"من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب والكتاب: بقلم: الجزء الثاني .. بقلم سعيد محمد عدنان – لندن – المملكة المتحدة
نشر في سودانيل يوم 30 - 09 - 2019

أتقدم باعتذاري أولاً لتأخري في مواصلة الكتابة في هذا الموضوع إذ كنت مريضاً وفي عملية جراحية للعيون أخّرتني عن المواصلة.
قامت الثورة ضد لصوصية الحركة الإسلاموية كما ذكرنا في الجزء الأول، الذي بدّل العبادة إلى فصول وصاية للحكم باللصوصية، لأن الفلاح يكون في عبادة الرحمن طوعاً وعمل الخير، والتعفف عن الظلم وعن العدوان في حقوق الآخرين، وفي الورع في حمل الأمانة وتوخّي الحذر فيها.
قامت الثورة لحماية حرية الفرد في ممارسة أركان عبادته وواجباته الدنيوية ولممارسة حقوقه التي منحه الله تعالى بالارتزاق مما وهبه له من خيرات في الأرض، بالهواء الذي يستنشق والماء الذي يشرب والأمن الذي يستحق، والضوء والدفْء من الشمس إلخ، وله أن يتوافق في ذلك بالتراضي مع الجمع العالمي الذي هو منه بالعدل فيما منح الله للبشر عامة من خيرات الأرض أو بالإحسان بالتراضي بما يتفقون عليه، والحرية في الخيار وتقرير المصير، ويتوافق بالتراضي مع الجماعة الإقليمية، ويكون العقد معهم بالتراضي والإحسان بحكم الوشائج الرابطة بينهم كأمة، كما ذكرنا في الجزء الأول، وبذلك يكون عقداً في مقام الدستور. يتم ذلك التوافق تحت سقوفات الحقوق والواجبات والحرية والعدل في الخيار، وهو الديمقراطية، وتقرير المصير في عقد الجمع العالمي المتفق عليه، وهي مواثيق الأمم المتحدة. وعقد الجماعة الإقليمية يكون تحت سقوفات حدود العقوبات المتفق عليها أخلاقياُ، أو من الديانات والتي تشمل حدود الله تعالى في الإسلام بالعدل والقسط والحرية.
والعقد الثاني للجماعة الإقليمية أو الأمة، عقدٌ اجتماعيٌ بالتراضي وحرية الخيار (ديمقراطية) ويكون ذلك بحكم القانون أو البرنامج السياسي الذي تختاره الأمة بالاتفاق العادل.
ولكن الآن، وتحت لائحة مصادر التشريع في الدستور السوداني المعدل لعام 2005، وبعد الثورة على النظام السابق من التسييس الديني الذي يتجاوز الديمقراطية وحرية الخيار، كان النص في باب مصادر التشريع: كالآتي:
1- تكون الشريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشريعات التي تُسن على المستوى القومي وتُطبق على ولايات شمال السودان
هذه مادة غير لازمة في تضاربها مع لزوم وحدة الهوية والحرية، وهي بذلك، قانوناً، مادة ملوّثة. فالشريعة الإسلامية إسم حُلِّل به تعديل شرع الله تعالى الذي أراد به المولى عز وجل الخيار للفرد وللجماعة لعبادته وعدم تعدّي حدوده، ولم يرِد به إلزاماً يتطلّب وصاية الدولة. أما الحدود فهي سقوفات العقوبات التي لا يتم تعديها وهي تقع تحت سقوفات الحقوق الفردية والحريات. كذلك قوانين الأحوال الشخصية تتم تحت سقوفات الحقوق والتي تلزم المتعاقدين إسلامياً بالالتزام بها. وكلا النصّين ليسا تعاقداً يشمل الأمة كلها إنما تعاقداً يخص المتعاقدين، وبذا لا تسري على أهل الديانات الأخرى في غياب التعاقد، أو تمنحهم عضوية منتقصة في انتفاعهم بحمايتهم من تعدّي تلك الحدود، وهذا خيانة للأمانة فيما لم يعهد لك الله تعالى برخصة فيها، وموازية لما يسمى الآن بالإرهاب، كما هو حذّر في ذلك:
قوله تعالى: "انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا"، الأحزاب، آية 72.
حدود الله، وحدود العقاب:
هنالك خلطٌ خطير في تفسير ما هي حدود الله وما هي حدود العقوبات الإسلامية.
حدود العقوبات الإسلامية هي تحديد العقوبات إما قصاصاً، أو ردعاً، فالقصاص يخص الجروح، وأمر به الله تعالى بقوله: "وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون"، المائدة، آية 45، وأما الردع فحدوده هي ما يراه القوم بالشورى والدراسة في مدى فعاليته في الردع والترغيب عن تكرار الجريمة.
أما حدود الله، بما فيها قصاص الجروح، فهي رحمة منه لعدم التجاوز في العقوبة، فحدد لها حداً أعلى، لا يجوز تعدّيه، فالسارق مثلاً أقصى ما يمكن عقابه به هو قطع اليد، ويمد رحمته فيه بالتراضي بين الخصوم في الجراح وفي القتل بالعفو أو قبول الدية مع عدم الإسراف في حالة القصاص. فحدود الله ليست عقاب إنما رحمة وحقوق أسدلها على البشر.
فالإرهاب هو التلويح بالعقاب أو العذاب لفرض لزوم ما لا يُلزِم الفرد أو المجتمع. فالمستفيد من اكتسابه حرية وأمن وحقوق، يلزم عليه، فرداً أو جماعةً، واجباتٍ مجتمعيةً متفقاً عليها في مرسوم الهوية التي تؤمن له أو لهم تلك المكاسب، وهي الدستور، ولا يجوز قانوناً تضمين ذلك الإلزام خِلسةً في تلك الوثيقة والدستور، كونهما وثيقة هوية تلزم بالانتماء للأرض وموروث التعايش والتراضي فيها وليس بالعقيدة سواءاً كانت دينية، عرقية أو طبقية. أما ما ينطوي تحت العبادة أو ما يتبعها من عقاب أو عذاب فهو لا يدخل في تعاقده المجتمعي الذي تتبعه سلطة المحاسبة، والذي يتبع لمرسوم العقوبات والحريات المجتمعية التي تحكمها حكمة البشر بالشورى. فحكم الأول وحسابه لدى الله تعالى بنص آياته البينات.
فكما قلنا سابقاً، ما نص الله تعالى عليه من حدود، هي حقوق منه تعالى لا تحدد العقاب، إنما تحد العقاب حتى لا يتعدى تلك الحدود، أو تحد الحريات بما لا تتعدى تلك الحدود، إذ أنها من شروط الله تعالى للعبادة، بخيار الفرد لدينه أوما ينطوي عليه إيمانه، وفي حالة الإسلام هو إيمانه بربه بما صدّق من القرآن، (رسالة الإسلام)، وليس برأي البشر من المنقول بشهادات السلف أو بما يسمى بالإجماع، أو الجماعة، وبتحذير من الله تعالى للرسول الكريم بعدم ائتمان صحابته ففيهم منافقون لم يقضِ بأن يعلمه بهم، قوله تعالى: "وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم"، التوبة، آية 101. وليس بقبوله تفسيراً للآيات من أي شخص، إلا من الرسول عليه الصلاة والسلام شخصياً أو عن شاهدين عدلين، نقلاً عنه شخصياً لشاهدين نقلاً عنهما شخصياً حتى بلوغ شاهدين عنهم لمتلقّي الرواية شخصياً، إلا بما يصل إلى تفسيره باجتهاده وقناعته هو شخصياً، حيث يتم ذلك فرضاً بترخيصٍ له من ربه لهدايته، يحاسبه عليه عند لقائه لو تعداه بنكرانٍ مقصود، بما أنه الوحيد جلّ وعلا الذي يهدي بالإيمان وله العلم بذلك.
وبذا يتلخّص الإرهاب بكونه هو الترهيب عن طريق تسييس الدين، أو الاحتيال لتأويله بحجة المنقول من أحاديث تمت تصفيتها من المحرف والمُدخل باليهود والباطل، ليس بالشهادة الإسلامية الشرعية أي شهادة شاهدين عن شاهدين، إنما بما ابتُدع من تشريع ظني تمت تسميته بالسنة والجماعة، من منقولات بحثية لا توفي شرط الشهادة الشرعية وتكون بذلك شهادة ظنية، بل تحت تحذير منه تعالى من مغبة ائتمان تلك الجماعة حسب آية التوبة أعلاه، كما تكون تغوّلاً على أمر الله تعالى بخياره بمحاسبته العباد وحده، قوله تعالي (إن إلينا إيابهم* ثم إن علينا حسابهم)، والإلزام بما لا يُلزِم ترهيب وتغريب.
فتعبير السُنة تم استعماله كيديًاً للخلط بين ما نصت به آيات الله البيّنات من سنة الله ورسالته (رسوله) وهي الرسالة الإسلامية منذ الأزل، أرسل بها كل رسله السابقين، وبين الرسول عليه الصلاة والسلام السُنة النبوية التي استنها لنفسه كقدوة وتعليماً للمرسل إليهم، ليشهدوها أنفسهم، ويعلّموها لغيرهم بالشهادة الشرعية التي فرضها الإسلام على صدق البلاغ: (أي بشهادة واحدٍ في الاعتراف والتحدي (الملاعنة)، وبشهادة عدلين إثنين في الإثبات، وشهادة أربعة في إثبات القذف)، وليس نقلها ظنيّاً عنه بما لم يشرع الله تعالى في الشهادة. والنقل الظنّي يجوز للفرد أن يؤمن به أو لا يؤمن على مسئوليته وقناعته، ولكن لا يحق له نقله بقناعته تلك فقط، وإلا فهو ترويجٌ لقذف في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، وشرك في حق الله تعالى بشراكته رسوله في رسالته أو سنته.
أما الجماعة فيشيرون بها لقراءات وقوانين السلف من استقراءات أحاديث الرسول الكريم وأعماله غير الموثّقة شرعاً في القرآن، والتي لا إثبات شرعي لها عن الرسول عليه الصلاة والسلام بالشهادات الشرعية، ولا تتفق مع الرسالة السماوية والتي تحدد ما هو الدين وما هي بيّناته. وأقوال السلف تلك تسببت في فتنة المسلمين، كلٌّ بحزبه فرحٌ، قوله تعالى: "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون"، الروم، آية 32 – وقوله "فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون"، المؤمنون، آية 53.
مصداقية مصدرية المنقول:
بالإضافة إلى عدم وجود بيّنة من الله تعالى تؤيد المنقول من أقوال وأفعال الرسول (ص) خلاف ما ورد في آياته البينات، هناك أيضاً ما يحذّر فيه الله تعالى من الأعراب ووصفهم بأنهم أشدّ كفراً، ولكن هناك أيةٌ صريحة حذّر فيها الله تعالى رسوله الكريم من صحابته أن فيهم منافقون لا يعلمهم هو، قوله تعالى: "وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم"، التوبة، آية 101.
هذا أمرٌ صريح من عند الله تعالى، ليس فقط للرسول الكريم حتى لا يأتمنهم على إبلاغ رسالته، إنما للبشر كافةّ حتى لا يٌقادوا إلى الاعتقاد في المنقول من السلف خلاف القرآن الكريم أو تدريسه بأنه يمكن أن يكون من ضمن رسالة الإسلام أو بيّناته، قوله تعالى "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ 44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ46"، الحاقة
وقد ورد في المنقول أن الرسول (ص) منع كتابة الحديث عنه غير القرآن، في رواية [عن أبي سعيد الخُدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عنِّي وَمن كتَبَ عنِّي غير الْقرآنِ فَلْيَمْحُهُ وحدّثوا عني ولا حرج) رواه مسلم (الزهد والرقائق/5326)]
ولا يضير القبول بحديثٍ عن الرسول (ص)، ليس كبيّنة، ولكن كسيرة شريفة عنه لا تتضارب مع ما عُرف عنه عليه الصلاة والسلام من تُقى وصدق وأمانة، خاصةً فيما يرِد من الرسالة التي عليه إبلاغها كما وردت من ربها، على ألا يتعارض أي تشابه فيها مع أمهات الكتاب كما أمر به الله تعالى.
ولم يختلف الرواة حول هذا الحديث، ولكنهم فسروه بأن حظر الرسول (ص) المراد منه أن من لا يستطيع حفظه سيكتبه فيقع في تحويره، وكان رأي الغالبية فبموجبه أبطلوا معنى الحديث حسب روايته، كما في رواية النووي:
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم، قَالَ الْقَاضِي: كَانَ بين السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلاف كَثِير فِي كِتَابة الْعِلْم، فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنهم، وأَجَازها أَكْثَرهمْ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمسلمُونَ عَلَى جوازهَا، وَزالَ ذَلكَ الْخِلاف.
وهذا لا يجوز اعتماده عدلاً، ولكنه يبقى رأياً خيارياً لإزالة الخلاف، وليس للإشهاد الشرعي.
أما كتابة القرآن فتمت حسب قول الله تعالى كالآتي: أنه كان يُوحَى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وينسخها هو، فقد علّمه المولى عزّ وجل أن يقرأ ويكتب، وهذا من أمر الآيات المتشابهة، لك أن تقول قال له "اقرأ" ولا يعني أنه قرأ، ولكن حقيقة ان الرسول عليه البلاغ المبين، لا يسمح بتفسير المفسرين والباحثين بأن كان له كتبة للوحي، ولا أقول ليس هناك كتبة لأنفسهم، فقد منعهم الرسول عليه الصلاة والسلام من أن يكتبوا عنه الحديث (حرصاً على خلطه بالآيات الكريمة التي كتبوها لحفظهم الشخصي)، وقد حرق عمر رضي الله عنه كتاباتهم تلك، وسمي ذلك بحرق المصاحف، وتم الاحتفاظ فقط بكتاب الرسول نفسه (نسخة السيدة حفصة، والتي تسلمها أبوبكر الصديق رضى الله عنه بعد وفاته)، وهي التي طبعت منها كل نسخ القرآن عاجلاً ولاحقاً، فلا يجوز لنبي لا يقرأ ولا يكتب أن يترك كتابة الرسالة المعهدة إليه بآخرين يكتبون عن وهو لا حيلة له في مراقبتهم، ولا يستقيم ذلك باعتداد الله تعالى بأنه حافظٌ له وهو في أيادي (وصدور) بشرٌ عادي لم يشرح صدرهم ولم يرفع عنهم وزرهم. هكذا كيف تحسم بالأمر الأكيد أي آية متشابهة بعدم تضاربها مع الآيات المحكمة، هل أمره بأن يقرأ ما كتبه الكتبة أم يتلو على الناس ما يكتبه عن ربه، وهذا يحتاج لقبول ذلك التفسير بالإيمان الصادق، أو بقبول احتمال أن من أرسله هو الله تعالى.
هذ الأمر ها م جداً في حده الحد بين الشرك والإيمان: فالرسالة الإسلامية أهّلها المولى عز وجل لتكون لكافة البشر إلى يوم الحساب، لا تجديد لها ولا نقض فيها، ليس كباقي الرسالات، والتي هي بالمناسبة نفس الرسالة، رسالة الإسلام، إلا أن إرادته تعالى بإعدادها بذلك الكيف، أي قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، أنه تعالى جعل ذلك المعجزة الوحيدة التي قدمها رسوله الكريم للدعوة إلى الله تعالى، فهي بميزتها تلك معجزة خالدة تتحدى البشر في كل العصور، عكس معجزاته للرسل السابقين والتي تقنع المعاصرين للرسول وقتها بالقناعة الكافية ومنها ينقلونها للأمم الجديدة بأساليب إقناعهم حتى يفسدها النقل كما حدث جلياً في نقل أحاديث سيدنا عيسى للحواريين والتي نقلوها بدورهم وتواصل النقل عنهم حتى صارت عندهم أناجيل شتّى تحمل ما رواه كل حواريِّ بما استقاه الناقلون عنه، وصار كتابهم المقدس عبارة عن رواياتٍ وطبعاتٍ مختلفة، وانقسمت الكنيسة إلى عدة طوائف تتحارب فيما بينها، تماماً مثل ما يجرى لدى المسلمين الآن فقط بالخلاف في المنقول، ولو لم يقدر الله تعالى أن ينزل الذكر بما قدر له أن يُحفظ، ولم يختلف فيه مسلمان أبداً لأربعة عشر قرناً، لكنا مثلهم.
وقد سعى البعض فعلاً في التعديل في القرآن باستعمال كلمة النسخ بأنها نقض، بنسخ آياتٍ بمعنى نقضها وتبديلها، وكأن الله تعالى مثلهم يعجز من إنزال آية ٍ لا تحتاج منه لنقض، فليس هناك نسخ بمعنى نقض للآيات وذلك كفر.
فسلّط عليهم العقلانية والمنطق والعلم من المستنيرين من البشر، فسخّر بذلك الكنز الكامن في عقلية الإنسان ليكون فيها القبس الأخير من نور المعجزات الإلهية لاستيعاب ألوهية الله تعالى، بأن الله وحده لا شريك له وأنه تعالى لا يبدل رأيه، ولكنه يوضح الفرق عن طريق الآيات المتشابهات ويحكم رسالته بأمهات الكتاب، ويحذر من التأويل مثل ذلك الذي درج عليه ما يسمى بالفقهاء، فما لم يقله الله صراحةً وبياناً واضحاً لا يحق لأحد افتراضه، ففي قوله تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).. (ما ننسخ من آية)، ما نبيّن أو نوضّح من آية.. (أو نُنْسئْها) نؤخّر أثرها، وليس ننقضها.... وكانت كلمة النسخ معناها:
1- في معجم لسان العرب: التهذيب، التبيان
فمثلاً، خطأ النَّاسخ: هو الخطأ الذي يقع فيه ناسخ المخطوطات القديمة بالزِّيادة أو النقص أو التصحيف
النَّوَاسِخُ فِي النَّحْوِ: الكَلِمَةُ الَّتِي تُغَيِّرُ حُكْمَ المبتدأ وَالْخَبَرِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَرْفاً مِثْلَ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا أَوْ فِعْلاً مِثْلَ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا، فتفيد في بيان مكونات حدثها، ولا تنقضها
2- في المعجم الفقهي: رفع الحكم الأول بنص شرعي متأخر، أي نقضه
ولا يجوز الأخذ بالمعجم الفقهي لأنه مبني على التعريف البشري المصنّع بعد الرسالة، ويجب العمل بمعجم لسان العرب الذي يعتد بلغة العرب قبل الرسالة وهو ما حدد به الله تعالى لغة رسالة القرآن، قوله تعالى: "ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين"، الإحقاق، آية 12
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
////////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.