لم أشاهد امرأة واحدة في مظاهرات بغداد والمدن العراقية، وكانت كنداكاتنا بنات ملوك النيل في مقدمة الصفوف في العاصمة والأقاليم، والعراق مهد الحضارات السومرية والبابلية والأكادية والهلال الخصيب مهد الرسالات السماوية ولبنان مهد الحروف الأبجدية، والحضارة سلوك حضارى وأخلاقي وليست غابات أسمنتية وسلعا استهلاكية، لكن العراقيين كالسودانيين ضحايا النظام الطائفي وملشياته المسلحة، فليس في العراق دولة قومية بمفهوم الدولة في عصرنا هذا، وكذلك لم تكن في السودان دولة قومية في ظل النظام الطائفي، وأى حركة دينية أو طائفية بالضرورة حركة عنصرية، لكن شعارات المتظاهرين في السودان ياعنصرى يا مغرور كل البلد دارفور ولا عرب وعروبة نعيش بسلام في جبال النوبة ضد الطائفية أصل الشر وجرثومته الأولي في العراق وسوريا ولبنان والسودان، فلماذ بورسودان عاصمة الثقافة العربية وليست العروبة مفهوما ثقافيا كما يزعمون بدليل عمليات الترانسفير في كركوك في العراق ودارفور في السودان، ولا وجود لدول عربية أو اسلامية الا مجازا باطلاق اسم البعض علي الكل أو الاستيلاء علي السلطة باسم الأغلبية كما حدث في السودان. علي مدى أربعة أشهر كان العرب ومعهم العالم كله يشاهدون علي شاشة التلفزيون ملامحنا ولون بشرتنا، فنحن أفريقيون أرضا وشعبا وأمنا أفريقيا ولسنا عبيدا أحفاد عنتر بن شداد وأمه زبيدة والساق منها مثل ساق نعامة والشعر منها مثل حب الفلفل، لكن قلة من أدعياء العروبة تتاجر بنا في سوق النخاسة العربية، والمرأة السودانية امرأة أفريقية تحمل طفلها في جراب علي ظهرها وتزرع الزرع وترعي الضرع وشهادتها في كردفان ودار فور مع عمال المباني تحمل قدح المونة وتتسلق السقالة، وعوضية ست الشاى ودايراك يا علي تكبر تشيل حملي أياك يا علي الخلاك أبوك دخرى، وجاء في تقارير منظمة الزراعة العالمية ان المرأة الأفريقية تتحمل مسئولية انتاج 80% من الحبوب في أفريقيا. كان العرب يصطادون الناس من أواسط السودان ويصدرونهم الي الجزيرة العربية، ولم يكن العرب يعرفون مهنة سوى الرعي والتجارة وليس لأهل مكة انتاجا يتاجرون به في رحلة الشتاء والصيف سوى العبيد وبعض السلع الأفريقية، بدليل ثورة العبيد في العصر العباسي الذين احتلوا البصرة وهددوا بغداد ثلاثة عشر عاما، فقد كان العبيد السودانيون في خدمة الأرض كثيران الساقية، وكان الحجاج السودانيون يختطفون من مكة والمدينة ويباعون في أسواق النخاسة، وفي موسم من مواسم الحج في المهدية بيع جميع الحجاج ولم يعد أحد منهم الي السودان، والخرطوم في منظور طفل سورى في برنامج الفوازير بطيخة سكانها عبيد، وفي اليمن أصدرت محكمة حكما بنصف الدية لصالح أسرة معلم سوداني قتل في حادث حركة باعتبار دية العبد نصف دية الحر، وقال لي معلم سوداني ان تلاميذه في السعودية يخاطبونه بعبارة ياعبد، في نهاية المهدية كنا شتاتا من القبائل والمعتقدات الاثنية واستطاعت الادارة البريطانية أن تصنع من الشتات مجتمعا ديموقراطيا حرا بحكم واقعه التعددى وكان من أغانينا الوطنية في بربر السلوى وفي الدامر الخلوة وفي شندى نقارة من حلفا لي بارا سوداني الجوة وجداني، وكنا كذلك الي أن أصبح لنا حزبا طائفيا ثالثا قام علي الفتنة الدينية والعرقية واستولي علي السلطة وصب الزيت علي نار الحرب الأهلية، وكان الذهب الأسود الذى تفجر في أرض العرب استجابة لدعاء جدهم ابراهيم وبالا علينا في السودان فقد هاجرنا اليهم نبني لهم بلادهم وتركنا بلادنا وذهبنا الأخضر للخراب بعد أن كان الجنيه السوداني يساوى أكثر من ثلاثة دولارات والسودان أغني الدول في أفريقيا والشرق الأوسط وأكثرها ازدهارا ورخاءا وعلما ومعرفة، فقد كانت جامعة الخرطوم تعرف عالميا باكسفورد أفريقيا، وكانت المنظمات الدولية والاقليمية تستعير الخبراء من السودان واستعانت الأمم المتحد بالخبراء السودانيين في تأسيس الدولة المستقلة في جيبوتي والصومال، بدليل الانجازات التي حققتها الخدمة العامة بعد رحيل الاستعمار ومنها المناقلوحلفا الجديدة وسكر كنانة والرهد وامتداد خط السكة حديد الي نيالا ومنها الي واو. من المتوقع تصدير آخر برميل من ذهب العرب الأسود قبل منتصف هذا القرن، كما أن أبحاث الطاقة البديلة تتقدم يوما بعد يوم، وعين العرب علي أرضنا وذهبنا الأخضر، و100 مليون مصرى يعيشون علي 4% من مساحة مصر ولا يزال للمصريين أطماعا توسعية في السودان، والنظم الشمولية حولنا لا تريد محيطا من الديموقراطية ودولة المواطنة، وللأحزاب الطائفية الثلاثة مصلحة في الفقر والجهل والتخلف الحضارى ولا تريد دولة حديثة ومجتمعا ديموقراطيا حرا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.