كانت اللبوة وكلابها تتصيد، فيمن تتصيد، الريل من بنات وحفيدات الغزالة، و مهرات أصيلات، و فروخ الطيور من إناث الهُدهدٍ والقطا و الحُبار، وتقبضهن، بشكلٍ راتب، لتجعل منهن أطابقاً شهيّة تقدم على سبيل الرشوة لفصائل الضباع والذئاب الملتصقة بالعرين. ولكن، الريلات والمهرات و الهدهدات، والزاجلات اليافعة، ظللن يجُبن الغابة طولاً وعرضاً، ليمدن من سيرة الغزالة الأم والرعيل الذي تلاها من أفراسٍ وغزلان وطيور زينة. وقد أعجز صمودهن، وقدرتهن في الجمع بين الجري و الطيران، وأضنى كتائب الدجاج المهيم، وهي تتولى متابعتهن ورصد حراكهن ورفع معلوماته في تقارير راتبة للعرين، حيث تبدأ بعد تسليم التقارير، مرحلة الملاحقة والتهديد، والإبتزاز ،قبل الإعتقال والشوي... و كلما صادوا ريلة أو فرسة كانت تنضم للفصيلة عشرات منهن، وكلما إغتالوا هدهدةً طرحت أعشاشها مئات الزغاليل المختالة من الهداهد. ولكن، لم و لن يغفر أحد حادثة إغتيال نورسٍ عنيدْ، قذفت به مواقفه إلى معتقلات العرين، وأعيا صمودُهُ الضباع، فقتلوه... وقد كان هذا النورس العنيد، أحدُ أبطالِ هيئة أطباء الغابة، وليس هيئة العرين، وقد كتب وهو يلفظ أنفاسه الأخير بحروفٍ من الجسارة وبمدادٍ من الصمود وصيته الأخيرة، والتي وجدت طريقها إلى أهل الغابة، وصارت جزاءاً عزيزاً من تراثهم وأدبهم النضالي في مواجهة آلة التعذيب في عهد اللبؤة وريثة فصيلة الأسود الجرباء، فكتب: - (أنا طبيبٌ أنتمي لفصيلة النَوَارسِ بغابةِ السَّعد، أسرتي من النُّواصِي الشرقيَّة بخرطُوم الفيل، ظللتُ أتعرَّضُ للتعذيبِ المُتَّصِل، وأعتقد بانني شارفت علي الموت... لقد كان ذلك بسببِ أفكارٍ وطريقٍ إخترته عن قناعةٍ، ولن اتراجع عنه، وإنني على ثقة، بان هنالك من سيواصل بعدي على هذا الدرب!)... ولم يكن الطبيبُ النورسُ الشَّاب، هو الأوحد الذي اغتيل في أقبية العرين، فقد سبقه كما لحق بها رتلٌ من الشهداء، من فصائل وأعمار متفاوتة، قل أن يجود بمثلهم الزمان. وخارج الأقبية، وفي شارعِ الغابةِ العام، تصدَّت ضباعُ العرين لمظاهراتِ طلَّابِ وشباب الهدهد، والقرود و الحصين و الثعالب، ومنظمات أخرى أتاحت تمثيلاً لبعض النوارس، وكانت تلك المظاهرات الصيفية في سبتمبر 2013م. تطالب بتخفيضِ اسعار حطب الوُاقُود، والإسراع في إِيصال كَهْرُباء البُحيرة لأَركانِ الغَابَة. إلا أنه، و في مدةٍ لم تتجاوز الإيام الثلاثة، مزقت الكلابُ والذئابُ والضباعُ أجسادَ ما يفوق الثلاثمائة شهيدٍ و شَهَيدة من صغار الحيوانات. وصمتتِ الفصائلُ جميعاً، ليس على سبيل القُبُولِ والتسليمِ بالأمر، وإنما كانت تكابد الألآم، وتكظمُ الغيظ، وتحتمل الإنتظار على مضضٍ وبفارغ الصبر، لأنَ (زمنَ الحِسَابْ) لم يَكُنْ قد حان بعد! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.