عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. بسم الله الرحمن الرحيم يبدو ان المجلس العسكري يضيق عليه اسلوب المناورات الذي استمراه، بعد ان حشرته قوي التغيير ومن خلفها الثوار في الزاوية، عبر التزامهما باشتراطات المجلس في تلك المهلة المنتهية. خاصة وان المهلة لم تكن لقوي التغيير وحدها ولكنها التزام امام الراي العام المحلي والدولي. وعموما يصعب تصور اهدار فرصة تاريخية تخلد اصحابها، وبالاخص البرهان وحميدتي بوصفهما المتحكمان في المجلس العسكري. ولحسن حظهما اذا كانا عاقلين ولسوء حظهما اذا كانا احمقين، ان زمان الانقلابات العسكرية ولي ولن تجد من يشتري بضاعتها التالفة. لانها نمط من الحكم بالغ التكاليف وقليل المردود، وهذا غير ان نتائجها كارثية علي المدي الطويل لكل الاطراف، حتي الداعمة لها في البدايات سواء في لحظة غفلة او من اجل مكاسب عاجلة، وبما في ذلك القوي الخارجية، لتثبت الايام ان رهاناتها كانت خاسرة. والسبب ان هكذا انظمة عقيمة محكوم عليها بالتطور العكسي، اي الانفتاح علي مزيد من الاستبداد والفساد، وتاليا لا تتسبب في انهيار الدول وتدمير المجتمعات فحسب، وانما تنتهي بتحطيم ذاتها وذهاب قادتها الي مزبلة التاريخ مشيعين باللعنات. وذلك بالطبع بعد استنزاف طاقتها وموارد البلاد في محاربة طواحين الهواء، او محاولة الحصول علي شرعية مستحيلة في الداخل، الشئ الذي يدفع بها الي الارتماء في احضان الخارج، وهو بدوره لا يتواني عن استغلالها وابتزازها وتحويلها الي مجرد اداة طيعة ومهانة، حتي مرحلة انتفاء الحاجة لها ليدفع بها الي تلك المزبلة السالف ذكرها. وما يغيظ وفي ظل هذه الاجواء الملبدة بين المجلس وقوي التغيير، تتصاعد الضغوط والتلاعب في هذه المساحة الضبابية، من قبل القوي المعادية لقوي التغيير الممثل الرسمي للثوار، وهي مكونات لم تكن شريك للنظام السابق فقط، ولكن للمفارقة كانت تتصدي للدفاع عنه بعد ان اوكل لها المؤتمر الوطني بخبثه المعهود هذا الدور، وكذلك بعضها يدعي التمسك بالنهج الاسلامي ولكن لم يفتح الله عليه بكلمة حق، ليس في مواجهة الثوار غير المسؤولة والمتجاوزة لكل القوانين والاعراف، ولكن في مجمل جرائم النظام منذ مجيئه الكارثي وهي للعلم لم تبدأ مع الثورة، ولن تنتهي إلا بانتهاء منظومته وثقافته وفلوله المؤثرة! المهم، هؤلاء ليس مع الثورة ولا يمثلون الثورة باي صورة او قدر، وذلك لانهم موضوع الثورة وواحدة من مستهدفاتها، في بحثها عن الدولة المدنية. فهكذا دولة بطبعها تقطع الطريق علي المتاجرين بالدين، لانه اصلا لا توجد مشكلة دينية إلا في مخيلتهم المريضة ونزوعهم السلطوي المتطرف، بل الدين نفسه لم يتعرص لازمة وامتحان عسير إلا بعد احتكارهم له والنطق باسمه! والاهم ان مشكلة الدولة السودانية ومنذ الاستقلال تتعلق بسوء الادارة والاستبداد والفساد، خاصة بعد اختطافها من قبل بعض النخب المتسلطة، ولذا اي مشاريع سياسية او دعوات خلاص تتنكب طريق الديمقراطية والمشاركة الشعبية، لا يعني الا اعادة انتاج ذات الكوارث ولكن بمتوالية هندسية او تكعبية في كل مرة. وهذا غير ان هؤلاء يغردون خارج السرب او هم اصلا خارج السياق او وجودهم عرضي، والسبب ان الصراع ينحصر بين الثوار والمجلس العسكري. الثوار بوصفهم اصحاب الحق في الثورة وبطبيعة الحال مترتباتها، والمجلس بوصفه سلطة الامر الواقع التي تحاول ان تُجيِّر جهد الثوار وتضحياتهم لصالحها! ومن هنا تحديدا كان مدخل تلك المكونات للظهور والبكاء والعويل، اي هي مجرد ادوات يناور بها المجلس العسكري في صراعه ضد الثوار. لذلك هم امام خيارين اما الوقوف مع الثوار وتصحيح اخطاءهم الماضية، وهذا ما لا يمكن تصوره في ظل سيطرة قادة استبدادين يتطلعون للسلطة كغاية حصرية، واما الانحياز للمجلس العسكري بصورة سافرة مع زيادة جرعة تعظيمه من جهة، وتحريضه علي الثورة والثوار من جهة ثانية! وهو ما يعني السير في نفس المسار الذي الذي قاد لهذه المحنة. بمعني السيناريو يقوم علي التخلص من الثورة والثوار اولا، ومن ثم الاستفراد بالمجلس العسكري قليل الخبرة السياسية وفقير الحاضنة الاجتماعية، ليتم التخلص منه لاحقا بصورة اسهل. اما اللعب علي وتر ان شباب تلك المكونات مشارك في الثورة، وتاليا لها تضحيات تضعها علي قدم المساواة مع قوي التغيير! فهذا قول مردود عليه، لانه ببساطة قوي التغيير ممثلة للطيف الاعرض من الشباب بغض النظر عن مكوناته، لان المسالة تتعلق بمطالب ثورية عامة وليس تصنيفات خاصة! اي شبابهم له كامل التمثيل ويتمتع بكافة الاستحقاقات عند نجاح الثورة، ولا يحتاج لقادتهم الحزبيين الذين لا يكترثون الا لمصالحهم الخاصة. وهل بعد سحل عضو الحزب الشهيد احمد الخير بتلك الطريقة البشعة، مزعة صدق للمؤتمر الشعبي للحديث عن الثورة او الثوار، وهو لم يجرؤ علي مجرد الاستقالة من حكومة البشير القمعية! وعلي هذا قس مواقف من يرفعون الشعارات الدينية او مطالب الحركات المسلحة المشاركة للنظام السابق، علما بانها مشاركة تربطها بكل مخازي النظام وتصرفاته، وإلا ما معني الشراكة في عرفهم، اقلاه لم نسمع وجه للاعتراض علي تصرفات النظام الاجرامية، ناهيك عن موقف قوي يعبر عن رفضهم لتلك الانتهاكات، والمحير ان مدخلهم للمشاركة هو وقف تلك الانتهاكات التي طالت مناطقهم. واخيرا، يبدو ان معركة قوي الحرية والتغيير لن تكون مع المجلس العسكري وحده الذي اثبت انه اقل قامة من احتياجات المرحلة، ولكنها ستمتد الي مقارعة الكيانات المتضررة من الثورة، ناهيك عن اعداء الثورة، من الدولة العميقة والدول البعيدة. ولكن طالما هنالك مشروع واضح وارادة صلبة وتماسك بين مكونات قوي التغيير اقلاه الي حين انجاز الاهداف الانتقالية، ليس هنالك خوف وانما عمل متواصل وحذر شديد. ودمتم في رعاية الله.