برمثيوس سارق النار كان صديق الانسان حينما رأى عليه صفات الذل والهوان فسرق النار التي لم تكن من نصيب الانسان فأغضب الآلهة فحكمت عليه بأن يكون مصفد في الأغلال الى الأبد يأكل النسر كبده بلا إنقطاع. لذلك يرى النقاد أن برومثيوس شعبوي وليس نخبوي إنحاز لجانب الشعب ضد النخب رغم ما ينتظره من عذاب أبدي لذلك نجد أن كثير من الفلاسفة كانوا معجبين بالاسطير اليونانية بما فيها من جسارة لأبطالها. ميزة الأساطير اليونانية تقدم بطل كبرومثيوس يعرف نفسه غير برئ فهو يستحق عذابه لأنه قد رفض ذل الإنسان وضياعه فسرق نار الآلهة لكي تكون من نصيب الانسان وهذا ما جعل فردريك نيتشة يرى في فلسفة اليونان والرومان وما فيها من أبطال غير بريئين كما تقدم المسيحية واليهودية أبطال كفكرة الضحية البريئه في فكرة صلب المسيح المصلوب بغير سبب أي أنه برئي بانها فلسفة العبيد مثل هذه الفلسفة لا يمكن أن تحرر الإنسان كما يفعل البطل غير البرئي كبرمثيوس وسيزيف وغيرهم كثر في الاساطير اليونانية. وكذلك نجد ألبير كامي في كتابه أسطورة سيزيف قد ذكر برمثيوس سارق النار كرمز للنزعة الإنسانية وكذلك قد ذكر كامي في كتابه مأساة فاوست ألم تكن الحضارة الغربية كلها وجه من مأسات فاوست حينما كان له الجراة أن يصلي لله بحرارة أن يبيعه للشيطان لكي تكون له الجرأة ويجري على يديه الشر. أما شيللي نجده قد قد فكك فكرة برمثيوس في الأغلال وجعله حرا طليقا. شيللي الشاعر البريطاني كان غير مبالي بحكم الآلهة على سارق النار فقد حطم شيللي أغلال برمثيوس وأرسله حرا طليقا ألم يكتب شيللي في شبابه ضرورة الإلحاد؟ لذلك لم يرضى بحكم الآلهة على برمثيوس سارق النار. أما أبو القاسم الشابي أيضا لم يرضى العذاب الأبدي لسارق لنار لذلك كانت لابوالقاسم الشابي هكذا غنى برومثيوس ألم يقل الشابي إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر. أبو القاسم الشابي في فكرة القدر الذي يستجيب لإرادة الشعب قد تبع فلسفة ابن خلدون وهو أيضا تونسي ففي المقدمة وعلم اجتماعه قد أفرغ ابن خلدون التاريخ الإجتماعي من فكرة القضاء والقدر وهنا يكون روح قانون ابن خلدون لإجتماعه كما فكرة فاوست في مأساته أو فكرة برومثيوس سارق النار. لذلك نجد عالم الاجتماع العراقي علي الوردي معجب بفلسفة ابن خلدون وفكر التصوف في الثقافة العربية الإسلامية. فقط فلسفة أبن خلدون وفكر التصوف في مسألة أن الشئ يعرف بنقيضه أي أن الشر القليل لابد منه من أجل الخير العميم هي التي تستطيع أن تحمل الثقافة العربية والاسلامية لمستوى أسطورة برمثيوس سارق النار. إلا أن التصوف اليوم وما فيه من مفارقة لروح التصوف التي تحدث عنها علي الوردي تجعل الفرد في ضعف وذل وهوان يتساوى مع حالة الإنسان في ذله وضعفه وهوانه الذي دفع برومثيوس لسرقة النار لذلك نحن اليوم في السودان نحتاج لنار سارق النار برمثيوس وليس للنار المجاذيب لمحمد المهدي المجذوب. لأن نار المجاذيب جعلت من محمد المهدي المجذوب منساق للقدر الذي قد جعله الشابي قدرا مستجيب للشعب إذا أراد الحياة. وشتان ما بين رب سبحانك مختارا قديرا انت هيأت القدر لمحمد المهدي المجذوب و إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر للشابي لأن الشابي في صيحة الجبار قد قال هكذا غنى برومثيوس. فالشابي شعبوي كما برمثيوس لم يك نخبويا لذلك انحاز للشعب وسرق نار الآلهة وجعلها من نصيب الإنسان ومحمد المهدي المجذوب نخبوي بشهادة النور حمد عندما تحدث عن مهارب المبدعين. لذلك إن للحضارة الغربية كل الحق أن تزعم أنها وريثة عقل الاغريق والرومان. كل ما اختلت معادلة الحرية والعدالة ظهر بين صفوفها الشعبوي ويكون ضد كل ماهو نخبوي. لذلك انتخاب ترامب اليوم هو تجسيد لروح الشعبوي الذي يفضح فشل النخب في كل من امريكا واوروبا الغربية نخب في ظل فكرها اختلت معادلة الحرية والعدالة في ظل ليبرالية بلا كوابح أصبحت فيها الديمقراطية بلا شعب كما يقال. انتخاب ترامب هو انتصار الشعبوي على النخبوي كما انتصر الشعبوي على النخبوي في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وأزمة اليمين واليسار في فرنسا الذي جعل الكل يحبس أنفاسه من فكرة وصول اليمين المتطرف الى الحكم هي أيضا تنذر بظهور الشعبوي المنتقم من النخبوي. تنامي اللا عدالة والفقر في المجتمعات الغربية سوف تجعل المسرح مهيأ لظهور الشعبوي الذي ينتقم من النخبوي. في فترة الكساد العظيم1929 ظهرت النظرية العامة لجون ماينرد كينز وكانت تنحاز الى فكرة اصلاح خلل معادلة الحرية والعدالة لدرجة أن كينز قد اصبح متهما بأنه شيوعي مندس يريد تحطيم الرأسمالية من الداخل بفكرة المقطع الرأسي والاستهلاك المستقل عن الدخل. النظرية العامة لكينز في معالجتها لفكرة التقارب الطبقي و التضامن الطبقي وبالتالي التصالح الطبقي تعالج آخر خلل لفكرة الليبرالية التقليدية التي قد بلغت منتهاها في عام1889 وقد تسربت إليها ثقافة اللا عدالة روح ثقافة القرون الوسطى. لذلك أن كينز في النظرية العامة يعتبر شعبوي ضد كل ماهو نخبوي شأنه كشأن برومثيوس سارق النار وفعلا كانت النظرية العامة العمود الفقري لاعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. أستمرت فعالية النظرية العامة الى عام1971 أيام أزمة الدولار. وبعدها بدأت فكرة النيوليبرالية في الظهور في فكر فردريك حايك وهونخبوي بامتياز وقد أدت النيوليبرالية الى الازمة الاقتصادية الحالية والخروج منها الآن سيودي الى ظهور الشعبوي كانتخاب ترامب الآن وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. لذلك إيمانويل تود وهو فيلسوف فرنسي وانثروبولوق يرى في انتخاب الشعب لليمين المتطرف ماهو إلا رفض الشعب للنخب غير الواعية بسبب سياساتها النقدية وسياساتها الاقتصادية التي دمرت الطبقة الوسطى في فرنسا وبالتالي انتخاب اليمين المتطرف سيضع التحدي امام النخب غير الواعية. ومن قبل كان ريموند آرون يرفض أفكار دور كهايم لأنه نخبوي ويفضل عليه ماكس فيبر و أفكارة في كتابه الاقتصاد والمجتمع التي تضعه في حيز الشعبوي لذلك كان ريموند آرون شعبويا حينما كانت أفكاره في علم اجتماع المجتمعات الصناعية وفيه يرى أن الليبرالية هي الاقدر على إحقاق معادلة الحرية والعدالة من التخطيط الاقتصادي في الفكر الشيوعي. ومقارنة ريموند آرون بين المجتمعات الصناعية أي الليبرالية والاتحاد السوفيتي قبل سقوطه وطبعا لا ينسى الفرق بين المجتمعات التقليدية كحالة السودان اليوم الذي يسيطر عليه الفكر الديني فلا مقارنة بين مجتمع تقليدي كحالة السودان بفكره الديني مع المجتمعات الصناعية. ولكن يظل الامل هو الذي يربطنا بمقولة عبدالله الغذامي في وصفه لحال العالم العربي والاسلامي بأنه قد أصبح في زمان تقدم الشعب وسقوط النخب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.