تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتفاضة ديسمبر ودول الجوار! .. بقلم: بدر موسى
نشر في سودانيل يوم 24 - 12 - 2018

يعول، ويزعم، البعض أن نجاح الانتفاضة، في إسقاط وتغيير نظام حكم الإنقاذ، سيكون في مصلحة الجميع، داخل وخارج السودان! ولهذا فإننا نحتاج لأن نخاطب دول الجوار، والدول العربية، والدول الأجنبية، لنقنعها بأن مصلحتها تلتقي مع مصلحة السودانيين في هذا التغيير، لنكسبها إلى جانبنا، حتى تقف مع الشعب السوداني وتناصره، بدعمها وتأييدها لانتفاضته وثورته ضد نظام الإنقاذ. وفي رأيي أن هذا الكلام قد يبدو، للوهلة الأولى، مقنعا، ومنطقيا، ولكنه لدى النظر الدقيق، والتمحيص، لا ينهض، ولا يستقيم، ويحتاج للمراجعة.
فأنا، بداية، لا أعتقد أن التغيير السياسي سيكون في مصلحة السودان، في كل الأحوال، بل إنه سيكون في معظم الأحوال، التي لا يسبقه فيها اتفاق غالبية الشعب السوداني، على رؤية شاملة، وبرنامج استراتيجي، وخارطة جاهزة لبناء المستقبل، وقبوله بقيادة معروفة، مؤهلة، فكريا وأخلاقيا، مضيعة للوقت، وتكرارا لتجارب الثورات، والانتفاضات، ومحاولات التغيير، القاصرة، والفاشلة في إحراز التحول الديمقراطي المنشود، وفي تحقيق آمال وتطلعات الشعوب، التي ضحت من أجلها. وسيكون كذلك ضربا من المجازفات، والقفزات في الظلام، التي لا يعلم نهايتها إلا الله.
ومن الناحية الأخرى فإن التركيز على الاتصال، والكتابة للدول الأجنبية، ودول الجوار، ودول الخليج، التي تجمعنا بها علاقات خاصة، لإقناعهم بأن مصالحهم مضمونة، ومؤكدة، في إقامة النظام الديمقراطي الناجح، ودولة القانون والدستور في السودان، يحتاج فعلا للتمحيص، على ضوء معطيات الواقع الحقيقي، وليس بناء على الافتراضات، التي تقفز للنتائج، والتي لا تسندها دراسة المقدمات، ولا المعطيات على أرض الواقع!
فمن خطل الرأي أن يعتقد أحد أن بوسعه اقناع دولة مهمة، مثل مصر، ظلت طوال تاريخها طامعة في أراضي السودان، ولا تشك مطلقا، في كون أن السودان يمثل حديقتها الخلفية، التي ستتوسع فيها وقت الحاجة، وفي هذا الوقت بالذات، الذي بلغت فيه مشكلة الانفجار السكاني بها أقصى مداها، وقارب تعدادها السكاني أن يبلغ المائة مليون نسمة، ونقصت، في نفس الوقت، رقعتها الزراعية، بحوالي خمس مساحتها، بسبب توغل الدلتا في شمالها، ولم يعد يلوح لها مصدر حل عاجل لاطعام شعبها، وسد فجوات نقص الغذاء، وكفاية حاجتها الملحة، بأسهل وأسرع من التمدد والتوسع، والتوغل في أراضي السودان، الواسعة، والبكر، والخصبة، والمهجورة، لنقص عدد السكان السودانيين بها، خاصة في الإقليم الشمالي!
لم يتبق بين مصر ويين بلوغ هذا الحل لمشكلتها إلا زمنا وجيزا، يكتمل فيه انهيار، وضعف تماسك الدولة السودانية، وضعف قبضة وسيطرة الحكومة في السودان، فقد أصبح قاب قوسين أو أدنى! فكيف سيتسنى لنا نحن، الآن، أن نقنع مصر بأن مصلحتها في نهضة السودان، ليصبح قويا، وصامدا، وناجحا في حماية حدوده وأراضيه، وفي أن يحول بينها وبين بلوغها الهدف، وقادرا على كبح جماح، واحتواء أطماعها التاريخية في السودان، ويضطرها الى التخلي عن أحلامها بحل مشاكلها على حساب السودان؟!
ثم هل يمكننا أن نتصور، أو نتوقع، حقا بأنه سيكون بوسعنا أن نقنع حكومة مصر، العسكرية الديكتاتورية، والتي تحكم سيطرتها على شعبها بالقبضة الامنية، ولا تؤمن بالديمقراطية، ولا تعرفها، عبر تاريخها القديم، والحديث، لا قيادة ولا شعب، بأن مصلحة نظامها، العسكري، يكمن في نجاح الشعب السوداني في إقامة نظام ديمقراطي ناجح، وكامل الدسم، تحكمه حكومة قوية، ذات إرادة حرة، ومستقلة عن دائرة نفوذها، ستسعى غالبا، وبالضرورة، أول ما تسعى، لاسترداد حلايب، وكل المسلوب من أراضيها، واستعادة حصتها المائية الكاملة من مصر، والتمتع بإرادتها الحرة، وحقها في التعاون مع جارتها إثيوبيا، بما يحقق مصالحهما الاثنين، وتأييدها، مثلا، لإقامة سد النهضة، أو توقيعها على اتفاقية عنتيبي، وكلها تطورات ستكون خصما على حساب المصالح المصرية، التي كثيرا ما تتقاطع مع المصالح السودانية؟!
وماذا عن احتمالات فقدان مصر للعملات الصعبة التي تصب على اقتصادها من السودانيين، وتضطرد زائدة كلما زادت الأحوال سوءا في السودان؟! إن السودانيين اليوم، وكما ظلوا منذ مجيء وبداية دمار الانقاذ للسودان، بهربون إلى مصر، ويرفدون الاقتصاد المصري بعدة مليارات من الدولارات كل سنة.
هذه هي البلايين التي لم تصدر بها أي إحصاءات مصرية رسمية توضح قدرها، وغالبا لا يعرف حجمها الكبير غير القيادة المصرية، والمخابرات، والخزانة المصرية. ولكن يمكننا أن نتصور ونقدر ما يرفد به السودانيون الاقتصاد المصري، وتقدير حجم ما يحولونه، من عملات صعبة، ويصرفونه في مصر، حيث يقدر عدد من ارتحلوا للإقامة الدائمة فيها بأكثر من ثلاثة ملايين سوداني، ويقدر عدد من اشترى شققا ومساكن منهم بأكثر من ستمائة ألفا، على أيسر التقديرات، ويزور مصر سنويا، غير هؤلاء المقيمين، ملايين السودانيين، والمقتدرين خاصة، للتعليم، وللعلاج، وللزيارات السياحية، لقضاء شهور العسل، ومقابلة أبنائهم المغتربين.
وحتى يكتمل التصور، دعونا فى هذه السطور نتعرف أكثر على أكبر 6 مصادر للعملات الأجنبية في مصر، كما جاءت في تقرير مصري رسمي:
(... - الصادرات المصرية للخارج، ويبلغ متوسطها الحالى 20 مليار دولار، ومن المستهدف الوصول بها ل25 مليار دولار خلال العام الجارى.
- تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، ومتوسطها السنوى 7 مليارات دولار، وتستهدف مصر رفعها ل10 مليارات دولار خلال العام الجارى.
- تحويلات المصريين فى الخارج، التى وصلت إلى مستوى قياسى فى الفترة الماضية، بتحقيقها 24 مليار دولار خلال عام.
- عائدات قناة السويس، ويبلغ متوسطها السنوى نحو 5.3 مليار دولار.
- استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية المصرية، أذون وسندات الخزانة، التى تسجل نحو 19 مليار دولار.
- إيرادات السياحة، وتبلغ نحو 8 مليارات دولار سنويًا كمتوسط.
وجاء في تقرير مصري رسمي آخر:
(... وقفزت إيرادات السياحة العام الماضي (2017) 123.5% إلى نحو 7.6 مليار دولار، مع زيادة أعداد السياح 53.7% إلى 8.3 مليون سائح...).
وجاء كذلك في تصريح منسوب إلى محمد ثروت، رئيس لجنة السياحة العربية بغرفة شركات السياحة سابقا، عن حجم السياحة العربية إلى مصر:
(... وأضاف ثروت، فى تصريحات صحفية على هامش فعاليات الملتقى سوق السفر العربى بدبى، أن مصر استقبلت ما يقرب 2.9 مليون سائح عام 2017، لافتا أن عدد السياح السعوديين بلغ 600 ألف سائح العام الماضى... ).
فهل تجدون في هذه التقارير المصرية الرسمية ذكرا لتقديرات بحجم ما ينفقه السودانبون في مصر، لشراء العقارات والعلاج، والتعليم والتجارة، او حتى مجرد ذكر لعدد زوار مصر من السودانيين، للسياحة، الذي يفوق عدد سواحها من جميع الدول العربية؟!
لماذا؟!
السبب، ببساطة، هو أن المصريين أذكى من أن ينبهوا السودانيون لحجم ما يرفده المغتربون، والمقتدرون السودانيون، من العملات الصعبة، لدعم الاقتصاد المصري.
فهل يجوز، بعد هذا، أن يعتقد عاقل بأن مصلحة مصر هي في نجاح ثورة السودانيين، التي ستقودهم إلى تحقيق استقرار السودان، وبناء نهضته، ومن ثم نجاحه في استثمار أموال السودانيين، وحصيلة عرق أبنائه في من المغتربين، لتنمية وتعمير بلادهم، فيتمكنوا من حل مشاكلها، وتطوير اقتصادها، وتوطين العلاج، والتعليم، وتوفير فرص مشاريع الاستثمار، وأماكن السياحة والترفيه، كل هذا محليا، مما يجعل السودانيين يستغنون عن حاجتهم لزيارة مصر، وفقدانها بالتالي لكل هذه المليارات من الدولارات؟! هل تريدون أن تعلموا المصريين الحساب، (وتبيعوا المية في حارة السقايين)؟!
أنا حقيقة، لا أستبعد حقيقة أن يلجأ المصريون، بترتيب مع البشير اليائس، إذا تزايد خطر الانتفاضة ضده، وهدد بإسقاطه، للدخول بقواتهم في السودان، وحماية نظام الانقاذ من الانهيار، حماية لمصالحهم!
وهل أحتاج لأن أحدثكم بمثل هذا الحديث عن الجارة الطامعة الأخرى، إثيوبيا، التي تشبه حالها حال مصر، في كثير جدا من النواحي؟! هل سمعتم بهروب رجال الأعمال السودانيين، المتسارع، برؤوس أموالهم، للإستثمار في إثيوبيا؟! وهل يعتقد عاقل أن من مصلحة إثيوبيا نجاح السودان في توطين الاسستثمار، وتحفيز السودانيين للإستثمار في بلادهم بدلا من اثيوبيا؟!
وهل سمعتم عن توغل المزارعين الاثيوبيين في أراضي السودان؟ هل من مصلحة اثيوبيا أن تصبح حكومتنا قوية وقادرة على ردهم وصدهم، وهم الذين يزرعون أراضينا، ويحصدونها، لسد الفجوة الغذائية في اثيوبيا من حصيلة ما يزرعون؟!
إن عالم اليوم، وعلاقات الدول فيه عالم مصالح، وكل دولة تتحرك حسب مصالحها، وما تراه اليوم من مواقف، وتواطؤ الكثير من الدول مع نظام الانقاذ، هو ما يعبر عن رؤيتها لمصالحها. ونحن لا يمكننا أن ندعي بأننا نعرف مصالح أي دولة، بأكثر مما تعرف هذه الدولة.
ولو كانت مصلحة المجتمع الدولي في القبض على البشير، لكان قد قبض عليه منذ بضعة سنين، ولكنهم يريدونه طليقا، وضعيفا، وخائرا، وخائفا، ينفذ الأوامر، بدلا من أن يستبدل بحكومة ديمقراطية، قوية، ذات إرادة حرة، تقول لا، ولا تنفذ الأوامر، ولا تحقق للدول الأخرى مصالحها، فتقول للسعودية، مثلا، نحن لن نشارك في حرب اليمن بعد اليوم! فكيف ستقنع السعودية بأن مصلحتها في تغيير النظام، الخاضع لها في السودان، بآخر ديمقراطي، وهي التي يحكمها ملك عضود، ومعتد أثيم، على أرض اليمن، التي يقاتل فيها بالجيش السوداني؟!
إن هذا النظام ضعيف ورئيسه جبان، وخائف، ومرتعد،.وهو في نفس الوقت أكثر عنفا ووحشية واستهانة بأرواح الأبرياء، وسفكا للدماء، من الأسد والقذافي، وعلى عبد الله صالح، وأن عدد من اغتالهم غدرا، وظلما، في السودان، يفوق عدد من أبادهم هؤلاء الثلاثة من شعوب بلادهم، مجتمعين! كما وأن ميلشيات حميدتي، المرتزقة والماجورة بسخاء، أكثر وحشية وتعطشا للدماء، وشرها للمال الذي لا تعرف له سبيلا غير سبيل قتل الأبرياء، وانتهاك الحرمات، خلافا لميشلبات شببحة الأسد، التي ربما كانت تدافع عن مصالحها، كأقلية تنتمي لطائفة العلوية!
هذا النظام لا يعرف سبيلا لاخماد الثورة ضده، ولحماية نفسه، غير سبيل سفك دماء المتظاهرين العزل، وقد جربه في احتواء انتفاضة سبتمبر 2013، ونجح في ايقافها بقتل مائتي متظاهر، بدم بارد، ولم يحاسبه أحد على هذا، لا في الداخل ولا في الخارج، فهل من المتوقع، والمنطقي، القول أنه سيتردد، أو يتوانى، في قتل المتظاهربن العزل، المطالبين بإسقاطه؟
لقد سفك علي عبد الله صالح دماء أكثر من خمسين ألفا من اليمنيين، قبل أن يذهب ويخلف بلدا مدمرة دمارا كاملا، ولا تزال مشاهد كوارث اليمن، ومأساته الانسانية، الأكبر على نطاق العالم، وفظائعها تفتر أمام أعيننا كل ساعة. وكذلك فعل القذافي بليبيا، بعد قتله لأكثر من سبعين ألفا، وكذلك فعل، ولا بزال يفعل، الأسد بسوريا، مع فارق في عدد الضحابا، حيث أنه قتل ما يزيد عن مائتي ألف سوري، ولا يزال متسلطا على سوريا، فكم يا ترى سيقتل البشير وميلشياته، قبل أن يدمر السودان، الجاهز أصلا للدمار الكامل، قبل أن يذهب، أو يظل متسلطا، على كومة رماد بلد، كان اسمها السودان، بتوغل ويسرح فيها الطامعون من الجيران، كما شاءوا، ولا بجدوا رادعا يردهم، ويحمي البلد منهم، أو يحمي شعبه، وما تبقى له من فتات؟
لماذا يزعم البعض أننا لا نعرف ما ستسفر عنه هذه الانتفاضه؟ ألا يمكننا دراسة المعطيات على أرض الواقع،؟! ودراسة تجارب الشعوب، ومآلات الانتفاضات من حولنا، انتعلم منها، فنحسن التقدير، ونسلك طريقا آخر ربما؟!
ما فائدة العقل، والفكر الحر، إذا يسعفنا ويوجد لنا المخرج من الأزمات التي تهدد حياتنا؟!
وإذا كنا نحن لا نعلم، فلماذا لا نتبع نصيحة وتوجيه من يعلم؟!
إن هذا الذي يحدث، من قتل للمتظاهرين بالعشرات، ما كان يجب أن يغيب عن بالنا، وكان يجب علينا أن نتوقعه ونتحسب له. فهو من طبائع الأشياء، ومما يقود له التفكير السوي والسليم. فالواجب يفرض علينا أن نعيد حساباتنا، ونجلس لنبحث عن سبيل التغيير الحقيقي والمأمون، ولا نسوق الناس في عمايا، كما نبهنا من قبل الأستاذ محمود محمد طه، في لقائه الصحفي بمندوبي مجلة (الجامعة)، قبل أسبوعين فقط من إستشهاده العظيم، في 18 يناير 1985، حيث قال:
(... ﺃﻧﺎ ﺍﻓﺘﻜﺮ ﺍﻧﻮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺠﻠﺴﻮﺍ، ﻳﺒﺤﺜﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ، ﻣﺎ ﻳﻤﺸﻮﺍ ﺳﺎﻛﺖ ﻓﻲ ﻋﻤﺎﻳﺎ.. ﻧﺤﻦ ﻛﻨﺎ ﺑﻨﻘﻮﻝ ﺍﻧﻮ ﺍﻟﺒﺪﻳﻞ ﻣﻨﻮ؟ ﻟﻤﻦ ﻧﻘﻮﻝ ﻛﺪﺍ، ﺑﻌﺾ ﺃﺳﺎﺗﺬﺓ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﺍ ﺍﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺠﻲ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ! ، ﻟﻜﻦ ﺩﺍ ﺍﻛﺒﺮ ﺧﻄﺄ ﻳﻘﻮﻟﻮ ﺍﻧﺴﺎﻥ (ﺑﻴﻔﻬﻢ؟) .. ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻓﺘﻜﺮ ﺍﻧﺖ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺑﻴﺘﻚ ﻣﺎ ﺑﺘﻘﻮﻝ ﻛﺪﺍ.. ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭ ﺑﻴﺘﻚ ﺑﺘﺠﺘﻬﺪ ﻭ ﺗﻌﻤﻞ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻱ ﺣﺎﻝ ﻭﺍﺛﻖ ﻣﻦ ﺻﺤﺘﻬﺎ.. ﺍﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻛﺸﻒ ﺍﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺄ، ﺍﻧﺖ ﻋﻤﻠﺖ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻌﻠﻴﻚ.. ﻟﻜﻦ ﺍﻥ ﻧﺎﺧﺪ ﺍﻻﻣﻮﺭ ﺑﻌﻔﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺼﻮﺭﺓ ﺩﻱ، ﻭﻧﺘﺤﺮﻙ ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﻏﻮﻏﺎﺋﻴﺔ ﺳﺎﻛﺖ، ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﺘﺮﻙ ﺍﻟﻔﻜﺮ.. ﻧﺤﻦ ﻣﻦ ﺍﻭﻝ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺭﺑﻌﻴﻨﺎﺕ ﻛﺎﻥ ﺩﻋﻮﺗﻨﺎ ﺍﻧﻮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﻔﻜﺮﻭﺍ ﻭﻳﻮﺟﺪتﻭﺍ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﺍﻟﺒﺘﺤﺮﺭﻫﻢ ﻭﺗﺤﺮﺭ ﺷﻌﺒﻬﻢ .
(... ﻧﺼﻴﺤﺔ ﻟﻠﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ: ﺍﻧﻮ ﻛﻞ ﺍﻧﺴﺎﻥ ﻋﻨﺪﻭ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻗﺪﺭ ﻭﻋﻴﻮ ﻫﻮ، ﻭﻣﺴﺌﻮﻝ ﻋﻦ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺩﻭﻧﻮ: (ﻛﻠﻜﻢ ﺭﺍﻉ ﻭ ﻛﻠﻜﻢ ﻣﺴﺌﻮﻝ ﻋﻦ ﺭﻋﻴﺘﻪ). ﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﺗﺠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ..
ﻧﺤﻦ ﺍﺗﺠﺎﻫﻨﺎ، ﺍﻳﺠﺎﺩ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻛﺘﻮﺑﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ.. ﺍﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﻗﺒﻞ ﻛﺪﺍ ﺍﻧﻮ ﺍﻛﺘﻮﺑﺮ ﺍﻻﻭﻟﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺮﻛﺔ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ.. ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺟﺪﺍً، ﺷﻠﺖ ﺣﺮﻛﺔ ﺍﻟﻌﺴﺎﻛﺮ ﻣﻦ ﺍﻥ ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻮﺍ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺿﺪﻩ.. ﻭ ﺍﻧﺘﺼﺮ ﺍﻟﺸﻌﺐ.. ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ.. ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﻳﺮﺓ ﺳﻘﻄﺖ، ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ( ؟؟؟ ) ﻋﺸﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻮﺍ ﺷﻨﻮ ( ؟؟؟ )..
ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻛﺘﻮﺑﺮ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﻃﻔﻴﺔ.. ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻛﺘﻮﺑﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻻﺯﻡ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻜﺮﻳﺔ.. ﻳﻌﻨﻲ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﺟﻤﻌﺖ ﺍﻟﺸﻌﺐ، ﺗﻨﺎﻫﺾ ﺍﻟﻈﻠﻢ.. ﻫﺴﻊ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻻﺯﻡ ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﺸﻌﺐ.. ﻣﺎ ﺑﺠﺘﻤﻊ ﺗﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻃﻔﺔ، ( ﺯﻱ ﺩﻳﻚ؟ )، ﻭ ﻣﺎﻓﻲ ﺧﻴﺮ ﻓﻴﻬﻮ ﻟﻮ ﺍﺟﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ( ؟؟؟ ).. ﻟﻜﻦ ﻻﺯﻡ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﻓﻲ ﻓﻜﺮ.. ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻳﻬﺪﻡ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻭ ﻳﺒﻨﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ.. ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻙ ﻛﺄﻧﻮ ﺍﻟﺨﺮﻃﺔ ﺟﺎﻫﺰﺓ، ﻟﺘﻨﺸﺊ ﺍﻧﺖ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﺎﺳﺪ؟ ﺑﻨﺎﺀ ﺟﺪﻳﺪ.. ﻭﺩﺍ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺒﺨﻠﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﺎ ﻧﺘﻌﺎﻭﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، ﻭﻻ ﻧﺘﻌﺎﻭﻥ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺎﺕ، ﻻﻧﻬﺎ ﻣﻬﻤﻠﺔ ﻟﻠﻤﺬﻫﺒﻴﺔ، ﻭﻣﻬﻤﻠﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ....).
انتهى.
بدر موسى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.