطيا في نفس الوقت." وهذا المقتطف من البيان يشكل جوهر موقف الحزب السياسي والمبدئي من النظام العسكري. ويضيف البيان: " ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن ان تقوم إلا على أنقاض النظام الدكتاتوري. ومن هنا كان رأي الحزب الشيوعي الذي أعلنه في الكتاب الأسود بمناسبة الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري، هو ان المجلس المركزي جاء أبعد ما يكون عن تحقيق الديمقراطية، بل هو نكسة خطيرة إذا ما قورن بالمؤسسات التي حققها الشعب قبل انقلاب 17 نوفمبر 1958. إن مجلسا يدعي بانه تمثيلي لا يقوم على مبدأ الانتخابات المباشرة لكل أعضائه، ولا يمارس كل الحقوق التشريعية، هو مجلس مزيف، إن مجلسا لا يملك حق النظر في الاتفاقات التي ابرمها النظام الراهن من معونات وقروض كبلت استقلال السودان، وأوردته موارد التبعية للاستعمار هو مجلس رجعي، إن مجلسا لا يملك تعيين أو إقالة رئيس الوزراء ومحاسبته هو مجلس لا حول له ولا قوة ". ثم يحدد الحزب الشيوعي هدفه بوضوح: " ان الحزب الشيوعي حين يخوض اليوم معركة الانتخابات للمجالس المحلية يعلم حق العلم انه يخوضها في ظل نظام حكم رجعي دموي، ولا يمكن التعاون معه بأي حال من الأحوال، بل هو يخوضها بهدف تحويل المعركة الانتخابية والعمل داخل هذه المجالس من أجل مصالح الجماهير اليومية، والى تجميع قوى العمال والشعب في مؤسسات الجبهة الوطنية الديمقراطية." (أنظر النص الكامل للبيان في كتاب صديق الزيلعي: وثائق تحكي تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، مركز آفاق جديدة ،2017، ص 88 – 92). هذا البيان طرح بوضوح رأي الحزب الرافض للنظام العسكري ومجلسه، ورغم ذلك قرر المشاركة في الانتخابات، رغم مقاطعتها من الأحزاب الأخرى. وكان تحليلي بان ذلك الموقف ينبع من تبني الحزب الشيوعية للنظرية الماركسية اللينينية، وخاصة رأي لينين الذي طرحه في كتابه " مرض اليسارية الطفولية في الشيوعية". فقد كتب لينين في الفصل السابع من كتابه، وتحت عنوان " هل يجب الاشتراك في البرلمانات البرجوازية؟ " داعيا للمشاركة فيها وناقدا لبعض الشيوعيين الالمان الذين يدعون لمقاطعتها. وقد أورد نفس الأسباب التي أوردها بيان الحزب الشيوعي حول انتخابات المجلس المركزي. فهل يوضح لنا الزميل السر بابو سببا آخر لمشاركة الحزب في انتخابات ذلك المجلس غير تأثره بأساليب العمل اللينينية؟ وأضيف ان المسألة لا تقف في المشاركة في تلك الانتخابات، فموقف الحزب من نقابة المنشأة هو موقف لينين حول المشاركة في النقابات الرجعية، الذي أورده في نفس الكتاب في الفصل السادس. ونذكر الخلاف الذي فجره الأطباء حول ذلك الموقف من خوض انتخابات نقابة المنشأة. كما نذكر جيدا ان الحزب الشيوعي قد قبل الدخول في المجلس الوطني (برلمان الإنقاذ) ضمن حصة التجمع الوطني الديمقراطي، ولكنه رفض المشاركة في السلطة التنفيذية، وقد اثار ذلك نقاشا واسعا وسط الشيوعيين بين مؤيد ورافض. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.