( 4 من 4) نواصل في هذه الحلقة الأخيرة حديثنا عن المجالات الخاصة لشورى المرأة، وهو حديث على سبيل التمثيل لا الاستقصاء فنذكر من هذه المجالات أيضا: 5- ترقية الخدمات الصحية: حيث أن للنساء، من طبيبات وممرضات، باعا طويلا في موضوع المعالجة والتطبيب، ولا شك أنهن مستودع خبرات زاخرة في الطب بشكل عام، وبموضوع الطب النسائي و طب الأطفال بشكل خاص. وهنا يمكن لذوات الشأن المتخصصات أن يعطين آراء ناضجة نابعة من خبراتهن الطويلة ، وذلك بغرض اتخاذ توصيات بشأن الترقية المستمرة والتطوير الدائم لحقل الخدمات الصحية. 6- قضايا الاستهلاك: والمقصود بقضايا الاستهلاك تلك القضايا المتصلة بضبط وتطوير الاقتصاد الاستهلاكي والصناعة الاستهلاكية بشكل عام. فحتى لا تتحول المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات رأسمالية منهومة بالإفراط في الاستهلاك ولا تفكر في أكثر من الإشباع المادي والترويحي ،فلابد من أن يؤخذ رأي النساء في تحديد ما هو ضروري مما ليس ضروريا من مواد الاستهلاك العام، فالترف مضر برسالات الأمم وباتجاهات الحضارة، فما بالك بأمة لم تدخل حَلْبة الحضارة بعد، وهي لما تزل تجاهد في هذا السبيل؟! وليس في الدعوة لضبط الاستهلاك أي دعوة إلى تحجير السوق، فالمعروف أن اقتصاد السوق ليس اقتصاداً حراً بمعنى الكلمة الحرفي، كما يتبادر إلى بعض الأذهان، وإنما هو خاضع للتنظيمات والتشريعات التي تصدرها الدولة. وكمثال لذلك فإن الشركات الصناعية التي تتعامل في صناعات الاستهلاك الغذائي مثلا ، ملزمة بطرق معينة في الإعداد والتعبئة وإلصاق إرشادات مناسبة على المنتجات توضح المحتويات وطريقة التعامل معها.. ولأجل تطوير تلك الصناعات وتهيئتها بما يتماشى مع رفاهية ومتطلبات الأسرة، فإن لصاحبات الشأن دائما ملاحظات واقتراحات صائبة في تلك المجالات، وهنا فلا بد قبل إصدار أي تشريعات أو تصوبات في هذا المجال من الاستماع إلى النساء، الذين يستطعن بوجهات نظر منسقة ومبلورة حول الموضوع. مجالات الشورى أوسع من ذلك: هذا وما سبق إيراده من الأمثلة على مجالات شورى المرأة إنما هو دليل على مسائل كثيرة من هذا القبيل تجدي فيها شورى المرأة أيما جدوى. وبالطبع فلا تنحصر شورى النساء في هذا القبيل من المسائل، وإنما ينفسح المجال لهن للإدلاء بآرائهن في جميع ما يخص المجتمع المسلم من القضايا المستجدة . وكما تقول العالمة السياسية الدكتورة هبة رؤوف عزت ف: " إذا كانت الخبرة النبوية قد شهدت معرفة شخصية مباشرة للرسول بأحوال النساء ، واستقبال لوفود ووافدات منهن يعرضن قضايا المرأة ، وشهدت خبرة الصحابة حوادث مشابهة مثل استشارة عمر بن الخطاب النساء وإصدار قرارات (إشارة إلى استشارة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لابنته حفصة عن مدة صبر المرأة على زوجها وهو بصدد إصدار قرار حول مدة أقصى مدة يقضيها الجند بعيداً عن ديارهم). وتعديل قرارات سابقة بناء على ذلك، فإن استطلاع رأي النساء في المجتمع الإسلامي المعاصر يستلزم وجود مؤسسات وتنظيمات تعبر عن آرائهن، وتقترح سياسات موافقة لما يجد من أحوال خاصة بهن ، تحتاج لتنظيم الدولة، مثل تشريعات عمل المرأة وتنظيم العملية التعليمية والتربوية في المجتمع ، وأمور الحياة الأسرية، وغيرها". (راجع: هبة رؤوف عزت، المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية، فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1416 ه) ص 148). ونسبة لتعقد القضايا الاجتماعية في هذا العصر، وكذا تعقد البناء المؤسسي للدولة، فإن إعطاء آراء ناضجة حول القضايا التي أشار إلى نماذج منها النص السابق ، يقتضي إنشاء منظمات نسائية متطورة في المجتمع الإسلامي ، وتأسيس معاهد بحث تتناول تلك القضايا المستجدة بالتحليل المستوفي ، بقصد تقديم استشارات عميقة ومفيدة تنبني على أساسها قرارات المؤسسات الشورية والتنفيذية للدولة الإسلامية في هذا الخصوص. لا أحد يشجع الاشتراك المفرط للمرأة في السياسة: هذا ولا تعني الدعوة لإتاحة فرص المشاركة في الشورى للمرأة أكثر من مجرد تمكينها من ممارسة هذا الحق الطبيعي إن شاءت أن تمارسه أو سمحت ظروفها لها بذلك، فهي دعوة لا تتضمن تشجيعاً للمرأة للانخراط المفرط في شؤون الشورى العامة، فليست تلك هي طبيعة الحياة الاجتماعية للمسلمين، ولا لغير المسلمين. فحتى في أكثر أقطار الحضارة الغربية لا تزال إسهامات المرأة البرلمانية ضئيلة. فلم يزد تمثيل المرأة في البرلمانات الأوربية إلا بنسبة محدودة، فبينما كان في عام 1949 بحدود 2% أصبح في 1995 بحدود 9%، وتمثل السويد وحدها ظاهرة فريدة غير مسبوقة حيث يبلغ عدد النساء في برلمانها نحو 40% بينما يبلغ في دول أخرى حده الأدنى كاليونان حيث يبلغ 6% فقط. وتعدد الباحثة السياسية سنثيا ايبشتاين أسباباً موضوعية لقلة إسهام النساء الأوربيات في العمل البرلماني، منها أنهن بطبعهن لا يتجهن إلى الهيمنة والقطع في الأمور السياسية، وأنهن يعطين الأولوية دائما لمشاغل الأسرة الخاصة، وأن الواجبات ذات الطبيعة الاجتماعية الخاصة تكاد تقطعهن عن مباشرة أي عمل ذي طبيعة سياسية، وأنهن مفطورات على خلق التضحية لا المسابقة من أجل المناصب والعطايا، كما أن الثقافة السياسية التي نشأن فيها تحجزهن عن المسابقة إلى الوظائف المهنية الكبرى وعدم منافسة الرجال فيها، كما تلعب عواطف التحامل والتمييز ضد المرأة دورها في الحد من تطلعها للوصول إلى مناصب، أياً كانت، على المستوى القومي العام (راجع: Cynthia، Epstein، Women and Elites; A Cross National Perspective، in Epstein and Laub راجع:Coser، eds. Access to Power: Cross National Studies of Women and Elites، George Allen & Unwin، London، 1981. p. 3-5( وإذا كان هذا شأن المرأة الغربية المعروفة بمناجزتها للرجل فإن الأمر حين يتعلق بالمرأة المسلمة سيكون أيسر بكثير . ولذلك فلا نرى مانعا يحجزنا عن إباحة الشورى للنساء سواء في مرحلة الترشيح أو التصويت في البرلمان القادم، ونميل ميلا شديدا إلى عدم منع ترشيح المرأة للرئاسة، ومن باب أولى توليتها الرئاسة، وإن كنا نحترم رأي فضيلة الإمام القرضاوي القائل بأن رئاسة الدولة القطرية لا يزيد عن رئاسة إقليم من أقاليم الدولة الإسلامية الكبرى، وهذا في نظرنا رأي مثالي غير واقعي على الأقل في الوقت الحالي، لأن الدول القطرية هي الواقع المعاش الذي لافكاك منه في إطار المستقبل المنظور. خاتمة: وأخيرا نود أن نبرز الحجة الكبرى لإباحة العمل الشوري للنساء، وهوقول الله تعالى الذي أعطي ولاية عامة للمرأة في الإطار الاجتماعي والسياسي. قال تعالى:" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ". التوبة:71. وفي تفسير معنى كلمة (أولياء) الواردة في الآية الكريمة قال الإمام الطاهرابن عاشور، رحمه الله:" وقوله بعضهم أولياء بعض مقابل قوله في المنافقين بعضهم من بعض. وعبر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنهم أولياء بعض للإشارة إلى أن اللُّحمة الجامعة بينهم هي ولاية الإسلام، فهم فيها على السواء، ليس واحد منهم مقلدا للآخر، ولا تابعا له على غير بصيرة، لما في معنى الولاية من الإشعار باإخلاص والتناصر، بخلاف المنافقين، فكأن بعضهم ناشئ من بعض في مذامهم ". راجع: محمد الطاهر بن عاشور، تفسير التنوير والتحرير، دار سحنون للنشر، ج/11، ص262). عنى وإذن فالمؤمنات لا يستثنين من هذا المستوى الشوري العام من الولاية القلائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونرجو أن تكون وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي الوظيفة الأولى والأكبر لبرلماننا السوداني القادم. mohamed ahmed [[email protected]]