في أول عهد نظام مايو حدث صراع بين قائده جعفر نميري، و"زميل دراسته السابق في حنتوب الثانوية" المهندس مرتضي أحمد إبراهيم (شقيق الراحل صلاح والراحلة فاطمة) الذي شغل في أول تشكيل وزاري لنظام مايو منصب وزير الري والموارد المائية. وانتهى ذلك الصراع بينهما بإقالة النميري وزيره المهندس مرتضي من الوزارة. ويروي ظرفاء المدينة أن النميري قد استلم فور إقالته مرتضي مباشرةً برقية تأييد مجلجلة من أحد المواطنين جاء فيها: "نؤيدكم ونشد من أزركم اضربوا المخربين و المعوقين والمندسين بيدٍ من حديد. سيروا وعين الله ترعاكم. توقيع مخلصكم الدكتور فلان الفلاني أستاذ الري بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم. سخر الناس كثيرا من سفور وتبرج هذا النوع من استجداء ماركة "ما تعينونا وكدا". قبل أيام قرأت في الأسافير رسالة خاطب فيها السيِد/ عوض حسن النور (قاضي سابق و و زير عدل و نائب عام سابق) المجلس العسكري الانتقالي في بعض شئون الدولة والدستور والقضاء، فخامرني إحساس قوي بأنها من شاكلة سفور وتبرج استجداء من ذات ماركة "ما تعينونا وكدا". خاصة وأن رسالة المرسل إلي المرسل إليه صادفت وقت يعلم فيه الناس الاقالات المتوقعة في الوظائف الادارية و التنفيذية العليا في كلٍ من القضائية والنائب العام وانفتاح بازار و أسواق التعيينات في تلك الوظائف "على ودنه"، على قول المصريين. و حين أستولى تنظيمه على السلطة في العام 1989م كان السيِد/ عوض حسن النور الكادر الاخواني قاضياً مبتدئاً. فظهر أول ما ظهر في برنامج تلفزيوني "خائب" لملك البرامج التلفزيونية والاصدارات الصحفية الخائبة أمين حسن عمر. و عرف البرنامج المذكور بمنتدى الفقهاء، وهي تسمية نموذج في التعالي و "القرضمة" وعدم التواضع إذ تنصب تلقائياً مقدم البرنامج في درجة (الفقيه الأكبر) و تضع أصحابه وهم من اسلامويي مهنة القانون في مقام (متأخري الفقهاء أو التابعين). فدرجوا على التحدث تارةً عن فقه القضاء و أخرى عن فقه الدولة ....إلخ. فكنت تسمع من عوض وغيره من الضيوف الثابتين في برنامج الفقهاء المتحذلقين عن كيف أنه لا يجوز الحكم بشهادة امرأة وكيف أن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد. ومن غير المتصور عقلاً، أن يقول مثل هذا الكلام فقهاء متحذلقون يتبعون إدارياً و وظيفياً في الهيئة القضائية نفسها لقاضيات فضليات أعلى منهم درجة من قضاة محكمة الاستئناف والمحكمة العليا و ربما يكن هن من أجرين معاينة قبولهم وقمن بتعيينهم. أي والله هذا ما كان يقوله في ذلك الزمان في العقد الأخير من القرن العشرين، الفقهاء عوض وإخوته في الله!! ويمكن الرجوع إليه إذا كان التلفزيون يحتفظ بارشيف برنامجه.!! و بمنهج التمكين ترقى السيد/عوض حسن النور ضمن إخوانه الفقهاء بسرعة فائقة حتى راج أكثر من مرة خبر ترشيح النظام له لتولي رئاسة القضاء. و لكن ذلك لم يحدث إلي أن أنتدب من الهيئة القضائية إلي دولة الإمارات العربية المتحدة حيث بقي هناك سنوات، فعينه بعدها المخلوع البشير نائبا عاماً و وزيرا للعدل في حكومة ما قبل مهزلة حوار الوثبة. والحق لله فإن عوض وزير العدل والنائب العام قد نبا نبوة القضم الكهام أمام فساد لصوص وحرامية حزبه وحكومته. فلم يفعل أي شيء يذكر فلم يرفع أي سلاح حتى ولو عصا في وجه نهب المال العام والفساد المستشري. فبقى ضمن منفذي مشيئة الحاكم المطلق. و بعد فترة ذهب به طوفان الصراع على السلطة المحتدم بين أجنحة حزبه إلي خارج الوزارة فطي النسيان. بالأمس اقتطف أحد المتابعين والمتحرين أجزاء من رسالة السيد/عوض للمجلس العسكري سالفة الذكر. وطابق بينها وبين رد المجلس العسكري الانتقالي على وثيقة قوى إعلان التغيير والحرية الثورية ليخرج بنتيجة أن الأخ المسلم السيِد/ عوض حسن النور هو القانوني الي أعد رد المجلس العسكري المذكور. فإذ صح هذا الاستنتاج و هو الراجح عندي فإن من الطبيعي والمنطقي أن يكون السيِد/ عوض في عون إخوانه (في الله) في كلٍ من: سجن كوبر و المجلس العسكري الانتقالي و كتائب الظل مثل هيئة العتباني الوطنية للتغيير والتكفيرين والداعشيين من أمثال عبد الحي يوسف وعلماء الباسطة ودعاة وآئمة الضرار . و لأن الطبع يغلب التطبع و (الكلب بريد خناقه) فإن السيِد/ عوض قد محض مجلس دولة الظل العسكري الانتقالي نصحه على ضوء دستور النظام الرئاسي الذي كان يحكمنا به طاغيتهم الساقط حكماً شموليا مطلقاً. ونحن نعلم أن الأنظمة الشمولية "على قفا من يشيل" ولكن نظام البشير كان مما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا يخطر على قلب بشر فمثلا من 1989م وحتى الأعوام الأولى من التسعينات كان البشير يشغل رئيس مجلس الانقلاب (الموصوف بالإنقاذ) و رئيس مجلس وزرائه و رئيس السلطة التنفيذية وكل السلطة التشريعية والقائد الأعلى للجيش والشرطة وجهاز الأمن وكل مكونات المؤسسة العسكري. وفي مرحلة لاحقة و بأمر من شيخ التنظيم انتخبه بقية أعضاء مجلس انقلابه رئيسا للجمهورية بعد سنوات من حكم المجلس. وانتخاب البشير بواسطة (15) عسكري رئيساً للجمهورية سابقة دستورية لا مثيل لها في التاريخ. و بعد انتخابه بواسطة أعضاء مجلسه العسكري عين كل عضوية مجلس وطني وهم بالمئات كسلطة تشريعية. وهذه أيضا سابقة دستورية لا مثيل لها في التاريخ. و مجلس التعيين هذا هو المجلس الذي سن دستور (1998م) الموصوف بالدائم (ولا دائم إلا الله)، و قد أصبح البشير الساقط بموجبه رئيساً تتركز بين يديه كل السلطات صغرت أم كبرت وأطبق بذلك على إدارة السودان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بكلتا يديه فأخرج لنا هذه الدولة (الما منظور مثيلها) في الفشل والخيبة و الفساد. لذا فنحن ننبه المجلس العسكري للخطأ الذي وقع فيه هو ومستشاره فإذا تحقق لهم ما أرادوا(على جثث كل الثوار طبعاً) من ابقاء دستور النظام الرئاسي، فلا مبرر وفق أحكام الدستور المذكور للإقرار لقوى إعلان التغيير والحرية بأية سلطة تنفيذية أو تشريعية انتقالية أو غيرها. فتحت دستور النظام الرئاسي فإن كل السلطة السيادية والتنفيذية و التشريعية ممركزة في يد رأس الدولة و أن مجلس الوزراء ورئيسه والوزراء و المجلس الوطني وأعضائه وغيرهم لا سلطة لهم البتة وكانوا يأتون إلي وظائفهم ومناصبهم ويذهبون منها بمحض إرادة ورغبة و مشيئة الطاغية المستبد بالحكم الذي تحولت نزواته إلي دستور وقانون يحكم البلاد لذا فهم محض أرجوزات لا يفعلون شيئاً ما لم يأمرهم به الطاغية المستبد. و لكن من قال لمجلس دولة الظل ومستشاره القانوني بأن الثوار سيطبقون دستور النظام الرئاسي علي الفترة الانتقالية وما بعدها. إن هذا الدستور ودون أي خوض في تفاصيل فساده وعواره لن يقبل به أي سوداني بعد أن حول شخصين من شاكلة جعفر نميري وعمر البشير على ضعف شخصياتهم وهزال قدراتهم الذهنية إلي دكتاتوريين وطغاة فأفسدا الحياة عامة. فإذا كان المجلس ومستشارة القانوني يعتقدان أن الثوار قد بذلوا مهج شهدائهم الغالية لتحرير إرادتهم و مهروا مسيرة نيلهم حقوقهم بدماء جرحاهم الزكية ليحكمهم دستور دولة الشمولية الثيوقراطية؟؟!! فقول لهم: "لسان الذي يلحدون إليه"، وهو عوض حسن النور شمولي، "و هذا لسان" ديمقراطي "مبين"، و هو لسان الثوار من شباب وكنداكات السودان. ونقول لهم كذلك عفوا (سوري لانت والله) فنحن نعلم أن بعضكم حزين لذهاب ريح نظام الساقط الفاسد ويحلم لو يستطيع الابقاء على أجهزة حكمه وتشريعاته والمحافظة على هيكل النظام السابق (كما هو) بعد إزالة وجوهه المعروفة والمكشوفة من على المسرح. و لكن هذا الحلم هو نقيض ما عزم عليه وصمم الثوار الذين أسقطوا رأس النظام ورجال الصف الأول في حزبه ودولته البائدة وهم (صابنها صب) و لن يهدأ لهم بال ما لم يجتثوا نظام الاسلامويين بأجهزته وتشريعاته من جذوره من تربة الوطن وابداله بنظام حكم ديمقراطي وتشريعات ديمقراطية وفي مقدمتها دستور النظام البرلماني الذي يعطي البرلمان ومجلس الوزراء كل السلطة التشريعية والتنفيذية مع قصر سلطة مجلس رأس الدولة في صلاحيات سيادية اسمية رمزية فقط (لا غير). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.