الوضع الاقتصادي في السودان الذى يواجه رئيس مجلس الوزراء والفترة الانتقالية برمتها لاشك جد معقد، ويمثل حل المشكلة الاقتصادية القاسم الاعظم المشترك لاستقرار الفترة الانتقالية ونواة استقرار الفترة الديمقراطية؛ ونعاني من تضخم، انخفاض احتياطي النقد الاجنبي، انخفاض قيمة الجنيه، تعثر مصرفي، سيولة نقدية هائلة خارج الجهاز المصرفي، ندرة سلع اساسية وعجز في اجراء اية تعاملات مصرفية بسبب قائمة الارهاب الامريكية؛ والاخطر من كل ذلك تصنيف السودان الائتماني ( Credit Rating at 15.00) وهو تصنيف عند (CCC) حسب تقارير وكالات التصنيف الائتماني الرئيسة S&P، Moody's، Fitch، DBRS، وبشكل عام، يتم استخدام التصنيف الائتماني من قبل صناديق الثروة السيادية، وصناديق المعاشات التقاعدية والمستثمرين الآخرين لقياس الجدارة الائتمانية؛ وبالتالي يكون لها تأثير كبير على تكاليف الاقتراض. وتصنيف السودان استند على حجم الديون الحكومية للسودان وفقًا لتقارير وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية، ولا شك أن هذا التصنيف معضلة تواجه رئيس مجلس الوزراء وحكومته في الفترة القادمة، علماً بأن اول ما صرح به هو الحاجة الى مساعدات أجنبية بقيمة ثمانية مليارات دولار، بالإضافة إلى ملياري دولار أخرى تودع كاحتياطي من النقد الاجنبي في بنك السودان للمساعدة في إيقاف تدهور سعر صرف الجنيه، ولا ادري لماذا استبق حديثة الحاجة الى المساعدات والقروض بدلا من الحديث عن استهداف التضخم، خاصة وأن المؤشرات تشير الى ان العالم مقبل على فترة ركود في ظل وضع اقتصادي سيئ، ويُظهر ذلك انخفاض الاسهم العالمية بصورة واضحة، تباطؤ في النمو في الصين واوروبا والذى انخفض حسب الى التقارير من 11 في المائة الى 3 في المائة، بالإضافة الى التباطؤ الذى تشهده الولاياتالمتحدة في الانتاج الصناعي في ظل حرب ضرائب وعملات مع الصين، والذى وصل الى سالب 0,2 في المائة من موجب 0,2 في المائة رغم ان التوقعات كانت في حدود موجب 0,3 في المائة؛ من جانب آخر يشهد العالم ارتفاع حجم السندات السيادية العالمية ذات العائد السلبي الى 15 تريليون دولار لعشر سنوات، مع زيادة الدول ذات العائد السلبي وتوقع انضمام الارجنتين والمكسيك الى هذه الدول. لذلك في هذه الاجواء والتوقعات من الركود القادم للاقتصاد العالمي؛ يكون الحصول على مساعدات امراً عسيراً جداً وليس بالهين، وأن الخروج من ديون السودان التي تحدث عنها رئيس مجلس الوزراء لا مخرج منها إلا بالمزيد من الديون والاستمرار في الدائرة المفرغة وغير المتناهية للمشكلة الاقتصادية تتحمل نتائجها الحكومات القادمة. واعتقد أن الحل يفترض يبدأ بالعمل الجاد على خفض التضخم باستهدافه كمرحلة اولى، مع وجود احتياطي من موارد الذهب (اشار له رئيس مجلس الوزراء) من النقد الاجنبي كاحتياطي في البنك المركزي، لأن احد اسباب انخفاض قيمة الجنيه انخفاض الاحتياطي لدى بنك السودان المركزي وبسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار الذى نشأ بسبب الطلب على السلع والخدمات دون زيادة الانتاج، بالإضافة الى زيادة الكتلة النقدية بشكل كبير؛ والارتفاع في المستوى العام للأسعار لا يؤثر فقط على المستهلكين ولكن على المنتجين والمستوردين والمصدرين الذين يشكلون اطراف قيمة الناتج القومي الاجمالي. ان البداية الصحيحة للحد من التضخم الذى يبلغ حالياً 72 في المائة هو الإعلان الصريح عن اهداف رقمية لمعدل التضخم في الاجل المتوسط تلتزم بموجبه السلطة النقدية التزاما صريحا بتحقيق معدل تضخم أو مدى مستهدف محددين في اطار مدة محدد؛ من خلال سياستين، سياسة مالية وسياسة نقدية كأدوات كمية؛ مع التزام مؤسساتي بأن استقرار الاسعار هو الهدف الأول للسياسة النقدية في المدى الطويل مع التعهد المستمر بتحقيق هذا الهدف، وضرورة وجود قاعدة استراتيجية شاملة للمعلومات، التي تحتوي على المتغيرات المتعلقة والمؤثرة على النتائج المستقبلية لمعدل التضخم، مع اخضاع البنك المركزي للمساءلة في المدى الطويل. والسياسة المالية يتم من خلالها معالجة مشكلة التضخم باستخدام أدوات المالية تتمثل في خفض الأنفاق الحكومي وخاصةً الإنفاق الاستهلاكي الذى يؤدي إلى زيادة الطلب، وزيادة الإنفاق الاستثماري صحيح انه يؤدي الي زيادة الأسعار بالنسبة للسلع الرأسمالية في بداية الأمر، لكن بعد ذلك يؤدي إلى انخفاض الأسعار ومن ثم التضخم لأنه يؤدي إلى زيادة الانتاج مقابل ثبات أو زيادة الطلب بنفس النسبة مع الحد من الادخار؛ والادخار ظاهرة متفشية في السودان من خلال تحويل المدخرات الى عملات صعبة أو شراء عقارات واراض وهذا يكدس المال ويجعله مجمداً خارج دائرة التداول والاستثمار ويبقيه دون أثر حيوي مدة طويلة، وعند تسييله ينفق انفاقاً استهلاكياً، والادخار بهذه الطريقة يعد عملاً سلبياً على الاقتصاد؛ ايضاً زيادة الضرائب ستؤدي إلى اقتطاع جزء من دخول اصحاب الدخل الكبير، وهذا ما ينعكس على انخفاض الطلب على السلع والخدمات الكمالية، فتنخفض الأسعار وينخفض التضخم. ايضا من خلال السياسة النقدية وبواسطة أدواتها المتمثلة سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي النقدي وعمليات السوق المفتوحة، يمكن معالجة مشكلة التضخم. ذكرنا سابقاً إن التضخم يمكن أن يحصل كنتيجة لزيادة السيولة النقدية، ورفع سعر الفائدة يؤدي إلى سحب السيولة النقدية من الأسواق بسبب إيداع في المصارف للحصول للاستفادة من سعر الفائدة. كما يمكن أن يلجأ البنك المركزي إلى زيادة نسبة الاحتياطي الخاص بودائع البنوك، وهذه الزيادة تحد من قدرة البنوك على منح الائتمان. كذلك يمكن أن يتبع البنك المركزي عمليات السوق المفتوحة لمعالجة التضخم، بدخوله إلى سوق الأوراق المالية كبائع للأوراق المالية، حيث ان بيع الأوراق المالية مقابل النقود يعني سحب السيولة النقدية من الأسواق ومن ثم انخفاض الطلب والتضخم؛ أيضا دخول البنك المركزي كبائع إلى الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المالية، سيؤدي إلى تقليص الاحتياطيات النقدية لدى البنوك التجارية وبالتالي قدرتها على منح الائتمان. والسؤال ما هي خطط رئيس الوزراء في ضوء مؤشرات الركود القادم وامكانية عدم الحصول على تلك المليارات ؟. الصيحة: 03/09/2019 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.