أخيراً بعد أن طال واستطال بنا الزمن انطلقت الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة الثلاثة في مقدمة بقية المرشحين الإثني عشر لرئاسة الجمهورية . فقد أطلق السيد الصادق المهدي مرشح حزب الأمة حملته من دار الحزب ، وأطلقها السيد ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان من دار أسرة البطل علي عبد اللطيف بالموردة بأمدرمان ، أما مرشح المؤتمر الوطني السيد عمر البشير فقد أطلقها من استاد الهلال. دلالات الأمكنة بالنسبة للمرشحين الثلاثة لها وقعها الكبير ، فالصادق المهدي تدعمه أسرته وأغلبها من الناشطين السياسين وقد رأينا احتفاءهم وتحلقهم حوله أبناء وأحفاد في مناسبات الأعياد وذكرى ميلاده. والسيد ياسر عرمان يدعمه الوحدويون الذين نبعت أفكارهم من رمزهم البطل علي عبد اللطيف أحد ثوار ثورة 1924 م وعامة الشعب البسطاء والمحرومين، كما يدعمه المفكرون ومن هم بقامة الدكتور منصور خالد وفنان أفريقيا الأول محمد وردي.بينما عمر البشير اختار استاد الهلال عوضاً عن أي مكان آخر حتى لو كان هذا المكان هو الساحة الخضراء وما أدراك ما الساحة الخضراء فهي على الأقل كانت مناسبة تماماً للنشيد الجهادي "في حماك ربنا" المرتبط في الأذهان بمعركة "صيف العبور" ، ولتذكر الناخبين بمسيرات المؤتمر الوطني عند فتوحاته الإثنية والدينية بجنوب البلاد وما أريق معها من دماء ، ولو كان لهذه الساحة الخضراء من حسنة واحدة فهي تكمن في المفارقة العجيبة كونها نفس الساحة التي استقبل فيها القائد الراحل جون قرنق حيث ضاقت بالجماهير الذين أتوا من أنحاء السودان المختلفة. ارتبطت هذه الأمكنة ارتباطاً وثيقاً ببرامجها الانتخابية التي أعلنت فيها إلا برنامج المؤتمر الوطني . فبالنسبة لمرشحي الحركة الشعبية والأمة فقد ركز الإثنان على قيمة العدل . "طريق الخلاص" عند السيد الصادق المهدي فصّله بالمنجيات العشر ومنها احترام المواطنة، والعدل، واحترام الأديان، وحقوق المرأة. وبرنامج الأمل والتغيير عند السيد ياسر عرمان يستند على مفهوم العدل الاجتماعي كأساس لتحقيق دولة الحرية والكرامة والسلام العادل والشامل والتنمية المستدامة بما فيها تنمية الريف والمرأة .أما في المقابل فحملة السيد البشير خلت من أي أمل وأي خلاص فهي ترى رأي المستكين أنها أحسنت فيما أساءت عهود وطنية وديمقراطية أخرى للشعب السوداني وحولته من شعب يصطف من أجل الخبز والبنزين إلى .....ماذا ؟ لن يكملها السيد البشير لأن الذين كانوا يصطفون في نسمات الديمقراطية عند الفجر لم يطيقوا اللا إصطفاف في سموم الإنقاذ التي خصت فئة معينة بالخبز والبنزين ففارقوا البلد يمنون أنفسهم بالعودة ولو بعد حين. الظهور في مثل هذا اليوم فاتحة الحملة الانتخابية له من الأهمية ما له لأنه بالنسبة للناخبين المتعطشين لعمل سياسي سليم يُرجى منه أن يرتقي بوسيلة الحكم والمجتمع إلى مستوى الطموح الذي ينشده الشعب السوداني لينال حقه في العيش حراً مستقلاً وينعم بالرخاء والهناء.ولأن العدل بمنظوره القيمي يجب أن يجسده المرشح الرئاسي كمعنى عام يتحقق من خلال الممارسات ، فكيف لمرشح المؤتمر الوطني أن يفعل وهو كما نرى دوماً لا يعدل على مستوى شؤونه الصغيرة وكيف نضمن أن يعدل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية التي تندرج تحت سيادته. وإن كان في هذا الشعب من هم في فئة المستنيرين الذين يرون في الديمقراطية السياسية اهتماماً بمصدر السيادة والسلطة وحقوق المواطن السياسية فإن في ذات الشعب السوداني فئة الذين لم يمكنهم حظهم من الإلمام بمتطلبات معرفة أمور الدولة وتسييرها وأمور السلطة ومداخلاتها حيث أن أولوياتهم تكمن في لقمة العيش وملاذ آمن يظلهم من حر الصيف ويحميهم من برد الشتاء وهذا لا يتحقق إلا بالعدل الاجتماعي ، هؤلاء لا تهمهم اللاحكمة في تدشين حملة انتخابية من استاد الهلال بقدر ما ينظرون إلى المستوى الذي كيف يدير به رأس الدولة شؤونه البسيطة ويقيم العدل حتى ولو على نفسه. عن صحيفة "الأحداث" moaney [[email protected]]