غاية الآمال للشعب السوداني في قيادته للموجة الثانية من مد الربيع العربي هي الوصول الى ديمقراطية غير منقوصة. و هذه المسيرة الطويلة المتعرجة منذ فجر الاستقلال أضافت لذاكرة الشعب السوداني الكثير من الحيل التي ساعدته في قدرته الفريدة على أن يصل بالموجة الثانية من مد الربيع العربي لمنتهاها بغير عنف. و هذا التاج الذي ألبسه الشعب السوداني الى موكب النصر الجديد هو نتاج قدرة الشعب السوداني على كبح جماح العنف و تفاديه و كذلك قدرته على كسر حلقة الخوف المرضي الذي عشعش على رؤوس النخب و جعلها خانعة تسيطر عليها الحيرة التي أورثتهم روح يائسة تجسدت في فكرة استحالة ازاحة كابوس الانقاذ بضربة واحدة و مفصلية و الى الأبد. فالحيرة و الاستحالة كانت أفق لم تستطع النخب السودانية أن تتجاوزه الى اللحظة التي قد تقدم فيها الشعب و أخذ بزمام المبادرة و قد قلب الطاولة على كساد الفكر الذي جسدته الحركة الاسلامية السودانية و كذلك عجز النخب التي قد سيطر عليها الخوف المرضي من فكرة أن مسألة اقتلاع الانقاذ من جذورها بضربة واحد مفصلية و الى الأبد ضرب من الخيال. و هاهي الانقاذ تقتلع من جذورها بضربة واحدة مفصلية و الى الأبد بفعل شعب عبقري استخدم خبرته التي استمدها من علاقة سرمدية بين ضمير الوجود و تجربة الانسان في سيره الى الحرية بلا قيد أما الشرط فهو الشرط الانساني في علاقته مع دالة تراجيدية و مأساوية قصدها تحقيق الشرعية و المثال. و لا يمكن تحقيق فكرة الشرعية و المثال بغير طريق الفكر الليبرالي فالديمقراطية و ثمرتها الجميلة الفردانية ستكون غاية الآمال الى مسيرة الشعب السوداني بعيدا عن كل فكر غائي ديني لاهوتي لا يفتح الا على نظم شمولية كحال حكم الحركة الاسلامية السودانية و هاهو دخان احتراقها بنار غضب الشعب مازال ماثل للعيان. و هنا عندما نقول أن الديمقراطية لا تتحقق تحت نير فكر لاهوتي غائي ديني نقصد فكر احزاب اللاجؤن الى الغيب في أحزاب دينية قد سدت آفاق الفكر في السودان و قد جعلت السودان يغوص في وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون في زمن تقول فيه تجربة الانسان و مسيرته مع أفكار الحداثة بأن الدين قد خرج نهائيا من حقول السياسة و الاجتماع و الاقتصاد و قد كلفت البشرية الكثير المثير أي ما يقارب الاثنين ألف عام حتى يصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين و بعده تصل البشرية الى مرحلة زوال سحر العالم أي الى فكرة أن الدين لم يعد كجالب لسلام العالم كما يقول ماكس فيبر و يوافقه الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه. ما يشغل ضمير البشرية الآن هي فكرة معادلة الحرية و العدالة في زمن قد أصبح فيه المجتمع هارب من الفرد فتاريخ الليبرالية قد أصبح خلفية للانسانية كافة و الحرية أمامها و هنا لا يبقى أي أثر لتاريخ الفاشية و النازية و الشيوعية فلا أمل للبشرية بغير نمط الانتاج الرأسمالي بعكس ما يعتقد فكر المتحلقون حول فكرة انتهاء الصراع الطبقي و الصحيح هو فكرة التقارب الطبقي ثم التضامن الطبقي و بالتالي تاتي مسألة التصالح الطبقي و هنا تبقى مسيرة الأنسانية منفتحة على تاريخ لا نهائي بلا قصد و لا معنى في تراجيديتها و مأساويتها عكس الايمان بفكرة نهاية التاريخ. نجاح هبة ديسمبر لا يتحقق بغير ان تسلك هذه الثورة طريق الفكر الليبرالي وكما لا يمكن تحقيق الديمقراطية بغير فكرة العقد الاجتماعي فلا ديمقراطية بغير الايمان بقيم الجمهورية و الايمان الكامل بميثاق حقوق الانسان و لا يمكن أن يتحقق كل ذلك بغير فكر ليبرالي. و حتى اقتصاد التنمية و دوره في خلق الثروة لمجتمع تقليدي كالمجتمع السوداني لا يكتب له النجاح الا في ظل فكر ليبرالي يضمن امكانية العدالة في مسألة اعادة توزيع الدخل. فغياب الديمقراطية غير المنقوصة و غياب فكرة العقد الاجتماعي و غياب الاثر الباين لتاريخ الليبرالية في دول العالم العربي و الاسلامي هو المسؤل عن فشل الازدهار الاقتصادي كنتيجة لاقتصاد التنمية التي لا يضمن لها النجاح الا في ظل ديمقراطية غير منقوصة كنتيجة للفكر الليبرالي. نجد اليوم أن النخب في العالم العربي و الاسلامي قد فشلت في نقل مجتمعها من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث يتحقق حلمه على أعتاب الدولة الحديثة فنجد فشل عبد الناصر و فكرة الاشتراكية العربية و فشل الحركات الاسلامية كوريث لحشود عبد الناصر و النتيجة نراها في محور السعودية و الامارات و مصر ضد محور قطر و تركيا و كلها لم تحقق لا شرعية و لا مثال و السبب مفارقتها الباينة لتاريخ الفكر الليبرالي و عدم ايمانها بفكرة العقد الاجتماعي و بغضها لميثاق حقوق الانسان لذلك نقول أن هذه الدول العربية الاسلامية تعاني من أزمة الشرعية و كذلك تعاني من أزمة المثال و الذي تنشده هبة ديسمبر هي ديمقراطية غير منقوصة كانت حلم الشعب السوداني منذ فجر استقلاله و هدفها النهائي أن تحقق الشرعية و المثال. و الذي نراه في الدول العربية أي محور السعودية و الامارات و محور قطر هو فشلها جميعا كدول في تحقيق الشرعية و المثال و نفس الشئ ينطبق على مصر و من هنا يبدأ الأفتراق بين مسارها و مسار هبة ديسمبر التي تريد تحقيق ديمقراطية غير منقوصة من أجل تحقيق فكرة الشرعية و المثال لتضع حد فاصل فيما يتعلق بأزمة نظم الحكم الذي تعاني منها الدول العربية و الاسلامية. فالدول العربية بما فيها مصر لم تحقق فكرة الشرعية و المثال لهذا السبب نجد ان اسرائيل تفاخر بأنها هي الديمقراطية الوحيدة وسط الأدغال أو قل أنها تمثل روح الحضارة وسط البربرية و لم تطلق اسرائيل لسانها في وصف العرب بانهم مجتمع غابة و أنها الديمقراطية الوحيدة وسط الغابة الا لأن الدول العربية لم تستطع تحقيق فكرة الشرعية و المثال و لم تسعى ابدا بشكل جاد لتحقيق ديمقراطية غير منقوصة لتنهي بها أزمة نظم الحكم. هبة ديسمبر تسعى بشكل جاد لوضع حد نهائي لمسألة أزمة نظم الحكم. و هي تجسيد لقرار و اختيار الشعب السوداني للطريق الذي يقود لديمقراطية غير منقوصة و هذا الذي لا نجده في صيدلية محور السعودية و الامارات و لا صيدلية محور قطر و لا مصر أنه في تجربة الشعب السوداني و مراقبته لضمير الوجود الذي لا يقول غير أن نجاح هبة ديسمبر نصابه مفارقة وحل الفكر الديني الذي تجسده أحزاب اللجؤ الى الغيب من كل شاكلة و لون و أحزاب الايدولوجيات المتحجرة في ايمانها بفكرة انتهاء الصراع الطبقي فلا ديمقراطية في ظل نظم اشتراكية و لا ديمقراطية في ظل أحزاب دينية في زمن قد خرج فيه الدين خروج نهائيا من ان يكون له تاثير في حقول السياسة و الاجتماع و الاقتصاد. لا مخرج للشعب السوداني من الدائرة الخبيثة التي كثر حولها حديث النخب الفاشلة أي ديمقراطية و انقلاب عسكري الا بمجافاة الشعب السوداني لفكر أحزاب اللجؤ الى الغيب المتجسد في طرح الحركات الاسلامية و أحزاب الطائفية و كل أحزاب الفكر الديني من كل شاكلة و لون و كذلك مجافاة أفكار الايدولوجيات المتحجرة و المتحلقون حول فكرة انتهاء الصراع الطبقي و المتحلقون حول قرأة التراث بذاكرة محروسة بالوصاية و الانتماء و ممنوعة من التفكير فزماننا هو زمن الفرد و العقل و الحرية و روحه مجد العقلانية و ابداع العقل البشري و من هنا يبتدئ الطريق الى ديمقراطية غير منقوصة ينتجها الناخب الرشيد و المستهلك الرشيد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.