لم تكن حالة الازدحام الشديدة التى أصبحت مقرونة بالعاصمة السودانية الخرطوم منذ مطلع تسعينيات هذا القرن مماثلة للازدحام الذى تكتظ به العاصمة المصرية (القاهرة) مثلا أو العاصمة البريطانية (لندن) أو(نابولى) الإيطالية أو فى درة المدائن الخليجية الأماراتية (دبى)..!! ، حيث تكتنف حالة الازدحام فى تلك المدن مؤشرات غير تلك التى عليها بالعاصمة الخرطوم فهناك حركة واسعة جدا من المتحركات في عمليات المناولة التجارية وضخامة الشركات الموصوفة بأنها عالمية وذات إرتباط وثيق الصلة بعدد من دول العالم ومناديب وعملاء كثر .. وفقه تسويقي عميق ودهش..!! ، وعلي الرغم من أن تلك المدن بها بنية تحتية ضخمة أو لنقل كبيرة ومتمددة ..وهذه حالة الى حد كبير تنطبق على كل المدن التى أوردناها فى مطلع هذا الحديث ، ورغم إتساع الطرق وتعددها و(أنفاقها وكباريها)الا أن الادارات الهندسية بتلك المدن إختلقت عددا من الأفكار التى من شأنها التقليل من وطأة الازدحام الكبيرة التى تمسك بخاصرة تلك المدن لأكثر من ست ساعت خلال كل يوم..!!، ففى العاصمة الاماراتية (دبي) قامت دائرة الشئون البلدية بتصنيع طريق دائرى خاص يفتح فقط أمام من يدفع مبلغاً من المال كي يسلكة ذهابا أو ايابا أو الأثنين معا .. طالما هو في عجلة من أمرة ، يود أن يدرك موعداً أو يعقد إجتماعا أو يوقع صفقة تجارية أو موعد طائرة حان إقلاعها..!! ، ذلك أن الحركة مثلا بين مدينتى (أبوظبي) ومدينة (دبي) قد يستغرق ساعة ونصف فى الصباح ومثلها فى آخر الدوام ، وبالتالى فان موظفى الدولة وأصحاب الاعمال ورجال الأعمال واصحاب المهن المرتبطة ببداية عمل وهم بطبيعة الحال منتمين لشركات مقاولات تقوم بنقل عمالها عبر ذلك الطريق الخاص ، ومثلها فى (القاهرة)أكثر المدن العربية ازدحاما بالسكان تجد أن أكثرمن(70%) من سياراتها تسير معلقة على كبارى ممتدة بطول المدينة وعرضها ، وهى كذلك حالة لجأت إليها الادارة الهندسية بتلك المدينة لامتصاص حالة الأزدحام القاسية بتلك المدينة الكبيرة ، أما فى مطلع عام(2000) بدأت العاصمة(الخرطوم) تزدحم بشكل متطرد ، وذلك من حيث المتحركات التى بدأت الدخول فى خدمة السير على طرقها القليلة والضيقة أحيان أخرى فضلا عن ازدياد عدد السكان بها ، عند ذلك الحد الذي بدأ يبدو .. يجب النظر وتدبرالوضع الزاحف نحو السوء ..!! ، فبدأت وزارة الشئون الهندسية وضع خطة شاملة للخروج من ذلك النفق الذى دخلت فيه العاصمة الخرطوم بلا مقدمات طويلة كتلك التي عاشتها العواصم العربية الأخري والغربية ..!! ، ذلك الإزدحام تداعت له عدد من المؤشرات منها الازدهار النسبى الذى شاب الحالة الاقتصادية للافراد من ناحية ودخول كبرى البنوك العاملة بالبلاد فى تمويل تمليك السيارات الخاصة والعامة وفق برنامج تقيسط طويل ومريح لكل شرائح المجتمع .. فضلا عن أن الشركات العاملة رفعت سقوف رأس مالها العامل مع دخول شركات كثيرة وكبيرة أجنبية وبإمكانات ضخمة للغاية لم تشهدها البلاد من قبل ، والخطة التى قامت بوضعها ولاية الخرطوم كانت ذات معنيين إثنين .. الأول .. بغرض إمتصاص حالة الزحام الكبيرة التى أصبحت(تخنق)العاصمة ،فالعاصمة(الخرطوم) تقل بها الشوارع الواسعة طولا وعرضا عوضا عن إنعدامها في بعض أنحائها ، فكان الاتجاه الاول بفك ذلك الزحام بصناعة طرق جديدة أثارت دهشة سكانها ، وذلك نسبة لتمدد الشوارع المرصوفة بوتيرة سريعة لم يألفها الناس من قبل وفى أنحاء طرفية للعاصمة ، وفى إتجاه آخر عملت الولاية على توسعة الطرق الداخلية للمدن الثلاث (أمدرمان..بحرى..الخرطوم)مع صناعة طرق جديدة لم تكن موجودة فى رسمها الأول .. كما لجأت كذلك الى بناء عدد من الجسور الرابطة بين مدن العاصمة المثلثة فى آن واحد .. مما أصبحت مشهداً للإعجاب ، والجميع هنا يحكى عن أن بعض تلك الجسور لكى يتم بناؤها تم بيع مساحات كبيرة من أراضى الولاية مثل جسر(الانقاذ)على(النيل الأبيض)الذى يربط مدينة الخرطوم بالجزء الجنوبى لمدينة امدرمان ، غير أن بعد ذلك الجسر الذى أخذ وقتا طويلا فى بنائه وكلفته تمددت جسور أخرى كثيرة بالعاصمة وعلى طول البلاد كذلك..!!،أما بالعاصمة وحدها فيتم بناء كبرى الحلفايا شمال مدينة بحرى (الذي سيتم إفتتاحة خلال شهر من الآن) وجسر الدباسين جنوبى مدينة الخرطوم رابطا جنوبالمدينةبجنوب مدينة امدرمان كذلك ، وجسراً ثالثاً يربط جزيرة توتى بالمدينة الأم الخرطوم وهو جسراً معلقا يشابة جسر مدينة نيويورك الأكثر ضخامة (وهو الأول من نوعه في المنطقة العربية والأفريقية) إضافة الى جسراً رابعاً على النيل الأزرق يربط بين ضاحيتي سوبا شرق بسوبا غرب ..!! ، كل تلك الجسور بالعاصمة السودانية يتم بناؤها فى وقت واحد ، هذا فضلا عن أن فى هذا العام 2008 وحده تم افتتاح جسرين آخرين .. أحدهما جسر(المنشية) والثانى جسر(المك نمر)وجسر(جزيرة توتي)المعلق ..!! ، غير أن العاصمة الخرطوم لم تكتفى ببناء طرق وجسور وإنما لجأت فى بعض الطرق لتشييد أنفاق بعضها إرتبط بناؤه ببعض الجسور كما فى(جسرالانقاذ) وأنفاق أخري تم بناؤها لوحدها فى بعض الطرق السريعة (كنفق سوق عفراء)غربي الساحة الخضراء ، والادارة الهندسية تقول أن فى خطتها لتطوير وسط العاصمة عدداً من الانفاق سيتم بناؤها خلال الأعوام الخمسة القادمة ..!!،والمعنى الثانى الذى ابتدرته حكومة ولاية الخرطوم في عمليات البناء التى تتم .. ليست فقط من أجل فك أختناق الحركة لوحدها وإنما لتجميل العاصمة كذلك ولكى تبدو أكثر جمالا كمثل كثير من العواصم العربية المحيطة بنا ، والحالة التى تبدو عليها الآن الخرطوم من جماليات بدأت فى الظهور بشكل جلى تقدم بخطوات جادة نحو (ترتيب) متقدم بين العواصم العربية الأكثر جمالا ..!! ، ولعل أكثر الملاحظين لتلك الطفرة النوعية فى جماليات البناء لبنيات الخرطوم التحتية هم المغتربين ، فقد ساق الاستاذ(عبدالباسط شاطرابي)رئيس تحرير صحيفة المجد اليومية السياسية (التي إحتجبت عن الصدور) حديث إبنه عندما كان يقود سيارتة بشارع عبيد ختم .. فاستوقفه إبنه صاحب (الاثنى عشر ربيعا) قائلا : يا بابا نحن فى الرياض (والمقصود هنا العاصمة السعودية..واشنطن العرب)..؟! ولعل الاطفال هم أكثر صدقا فى مشاهداتهم وأكثر أريحية من الكبار الذين يحبسون أنفسهم عن الاستمتاع بجمال الخرطوم لدواعى سياسية ..!! نصرالدين غطاس Under Thetree [[email protected]]