قال الدكتور على الحاج محمد خلال كشف الملابسات التى أدت الى استيلاء الجبهة القومية الأسلامية على السلطة أنهم كانوا يخططون لهذا الأمر منذ ستينات القرن الماضى وكانت لهم اسهاماتهم الكثيرة فى خلخلة الأستقرار فى السودان بكافة أنظمته العسكرية والمدنية حتى واتتهم الفرصة الذهبية فى الديموقراطية الثالثة فانقضوا علي الحكم كما ينقض الطائر الجارح على فريسته. وكان مخططهم أن يستولوا على السلطة بشكل نهائى وقاطع ومن ثم يبدأون فى تطبيق نظامهم التمكينى التصفوى الاقصائى الأبدى على الشعب السودانى عبر عدة محاور منها: تصفية الخدمة المدنية والعسكرية والتخلص من كل من هم فوق الخامسة والثلاثين أو دون ذلك من العمر باعتبار أن ( كلباً ماربيته ما بصطاد ليك ) وعلى اعتبار أن هؤلاء هم من يظاهرون الأحزاب ويدعمونها....وكما قال لى أحد البارزين منهم أنهم كانوا لا يريدون أمثال حاطب بن أبى بلتعة الموجود فى المدينة وقلبه على أهله فى مكة.....لذلك طال الفصل والتشريد الآلاف ممن لا غرض لهم فى السياسة.....ثم جىء بآلاف الشباب حديثى السن والتجربة وقيل لهم أنتم أمل هذه الأمة ومستقبلها المشرق وأن كل المفصولين من الخدمة هم من المفسدين واللصوص وشاربى الخمر وعديمى الكفاءة وتهم أخرى فى حق النساء العاملات ليس من اللائق ذكرها ......وعليه استولى على الخدمة المدنية شباب مغرر بهم مدفوعون بالكراهية والحقد تجاه الغير ، موزعون بين ما يظنون أنه حماية للاسلام من كيد الكائدين وبين طموحاتهم الشخصية التى جعلت الخفير يتعالى على الوزير والصغير يتطاول على الكبير فى غير ما أدب أو حياء ....حتى عشنا وعاصرنا زمناً لا يتطلب انجاز أمر الحياة فيه علماً ولا كفاءة ولا قدرة وانما فهلوة ومحسوبية وتصعير خد والتهادى مرحاً فى الأرض . السيطرة على الأقتصاد عبر فرض الضرائب الباهظة والجبايات الثقيلة التى قصد بها أموال الأحزاب أولاً ثم عامة الشعب ثانياً على ( غرار جوع كلبك يتبعك ) وصفوا الهيئات والمؤسسات الحكومية وباعوها بأبخس الأثمان وتخلوا عن التعليم الذى أصبح نخبوياً للقادرين حتى أنى سمعت أحدهم يقول فى التلفاز الحكومى أن ثلث الطلاب الذين يجلسون للشهادة السودانية هم من الأميين . وجاءوا بالجامعات ( اللافتات ) التى تخرج أرباع المتعلمين الذين لم يجدوا من يوظفهم لا فى الداخل ولا فى الخارج ..... ثم بعد ذلك قدموا التسهيلات لمنسوبيهم بشتى الطرق مما أفرز طبقة من الأثرياء الشباب الذين يعيشون فى رفاه فاق ترف رجال الصناعة فى أوربا وأمريكا خاصة بعد تصدير البترول. وجاءوا باستثمار زائف تمثل فى الأبراج الأسمنتية التى لن يدخلها الغبش أبداً بينما لم يستثمروا استثماراً حقيقياُ فى قطاع الزراعة و الكهرباء والماء حيث مازال السودانيون يشربون الماء الملوث أو لا يجدونه أصلاً فى بعض مناطق العاصمة نفسها ... اضافة الى القطوعات المستمرة في الكهرباء وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا... وأفقر السودانيون وافتقروا صناعاً وزراعاً وزحفوا من الريف الى المدن والى الخرطوم تحديداً ومن الخرطوم الى الخارج لمن يجد الوسيلة وبلغ دين البلاد الخارجى رقماً فلكياً. أستخدام أعنف أساليب البطش التى لم تعرف فى السودان من قبل وقديما قالوا ً( دق القراف خلى الجمل يخاف ). ( والقراف نوع من المواعين الجلدية توضع على ظهور الجمال وعندما يضرب عليها بالسياط تصدر صوتاً يخيف الجمل فيسرع ). وبالفعل نجحوا فى اخافة هذا الشعب المقهور حتى أصبح أفراده كالحمر المستنفرة التى فرت من قسورة ....ولكن الى حين. حل مشكلة الجنوب ان حرباُ أو سلماً واختاروا الحرب في البداية ولما لم تحقق الحرب شيئاً غير الموت والدمار، جنحوا للسلم مكرهين لا أبطالاً ومنحوا الجنوبيين ما لم يكونوا يطالبون به خلال كافة مفاوضاتهم مع حكومات الأحزاب وهو حق تقريرالمصير. وكانت نتائج ذلك الكبد والعنت ما يلى : أعطت الأجراءات التعسفية السابقة التى وجدت الدعم من المتسلقين وصائدى الجوائز، أعطت الانقاذ وقتاً أضافياً كبيراً حتى ظن منسوبوها أنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل و ناموا على العسل وانهمكوا في تقسيم الغنائم والزواج مثنى وثلاث ورباع... وفشلوا في استقراء المؤشرات الداخلية والخارجية التى بدأت تتكون ولكنهم لم يحسبوا لها حساباً . وأول هذه المؤشرات هو نضال الأحزاب السودانية جميعاً بلا تمييز والتى ما انحنت للعاصفة فى البداية الا كما السكون الذى يسبق العاصفة نفسها ثم هبت هبة مارد له من التاريخ الوطنى ما لا يمكن أن يجعله الا أن يواصل تضميخ وتدشين ذلك التاريخ بالمزيد من التضحيات من أجل السودان رغم سهام الفرقة التى غرزها المؤتمر الوطنى فى خاصرة كل حزب .. وقبل ذلك ظلت تضحيات الشعب تترى من تحمل للأذى الجسيم والفقر المدقع فى معركة صامتة صوناً لعزته وحفاظاً على كرامته..وفى تقديرى ، ولكى نعطى كل ذى حق حقه ، فالشعب السودانى وأحزابه مازال وسيظل ذلك العملاق الفريد ذو القامة المديدة التى ما خضعت لأحد ....وهم أحفاد بعانخى و ترهاقا والمك نمر و الأمام المهدى والسلطان على دينار و على عبد اللطيف واسماعيل الأزهرى ومهيرة بت عبود ورابحة الكنانية وماندى النوباوية ...الخ القراءة الخاطئة للمواقف الدولية سيما موقف الصين والدول العربية والأفريقية التى اتضح أنها لا تستطيع الا أن تقدم مصالحها على مصالح السودان وهذا بالطبع عين العقل.. ورافق ذلك ترد مريع فى العمل الدبلوماسى الخارجى أما لعدم المقدرة المهنية واما لغياب الموضوعية ترضية لأهل الحكم. القراءة الخاطئة للكثير مما ورد فى اتفاقية السلام الشامل مثل تقرير المصير والتحول الديمقراطى وقسمة الثروة والسلطة .... وكان الوطنى يظن – و بعض الظن أثم - أن الخمسين عاماً من الحرب والمفاوضات بين الشمال والجنوب لم تصقل عود الجنوبيين بعد...وانهم بمجرد مشاركتهم فى السلطة ، سيصبحون الشريك الأصغر والأضعف مما يسهل قبضة الوطنى على مقاليد الأمور التى من بينها عدم قيام الأنتخابات أصلاً ...ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن وبرهنت الحركة الشعبية أنها شريك صعب المراس .... بل انها تمثل الآن الحصان الأسود الذى ربما يفوز فوزًا غير مسبوق.. ظهور مشكلة دارفور كجبل الجليد الذى يخفى تحته ما يخفى ...وكان عدم استلهام العبر من مشكلة الجنوب بدراسة الواقع الدولى المرتبط بصراع المصالح فى القارة الأفريقية ..... وقصرمحاولة حل المشكلة على اطارها المحلى الضيق فقط باعتبارها مجرد مشكلة شح فى الموارد واقتتال بين القبائل ، وتجاهل العلاقة الأستراتيجية التى تربط بين السودان وجيرانه مما صب مزيداً من الزيت على النار....كل ذلك أدى الى استفحال المشكلة على الصعيد المحلى و الدولى ومن ثم صدر القرار تلو القرار من مجلس الأمن ضد السودان وتوج ذلك كله باتهامات المحكمة الجنائية الدولية . وماذا بعد : يدعى المؤتمر الوطنى مقدرته على تحقيق فوز كبير على أحزاب المعارضة ...واذا كان ذلك كذلك فلماذا يصر على تغييب بقية الأحزاب عن وسائل الأعلام...فالأعلام فى عالم اليوم هوالمؤشر الذى تقاس به قناعات الجماهير واتجاهات الرأى العام . وفى ظل عدم تمكن الصحف الورقية من الوصول الى الكثير من المناطق النائية ناهيك عن عدم مقدرة الكثيرين على شرائها أو حتى قراءتها بسبب الأمية....فأن الأرسال الأذاعى والتلفازى يظل هو الأقدر على مخاطبة وجدان الجماهير فى أركان البلاد الأربعة على اختلاف مشاربهم وهذا ما تعلمه الأنقاذ جيداً ولن تتنازل عنه أبداً. ومهما يكن من أمر فأن الأنتخابات أصبحت حقيقة واقعة لا محالة ان ليس اليوم فغداً وكل من يجلس الآن على كرسى من كراسى السلطة فكرسيه مهزوز مهزوز مهزوز الى أن يثبت العكس ...وكل ما يقال غير ذلك فهو مجرد انشاء وتنظير واستدعاء للغيب. ولن يستطع المؤتمر الوطنى أن يفوز بالرئاسة وبكافة مقاعد البرلمان الأتحادى وكافة مقاعد مجالس الولايات وكافة مناصب الولاة مهما فعل ....وستحدث له اختراقات رأسية وأفقية تنال عدداً من أبرز مرشحيه ذلك أنه لا يوجد كبير على الديموقراطية وربما لن يتسنى له تعويض خسائره قريباً . salih shafie [[email protected]]