ظل الانتماء الرياضي في بلادنا يجمع ويحد بين الناس في أسوأ مراحل الاختلاف في الرأي التي تبلغ حد الفرقة والاحتراب ، فنادي المريخ مثلا، يجتمع تحت راية حبه والولاء له مختلف الناس باختلاف سحناتهم وانتماءاتهم السياسية وعقائدهم وأديانهم واعراقهم، فهو يجمع المسلم وغير المسلم، ويجمع الدينكاوي والرفاعي والمسلاتي والبجاوي والنوباوي والحلفاوي والشايقي والزغاوي والشكلاوي، ويجمع المرأة والرجل ويجمع الطفل والصبي والشاب والكهل والشيخ ويجمع مؤيدي حزبي الاتحادي الديموقراطي والأمة بمشتقاتهما المختلفة والحزب الشيوعي، وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وحزب المؤتمر السوداني صاحب الاسم الأصلي المختطف، وحزب المؤتمر الشعبي والحركة الشعبية وغيرهم من الأحزاب. وتاريخيا جمع حب المريخ، علي سبيل المثال لا الحصر، ومع حفظ الألقاب والمقامات، اسماعيل الأزهري وعبدالرحمن المهدي وجون قرنق وعبدالخالق محجوب وجعفر نميري ومأمون عوض أبوزيد وخالد حسن عباس وجمع من المبدعين صلاح أحمد ابراهيم وعلي المك وعلي شمو وصالح بانقا صالح إبن البان واسماعيل حسن وابراهيم الكاشف ومحمد الأمين وعوض وابراهيم شمبات وميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة وعبدالرحمن الريح وابراهيم عوض وحمد الريح ومحمود عبدالعزيز مع ملاحظة أن هذين الأخيرين كشفا مؤخرا عن ميولهما السياسية ، حمد الريح قال إنه يؤيد الحزب الحاكم، رغم أنه ظل طوال مسيرته الفنية يؤكد على قوميته وابتعاده عن الانتماء الحزبي، ومحمود عبدالعزيز أكد في أكثر من مناسبة تأييده للحركة التي يؤيدها أيضا الهرم محمد وردي . كل هذا التعدد الثقافي والعرقي والديني والسياسي المتنافر يتآلف ويتناغم تحت مظلة حب المريخ الذي يمثل الوطن الكبير.. ومايسري على المريخ يسري أيضا على صنوه ورفيق دربه الهلال وعلي غيرهما من الأندية الرياضية التي ارتبط بها الناس وجدانيا وتاريخيا. ورغم أن القبيلة الرياضية هي اكبر الأحزاب وأكثرها جماهيرا، فلم نسمع في يوم من الأيام بمن يدعي أن جماهير النادي الفلاني تؤيد زعيما سياسيا أو رئيسا أومرشحا أو حزبا أو تيارا أو نهجا سياسيا بعينه ، لأن ما يجمع هذه الجماهير هو التشارك في حب النادي وحده ولا شيء غير ذلك. وعندما يبيح السيد جمال الوالي رئيس نادي المريخ لنفسه أن يقدم لوحة كبيرة في استاد المريخ للسيد المواطن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير وهذه اللوحة تقول أن جماهير نادي المريخ تبايع السيد عمر البشير لرئاسة الجمهورية ، يكون السيد جمال الوالي قد ارتكب بفعلته تلك أخطاء قاتلة مجتمعة ، فجماهير المريخ لم تجتمع لتقرر تأييد ذلك المرشح أو غيره لأنه لم تخلق بعد الآلية التي تجمع كل هذه الملايين في مكان واحد أو عبر تقنية الكترونية لتقرر من تؤيد ومن لا تؤيد، كما إن تأييد المرشحين أو عدم تأييدهم عمل يقع خارج رسالة ونشاط النادي ، لأنه يستحيل أن تجمع هذه الجماهير على مرشح واحد . هذه الجماهير التي تحدث باسمها لم تفوضه للاختيار نيابة عنها في غير شئون الرياضة بصفة عامة وإدارة النادي على وجه الخصوص. صحيح هو رئيس محبوب فعلا ، أحبه أهل المريخ على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم، أحبوه لشخصه وصفاته الإيجابية الطيبة وليس لانتمائه الحزبي لأن أعضاء حزبه يشكلون على أحسن الفروض جزءا من محبي المريخ وليس هم كل جماهير المريخ الذين لم يجد جمال الوالي في نفسه حرجا من تأييد المرشح باسمهم، ولأن نادي المريخ قام قبل مجيء الحزب الحاكم وجمال الوالي للدنيا، وصحيح أنه لم يبخل على نادي المريخ فأغدق عليه من ثروته الطائلة التي اكتسبها بعد قيام نظام الانقاذ والتي لا يحسده أحد عليها ولا يتوقف أو يدقق أحد في مصدرها نظرا لما يتمتع به جمال الوالي من حسن خلق وكرم وشهامة تخرس الألسن، ولكن لكل شيء، مثل الصبر، حدود. فالمريخ، كما الوطن، هو الباقي والأشخاص والأحزاب إلى زوال، والمريخ كما الوطن أيضا ،أكبر من الأشخاص والمرشحين والانتخابات، ومحاولة اختطاف المريخ الوطن وتجييره بأكمله لخدمة توجه سياسي بعينه، فعل غير رشيد ولن يعود بغير الفرقة في هذا الكيان الجامع الذي يلجأ إليه الناس هربا من فرقة و"قرف" السياسة والسياسيين. فشل نميري كما فشل من قبله موسوليني وهتلر وفرانكو وسالازار وأنور خوجة وغيرهم من طغاة التاريخ في تجيير الرياضة والرياضيين لخدمة توجهاتهم السلطوية فذهبوا جميعا وبقيت من بعدهم القيم والأهداف الرياضية السامية. ما يفعله السيد جمال الوالي، الرئيس المحبوب من ملايين محبي المريخ ، وأنا منهم، هو اللعب بالنار. (عبدالله علقم) [email protected]