دعونا نكون واضحين وصادقين مع انفسنا وشعبنا ولو لمرة واحدة. لأن هذه ساعة الحقيقة، وغير ذلك الطوفان: 1. الهدف الرئيسي لهذه الثورة هو اسقاط نظام الاسلام السياسي (وقد تم ذلك جزئيا)، وتفكيك دولة التمكين، ومحاسبة المجرمين والفاسدين، وعبر ذلك الانتقال نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على حقوق المواطنة المتساوية بلا تمييز. وبدون تفكيك دولة التمكين ومحاسبة كل من تورط في جرائم الابادة والقتل والفساد، واستراد أموال الشعب المنهوبة يستحيل أن نتقدم خطوة واحدة نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية وتحقيق السلام وبقية أهداف الثورة. والمطلوب هو التوحد التام حول الهدف الرئيسي ومواصلة الكفاح والاعتصام والعودة لجداول التظاهر في الولايات ان لزم الأمر وكافة أشكال الكفاح السلمي حتى يتحقق ويتم تسليم السلطة لحكومة مدنية يمثل الجيش فيها بالكيفية ووفق النسبة التي تحددها قوى الحرية والتغيير وليس العكس. 2. هناك أهداف أخرى كثيرة لاتحصى للثورة لكنها تظل أهداف الدرجة الثانية والثالثة والرابعة... بعد الهدف الرئيسي المذكور أعلاه، ولا يمكن عمليا تحقيق ايا منها اذا فشلنا في تحقيق الهدف الأول. لأن تحقيق الهدف الأول أو عدمه هو الذي يحدد فشل أو نجاح الثورة برمتها. ولايمكن تحقيق الهدف الأول دون تمتين وحدة قوى الثورة والحرية والتغيير. واجتثاث مسببات بث الفرقة ورزع الانقسام داخل صفوف الثوار قبل اكتمال الثورة وهزيمة النظام القديم بالكامل. 3. سقط النظام الحاكم وبقيت دولة التمكين وقاعدتها السياسية والاقتصادية والأمنية. والمعركة الرئيسية هي مع عناصر ومؤسسات النظام القديم في الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاعلامية وعلى رأسهم بعض أعضاء المجلس العسكري نفسه، وهذه العناصر مازالت تقاتل بكل قوتها وتسعى لهزيمة الثورة واعادة انتاج النظام من خلال الثورة المضادة، ويجب الا تغيب عن أذهانا حقيقة أن بعضهم لم يعد لديه ما يخسره، ويقف من خلفهم التنظيم الدولي للأخوان وقطر وتركيا ..الخ. يجب أن نكون واضحين بشكل ساطع هنا بأن المعركة الرئيسية (وليس الوحيدة) هي ضد هولاء، وأي محاولة لفتح معارك جانبية في هذا التوقيت مع أي قوى أخرى داخليا أو خارجيا هو حرف لقطار الثورة عن مساره واخراجه من قضبانه. 4. لهذا السبب المعركة حاليا ليست مع الصادق المهدي وحزبه وهم جزء من القوى التي شاركت في التغيير غض النظر عن اتفاق أي شخص او اختلافه معه سياسيا، وغض النظر عن رأي البعض في مواقفه وتصريحاته التي يرونها مثيرة للجدل ورغم أنها قد تكون مضرة أيضا ومربكة في نظر الكثيرين. ليس هناك أحد مطالب بأن يتفق مع السيد الصادق المهدي في كل جملة يكتبها، أو تصرح يقوله، ولكننا لا نملك ترف أن نترك كتائب الظل وجهاز الأمن وكافة مؤسسات التمكين في كامل عدتها وعتادها ونقول للثوار ان المعركة وهدف الثورة الرئيسي الان هو اسقاط الصادق المهدي. هذه عينة للمعارك الجانبية التي لا تؤدي الا إلى تعميق الانقسام داخل قوى الحرية والتغيير ولا تخدم بالتالي سوى قوى النظام القديم والثورة المضادة. 5. هناك جهات صغيرة بين قوى الثورة ظلت على الدوام تزايد على حلفاءها في الحرية والتغيير، وتحاول تمييز نفسها بوصفها تمثل ضمير الثورة وأن البقية (وهم الغالبية الساحقة من قوى الحرية والتغيير) ليسوا سوى مجرد خونة وعملاء للأجنبي وناقصي الوطنية. وهي قد ادمنت لعبة المزايدات والتكتيكات الصبيانية البائسة ومحاولات الظهور بمظر المتشدد الذي يعلي من السقف ويرفض اي حسابات عقلانية وموضوعية للأمور، ويستعيض عن ذلك بتريد الشعارات العالية، والهدف هو تعظيم المكاسب الحزبية ليس إلا، وأوهام السيطرة والتحكم في ريموت كنترول الساحة السياسية. وظلت طوال مراحل الثورة تفتعل المعارك الجانبية وتدفع بالأمور الى حافة الهاوية دون مبالاة بالنتائج . والنتيجة هي تعزيز الانقسام بين قوى الثورة، وتطويل امد الصراع واضاعة الوقت في أكثر الساعات حراجة ودقة في عمر السودان الحديث. وهل يريد الإسلاميون و قوى الثورة المضادة شيئا غير ذلك؟؟؟! هذا السلوك وبالاضافة إلى كونه يشكل خطرا على الثورة، هو في التحليل النهائي سلوك يصدر عن عقل شمولي اقصائي بالتكوين ومعادي بطبيعته للديمقراطية التي يزعم انه يسعى لاستعادتها. إن الحديث عن الديمقراطية سهل ولكن الالتزام بالحد الادني من السلوك الديمقراطي صعب جدا. والعبرة في النهاية بالممارسة العملية وليس الشعارات. ولا يمكن بناء ديمقراطية بدون ديمقراطيين وبعقول شمولية لا تعرف غير الاقصاء والرغبة الفاشية في التخلص من الاخر وسحقه. ويثور السؤال أيضا عن ماهية الفرق بين مثل هذه الخطابات الشمولية البائسة وخطابات البشير ونافع وبقية أهل الانقاذ: (الجميع خونة وعملاء وشذاذ آفاق ونحن الوحيدون في خانة الوطنية التامة)!! فالشموليات والدكتاتوريات واحدة وأن اختلفت ألوانها ومواقعها وتخريجاتها. 6. ومعركتنا الان ليست كذلك مع السعودية والأمارات ومصر. هذه الدول الثلاثة جزء من جوارنا الاقليمي ولديها مصالح مثلما لدينا أيضا مصالح نسعى إلى تحقيقها. ويقتضي المنطق أن نتفق معها في المصالح المشروعة التي تتفق مع مصالحنا الوطنية وتخدم أهداف الثورة والتحول الديمقراطي وغير ملزمين بأن نقبل منها ما يتعارض مع مصالح شعبنا وأهداف ثورتنا أو كل ما كان يقبله البشير وهو صاغر. وكما ذكرت استهلالا دعنا نكون واضحين، الأمارات والسعودية يهمها الان بقاء الجيش السوداني في اليمن وجزء من اهتمامهم بالسودان يرجع للصراع مع محور قطر وتركيا والأخوان المسلمين..الخ والسيسي أهدافه معروفة وعلى رأسها ملف حلايب. ولكن ليس من بين هذه الدول من يتحرك بدافع دعم الحركة الإسلامية أو التنظيم الدولي للأخوان المسلمين. صحيح أننا نحتاج إلى أن نعيد النظر في كل علاقات بلادنا الخارجية على المستوى الأفريقي والعربي والدولي، وان نغير بالكامل المنهج الايديولوجي والارتزاقي الذي كان تدار به علاقات السودان الخارجية في ظل الإنقاذ. وأن يتم بناء العلاقات الخارجية مستقبلا على قاعدة حماية المصالح العليا للبلاد وتحقيق المصالح المشتركة وحسن الجوار ودعم السلم الاستقرار الاقليمي والدولي واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والابتعاد عن سياسة المحاور..الخ. ولكن كل ذلك لا يتم الا بعد انجاز هدف الثورة الأول وتكوين حكومة مدنية تعبر بالبلاد الى مرحلة التحول الديمقراطي الكامل. هناك حملة اعلامية ضخمة يدار معظمها من دولة قطر وقناة الجزيرة تريد ان تقنع الثوار بأن معركتهم الرئيسية في هذا التوقيت الحرج هي مع السعودية ومصر والأمارات، في وقت لم يسقط فيه النظام بالكامل ولم تحسم المعركة في الخرطوم ولم تتشكل حكومة انتقالية مدنية، ومازال القتل مستمرا في نيالا والجنينة، هذه معركة جانبية أخرى. 7. اخلص إلى ان الثورة تحتاج الان أكثر من أي وقت مضى إلى التوحد التام لشعبنا ومن خلفه كل مكونات إعلان الحرية والتغيير أولا حول الهدف الرئيسي المذكور أعلاه وهو واضح وضوح الشمس، وان تتوحد ثانيا للعمل كفريق واحد على تحقيقه وانتزاعه انتزاعا. وتحتاج عاجلا إلى اسكات أصوات المزايدين وسماسرة الشعارات الذين يعمقون كل يوم من الانقسامات في صفوف الثورة جريا وراء تعظيم مكاسبهم السياسية الآنية. وتحتاج للأبتعاد عن المعارك الجانبية، وأهداف الدرجة الثانية والثالثة، وأن تصوب جميع أسلحتها نحو الهدف الرئيسي. ناصف بشير الأمين