سيرة أخي و أستاذي و صديقي الراحل محمد صالح إبراهيم العطرة صفحات ناصعة البياض ومشرفة ومطرزة بالفخر والإجلال الوطني. و نعرض اليوم صفحة واحدة منها تدل كغيرها على أنه لم يتوان طيلة حياته العامرة بالنضال الوطني الثوري في اقتحام وعر الدروب من أجل مبادئه التي آمن بها بالغاً ما بلغت تضحياته من الجسامة. ففي العام الأخير في دراسته الثانوية فصل من مدرسة وادي سيدنا لنشاطه السياسي، فجلس للامتحان وهو مفصول واجتاز امتحان الشهادة السودانية بنجاح باهر يؤهله للقبول في كليات الجامعة ولكنه آثر الالتحاق بوظيفة للتصدي لمسئولية إعالة أسرته المكونة وقتها من المرحومة والدته و أشقائه الأصغر منه وشقيقاته وذلك بعد وفاة والده عليه رحمة الله وغفر له في نفس عام جلوسه لامتحان الشهادة أو قبله بعام. فعمل الرحل محمد صالح في هيئة السكك الحديدية، بمدينتي عطبرة وحلفا القديمة. وفي الأخيرة تم القبض عليه بعد تنفيذه كتابة شعارات حائط ضد المستعمر الأجنبي. وقدم للمحاكمة فأدانته المحكمة وحكمت عليه بالسجن. و تضمن الحكم الصادر ضده حرمانه من الالتحاق بأية وظيفة حكومية فيما بعد. فاضطر بعد قضاء مدة السجن للعمل في وظيفة محاسب بشركة برايس ووتر هاوس (محاسبون قانونيون قطاع خاص). و بعد الاستقلال و في عهد سودنة الوظائف تقدَم لوظيفة مسئول حسابات شركة النور (الهيئة المركزية للكهرباء والمياه لاحقاً و كان الراحل مسئول الشركة المتابع لحساباتها). و قبل طلبه مبدئياً ولكنه حين ذهب للتعيين وجد تحفظاً على تعيينه من الوزير المسئول ومدير البوليس السياسي فسألهما بكل أدب عن سبب تحفظهما؟؟! فقالا له: لا يمكن قبوله في الوظيفة لأنه ممنوع من الالتحاق بالوظائف الحكومية، بموجب حكم قضائي. فقال لهما أن الحكم القضائي الصادر ضده ليس في قضية رشوة أو سرقة أو فساد بل في قضية مكافحة المستعمر الأجنبي، فإذا كان هناك من لا يزال يحتفي بأحكام المستعمر ضد الوطنيين وبقوانينه التي قمع بها من ناضلوا ضده، فما معنى الاستقلال الذي تحقق ليفتح الطريق أمامكم أنتم كوطنيين للحلول محل المستعمرين الأجانب في الوظائف؟؟!! فبهتا!!. وهكذا أفحم الشاب الصغير السن الوزير ومدير الشرطة السياسية برده الشجاع والحاسم فسحبا اعتراضهما و سمحا للراحل الأستاذ محمد صالح إبراهيم بالعمل. هكذا استهلَ الرحل محمد صالح تصديه لمهام و واجبات للوظيفة العامة بعد الاستقلال. وفي موقف مماثل لموقف الوزير ومدير الشرطة السياسية من حق الراحل المقيم محمد صالح في تولي الوظيفة العامة حرص رئيس المجلس العسكري الانتقالي ونائبه على حظر دخول ياسر عرمان من دخول السودان امتثالاً لحكم أصدره النظام ضده بسبب معارضته له وحرصاً منهما على الانصياع لتنفيذ قرارات البشير الساقط. وفي هذا المعنى قال الأستاذ ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال أن رئيس المجس العسكري الانتقالي قد اتصل به مرة واحدة و أن نائبه قد اتصل به أكثر ست مرات منذ وصوله السودان قبل يومين و طلبا منه الخروج من السودان. و ليس من أغراض هذا المقال بالطبع الدفاع عن الأستاذ ياسر عرمان لأسباب كثيرة من ضمنها أنني لا أعرفه شخصياً بل كل معرفتي به تنحصر في مجال العمل العام، و حيث له حزبه ومؤسساته التي تدافع عنه وعن آرائه و ذلك حال احتياجه لمن يدافع عنه وهو في تقديري أفضل من ينافح ويدافع عن نفسه ورأيه إن سلماً أو حرباً و أعتقد أنه ممن يحق لهم الاستشهاد بقول المتنبئ: الخيل والليل والبيداء تعرفني و السيف والرمح والقرطاس و القلم. وإذا صح ما ذكره الأستاذ ياسر عرمان وهو المرجح عندي فإن رئيس المجلس العسكري ونائبه هما صدى لأصوات أخرى نعرفها (ويعرفها الجميع) هي أصوات فلول نظام البشير الساقط وحلفائه في المؤتمر الشعبي و الاصلاح الآن و الجبهة الوطنية للتغيير و التكفيريين الداعشيين كأمثال عبد الحي و محمد عبد الكريم و محمد علي الجزولي والدباب محمد الناجي. وأضاف عرمان أنه رفض كل رسائل و أوامر رئيس المجلس ونائبه لأن لا أحد يستطيع طرده من بلده. وقال أتينا و لا نحمل مسدساً وسلاحنا الوحيد ملايين السودانيين والسودانيات الباحثين عن وطن جديد. و لم يكن مجيئنا ممكناً دون ثورة الشعب فهو من أعطانا الإذن. وأشار إلي أن الحديث عن حكم الإعدام الذي أصدره البشير في مواجهته ومالك عقار غيابياً بسبب الحرب في جنوب النيل الأزرق حكم سياسي بامتياز (أي صادر من سلطة سياسية وليست قضائية). و أضاف ذهب من أصدر الحكم فلماذا يتمسك به المجلس العسكري؟؟! هل لا تزال الإنقاذ قائمة؟؟! ولماذا لم يسلم البشير للمحكمة الجنائية الدولية؟؟!! إذا كان رد المجلس العسكري هو أن ذلك لن يتم إلا من حكومة ديمقراطية منتخبة فلماذا لا يطبق ذلك على الأحكام الصادرة ضدنا في قيادة الحركة الشعبية من النظام ؟؟! انتهى المقتطف من أقوال الأستاذ ياسر عرمان. قضايا الفساد الأخلاقي والاداري والمالي للبشير نفسه وإخوانه وأفراد أسرته ومسئولي نظامه وقيادات حزبه وحلفائه ملفاتها الجاهزة والتي قيد البحث والتحري والتحقي والتوثيق بالمئات ولن نتعرض لها فقط سنتعرض لجرائم القتل التي ارتكبها البشير و صلاح قوش ومحمد عطا المولى ومعهم مليشيات حزبهم وكتائب ظله في كلٍ من بيوت الأشباح و دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق و بورتسودان و العيلفون وكجبار والمناصير ... إلخ وفي الجامعات و انتفاضة سبتمبر 2013م وثورة ديسمبر 2018م. ومع ذلك فإن المجلس العسكري يقاوم بكل السبل تقديم البشير أمام القضاء لمحاكمته على القتل أما القضاء الوطني أو العدالة الدولية (تصريحات زين العابدين و جلال الشيخ) ولكنه يحرص حرصاً مفضوحاً على تنفيذ مشيئة البشير ونظامه الساقط ومنها أحكام الاعدام الصادرة ضد قيادات الحركة الشعبية كما قال محقاً الأستاذ/ ياسر عرمان؟!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.