أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدابير بناء الثقة: من اجل تحول سلمي نحو الحرية و السلام و العدالة في السودان .. بقلم: د. سامي عبد الحليم سعيد
نشر في سودانيل يوم 22 - 04 - 2019

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مقدمة: لماذا نحتاج بناء الثقة الآن؟:
خلال فترة الثلاثين عاماً التي عاشها السودان، في ظل حكم عسكري دكتاتوري، اتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، مما تسبب في انتشار النزاعات المسلحة، عجزت معها كل المحاولات السياسية و الدبلوماسية و الشعبية، في تقديم حلول تسهم في تأسيس السلام و الديمقراطية، و أحد أهم أسباب هذا العجز قائمة على إنعدام الثقة بين الاطراف المعنية، فانحرفت كل التدابير المقترحة عن مسارها فعجزت عن الوصول الى أهدافها النهائية. جزء كبير من بيئة الشك و الريبة كانت من صنع الدكتاتورية و آلياتها السياسية و الاعلامية، بقصد تدمير خصومها و بهدف ضمان استقرار الحكم تحت يدها لطول مدى زمني ممكن، و الجزء الاخر من تلك الحالة كان نتيجة مباشرةلغياب حرية التعبير، و انقطاع التواصل الدائم بين مكونات المجتمع، من أحزاب و منظمات مجتمع مدني، فبالتالي صارت العلاقات بين تلك المكونات لا تتسم بالشفافية، و لا تسير على منوال ثابت، بسبب ضعف او غياب الثقة.
في المرحلة التاريخية الراهنة، و خلال فترة الانتقال بالسلطة الى فضاء التداول السلمي الديمقراطي، بعد سقوط الدكتاتورية و إعتقال الرئيس و القيادات السياسية العليا التابعة له في الحكم و الحزب، تكتسب عملية بناء الثقة أهمية كبيرة للسودان، بقصد تجميع الجهود لبناء الدولة السودانية الحديثة، و بقصد تهيئة المناخ لاشراك الجميع في إدامة الديمقراطية و بناء السلام و العدالة.
إن أهمية بناء الثقة، و الالحاح على تفعيلها، يكمن في إدراك المخاطر التي تحيطط بالعملية السياسية، و الديمقراطية و السلام في السودان.
بالنظر للمشهد السياسي و الاجتماعي في السودان، منذ الثلاثين من يونيو 1989، نجده منقسم طوال الفترة منذ ذلك التاريخ، و إلى يومنا يوم إعلان سقوط الدكتاتورية، في الحادي عشر من ابريل 2019، الى أكثر من طرف، كل طرف يحتل موقع مناقض للطرف الآخر، و إن كان في بعض الاحوال لديهم الأهداف المشتركة. ظلت الحكومة – طيلة فترة الحكم الدكتاتوري – و بعض رموز الراسمالية الاقتصادية و قيادات منشقة عن أحزابها، و مجموعة من الزعامات القبلية التقليدية، في جانب، مدعومة بأيدلوجيا الاسلام السياسي، و نفوذ اقتصادي و دعم من المؤسسات الاقتصادية المحسوبة لجماعات الاسلام السياسي في العالم.
بينما تقف في الجانب المعارض للحكومة، مجموعات من الحركات المسلحة في دارفور و الحركة الشعبية (شمال) في جنوب كردفان و جنوب النيل الازرق، بجانب المعارضة السياسية المدنية، و التي تضم مجموعة كبيرة من الاحزاب السياسية التي كانت موجودة في الفضاء السياسي إبان الديمقراطية الثالثة 1986 – 1989، بالاضافة لعدد من قادة الراي و المفكرين و قيادات الحركة المدنية (المجتمع المدني – النقابات – المرأة و الشباب – و قوى الريف ).
في إطار تجسير الهُوة بين الطَرفين، بِغرض تَأسيس سَلام دائم و ديمقراطية، و حِقوق إنسان، و تنمية مُستدامة، بُزلت العَديد من الجهود الوطنية و الدولية، لبناء سلام دائم في السودان. و من بين تلك الجهود، كانت هناك ضغوط دولية تدفع كل طرف لتقديم تنازلات لصالح تقريب المسافة بين الاطراف المتنازعة، إلا أن تلك الضغوط، كانت تفرز مواقفاً سياسية تبدو أنها في صالح بناء الثقة بين الاطراف المتنازعة، و لكنها في واقع الامر كانت مواقف معزولة من الارادة السياسية و من قوة الدفع المدني بسبب عدم استخدام الوسائل المناسبة لبناء الثقة بين الاطراف.
تجتهد هذه الورقة في تقديم رؤية جديدة في بناء الثقة، كشرط لآزم، لتهيئة المناخ من أجل حوار حر و شامل و شفاف، و تنطلق من تُفهم لطبيعة الحوار الذي يجب ان يسود في هذه المرحلة التاريخية من عمر السودان من أجل المساهمة في بناء الديمقراطية و السلام و العدالة. و في سياق شمولية الحوار المرتجى، يجب أن يفهم تعبير"بناء الثقة" في سياق شمولية الحوار، فلا يجب ان يكون الحوار قاصراً على مجموعة دون الاخرى، كذلك لا يجب ان تكون تدابير بناء الثقة قاصرة على طرفي النزاع المسلح فقط، دون بقية العناصر المؤثرة في عملية التحول السياسي في السودان.
بناء الثقة لدعم التحول الديمقراطي:
1- يستلزم على الأطراف الفاعلة في التحول السياسي، بما فيها الجيش و الاحزاب و النقابات و المجتمع المدني، أن تدرك طبيعة الصراع الذي يدور بينهم، و مآلاته المستقبلية، كما يستلزم حصر الاهداف المشتركة و المصالح التي يسعون اليها، و درجة خطورته على مستقبل السودان. هذا يعني الإقرار بواقع الحال، و بالتالي إدراك أن الوسائل العنيفة التي ظلت مستخدمة لأكثر من ربع قرن، في التعاطي مع النزاع، تأكد عدم جدواها و فاعليتها، و بالتالي يستلزم إبتدار وسائل أخرى (غير عنيفة) لحل مشاكل النزاع المسلح و الصراع السياسي في السودان.
2- إن المقصود ببناء الثقة، هو جعل أطراف النزاع، أن تسلك سلوكاً، في علاقتها المتبادلة، يعكس الجدية / المصداقية و الرغبة في الوصول للأهداف العامة المؤشرة من قبل الطرفين. لا سيما أن العديد من محاولات بناء الثقة بين الاطراف، السودانية قد فشلت في تحقيق أهدافها النهائية فشلت، لغياب المصداقية و الرغبة السياسية. و بهذا يكون المقصود من تدابير بناء الثقة أن تكون جزء من مجموعة تدابير تعمل من أجل تهيئة الفضاء السياسي و الاجتماعي لينتج التواصل المقترح بين أطراف التحول السياسي في السودان.
3- إن بناء آلية للتواصل بين الاطراف هو أقصر طريق، للبدء في عملية خلق الاتفاق السياسي. الاتفاق السياسي، لا يعني بالضرورة أن يفضي مباشرة الى بناء سلام شامل و دائم، ما لم يكون الحوار قد مر عبر عملية ذات طابع شامل و حر و شفاف، يشمل ممثلين عن كل الاطراف السودانية، و يناقش كل القضايا مثار الاهتمام بحرية و وضوح. و لقد عكست تجربة اتفاقية السلام الشامل 2005، ان الاتفاق بين الاطراف العسكرية المتحاربة فقط لا ينجز سلام دائم دون أن يشمل ممثلين لبقية شرائح المجتمع التي لها مصلحة في الانتقال من الحرب الى السلام، و من الدكتاتورية الى الديمقراطية و الحريات العامة.
كيف نشرع في صياغة تدابير بناء الثقة وفق الحالة السودانية؟
1- ان التعبير عن (الرغبة) في الوصول لحل سلمي لمشاكل السودان، هو نقطة البداية في اي حوار سوداني مرتقب. إلا إننا كما سنرى لاحقا، إن مجرد (التعبير) يصلح لإبتدار التواصل، و المحادثات و الحوار، السري أو العلني، و لكن ليس بالضرورة أن يخلق ذلك ثقة بين الاطراف المتحاورة، إذ لابد من إتخاذ خطوات و قرارات تهئ الوضع لبناء الثقة و تحفز الجميع في التواصل السياسي الايجابي.
2- إن لمنظمات المجتمع المدني – و بوصفها المؤسسات التي يتحرك من خلالها المجتمع بصورة سلمية، و منظمة، لتحقيق أهدافه - قرنا إستشعار، يمكنه من خلالهما قراءة مدى مصداقية ذلك (التعبير)، و ذلك من خلال تجاربها، و قدرتها التحليلية العالية، وبالتالي من المهم لمثل تلك (التعبيرات) أن تكون مقرونة بالعديد من التدابير الضرورية لتأكيد المصداقية.
3- وفق التجربة السودانية المتراكمة، أصبح من غير السهل، أن تتأسس أي عملية سياسية او مجتمعية، على تصريحات تطلقها الحكومة في شأن ذو صله بتأسيس حوار حر و جاد، و ذلك لفقدان مثل تلك التصريحات للمصداقية، مما صنع حاجزنفسي ضد مثل تلك التصريحات. و لكسر ذلك الحاجز النفسي، و البدء في خلق الثقة بين تلك الاطراف فيما بينها، يستلزم أن تعقب تلك التصريحات، تدابير و إجراءات، لا سيما تلك التي ظل يطالب بها كل طرف في مواجهة الاخر.
بعض تدابير بناء الثقة:
إن تدابير بناء الثقة، ليست إتفاقية يقوم بموجبها كل طرف بتنفيذ ما عليه من تدابير، بقدرما هي تدابير يتم اتخاذها بارادة و رغبة فردية، لمصلحة تجسير الفضاء السياسي، و تهيئة الأوضاع السياسية و الاعلامية لاطلاق حوار شامل و حر و شفاف. و حسب التجارب السائدة، إن مثل تلك التدابير قد تأتي من الاطراف كمقترحات او قد تاتس من خارج الاطراف، او من خارج البلد في صورة نصائح من الاصدقاء أو الميسرين الدوليين. و لكنها في شتى الأحوال، تبدو و كأنها عملية ( أخذ و عطاء) يتبادل فيها الاطراف الادوار، فمثلاً تبادر الحركات المسلحة في مناطق النزاعفي دارفور و جنوب كردفان – بما في ذلك اقليم ابيي – و جنوب النيل الازرق، بوقف اطلاق النار من جانب واحد لمدة زمنية معينة، فتقوم الحكومة من جانبها بالغاء أمر القبض الصادر في مواجهة قيادات المجموعات المسلحة، فتكون عملية اطلاق تدابير بناء الثقة، تبادلية بين الاطراف، فتظهر في شكل تدابير و تدابير مقابلة.
في هذا الاطار يمكن ان نقترح العديد من التدابير، و التدابير المقابلة، كما يلي:
المجلس العسكري الانتقالي:
لضمان إنشاء حوار شامل، يشارك فيه الجميع بحرية، من أجل التوصل لإنهاء النزاع المسلح و تحقيق السلام و الاستقرار السياسي و الرفاه الإجتماعي، يستلزم علينا إستقراء مطالب المجموعات النقابية و المدنية والسياسية و العسكرية ، و كذا مطالب منظمات المجتمع المدني، المعبرة عن إحتياجات المجتمع السوداني ككل، لنستطيع بكل يسر أن نؤشر بعض تدابير بناء الثقة الواجب على المجلس العسكري الانتقالي إرسائها من أجل تهيئة مناخ مواتئ للشروع في حوار حقيقي:
1- الإصلاحات التشريعية: و هي تمثل حزمة من التشريعات، شديدة الصلة بتحريك الأوضاع تجاه التحول المنشود، هي تشكل محور إهتمام المعارضة و المجتمع المدني، هذه الإصلاحات تشمل- على سبيل المثال - القوانين المقيدة الحريات، و قانون العمل الطوعي و الانساني، قانون الاحزاب السياسية، و التي ستشكل في مجملها الإطار القانوني و السياسي للمحادثات و الحوار المستقبلي.
2- إطلاق حرية النشاط السياسي: إن المشاركة السياسية تقتضي، السماح لكل الفاعلين بالتحرك بحرية، و بنشر رؤاهم للمواطنين، اطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، و الغاء الاحكام و الاوامر الصادرة ضد قيادات المجموعات المسلحة، لا سيما أعضاء فريق التفاوض. كما ان البدء في إجراء جاد و فعال في تطبيق العدالة في مواجهة من انقلبوا على الديمقراطية في يونيو 1989، و الذين ارتكبوا الفساد المالي و السياسي، و من تسبب في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني و قانون حقوق الانسان، كل ذلك قد يؤسس لمرحلة من مراحل بناء الثقة، بين المجلس بقية الفاعلية في التحول الديمقراطي.
3- حرية عمل منظمات المجتمع المدني، بإلغاء كافة السياسات التي تضع القيود ضد حركة و أنشطة منظمات المجتمع المدني، و تعديل التشريعات و السياسات المنظمة للعمل الطوعي، و الغاء الاوامر القاضية بإغلاق مقار المنظمات و حظر نشاطها. هذا الجانب يشمل حرية التعبير و النشر و التغطية الاعلامية، و تمكين الأفراد من إنشاء وكالات للصحف و المحطات التلفزيونية و الأذاعية.
4- السماح للمساعدات الانسانية للوصول للمناطق المتأثرة بالحرب. و الإعلان عن تحديد ممرات آمنة للعاملين في المعونة الانسانية للمدنيين
أن أمام المجلس العسكر الانتقالي، الذي تسلم مقاليد الحكم بعد الاطاحة بحكم البشير، العديد من الخيارات لتبني تدابير بناء الثقة، و ذلك بحسب المجموعة التي يتوجه اليها المجلس الانتقالي بتلك التدابير، فقد يتبنى المجلس تدابير معينة تكون موجهة في الأساس تجاه الحركات المسلحة (مثل وقف إطلاق النار) و قد تتبنى أخرى مختلفة تكون موجهة للأحزاب السياسية المعارضة (مثل إصلاح التشريعات الماسة بالحريات السياسية)، و أخرى للمجتمع الدولي ( مثلاً بالسماح بمرور الاغاثة و المساعدات الانسانية) و للمجتمع المدني (مثلاً بإلغاء الأوامر الصادرة بإغلاق مقار او تجميد نشاط منظمات المجتمع المدني و اصلاح قانون الصحافة و المطبوعات و قانون العمل الطوعي الانساني).. الخ
المجموعات السياسية و العسكرية:
يستلزم على قوى الثورة و المجموعات السملحة في مناطق النزاع الثلاث، ان تبحث على آليات لتجسير الثقة فيما بينها أولا، و من ثم فيما بينها و بين المجلس العسكري، و كذلك مع جماهير الشارع السوداني العريض
1- على قوى الثورة بمختلف أطيافها، المدني و الحزبي، ابتداع آلية تواصل فعالة مع المجلس العسكري الانتقالي، تتمتع بقدر من الكفاءة و الخبرة في التعامل مع بيئآت الازمات.
2- على الحركات المسلحة في مناطق النزاع، ان تبتدر عن إعلان وقف إطلاق النار (الجزئي أو كلي) و عدم القيام بأي اعمال عسكرية إلا لاغراض الدفاع عن النفس او عن المدنيين. و بالفعل رأينا بوادر من مثل هذا النوع من الحركات المسلحة بدون استثناء.
3- للحركات أن تعلن عن إطلاق سراح الاسرى (الجزئي أو الكلي)،
4- وقف التصعيد الاعلامي العدائي، و تبديل لغة التصريحات السياسية، لا سيما الشخصيات الرئيسية مثل الناطق الرسمي.
5- السماح لمنظمات المجتمع المدني الدخول بحرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها العسكرية،
6- ..... و غير ذلك
منظمات المجتمع المدني:
من خلال تجارب منظمات المجتمع المدني، في البلدان التي تعيش حروبا و نزاعات مسلحة، نجد أن تدخلات منظمات المجتمع المدني يمكن تصنيفها وفقاً للانشطة المتبعة. فاذا قمنا برصد "أنشطة" مبادرات المجتمع المدني في بناء الثقة أثناء الحرب– بحسب التجربة السودانية- نجدها تتلخص في التالي :-
- التوعية بأهمية السلام بالنسبة للمجتمع، و بناء ثقافة التعاضد و التعاون و الاشتراك في بناء السلام من خلال توفير المناخ الاجتماعي و السياسي الملائم للحوار او اتباع وسائل غير عنيفة في حل النزاع القائم
- القيام بأنشطة و جهود الخاصة بتقليل مساحة و نطاق الحرب
- بذل جهود من أجل التقريب بين الاطراف، و تسوية النزاعات
- القيام ببحوث السلام و فض النزاعات والاستعانة بمخرجاتها لدفع عملية السلام
- تكثيف أعمال التنمية الاجتماعية
- توعية الاطراف المتنازعة باحترام القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان.
- قيادة المبادرات لتعزيز الديمقراطية و العدالة و الاستقرار السياسي.
من الضروري تعزيز هذا الدور، و تأطيره في إطار عمل إستراتيجي يدعم دور منظمات المجتمع المدني في بناء الثقة في إطار تهيئة البيئة لاي حوار ديمقراطي شامل.
المجتمع الدولي:
و المقصود به المؤسسات الدولية و الاقليمية، ذات الصلة بعملية بناء السلام في السودان، لا سيما الامم المتحدة و الاتحاد الافريقي، و المؤسسات الفرعية التابعة لكليهما، بجانب الدول الكبرى مثل مجموعة (الترويكا). إن المجتمع الدولي، و مع إستمرارية الصراع السوداني السوداني لفترة طويلة، دون أن تسهم قوى المجتمع الدولي في تقديم رؤية فاعلة لحل مشكلة الصراع السوداني، جعلها تعاني من فقدان الثقة فيها، من قِبل بعض المؤسسات السياسية و العسكرية و الاجتماعية السودانية، و بالتالي تحتاج أن تتبنى تدابير لبناء الثقة حتى يكون وجودها في آليات حل الصراع السوداني مقبولاً لدى الكافة.
يمكن إستخلاص طبيعة تلك التدابير من خلال النظر الى تلك المؤسسات و الدول من زاوية تلك المجموعات و المؤسسات السودانية، و من بين التدابير المقترحة:
1- تقديم محفزات لاطراف التحول السياسي في السودان للتعاون من أجل بناء الديمقراطية و غشاعة مبدأ الحوار الديمقراطي و القبول بالاخر و اللآعنف.
2- تقديم رؤى و مقترحات تنموية مربوطة بتعهدات بالمساعدة في إستدامة السلام و التنمية في السودان، هذا قد يشمل ربط التقدم في عملية بناء السلام و التحول الديمقراطي بالإعفاء من الديون الدولية.
3- على الدول العربية، ذات المصلحة في التحول السياسي السلمي في السودان، لا سيما الدول النفطية، أن تتبنى مشاريع ذات صلة بالتنمية الحقيقية المنحازة للفقراء في الريف، و تدعم الاستقرار السياسي و السلام.
4- أن تتبنى الوساطة الأفريقية، مقترحات بخصوص الحوار تضمن مبدأ الشمول و الحرية و الشفافية في إجراءات و تكوين مؤسسات الحوار.
5- على الامم المتحدة أن تقدم الدعم الفني و الموارد لتحقيق العدالة و السلام و دعم مؤسسات حقوق الانسان في السودان.
6- على الولايات المتحدة الامريكية، و بوصفها عضو في مجلس الامن، و عضو في مجموعة الترويكا، أن تعمل على المساعدة في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، و تقديم الدعم الفني و الدبلوماسي لاعفاء السودان من الديون الخارجية.
متى تستخدم تدابير بناء الثقة؟:
يجب تطبيق تدابير بناء الثقة في كل المراحل:
1- تدابير أبتدائية: اي في إطار "المرحلة التحضيرية" للحوار الشامل، أن يتبنى الاطراف تدابير لبناء ثقة بحيث تكون بمثابة الجسر بين الاطراف المتنازعة، و تسهم في تقليل مستوى العدائيات، و تقليل الخسائر. فالواقع السوداني ينبئنا أن هذه المرحلة، تعد من أهم المراحل، فتحقيق حوار شامل أصبح في غاية الصعوبة في ظل إستمرار النزاع لفترة طويلة، و تراكم الانتهاكات، لذا من المهم أيلاء هذه المرحلة عناية خاصة عند تطبيق تدابير بناء الثقة. إن الدعوة ل "الإجتماع التحضيري" يجب أن تسبقه مرحلة بناء ثقة، قد تستمر لمرحلة زمنية تسمح بتفعيل تدابير بناء الثقة خلالها، قد تكون فترة ستة أشهر معقولة لتجريب فعالية تدابير بناء الثقة.
2- خلال الحوار: استناداً على طبيعة النزاع الذي يعيشه السودان، و قدرة الوسطاء، يمكن لتدابير بناء الثقة أن تلعب دور مهم في تقدم الحوار و بالتالي نجاحه. و من الملاحظ أن هذه المرحلة تستوعب تطبيق العديد من تدابير بناء الثقة، و لقد شهد التفاوض بين الحكومة و الجيش /الحركة الشعبية لتحرير شعب السودان تطبيق العديد من التدابير للتقريب بين الاطراف، شملت حتى تنظيم مشاهدة لمباراة كرة قدم عالمية على شاشة كبيرة في منتجع مشاكوس. هذا النهج يساعد في الانتقال بالحوار من مستوى الى آخر بيسر و سهولة، و يضمن عدم إنهيار العملية برمتها.
3- تدابير تنفيذية: في مرحلة تنفيذ الاتفاق، تدابير بناء الثقة أيضاً مهمة، في الحفاظ على ازدياد الثقة بين الاطراف. مع الوضع في الاعتبار بأن عدم التنفيذ المتبادل يسهم في إنهيار العملية السياسية برمتها، و يعيد الاطراف الى المربع الاول. و في أثناء هذه المرحلة يتوقع أيضاً ان يفعل المجتمع الدولي تدابير بناء الثقة الخاصة به، مثل تنفيذ وعوده بتسريع إجراءات حل مشكلة الديون الدولية، و دعم عملية بناء السلام و تجذير الديمقراطية، و دعم إنشاء مؤسسات حقوق الانسان.
التحديات التي تواجه تدابير بناء الثقة:
خلفت الفترة الطويلة التي مر بها النزاع ما بين الحكومة والمكونات السياسية السودانية المعارضة، الكثير من الممارسات من الحواجز السياسية و الاجتماعية و النفسية، بين أطراف النزاع، و بالتالي ليس من السهل الغاء ذلك التاريخ الطويل من العدائيات، أو إغفال الآثار التي خلفتها هذه المرحلة الطويلة. لذا تواجه كل تدابير بناء الثقة في السودان بالعديد من التحديات، نذكر منها علي سبيل المثال:
ضعف التخطيط:
و هذا يشمل عدد من الإحتمالات، التي تحتمل واحدة من/ او بعض من ما يلي:
- ضعف التحليل المسبق. حين يكون الاطراف (أو بعضهم) غير مدركين لابعاد النزاع، أو لا يدرون كيفية التعامل معه، و لا يدركون الاهداف النهائية التي يسعون اليها، و من يشاركهم تلك الاهداف من المكونات الاخرى الشريكة في عملية الانتقال السياسي نحو الديمقراطية
- غياب الإرادة السياسية
- عدم شمولية إجراءات الوساطة، و افتقارها لاهم عناصر استمرارايتها، و من بين تلك العناصر المفقودة الدعم الشعبي.
التحدي الثاني: إستخدام بناء الثقة ك "تكتيك"
و هذا أمر شائع الاستخدام في سياق النزاع السوداني، حيث تم تطبيق العديد من التدابير، لتبدو و كأنها، لغرس الثقة، و لكنها في الواقع الأمر، لا تعدو سوى أنها تكتيكات مرحلية قد تتخذ احد الصور التالية:
- وسيلة لقتل العزيمة، و إمتصاص الحماس، عند الطرف الآخر، و هذا النهج برعت في ممارسته السلطة الدكتاتورية المعزولة.
- تحويل إنتباه المجتمع الدولي، بارسال رسالة في وقتٍ معين، من خلال تطبيق بعض تدابير بناء الثقة، لترتيب اوضاع دولية معينة لصالح الطرف الذي أعلن عن ذلك تطبيق.
- تغيير إحداثيات النزاع و قلب الموازين.
- كسب الزمن.
و بحسب تجربة السودان، ليس من العسير، إكتشاف مدى جدية تلك التدابير، أو إلى أي مدى كانت تلك التدابير مجرد "تكتيك".و ربما أسهل طريقة ساعدت في كشف عدم جدية تلك التدابير هو أنها لا تأتي منسجمة مع السياسات و المواقف المتخذة في نفس الوقت.
موجهات عامة لتطبيق تدابير بناء الثقة في السودان:
و بغرض الدفع بتدابير فعالة لبناء الثقة بين الاطراف السودانية المناط بها المشاركة في اي حوار جاد، يجب أعتماد بعض الموجهات التالية عند تبني اي تدابير لبناء الثقة في السودان، أهم هذه الموجهات:
1- الواقعية، بأن تكون التدابير مناسبة للحالة السودانية، و بأن تُقَيِم احداثيات النزاع بشكل واقعي.
2- سهولة التطبيق، بحيث يمكن متابعتها و قياس اثرها.
3- أن تكون واضحة النتائج، و ان لا تكون من النوع الذي يحتمل تفسيرات متعددة و متضاربة، لان تلك التدابير قد يُساء تنفيذها (تنفيذها بصور متباينة) من خلال التفسيرات/ القراءات المختلفة لتلك التدابيرز
4- ان تكون متصلة بعملية بناء السلام، و يتم تنفيذها في اطار استراتيجية واضحة، و يجب أن لا تكون معزولة.
5- ليس من الضرورى أن تكون تلك التدابير جزء من إتفاق، و ليس بالضرورة أن تحدد مسارات النقاش أو توجيهه، فيحتمل أن تتم بإرادة منفردة لأحد أطراف النزاع، و المهم فيها أن تكون مهمتها بناء الثقة و تهيئة المناخ للحوار الحر.
مراقبة التدابير:
و لما كانت وضعية النزاع في السودان معقدة، بسبب تعدد مستويات و طبيعة النزاع (سياسي – عسكري – إجتماعي )، و بسبب تعدد الجهات و الأطراف في النزاع، فان تدابيربناء الثقة تعد مرحلة طويلة، و يجب تطبيقها في كل المراحل، و مراقبة فعاليتها و أثرها بصورة دائمة.
لابد من الوضع في الاعتبار، إنه في حالة غياب الإرادة السياسية، يغلب على التدابير المتبعة الاستغلال، و بالتالي تطبيق تدابير بناء الثقة في ظل غياب الارادة السياسية يسهم في تعميق حدة الأزمة السياسية و الأمنية في السودان، و لابد من مراعاة ذلك ووضعه في الاعتبار. فحين تتم التوصية من قبل الوسطاء - بتطبيق تدابير بناء الثقة بواسطة أحد الاطراف، يجب التأكد من وجود محفزات للارادة السياسية، بحيث يحمس الطرف المعني في المضي بجدية في تطبيق تلك التدابير.
و من المهم أن تكون عملية بناء الثقة تشاركية، بحيث يسود في أجوائها، حسن النوايا، و لا يجب أن تكون مطبقة من طرف واحد، بقدرما يجب على كل الاطراف المساهمة في تطبيق تدابير بناء الثقة، بطرق متباينة. و كذا على المجتمع المدني السوداني أن يتقدم بدور الناصح للاطراف السياسية بتغيير سلوكهم السياسي لمصلحة بناء السلام، و يرصد مدى تحسن الاجواء لصالح الحوار الشامل من خلال التقارير، و الضغط من أجل جعل الحوار يتسم بالشمول و الحرية و الشفافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.