كلمة حق يجب أن تقال وموقف راسخ لابد من توثيقه. ليس هذا مدحا أو إطراءا ولكنه الواقع والصدق. ثمة شعور وطني غزير تولد ابان اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة التي قادها شعب طحنته المعاناة وقتله الإمتهان والتصاغر. فثارت الجماهير انتصارا لحقها الأصيل في الكرامة والحرية. وكان ميلاد مبادرات وتجمعات تصادق منسوبوها بصدق ووفاء على الكفاح من أجل إرساء دولة القانون والمواطنة والرخاء. جاءت مبادرة اساتذة جامعة الخرطوم استجابة لخط الثورة العارمة وتعزيزا لدور الكبار والنخبة في الالتفاف حول مطالب الجماهير الهادرة الداعية لتغيير نظام فاسد استمر ثلاثين عاما على سدة الحكم في السودان. ليس هناك ثمة شك او ريب في أن مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم تمثل أقوى موقف لأساتذة جامعة الخرطوم خلال ثلاثين عاما في مواجهة السلطة الحاكمة. فسرت أعيننا وانتفضت قلوبنا فرحا بمخاطبات الأساتذة في نجيلة اداب تخطط بذات الفهم العميق والنظرة الثاقبة لمرحلة ما بعد تسقط بس.. وهل قمعهم جهازأمن النظام المجرم؟ وهل روعتهم لغة التهديد والوعيد وأصوات الرصاص وشبح الاعتقال؟ هيهات هيهات.! فما زادهم القمع إلايقينا بضرورة اقتلاع نظام شمولي ذي عقلية احادية وفكر بال ونظرة ضيقة. وكأنها دعوى لإحداث تغيير راديكالي سرت عبر سماء وطننا المترامي الاطراف تنادي أن اجتثوا هذا الجسم الفاسد اجتثاثا لتنعموا بالحياة والكرامة.. تجلت مهنية المبادرة في دعوة أساتذتها لصياغة أوراق علمية تقدم عصارة فكر الخبراء في كل المجالات لتكون مرجعية تعين حكومة مابعد الثورة في بناء وطن أهدرت كرامته ونهبت ثرواته وقطعت اوصاله و دمرت مؤسساته واستبيحت مقدراته. لايفوتني ذكر مواقف الاساتذة الثابتة لايخافون في نضالهم غضبة نظام آثم. فكانت الوقفات الإحتجاجية والبيانات تنساب متسقة مع الأحداث وصوت الشارع الذي ملأه الغبن. تفاعل أساتذة جامعة الخرطوم كسائرجموع الشعب السوداني مع تفاصيل وبرامج وأحداث اعتصام القيادة العامة الذي تمظهرت فيه معاني التضامن والرحمة و السمو الانساني. وتجلت فيه عظمة شعب كانت ثورته نموذجا في الثورات يحتذى. كما قدم الأساتذة عددا مقدرا من الندوات العلمية ضمن برامج التوعية والتثقيف في ميدان الإعتصام والتي شارك فيها أيضا الأفراد والناشطون والتجمعات المهنية الاخرى. يقيني ان من ابلغ انجازات المبادرة سعيها الحثيث وحرصها الدائم لتأسيس نقابة أساتذة جامعة الخرطوم. لتعبر عن تطلعات الأساتذة وترعى مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية. كما تأتي تلبية لمرحلة التغييرالتي تنادي ببناء النقابات ومؤسسات المجتمع المدني. فبذلت الجهود بذلا وما تزال الخطى واثقة فالاهداف بينة والروى جلية والنوايا خالصة. وتحضرني انشطة طوعية اخرى مثل زيارة جرحى مجزرة الثامن من رمضان في المستشفيات المختلفة و تجهيز الملابس قبالة عيد الفطر المبارك لتقديمها للمحتاجين والأطفال فاقدي السند الذين نعموا بالحياة والدفء في محيط اعتصام القيادة.. وهل جاء العيد ولبس الأبرياء الجديد؟ أم قررت الالة القمعية أن تسفك دماء حبات القلوب سفكا؟ معللة بذات القبح أن حدث ما حدث بلا حرج او استحياء ؟ لم يتوقف العمل الدؤوب ولم تفتر الهمم بعد مجزرة الاعتصام وانقطاع الإنترنت. بل تواصل نضال الأساتذة رغم استمرار الالة الأمنية في القمع. فتصدت المبادرة لتصريحات أبواق النظام البائد التي حملت الثوارمسؤولية تدمير مباني الجامعة. وهنا يجيء دورالعلماء الباحثين عن الحقيقة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل بما أوتوا من قوة. فرأينا أفعالا مشرفة تعكس صدق قائليها وإيمانهم الراسخ بما يقولون لا يخشون لومة لائم. وتم توثيق مجزرة جامعة الخرطوم بدقة متناهية وتفان منقطع النظير اظهر حرص و تقدير الأساتذة للجامعة الأم فكانوا أول من نادى بالتحقيق العادل في تلك الجريمة الممنهجة. وضعت المبادرة على عاتقها ولا تزال مسؤولية تنظيم الورش العلمية المتخصصة وكذلك المشاركة مع الاجسام المهنية الاخرى في ورش البناء والتطوير والخطط الاسعافية والمستقبلية واللجان الإستشارية والتي ستكون سندا قويا ومرجعا للحكومة الانتقالية واجهزتها تمدها بخطط البناء والدراسات العلمية والخبرات العالية. لتعزيز التنمية المستدامة وبناء مؤسسات فعالة ومسؤولة تحقق امال الشعب السوداني. إن الحس الوطني العالي لإعضاء المبادرة و الإدراك العقلي والوجداني لأحوال الوطن وما صاحبه من الإرادة القوية و المثابرة الحادة في العمل يعكس القيمة العظمى لعلماء الجامعة الأم وإيمانهم بشعارها الله.... الوطن... الحقيقة........الانسانية....... فلتبقى مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم منبرا وطنيا لا ينضب معينه ولا ينحسر عطاؤه وبذله.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.