هل يستطيع الصادق المهدي أن يكون شخصية تاريخية و يقوم بعمل تاريخي يضعه مع العظماء و هم وكلاء تطور البشرية عكس من يترك اسمه في التاريخ بالصدفة؟ اذا لم يستطع الصادق المهدي أن يكون شخصية تاريخية لها الجرءة على فعل الشر و يفعل ما يكون المجتمع بأثره في انتظاره كما يقول علي الوردي يكون الصادق قد ترك أسمه بالصدفة التي هيأتها له المهدية كوريث. فالشخصية التاريخية تشكل نقطة التوازن حيث يتقاطع الفرد مع المجتمع مثل شخصية مارتن لوثر في مؤلفاته و اختلافه مع المجتمع في ذلك الزمن و من هنا نبعت فكرة الاصلاح الديني و هنا تظهر القطيعة بين الفرد و المجتمع و تظهرها أهمية دراسة سايكولوجية المجتمع عبر التاريخ و هنا يظهر الفكر في الاصلاح الديني أكبر من حالة مؤلفه و أكبر من تجربته و يكون المصلح كمن يجرؤ على فعل الشر كما يقول علي الوردي. فأفكار مارتن لوثر شكلت قطيعة مع التراث عندما أعمل العقل البشري في فك طوق النص المقدس و شبا عن حلقة الايمان و التقديس و التبجيل لكي يبدأ فكرة أنسنة الاله و تأليه الانسان و هنا يكون المصلح كمن يجرؤ على فعل الشر. لذلك قد ظهر فكر الاصلاح عند مارتن لوثر أكبر من حالة مؤلفه و أكبر من تجربته و هذا ما عجزت عنه المهدية لأنها لم تكن قطيعة مع التراث و لم تخرج من فكرة المقدس الذي أدى الى الجمود الذي حبس السودان في وحل الفكر الديني الى يومنا هذا. و الذي نحتاجه هو الفكر الحديث الذي قد خلق القطيعة مع التراث و في حالة السودان الآن نحتاج للقطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد و هنا تكمن أهمية معرفة تاريخ الذهنيات و تاريخ العقليات كما فعلت مدرسة الحوليات في دراساتها لتاريخ المجتمع و تاريخ اقتصاده على الأمد الطويل وفيها يصبح الاصلاح الديني إلتقاء الفكرة مع نقيضها في فكر مارتن لوثر و البرجوازية الألمانية فجأءت عقلانية الرأسمالية لذلك نجد قول فيفر في مدرسة الحوليات ليس الفكر البروتسانتي وحده المسؤول من نشؤ الرأسمالية العقلانية كما نجدها في مؤلفات ماكس فيبر بل هو إلتقاء فكر مارتن لوثر مع ما كانت تصبو اليه البرجوازية الالمانية. و قبل فكر مارتن لوثر الاصلاحي كانت تسيطر فكرة الخلاص الأخروي روح لاهوت القرون الوسطى الذي يشبه حال السودان و السودانيين الآن و بعد لاهوت الاصلاح قد أصبحت التجارة عمل أخلاقي عكس ما كنت تروج له الكنيسة و قد أصبح من الممكن أن يدخل الغني الى ملكوت الله و هنا تظهر اهمية الاصلاح الديني الذي يبعد رجال الدين كوعاظ سلاطين كما ظهر لنا الآن في فهم الحركة الاسلامية السودانية و تردئ أداها في الاقتصاد و انعكاسه في تدني مستوى المعيشة للشعب السوداني. فكرة الصادق المهدي في قيادته لنداء السودان و فكرة الهبوط الناعم لم تصادف ما يصبوا اليه الشعب السوداني و هو شوق الشعب السوداني الى الخروج من حالة المجتمعات التقليدية الى أعتاب الدولة الحديثة وهذا يحتاج الى ظهور شخصية تاريخية لها الجرءة على فعل الشر لكي يقوم بعمل تاريخي يؤسس لقطيعة مع التراث و هو قليل من الشر لكي يأتي الخير العميم كما يشرح علي الوردي كل ذلك و هو فهم كامن في الحضارة العربية و الاسلامية في فكر الصوفية و فكر ابن خلدون و هو الفكر الوحيد الذي يمكنه أن يرفع أس الحضارة العربية الاسلامية الى مستوى الحضارة الغربية كمجسدة لمأساة فاوست التي تعكس تاريخ الانسانية في مأساته و تراجيديته. فعلي الوردي في مهزلة العقل البشري يقول أن المتصوفة و ابن خلدون تبنوا منطق مختلف عما تبناه معاصريهم حيث حاول بعض متصوفة الاسلام على سؤال لماذا خلق الله الشيطان و أجرى الشر على يديه بما معناه أن الشئ لا يعرف الا بنقيضه و هذا ما أنتج هذا الكون و مشكلة الشر تفسر عند المتصوفة على هذا الأساس و هذا ما ذهب اليه ابن خلدون في قوله قد لا يتم وجود الخير الكثير الا بوجود شر يسير فلا يفوت الخيرعلى ما ينطوي عليه من الشر اليسير و لو دققت النظر في مقولة ابن خلدون ترسلك مباشرة الى قصيدة محمد المهدي المجذوب أيكون الخير في الشر انطوى لكن انتبه جيدا أيها القارئ فعلي الوردي في تعامله مع ابن خلدون لم يصطحبه يدا بد كما فعل النور حمد في العقل الرعوي و على فكرة علي الوردي نفسه قد عالج فكرة البداوة و ازوداج الشخصية قبل عقود سبقت محاولة النور حمد و لكنه أي علي الوردي كعالم اجتماع متمكن قد أوقف ابن خلدون رأس على عقب و تخاطب معه أي ليس كما اصطحبه النور حمد يد بيد و كذلك اذا قارنا بيت شعر محمد المهدي المجذوب كما وجدناه في مقولة ابن خلدون التي تحيلك اليه نجد أن في بقية قصيدة المجذوب الذل و الانكسار و الهوان رب سبحانك مختارا قديرا انت هيأت القدر و هنا نجد ضعف المجذوب و انكساره و هوانه اذا ما قارناه ببيت ابو القاسم الشابي اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر وهنا نجد الشابي قد جسد عزيمة بروميثيوس سارق النار عندما رأى هوان الانسان و لم يعجبه هوان الانسان و تحمل العذاب الأبدي بان يأكل النسر كبده و الى الأبد فابن خلدون له القدرة على افراغ الفعل الاجتماعي من فكرة القضاء و القدر و هذا الذي عجز عنه محمد المهدي المجذوب امام ابو القاسم الشابي و ابن خلدون رغم تطابق مقولة ابن خلون مع بيت شعره. عصرنا الحديث روحه روح مأسات فاوست التي لا يمكن تجاوزها فهل يتجرأ الصادق المهدي على فعل الشر الذي تحاشاه في كل تاريخ مسيرته السابقة و هي فكرة القطيعة مع التراث و يكون الصادق المهدي نفسه أول المتضررين منه لأن الشعب السوداني سيخرج من نير الفكر الطائفي و الفكر الديني و القبلية و الجهوية و يدخل الى الحضارة و ميلاد فكرة الفردانية و عبرها نرى صورة الفرد عبر التاريخ؟ على أي حال قد حدد الصادق المهدي رجله التي سيرقص بها كما يقول الفرنسيون وهي فكرة الوسطية و فات على الصادق المهدي أن العالم اليوم قد خرج من الخواء الذي عم بسبب الفكر الديني و كائناته المتوحشة من داعش و سلفية و أخوان مسلمين و ان العالم مازال يرى دخان معاركه في سوريا و غيرها ولكن قد أيقن الكل أن العالم قد طوى ورقة الفكر الديني و قد أيقن الكل و حتى في معقل السلفية أن الفكرة التي تربطهم بالعالم الحديث لم تكن من صميم الدين بل هي فكرة الاقتصاد و المجتمع فنحن اليوم في زمن هروب المجتمع من الفرد و في لحظة قد أيقنت فيها البشرية عن أن الدين لم يكن جالب لسلام العالم بل أن سحره قد زال و قد خرج نهائيا من حقول السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و سيصبح في القريب العاجل أن من يحاول حتى اللعب بفكرة الوسطية كما يفعل الصادق و يريد ان يلعب بها في السياسة سوف تعتبر تطرف لان العالم يواجه هموم غير مسبوقة بعهد. فالدين اليوم يبدأ بعد حدود العقل و مع الكانطيين الجدد قد أصبح الدين يستوعب التناقض و يقبل في داخله حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان ففي فكر ايمانويل كانط و كتابه الدين في حدود مجرد العقل لم تعد الميتافيزيقا أرض معركة فالصادق المهدي باصراره على فكرة الوسطية ككرت رابح وخطاب ديني يريد استخدامه في السياسة فيه انتقاء لنصوص غير تاريخية و محاولة اعادة تاريخ متخيل للاسلام لدي الصادق المهدي و هو تاريخ غير موجود أصلا كما تقول مدرسة الحوليات. فليجرب الصادق المهدي و قديما قالوا الارضة جربت الحجر و لكن على الصادق المهدي الا ينسى أن الساعة الآن تشير الى القرن الواحد و عشرين زمن الحداثة و عقل الانوار. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.