لكل شهيداتنا وشهدائنا الذين وهبو أواحهم من أجل أن نحيا نحن وننتصر؛ لكل شاباتنا وشبابنا و في ثورتهم الواعية، الخَلوقة - الخلّاقة؛ لكل لقابعات ,القابعين في زنازين النظام بلا ذنب أوجريرة إلا رفضهم للظلم والهوان؛ لكل اللاتي والذين وجدو أنفسهم وبعضهم في طريق الحرية والكرامة والإنعتاق؛ تَصِف دولة المشروع الحضاري معارضيها والمتظاهرين الذين يطالبون بالحرية والعدالة بالمخربين والعملاء والمندسين وشُذاذ الأفاق. أوصاف تُجرِّد الإنسان من إنتمائه للوطن ومن كل خلق حَسَن وجميل. ففي دولة المشروع الحضاري الإسلامي أصبح الذين ينادون بحقهم في الحرية والعيش الكريم، غرباء- أجانب أو خونة – متآمرين دعاة فوضي وعنف وتخريب. مثل هذه الأحكام المُخزية والمُهينة والتي تتمحور حول حق المواطنة الأصيل وأحكام مكارم الأخلاق تُقسِّم الشعب السوداني لمواطنين خيرين- أصليين (أولاد بلد) وآخرين عملاء- شريرين وشذاذ آفاق ومندسين (أجانب، غرباء). ولكن كيف تكون العمالة والخيانة والإندساس في حضن وطن العدالة والحرية والسلام؟ - أما هكذا كان هتاف الشارع: "حرية؛ سلام وعدالة والثورة خيار الشعب." علي الرغم من المغالطة الصريحة التي تنطوي عليها أحكام المفاضلة والتمييز بين أفرد الشعب الواحد، سنحاول في مقالنا هذا التدليل علي حقيقة من هو الأجدر من بين أفراد الشعب بتلك الأصاف قياساً علي معايير الأخلاق والمواطنة في الدولة التي تتحمل مسئولياتها تجاه كل مواطنيها من غير تمييز علي أساس الدين أو الجنس أو العرق أو السلوك أو معايير أحكام الأخلاق. فحتي الخارج عن نمط سلوك وأخلاق دولة الشعب ونظاهما يَبقي مواطناً تطيله أحكام النظام والقانون وليس دخيلاً عليه. عموماً، نقول بأن يؤخذ رأي قول أديبنا الطيب صالح "ﻣِﻦ ﺃﻳﻦ ﺟﺎﺀ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻨّﺎﺱ" كتساؤل مجازي لغرابة السلوك والأخلاق وليس لمعناه الحرفي بشذوذ وغربة المعنيين بالأمر من أرباب دولة الإسلام السياسي. فالثقافة تتوحد في مسؤليتها تجاه أفراد شعبها عل الرغم تتعدد وتنوع أصلها ونوعها، ناهيك عن نظامِ الدولة ومسؤلياتها. رئيس دولة الإنقاذ، المشير عمر حسن أحمد البشير، الذي ما إنفك يصف شعبه بالعميل والمُنْدس والمتآمر، وذلك كلما خرج عليه الشعب متظاهراً ليُعُبر عن رفضه لضنك العيش والذل والمهانة، هو نفس الضابط برتبة العقيد في قوات الشعب المسلحة الذي خَنَس بقسم ولائه وطاعتة لدستور دولته وقيادته العليا وسطى بليل علي سلطة الشعب المنتخبة، الشرعية. فعَين وجود الرئيس ونظام دولته ومشروعها المُسَمَّي جُزافاً بالحضاري ليس أكثر من فعل خروج مُشين ومُعيب عن دولة الشعب وخيانة عظمي لدستور نظام حكمها وعدلها. الرئيس، العسكري، الذي دسه تنظيم الجبهة الإسلامية القومية في قوات الشعب المسلحة ‘القومية' والذي أتي إلي سدة الحكم علي ظهر الكذبة الشيهرة التي تقول: "أذهب أنت إلي القصر رئيساً وسأذهب أنا إلي السجن حبيساً"، يكون قد شَذَّ في أفق أخلاقه أيما شذوذ وإرتكب جريرة الغش والمكر والخداع بإسم الشعب وقواته المسلحة من أجل الوصول للجاه والسلطان. ولاحرج، فقد كان كل ذلك تتويجا جديراً لإنْدِساس وتآمر زملائه الأسلاميين علي البرلمان الحر والديمقراطي الذي منحهم واحد وخمسين ممثلاً للشعب من ضمن 260 عضواً شملت كل المقاعد النوعية من الخريجين والتي كان من المفترض أن تكون خُلاصةً للتمثيل الديمقراطي المستنير وضمان لشفافية ونزاهة نظام دولة العدالة والقانون. أن دولة النظام الذي يعد فيها رئيسها شعبه ‘الإفتراضي' مرات عديدة بعدم إعادة تَرَشُحِه، بل يجزم بإستقالته الفورية حال خروج الشعب إلي الشارع معبراً عن رفضه لحكمه، ولكنه يعمل جاهداً لِتَجيير مؤسسات دولته لتهيئة الأسباب وإيجاد المبرات لبقائه خالداً في الحكم أو يهدد بتسليمها للقوات المسلحة، لن يكون إلا رئيساً شاذاً ودخيل علي نظام دولة الشعب وفرد أنانيٌ واجفُ يتآمر علي حرية شعبه وكرامته. يتذكر الشعب جيداً كيف إسْتَهلت دولة الأسلام السياسي عهدها الحضاري بكذبة مقدسة، بلقاء، وبقيت في سُدَّة الحكم ما يقارب الثلاثون عاما بزادٍ غزيرٍ لاينضب من الحيل والمُكْر والخداع. ففي نظام دولة الرئيس والإسلام العميقة التي فرضت نفسها علي الشعب السوداني إختلط قُداس الدين بواقع الحياة وحابل السياسة وتماهت الحدود بين الدولة والحزب والأفراد فتم تخريب وأفساد كل شيء: الإنتماء للعقيدة والأرض والعرق والجهة والقبيلة والخلق الكريم. لم يتبقي شيء سليم. يُبِّس ما في الأرض ومافي الضرع وما في أعالي البحار ودونها. لم يعد مشروع الجزيرة رائدا كما عهدناه ولم تشق سفينة عباب لماء بحر. خارت الطرق أمام أول هطول نادر لمطر. صار الغش والتزوير والمحاباة حدثاً مستوطنا حتي في دور التربية والعلم والمعرفة. تم تزوير الإمتحانات والشهادات العلمية والتعداد السكاني والسجل الإنتخابي وصناديق الإقتراع. في دولة الإسلام السياسي، تمت أقصي خيانة للأرض والوطن: فصل الجنوب بفقه الجهاد و شعار "فالترق كل الدماء و رُهِنت حلايب والفشقة من أجل السلطة وسلامة الأشخاص وبيعت حقوله الخصبة من أجل حفنة من الدولارات. فدولة النظام التي يُكَرِسُ جهاز أمنها جلَّ وقته وهمُّه للتجسس علي شعبه وإرسال كتائب ظله وقناصتها الملثمين لأصطياد المتظاهرين العزل من الشباب والأطفال، لايمكن أن تري في الشعب غير ثُلة من المتآمرين والخارجين علي سلطانها الجائر والدخيل. ولاشك، أن دولة النظام الذي الذي يتصدي فيها جهاز الأمن للمتظاهرين السلميين بالضرب بالهروات والرصاص الحي ويقتحم المساجد ويستبيح حرمات البيوت الأمنة ويغتصب النساء والرجال ويلقي بقنابل الدخان الخانقة علي المستشفيات ورياض الأطفال ويحاول إخفاء أثار تعذيبه الجسدي بحجز المتظاهرين في ثلاجات الموز، قارسة البرودة، ,يكون قد قد ذهب إلي أبعد من الخروج والتآمر علي دولة النظام وتصرف بقانون شريعة الغاب والإجرام وجَرَّد نفسه من أبسط خواص الإنتماء لقبيلة الإنسان. وأيضاً، نظام الدولة التي تقف فيها قيادة قوات شعبها المسلحة بجانب رئسها المُتهَم في جرائم ضد الإنسانية وتردد عباراته في وصف المتظاهرين بالمشبوهين والخونة والعملاء وتَقْبَل بتَجْييرِ مهامها لخدمة حزب الدولة والرئيس وإحالة صميم مهامها لمليشيات قبلية، مُتَفَلِتة يكون ولائها الأول للمال وشيخ القبيلة، تكون قد وقفت في صف السلطة الجائرة ضد شعبها وخنست بقسمها في حماية الدستور وتخازلت في جبن عن حمايته شعبها من بطش السلطة المارقة علي النظام والدولة والدستور. وكذلك، نظام الدولة التي فيها تتغاضي الشرطة، حامية النظام والقانون، النظر عن سيارات المليشيات وجهاز الأمن التي تجوب الشوارع من غير أرقام تحدد هويتها ويمارس عسِسُها المُلثم أبشع أنواع العنف والتعذيب والقتل والسحل والدهس ثم تفشل في ملاحقة المجرمين، بل تتتستر عليهم بنسج الأكاذيب وتلفيق التهم للأبرياء، لايمكن أن تكون لها أية علاقة بأية دولة يحكمها أدني حد من قانون أوتخضع لأبسط ناموس من نظام. وهكذا تكون الشرطة، خادمة الشعب، قد تآ مرت علي المظلوم والضحية وتخلت عن مهمتها المقدسة في حمايته وصيانة أمنه وكرامته. بإختصار؛ تأصَّلَ التآمر والخداع والغش في دولة المشروع الحضاري الإسلامي حتي صار عادة سائدة ومألوفة. ولاعجب، فمن يُبْحِر في تيه الظلام والضلال لن ترسى له مراكباً في مرافيءٍ من نور. فمثل هذه الدولة التي يكذب رئيسها كما يتنفس ويتماثل فيها سلوك حامي القانون مع رجال العصابات والمجرمين، لن تكون أكثر من دولة دَسيسة علي شعبها وشاذة علي النظام والقانون. ففي مثل هذه الدولة المُنَحلَّة الزائفة لن يتبقي شيء من مفهوم النظام غير خلاء - قَفرٌ - جَدْب، ولن يكون رئيسها سوي أكثر من رئيس فارغ - تائه في صلف الغرور والمكر والتحايل. لاشك أن وصف الشعب بالخائن أو المندس أو المتآمر وتبرير تعذيبه وقتله بفقه القصاص، خارج منصات العدل والقانون، يمثل تفكيرا وسلوكا شاذ ودخيل، ليس علي نظام دولة العدل والقانون وحسب، ولكن علي كل ما له صلة بأحكام الضمير الحي والحس الإنساني السليم والقويم. فالشعب هو كل شيئ: فهو الأساتذة والأطباء والقضاة والمحامون والمهندسون والعمال والمزارعون والمهنيون والصناعيون والمفصولون تعسفياً والعاطلون عن العمل. هو ربات البيوت وشيوخ الدين وأهل الطرق الصوفية. وهو الناس الأحرار منه والسجناء. فالشعب في دولته يمثل كل شيء: الرئيس والسلطة والنظام والفوصي والقانون. ولذلك، تقسيم الشعب بالأساءةِ لقلبه النابض، وبأية من الأسباب والمبرارت، خطٌ أحمر - خطرُ ومنطق خطل - مستحيل. هذا هو الدرك السافل الذي أوقعنا فيه مُلك وسلطان الإسلاميين العَضُوضُ. ولاغرابة في تيه وضياع من يفقد بوصلة شرعية الشعب في دولة الشفافية والحكم الرشيد. فنظام الدولة الذي ينفرد فيه الحزب الحاكم، المُشَبع بأيدلوجيا الدين والحق الإلهي وفقه الضرورة والحظوة والتمكين، لن تجد فيه أثراً، من قريبٍ أو من بعيد، لمفهوم العدالة وحرية الرأي والتعبير أو تداول السلطة الذي يجسد إرادة وسيادة الشعب. نَظَم الثوار من الشعب الذي تصفه دولته ورئيسه بكل أوصاف التبخيص والمهانة مئات المظاهرات والوقفات الإ حتجاجية علي إمتداد ريف وحضر وطنه السودان. وحتي لحظة كتابة هذا المقال لم تُسَجَّل أية حالة عنف وتخريب بإستثناء حادثة حرق مبني الحزب الحاكم في مدينة عطبرة الفتية. تلك الحادثة المنعزلة التي إستغلها النظام في إنتهازية خبيثة لتبررير القمع والتنكيل بالمتظاهرين السلميين. علي الرغم من رمزية الحدث في تعبيره عن الغضب والسخط علي السلطة الظالمة والجائرة، إعتذر عنها الشعب وبرهن علي ذلك بإلتزامه الصارم بسلمية التعبير عن رفضه وحراكه. فالشعب اللمَّاح - الذكي عرف أن النهايات التي يريدها هي ما تتناغم وتتناسق مع فرضيات مقدماتها، ولذلك ترك مهمة الحساب والعقاب لنظام دولة العدالة والقانون التي من أجلها ثار وإنتفض. راعي المتظاهرون حق الأخرين في الشارع العام فأبطأوا من خطو مسيرهم رفقة بمن إفترشوا الطريق لكسب معاش يومهم. تَكفَّل الشباب بدفع ضريبة النضال نيابة عن الكبار من المسنيين ووفروا لهم الحماية بصدورهم العارية عندما وجدوهم بين ظهرانيهم متحمسين، ثائرين. تواضعوا في أدب رحيم وأحنوا قاماتهم الشامخة لكي يجعلوا من ظهورهم معابر آمنه لمن أراد العبور عندما وجدوا أنفسهم عائقا في منتصف الطريق. تسامي الثائرون علي دوافع التشفي والإنتقام ليجدو في قلوبهم الرحيبة متسعاً لإسعاف جلادهم المثابر علي قهرهم وإيزائهم. كانوا كباراً وعظاماً بقدر كبر وعظمة العفو الكريم عند القوة والمقدرة. ولاعجب، فقد فعل الثوار الكثير من المثير والجميل والنبيل للتأكيد علي إمتلاكهم الخيار الأحسن في السلوك والأخلاق. فحتي قيم التكافل والنفير وجدت مكانا لها في عُجالة الكَرِّ والفَرِّ وكثافة سحائب الرصاص وقذائف ‘البنبان'. مراراً وتكراراً توقف الثوار لكي يجمعو ما تيسر من النقود لجبر الضرر الناتج من فعل خيار تجمعهم وتظاهرهم. حَلّوا بجدارة في مكان سلطة النظام الغائب، العائب. ولا مَنٌّ ولا أذي. فالدولة دولتهم وشعبها من صميم هَمِهِ ومسئوليته. وأكثر من ذلك، فقد لقَّنَ الثوار عسس النظام وأبواق إعلامه السادن - المهادن دورسا بلغية في إلتزام جانب الحقيقة والسلوك المهذب، المنضبط، حتي أصبحت الأزِقَّة والشوارع فصولا نادرة في أدب الرفض الخَلوقْ والتعبير السلمي، الحضاري الرفيع. لا شك في أن من يُسيءَ لشعبه يكون قد شذَّ في طبيعة فِكرِه وخُلْقِهِ. فنظام دولة الحزب والأشخاص يتباين ويختلف من دولة نظام الشعب والمؤسسات. وشتان ما بين ظَرْف حُكْم يتساوي فيه الجميع وآخر قائم ومسيطر وإقصائي تكون فيه الدولة رهينة نظام سياسي شمولي، متعسف، جائر ومخادع. فليس هناك صعوبة في الإختيار عندما تتشابه المواقف في نهاياتها الرديئة. ولا فرق بين خيارات الأخلاق التي تتفاوت في مدي تماهيها مع الشر المستطيل. فالسلطة المطلقة إفساد سلوك وأخلاق مُطْلق. ولذلك، كان من الضروري أن يكون تفكير وسلوك وأخلاق الثوار بديلا في النقيض الصارخ والصريح لما سارت عليه دولة الإنقاذ من قبح وفساد. ونِعمَةٌ بذلك. فمن المفرج والجميل أن يكون الثوار بقدر من الوعي والتفكير الذي يعرف باليقين من هو المُندس - المتآمر ، الفاجر- الكَذَّاب. في الختام لا بد من القول أن الدولة التي ‘ترمي بدائها شعبها وتَنْسَل' تَفِرِض عليه إسقاطها وبالكامل، ليس من سدَّة الحكم وحسب، ولكن من كل إعتبارات النظام والدولة ومكارم الأخلاق. فالموت يستوجب الدفن، ومن المستحيل علاج من نَخَرَ التَعفُن والفساد في عمق جوهر نواياه وخلاياه. ولافكاك.. فأجهر، إذن برفضك الأبيُّ ههُنا تَجهرُ بهَ هناك.. (كمال الجزولي) ها نحنُ نقاوِمُ قُبْحَ الحاضِرِ فيكْ سنقاومُ حشْدَ فلولِك زبَدَ الكذِبِ الطافحِ منكَ نقاومُ كلَّ تفاهاتِ زمانِكْ سنقاوم ظلّكْ! نتحدّى الخوْفَ ونفقأ بيض الرّخِّ وعين الفيلِ ! (فضيلي جمّاع) د. عثمان عابدين عثمان 12/02/2019 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. https://www.facebook.com/notes/osman-abdin-osman/