بدء الامتحانات المعرفية للدورة الثانية لعام 2025 للأطباء السودانيين    خلال لقائه رئيس مجلس تسيير المريخ بالقاهرة.. رئيس الاتحاد الرواندي يؤكد ترحيبه وموافقته المبدئية على مشاركة المريخ في الدوري الرواندي    المريخ يتعادل أمام الاتحاد الرياضي    هذه هي القومية التي ننشدها    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    «انتصار» تعلن عن طرح جزء جديد من مسلسل «راجل وست ستات»    علي الخضر يكتب: نظرة الى اتفاق الصخيرات .. لماذا تسعى الإمارات لتخريب مبادرة الرباعية ؟    وزير الصحة المصري يتعهد بتوفير 200 ألف علبة ألبان صناعية و200 أسطوانة أوكسجين    تخفيض رسوم الجواز للسودانيين بالخارج    الهلال في ترشيحات جوائز الكاف لافضل نادي افريقي 2025    السودان..قرار مفاجئ بتخفيض رسوم الجواز    رونالدو يتسبب بأزمة في الهند    حاكم إقليم دارفور يفجّرها بشأن حزب المؤتمر الوطني    د. ياسر محجوب الحسين يكتب: الشريك الأساسي ل"الدعم السريع" في جرائمه    معلومات مهمّة لمسؤول سكك حديد السودان    الطاهر ساتي يكتب: لو كان يساوم ..!!    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    شاهد بالفيديو.. "ما بشيلها أبوي بدقني بقول لي أداك ليها منو" طالب سوداني في مرحلة الأساس يرفض إستلام حافز مالي بعد مقولته الشهيرة في الحصة: (أتبرع لأمي بكليتي وأنا أموت وأمي تعيش)    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    بالصورة والفيديو.. وجدوه بعد سنوات من البحث عنه.. شاهد: لقاء مؤثر بين معلم سوداني وتلاميذه السعوديين الذين قام بتدريسهم قبل أكثر من 40 عام    شاهد.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (نجوت من 3 محاولات اغتيال في نيالا والدور على عمر جبريل.. الضابطة "شيراز" زوجت إبنتها التي تبلغ من العمر 11 عام لأحد قيادات الدعم السريع والآن مستهدفة لهذا السبب)    شاهد بالفيديو.. سيد الخطيب يفك طلاسم الطلقة الأولى في الحرب ويكشف حقائق جديدة    لمن يدَّعون أن الجيش عجز عن صد مسيرات مليشيات الدم السريع الإرهابية    ترامب: نهاية حماس ستكون وحشية إن لم تفعل الصواب    تقرير: السودان تحول من مرحلة أزمة العملة إلى "ما بعد العملة"    تحذير من تموضع حوثي عبر غطاء إيراني قرب السواحل السودانية    3 أندية سودانية تطلب الانضمام للدوري الرواندي    إحباط تهريب مواد كيميائية وبضائع متنوعة بولاية نهر النيل    وفاة الكاتب السوداني صاحب رواية "بيضة النعامة" رؤوف مسعد    قوات الدفاع المدنى تنجح فى إنتشال رفاة جثتين قامت المليشيا المتمردة بإعدامهما والقت بهما داخل بئر بمنزل    وزارة الدفاع الكولومبية تعلن دعم مشروع قانون يحظر أنشطة المرتزقة في البلاد    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    إيران تلغي "اتفاق القاهرة" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    محمد صلاح ليس وحده.. 5 أسباب وراء انهيار ليفربول    بدء عمليات حصاد السمسم بالقضارف وسط تفاؤل كبير من المزارعين    دولة أجنبية تحاول زعزعة منتخب السعودية    ( "لينتي" كفكفت من عيني دمعات الليالي وجدتُ نفسي غارقا في الحب عاشقاً، محباً ومُريدا).. شاهد ماذا كتب العريس أحمد العربي لزوجته لينا يعقوب في أول يوم لهما بعد نهاية حفل زواجهما الأسطوري    ترامب يتوعد: سنقضي على حماس إن انتهكت اتفاق غزة    القضارف.. توجيه رئاسي بفك صادر الذرة    مدير شرطة اقليم الأزرق يثمن جهود إدارة المباحث الجنائية المركزية بالاقليم في كشف غموض العديد من الجرائم    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط عدد( 74) جوال نحاس بعطبرة وتوقف المتورطين    أسعار الذهب إلى أين؟    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    وزير الخارجية المصري: ننسق مع السعودية لإنهاء الحرب في السودان بسرعة    حكومة الجزيرة تدعم مركز القلب بمدني بمولد كهربائي 550 KV    القبض على الفنانة عشة الجبل    إيقاف جميع التعاملات النقدية في ولاية سودانية    تطوّرات مثيرة في جوبا بشأن"رياك مشار"    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبْ لِحَايَة- قصص من التراث السوداني، تقديم بقلم الأستاذ محمد سيد أحمد الحسن
نشر في سودانيل يوم 26 - 11 - 2019

نشأت الأحاجي، في أوَّل أمرها: كحاجة للإنسان في التسلية وتزجية الوقت. فيحكي أحدُهم، كيف أنه في يوم تقابل مع أسدٍ أو نمرٍ أو أي حيوانٍ كاسرٍ... وكيف أنه تغلب على ذلك الحيوان. أو أنه وقع في ورطة وكيف خرج منها...
وما أن يبتعد أحدهم لأميالٍ قليلةٍ عن القرية، إلا ويعودُ ويروي ما شاهد من غرائب الأشياء. و أصبح كل من ابتعد عن القرية وعاد، أصبح مطالب بأن يروي شيئاً عن الغرائب التي شاهدها أو سمع عنها ...
و هناك من يروي ما قد سمع من العائدين، ولأن الحصيلة قليلة من روايات الواقع، كان لا بد من التأليف: مُظهرا أحاجي تحدثت عن الشجاعة، وعن الكرم، والجمال، والذكاء الخارق، والقصور، والحدائق، والعدل، والقوة.
ولأن الإنسان ضعيف بطبعه، وباحثٌ، بشكلٍ دائمٍ، عن المعرفة، فإنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بمساعدةٍ من جهةٍ تملك القوة والمعرفة، فتكون عوناً له. أو يخدمه الحظ فيرى ليلة القدر، أو يجد خاتم المنى، أو يجد عوناً من صديقٍ من السحرة أو الجن... وهكذا ظهرت الأحاجي، التي تُمنّي الإنسان: بامتلاك الثروة والقوة.
معروف الإسكافي، هارب من زوجته فاطمة العرّة... ومن الشرطة والديون ... يلجأ إلى فلاح، يطلب منه القليل من الطعام، فيطلب منه الفلاح أن يدير المحراث حتى يذهب ويحضر له الطعام، وأثناء إدارته للمحراث يصطدم بجرة يجد فيها: (خاتم المُنى!)، وعندما يعود الفلاح، يجد معسكرا كامل من العمال والخدم، هذه أمنية من المريح جداً أن تتحقق.
ولأن الأحاجي داعبت هذه الرغبة الدفينة في نفس الإنسان: القوة والثروة، تكالب الناس على مجالس رواة الأحاجي، وأصبح راوي الأحاجي صاحب مكانة اجتماعية مرموقة جعلت الكثيرين يطمعون في أن يكونوا من بين الرواة، ولأن الرواية فن: تفاوت الرواة، بين المُجيد المقتدر... وصاحب الرسالة، وبين الجاهل السمج الممل .
وفطن الحكام لخطر الأحاجي، فأدخلوا عليها ما قد يخدم مصالحهم... ففي كثير من الأحاجي نجد السلطان: رجلٌ عادلٌ وحكيمٌ، وتجد دائما بنت السلطان جميلة، و ابن السلطان فارس وشجاع. كذلك العبيد، استخدموا الأحاجي في نضالهم ضد الظلم والتهميش، وجعلوا من (ود السريّة): بطل شجاع و عنتر بن شداد أشهرهم، كذلك النساء استخدمن الأحاجي في تصوير زوجة الأب في أشنع الصور، ولم أجد سبب واضح لتصوير (العم) من الأشرار.
والواضح أن الجن صُور، في الأحاجي، كصاحبِ علمٍ وقدرات مدهشة، ومنه الصديق الوفي المخلص الذي يمكن الاعتماد عليه.
صور و أخيلة، تملأ عقول الناس المسحوقين والمظلومين بأن الخير والعدل هما المنتصران في النهاية... وان الظلم والقهر إلى زوال مهما طال الأمر.
و قد تحدثت الأحاجي عن الشيخ ورجل الدين الذي يساعد الأشرار في إلحاق الظلم والأذى بالبسطاء والمستضعفين: ففي أحجية عجيلة أمنا وأبونا، يساعد الشيخ (الحكيم) امرأة الأب، في التخلص من العجلة حيث أدعت, هي, المرض, ليصف لهم الشيخ (الحكيم) الدواء في كبد العجلة التي وصفها كذا وكذا , بعد أن أعطته وصف العجلة ودفعت له المعلوم.
وتوسعت الأحاجي في ذلك, وجعلت الجن والسحر شيئا مقبولا ومرغوبا فيه, لإحياء الأمل في النفوس في نيل حياةٍ أفضل, وان التغيير للأحسن ممكن التحقيق إذا وجد من يسعى له.
وشعرت الطبقات العليا في المجتمع بالخطر, وعلى رأسهم رجال الدين, بسبب ما نالهم من تجريح واتهام صريح بالفساد والدجل.
وتوسعت الأحاجي وشملت كل نواحي الحياة الاجتماعية، وأصبحت هي المفسر للأحداث الطبيعية والظواهر الكونية... ووجدت لكل حدثٍ أو ظاهرةٍ كونية: التفسير الخرافي المناسب.
وبسّطت الأمر على المسحوقين، في أن: يكونوا أصحاب الجاه والسلطان، إذا واتاهم الحظ في أن يجدوا حجراً أو شجرةً أو أي شيءٍ مسحور، وتعلُّم بعض الكلمات التي تمكنه من التحدث مع الجن.
وبعد أنه كانت هذه الأشياء تحكى للتسلية والإدهاش، تحولت إلى حقائق جدَّ الناسُ في البحثِ عنها... وسرعان ما ظهر من أدعى أن له المقدرة في التحدث مع الجن، وأنه يفهم لغة الطير والحيوانات، وأقبل الناس عليه طلبا للحماية من الخطر والشرور... وطمعا في الحصول على رضا هذه المخلوقات الخرافية، وهي: الجن والعفاريت والشيطان... وهي كلها كائنات: لا يُمكن التحدُّث معها، إلا بواسطة: الساحر أو الشيخ أو الدجال!... وكان لابد من الرُّضوخ لمطالب الساحر أو الدجال، الذي هو الوسيلة للدخول إلى تلك العوالم الخرافية.
وتنامي الإقبال والبحث عن شيخ يقود المُريد إلى تلك العوالم.
وزاد عدد المُريدين و الأتباع، وظهر الزُّعماء الجدد، وهم: أصحاب سطوة ونفوذ!... مما شكل تهديدا لامتيازات ومصالح الفئات العليا في السلطة والثروة... وهو حق لهم موروث جِدٌ عن جدٍ , وبحثت هذه الفئات عن وسيلة لمقاومة هذا الخطر الداهم, وهداهم تفكيرهم إلى استخدام نفس السلاح: سلاح القصص والأحاجي, فاستأجروا من يؤلف لهم من القصص ما يواجهوا به قصص الدجالين و الحراميّة، الذين يريدون أن: يسلبوهم حقوقهم!
وسرعان ما خرجت الأحاجي والروايات التي تتحدث عن أن: السحر والجن والشيطان هم أصل الشر، وأنه لا يُرجى منهم أي خير... فهم سبب البلاء وعدو الإنسان الأبدي ... وان الشيطان أو الساحر يتحين الفرص لإلحاق الأذى بالإنسان وإدخاله في متاهات الكفر والضلال، وللخلاص من السحر والجن والشيطان لابد للإنسان أن يكون له شيخ من أولياء الله الصالحين ليوفر له الحماية لكونه قريب من الله .
والأولياء هم جماعة من الناس، اصطفتهم العناية الإلهية دون أن يكون لهم في ذلك أي فضلٍ من علمٍ أو معرفة، وهم وحدهم القادرين على طرد الشيطان بالتمائم والتعاويذ و الهمهمات ...
و تحدثوا عن كرامات الأولياء الخوارق والمعجزات التي تمت على أيديهم، ودعوا الناس إلى العودة إلى الماضي التليد ...والأمجاد الغابرة، وضربوا الأمثال للناس في القناعة والزهد من أمثال :
- ( وتجري جري الوحوش غير رزقك ما بتحوش).
- و ( القناعة كنز لا يفنى ).
وحكوا، قصة الرجل الذي كان يدافع عن الشيطان ... و عندما يتعوذ الناس بالله منه، كان الرجل يرد عليهم :الشيطان ماله؟ سوا ليكم شنو عشان تلعنوه؟؟؟ و لما فكر هذا الرجل في الزواج تقدم خاطبا ابنة أسرة كبيرة ومعروفة، فرحبت الأسرة بالرجل لأنه هو أيضا من أسرة كبيرة، وقاموا بإكرام الرجل.
وفي الليل فرشوا للرجل على الحرير ورقد الرجل على فرش موشى بالذهب والفضة بعد أن أنفض الناس. جاء الشيطان وقال له:
- (أنت الصديق الذي كان دائما يدافع عني دفاع الصديق المخلص وكنت أبحث عن وسيلة لأرد ولو قليل الجميل وها هي الفرصة قد حانت لذا قررت أن أقيم حفل يتحدث عنه الناس أبد الدهر).
وأصطحب الرجل إلى مكان الحفل وفي الطريق قال الشيطان للرجل:
- ( يجب أن تتبول وتفرغ أمعائك قبل أن نصل إلى القصر مكان الحفل حيث لا توجد في المكان أي بيوت أدب).
وفعل الرجل، وفي الصباح عندما حضر أصحاب المنزل وجدوا الرجل، يسبح: في بحرٍ من القاذورات...
وخرج الرجل، إلى أهله، و هو يجرجر أذيال الخيبة والخجل... و يكيل اللعنات للشيطان!
وهكذا تم استخدام الحُجى أو القصة في جميع الاتجاهات... وأنقسم الرواة إلى فريقين: فريق يستخدم القصة في استنهاض الهمم من أجل مستقبل أفضل. وفريق يدعو الناس للعودة إلى الماضي الجميل ويعمل على التمسك بالعادات والتقاليد السمحة. ذهب الفريق الأول إلى البحث عن القوانين في المعامل والمختبرات... و أتجه الفريق الثاني إلى الكنائس والمعابد والمأثورات.
وتستخدم القصة أو الرواية الحديثة، وهن بنات الحجى الشرعيات، تستخدم في أغراض كلا الفريقين.
وتعددت أشكال الكتابة تبعا للغرض الذي كتبت من أجله.
و فوق ذلك ... فأن للأحاجي دور في شحذ خيال الأطفال و تشكيل ملكة التفكير النقدي، مثل دور اللعب... كما أنها حثت على الوعي الإنتاجي بتقريظها للإنتاج و قيمه في بيئة رعوية زراعية، غالباً، فما هطلت أمطار إلا وكانت دليل خير ... و ما نفي بطل من أبطال القصة إلى الخلاء ، إلا زرع و رعى و ما من فارسٍ إلا حصد و أصطاد وجمع ثروة!
وبعد...
هذه مجموعة من الأحاجي، اختارها الابن الحبيب عادل، أحياءا لذكرى أحباء رحلوا... وهم مقيمون معنا في قلوبنا ما بقينا على وجه هذه الأرض، مساهمةً منه في توثيق تراث هذه الأمة المجيدة.
وأني لأرجو له التوفيق والسداد،،،
محمد سيد أحمد الحسن
الكلاكلة-05/01/2017
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.