م.محمد يوسف العركي باحث في استراتيجيات المعرفة يعد قطاع التأمين في كل الاقتصادات في العالم جزءاً مهماً في تكامل العملية الاقتصادية فهو يشكل الحماية لكل القطاعات الانتاجية والخدمية وللافراد والمؤسسات بما يطرحه من منتجات وخدمات تأمينية تغطي معظم القطاعات. فتجد التأمين حاضراً في البحر وفي الجو وفي البر وفي السكة حديد وفي الزراعة والصناعة والصحة والحريق والسرقة واصابات العمل وغيرها من المنتجات التأمينية واسعة التغطية والانتشار. وعلى الرغم من أن صناعة التأمين في السودان تعد من الصناعات الخدمية القديمة التي ظهرت مع الاستعمار الانجليزي و كان أول قانون للتأمين في العام 1960 وتمت اسلمة القطاع في بداية التسعينات من القرن الماضي، كل هذا التاريخ الكبير وفي بلد متدني المخاطر التأمينية بعدد 13 شركة تأمين مباشرة وشركة واحدة لاعادة التأمين وشركة واحدة في التأمين الطبي نجد ان مساهمة سوق التأمين السوداني في الناتج الاجمالي المحلي في أحسن الحالات لم يتجاوز 4% وفي بعض السنوات وصل 5,% اي اقل من الواحد الصحيح.ربما تكون هناك عوامل داخلية وخارجية ساهمت في هذا التدني ولكن تظل الارادة غائبة لدى الدولة ولدى شركات التأمين في فتح المظلة لحماية الاقتصاد كما تفعل كل الدول التي تعي أهمية التأمين. ويجدر بنا أن نشير الى قضية مهمة كذلك في عدم قيام قطاع التأمين في الدور المطلوب منه بصورة كلية وتتمثل هذه القضية في تركيبة المواطن السوداني الذي يتعامل مع الاشياء بكثير من العفوية والتي تودي به لمواقف صعبة في حالة حدوث خطر عليه او على مكان عمله او وسيلة انتاجه وكسبه وتتسع الصورة هذه لتنعكس على بعض المؤسسات كذلك حيث يتعامل مع التأمين كأنه نافلة وليس فرض وضرورة للحفاظ على المؤسسة وممتلكاتها ولا يلجأ للتأمين الا اذا كان عبر القانون مثل تامين السيارات. ولعل حريق الجمعة الاخير لعدد 300 متجر بسوق أمدرمان قد أعاد للاذهان سلسلة من الحرائق التي حدثت قبله مثل استديوهات قناة النيل الازرق وسوق حلايب ومصنع البلاستيك بامدرمان وحوش شركة مواصلات الخرطوم واحد محالج القطن الكبرى و11 مخزن بالسوق الشعبي أمدرمان وغيرها مما لم تشر اليه وسائل الاعلام. كمثال فقط للخسائر التي نجمت عن حريق سوق امدرمان فتشير الاحصاءات الاولية ان الخسائر بلغت 850 مليار جنيه وكمية من السيولة النقدية المخزنة ومبلغ 4 مليون دولار (وهذه يتحمل وزرها بنك السودان المركزي وسياساته الخاطئة) التي جعلت المواطن يفقد الثقة في النظام المصرفي وهذه لا يختلف عليها شخصان. واذا نظرنا لشركات التأمين في السودان نجد ان هذه الشركات لديها وثيقة خاصة بالحريق والسرقة بمبلغ زهيد للغاية ولكن رغم عن ذلك تجد ان القطاعات الصغرى مثل التجار واصحاب الورش والبقالات لا يملكون هذه الوثيقة، والخطأ هناك مشترك لكن تتحمل شركات التأمين الجزء الأكبر منه بعدم نشرها للوعي التأميني وسط هذه الشرائح المهمة وكذلك ما يعرف بوكلاء التأمين الذي يعزفون عن ذلك نسبة للعائد الذي لا يكاد يذكر منها ، والمواطن بثقافته البسيطة غير مهتم او لا يعرف أن هناك وثيقة تغطي متجره او ورشته من مخاطر الحريق والسرقة مثلاً او ان هناك وثيقة تغطي اصابات العمل. إن تكرار الحرائق مؤشر خطر يقضي على فئة ضعيفة ويذهب بكل ما عندهم هذا غير الأثر للنفسي لهم ولأسرهم وهنا لابد من تدخل الدولة بإرادة قوية لحماية هؤلاء البسطاء وأن تساعد في فتح مظلة التأمين مع شركات التأمين والجمعيات والغرف التجارية حتى نحفظ ونحمي اقتصادنا في كافة مستوياته. يبقى على شركات التأمين دور كبير ومهم وهو الانتشار على المستوى القاعدي وعدم انتظار العميل كي يحضر بنفسه الى مقر الشركة بل الوصول اليه في مكانه وعقد ندوات تعريفية في الاسواق وأماكن تجمع الحرفيين والمنتجيين بأهمية الوثائق التي تتواءم وطبيعة عملهم وما الذي تغطيه الوثيقة وما الذي يعود اليه في حالة حدوث خطر. وأهم ما يبدأ به في هذا العملوبصورة عاجلة هو ربط الحصول او تجديد الرخصة التجارية بالحصول على وثيقة تأمين ضد مخاطر الحريق وأهمية وجود انبوبة طفاية الحريق في المحل ، وكذلك على الجهاز القومي للرقابة على التأمين أن يلزم شركات التأمين بتحقيق نسبة معينة فيما يتعلق بوثيقة مخاطر الحريق من مجموع التغطيات التأمينية المختلفة ، وكذلك أهمية نشر ثقافة التأمين من خلال الوسائط الاعلامية التقليدية والحديثة من خلال تفكير ابداعي يوصل الرسالة لكل الفئات .وأن يعرف المواطن كذلك انه يمكن تغطية مسكنه بهذه الوثيقة المهمة وهنا يظهر دور اللجان الشعبية والمساجد. فعلى شركات التأمين عبء كبير لتحقيق هذا الانتشارالذي لابد أن تقوم به فهو واجب قومي وضرورة وطنية ويعلم الجميع أن نظام التأمين الاسلامي لا يقوم على التربح وانما التكافل. نريد أن نرى مظلة التأمين شاملة تحمي الاقتصاد وتحقق رقماً معتبراً في الدخل القومي وكذلك أن تكون المعطى الحاضر وليس الغائب في معادلة الاقتصاد ، وكذلك على البنك المركزي أن يعيد الثقة في البنوك حتى لا تأكل النار السيولة التي لو كانت هناك ثقة لما وضعها المواطن في متجره وبكل هذه الكمية التي تتحدث عنها وسائل الاعلام . ونسأل الله أن يحفظ بلادنا ومواردنا وأن يبارك في زرعنا وصناعتنا وأن يلهم القائمين على الأمر التفكير السديد السليم . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.