تلقيت الرسالة التالية عبر بريدي الإلكتروني من قاريء عزيز شدّ ولفت إنتباهي بمقاله العقلاني والبراغماتي رغم إتفاقي معه في جزء منها وإختلافي معه في الجزء الآخر؛ وأصدقكم القول إن الرسالة حازت على إهتمامي وإعجابي لموضوعيتها وكذلك لإعادتها الأمل إليّ بعد ما أُصبت بشبه يأس لعدم الحراك الموضوعي بين النخب وإنعدام التثقيف والتوعية الجماهيرية وهي مسئولية أصيلة وتاريخية تقع على عاتق هذه النخب لتصحيح حياة ومسار وممارسة الديمقراطية . فالرسالة تنم عن وعي وأمانة وتبعد عن المزايات الجوفاء والمكايدات الرخيصة وتحمل في نفسها نصيب من مسئولية التردي الديمقراطي الذي نعيشه إذ لم يكن بيننا يوماً من يحاسب أنفسه عن الأخطاء المُرتَكبة أو يتحلى بالشجاعة ليشير بأصبع الإتهام على المسئول عنها لأنهم ربما لا يريدون الزج بأنفسهم بإتجاه حملات شرسة ممن يعتقدون أن تلك الرموز الحزبية هم أئمة معصومون ؛ وحملت للرسالة وصاحبها تقدير في نفسي رغم أنها أغفلت كيفية المحاسبة إلا أن هذا لا ينقص من قدر صاحبها فهي بحد ذاتها بارقة أمل بأن هناك من يهمه امر البلاد والعباد، وعليه سأقوم بطرح رأ ييٍ الذي يحتمل الخطأ أوالصواب ولكن لا ضير من طرحه ولكن بعد أن نقرأرسالة الأخ العزيز معاً. "Mohammed elhassan D. Khalid" [email protected] (اخي الكريم: ان كان ماقصدت هو تفريط ساستنا في الديمقراطية فهذا حق نقر به جميعنا بل شاركنا فيه كل منا بمقدار ولكن هذا لن يكون مبررا للمقامرين للأستحواز على السلطة وتحويلها الى ملكية خاصة ريعها لهم فرط ساستنا فيها ولكن لم يستغلوها لمنفعتهم ولو حدث فهو بقدر يسير موزع على الطيف المختلف ولكن لم يغتالوها ونحن السبب لم نحميها من الذي قتلها بل مهدنا له الطريق باحتجاجاتنا واضراباتنا الواهية بحياتها ومواكبنا المؤيدة يوم وفاتها ,ولكنها كطائر الفينيق الخرافي الذي ينبعث من الرماد ستنبعث من جديد وعلينا ان نحسن وفادتها فهي تحسن نفسها بنفسها مع كل دورة فلنساعدها وكل هذه الدبناصورات الى زوال) إنتهي اولاً: دعونا نتفق أنه لا بد الممارسة الديمقراطية الراشدة وتحصينها بوجود عقيدة ما أخلاقية لتحصينها وحمايتها ضد التحالفات المشبوهة والمزايدات والمكايدات الحزبية الضيقة والعصبيات والجهويات والإثنيات والطائفية وكلها سرطانات تجهض الديمقراطية وتعيب ممارستها وتعتورديمومتها؛لأن الديمقراطية في معناها العريض هي ممارسة حق الإختيار بحرية عبر مبدأ رئيس ألا وهو (المواطنة)؛ والمواطنة تعني المساواة في الحقوق والواجبات بين كل أفراد الشعب . وأهم ما يرسي دعامة المساواة هي المواطنة التي تشترط الولاء والإنتماء الوطني وما نشهده اليوم من إرتهان الإرادة للخارج تحت تبريرات واهية بأن من نتعامل معه هم منظمات مدنية دولية تعنى بالحريات، أليست هذه المنظمات مسيسة وينفق عليها من دول بعينها؟! ثانياً : الإسلام هو عقيدة المسلمسين وهو ثابت غير متغير أي أنه دستور إلهي شرّع كل الحقوق والواجبات فهل يتعارض الثابت مع المتغير؛ والمتغير في هذه الحالة هي (الديمقراطية) لأنها ممارسة وضعية تتغير بحسب الظروف والإحتياجات ولنأخذ مثلاً الحريات ؛ هل يكفل الإسلام حرية العبادة ؟ الإجابة نعم . هل يقر الإسلام الملكية الخاصة والعامة ؟ الإجابة نعم . هل يقر الإسلام حرية العبادة؟ الإجابة نعم فلا إكراه في الدين. هل يقر الإسلام المساواة بين البشر؟ الإجابة نعم فالإسلام يخاطب الإنسان ولا فرق بين عجمي او عربي إلا بالتقوى والتقوى تعني العمل المبرأ من الذنوب. هل يقر الإسلام بالشورى وإختيار الحاكم؟ الإجابة نعم ؛أي أن تطبيق المتغير مع التمسك بالثابت كعقيدة أخلاقية ما هي إلا حماية للممارسة الديمقراطية ولا تتعارض معها بل تقويها. إذن ان الاسلام لا يتعارض مع اللديمقراطيةأو العكس بل أنه ضمانة لضبط أخلاقيات الممارسة الديمقراطية، ويجب عدم الخلط بين الإسلام والطائفية.!! ثالثاً : الأخلاقيات العقدية هي داعم أخلاقي لضمان ممارسة الديمقراطية ، فالإسلام حياة و بأخلاقياته وضوابطها يضمن سير وممارسة الديمقراطية الراشدة، إن 90% من أحزابنا التقليدية منذ تأسيسها للجأت لإستغلال الاطفة الصوفية المتغلغلة في وجدان الشعب إذ أن مجالات التعليم كانت شبه معدومة في حقب الإستعمار وكان اللجوء للخلاوي وهي نبع صافٍ للصوفية غير الملتبسة وكانت السبيل الوحيد لحفظ القرآن وتعلم مباديء القراءة والكتابة وحالئذٍ تسربت الصوفية الصحيحة لوجدان أهل السودان حتى تشكلت أحزاب طائفية معظمها ملتبس ، فهي ليست أحزاباً دينية محضة أو صوفية صحيحة بالمعنى الراشد ومع ذلك تدعي هذه الأحزاب الديمقراطية والديمقراطية تنأى بنفسها عن الطائفية لأنها معول هدم في أسس الديقراطية. رابعاً : إن توعية أفراد الشعب بالمفهوم الصحيح للوطنية والإنتماء والهوية تقود تلقائياً للفهم الصحيح الراشد للديمقراطية المسئولة وتقع مسئولية وواجب التوعية والتثقيف على عاتق النخب المثقفة في شتى مناحي ومناشط وأفرع هذه الثقافات التي لا تُصقل إلا بنظام تعليمي فاعل يشمل ويغطي إحتياجات خطط الأمة ولن يتم لنا هذا إلا إذا أعدنا النظر في كل مناهج مستويات التعليم ، التعليم المقرون بتعليم أصول الوطنية والمواطن الفاعل. فكل الأحزاب السودانية لم تقم بواجبها ولم تمارس أي قدر من التوعية والتعليم الوطني والسياسي فهي أشبه بالمقابر مليئة بالموتى فأما أن ننأى بأنفسنا عنها وعن ممارساتها ونعترها كائنات ميتة ثم نبدأ في بناء المواطن في بعث أخلاقي عقدي وممارسة ديمقراطية وتأسيس أحزاب راشدة فاعلة وإلا فنحن لسنا بحاجة لمزيد من الجثث الهامدة فمقبرة الديمقراطية في بلادنا مليئة بالموتى!! خامساً: سأطرح على القاريء العزيز عرضاً لدول إسلامية ديمقراطية تمسكت بالأخلاقيات العقدية في ممارسة الديمقراطية الراشدة وسأنطلق من ماليزيا ثم أعرج على اندونيسيا وأقف عند تركيا وحزب العدالة والتنمية ، أليس في هذه الدول أنموذجاً يحتذي به؟! ألم تكن الأخلاقيات العقدية عنصر تطبيق للديمقراطية الراشدة؟أ.. السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو لماذا أجهض الغرب عبر أياديه الداخلية تلك الديمقراطيات الناشئة في فلسطين عند فوز حماس وفي الجزائر عند فوز جبهة الإنقاذ؟ الإجابة ليست لغزاً ؛ فأما أن ولاء بعض النخب هو بالضرورة لجهات أجنبية وهذا الولاء بالضرورة أيضاً أكبر من ولائها لأوطانها وإما أن بقاء كثير من الأنظمة العربية هي أنظمة (رخوة) ويتربع على سدة الحكم فيها عَبَدتْ كراسي الحكم ؛ لذا استغل الغرب نقطة ضعفهم لإبتزازهم حين يدعو لتطبيق الديمقراطية في تلك البلاد وهي دعوة ليست صادقة بل هي إستراتيجيته الثابتة لتحقيق مصالحه الوطنية والإقتصادية وهو في ذات الوقت يمارس النفاق وإزدواجية المعايير كوسيلة لإستمالة شعوب تلك البلدان وهذا ينطبق على حزابها المعارضة فتوظفها إن كانت لا تتفق ونظام الحكم لأي سبب سواء عقدي أو أنه لا يخدم مصالحها!! سادساً: إن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية وعليه فأنه يمكن اعتبار الديمقراطية منهج حكم يقبل التكييف مع عقائد المجتمعات المختلفة ومراعاة ظروفها الخاصة ومنها الدول الإسلامية، وخير دليل على ذلك نجاح الديمقراطية في الهند واليابان. وعليه فالإسلام بهذا المعنى لا يتعارض مع الديمقراطية ، والذي يمثل الحد الأدنى من حكم الشعب، وهو حكم الكثرة التي تميل تدريجيا إلى حكم الشعب عن طريق اتساع دائرة المشاركة السياسية، فقد اقر القرآن الكريم ذلك بآيات الشورى. كما وأن مبادئ المساواة، والحريات، وحكم القانون، التي ترتكز عليها الديمقراطية لا تتناقض مع الشريعة الإسلامية، وإن سلطة الحكام ومحاسبتهم، وحق الناس في اختيار الحكام، كلها أمور لا تتعارض مع الشريعة بل تنسجم مع جوهر الإسلام. سابعاً: لقدأكد الإسلام على حرية الفكر والعقيدة، حيث قال تعالى في كتابه العزيز (( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا )) وكذلك قوله تعالى (( إنا هديناه السبيل أما شاكرا وأما كفورا )). لكن قد تكون هناك مخاوف من أن تطبيق الديمقراطية قد يؤدي إلى الابتعاد عن الشريعة، وهنا لا مجال لهذه المخاوف ذلك لان الديمقراطية ليست مصدرا للتشريع، فهي ليست أكثر من أسلوب امثل لتطبيق البنى الدينية والفكرية والعرفية واللغوية والتاريخية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ولو كانت الديمقراطية مصدرا للتشريع لاستغني عن الدستور حتما، فالدستور هو القيد التوجيهي الذي يقف وراء الديمقراطية ويضمن عدم انفلاتها. ثامناً : علينا أن نؤكد إن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية بل يعضدها ويدعمها ويدعو لأن تكون قوة وديناميكية وحصانة، وغاية ما في الأمر إن الإسلام لا يتصل بالديمقراطية المطلقة. إن الديمقراطية هي الكلمة مع شريك الوطن والتي ندعوه بها – نحاوره – نقارب فيما بيننا وبينه. نتيح له وللآخرأن يقدم كل برنامجه في طارالتنافس المشروع الذي يسعى إلى اقتناع الناس بالأصلح. إن الديمقراطية الإسلامية هي القادرة على إشاعة القيم التي يبشر بها، وهي كذلك تساهم على إثراء الوعي وتحول دون تهميش إرادة الناس، وتقطع الطريق على الانفراد بالسلطة؛ بل تعزز السلم وتنبذ العنف، وهذا ما جاء به الإسلام. وكذلك قبول الإسلام للرأي والرأي الآخر، وتبادل الآراء، وإيجاد الحلول الهادئة والمرضية للجميع. وأود أن أذكر بما حث القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وسيرة أهل البيت على التآخي، وحفظ الضرورات الإسلامية الأخرى. 8- حث الإسلام على العدل والإنصاف للمظلوم من الظالم، وكما فعله الصحابة عليهم رضوان الله تاسعاً: إن الإسلام يعني في نظريته المتكاملة التطور في المجال السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي. إن ديناميكية الإسلام تحث على أن يكون التغيير من الداخل وليس مثلما يصوره البعض من ان التغيير يجب ان يأتي من الخارج، ولكن للتغيير شروط: قبول لمشاركة السياسية ؛ التعددية؛ تعظيم دور للمرأة. ؛ تداول السلطة. ثمّ التأكيد على الحقوق والحرياتاحترام القانون.زاستقلاله وهذه هي دائم الديمقراطية التي يحض عليها الإسلام فأين التعارض؟ فلو إنتهجت أحزابنا التقليدية الطائفية نهجاً غير النهج الذي إتبعته ومارسته منذ نشأتها لكان حالنا اليوم غير ما تركتنا عليه حين إنقلب على ممارساتها نفرٌ أدرك واستدرك بأنا تدحرجنا نحو هاوية سحيقة فتدخلت حتى لا نصل لقاعها والخوف من أننا كشعب قد نكرر أو لا نكرر ما ذكره الأخ كاتب الرسالة وهو بأننا لم نحمِ الديمقراطية بل خرجنا بإضراباتنا وأحتجاجاتنا الواهية وهنا أختلف معه لأنه من الإنصاف لهذا الشعب أن نستصحب التاريخ فمن سلم الحكم لعبود إنه حزب الأمة وعبدالله خليل تحديداً ؛ والمرة الثانية حين أسقط الشعب حكم عبود وجاءت الديمقراطية فماذا فعلت؟ ببساطة الإجابة فساد رموزها وإفسادها للحياة الدينقراطية؟ وجاء نميري وسبب مجيئه تردي أوضاع الشعب ومعيشته وانتفض الشعب للمرة الثانية في رجب أبريل وجاءت حكومة ديمقراطية فأصبح الشعب يعتقد أن إنتفاضاته تؤدي به إلى ديمقراطية تحكمها الفوضيوالتردي ؛ إذاً أن الشعب لم يكن متأكداً منأن إنتفاضاته ستحقق له ما يصبو إليه وهو كغريق رمى بنفسه في مجرى ماء تياره جارف( الفوضى الحزبية) ولا يدري أين المستقر ؛وفجأة يكتشف أنه للمرة الثالثة رمى بنفسه في أحضان المجهول!! نواصل. abubakr ibrahim [[email protected]]