لم يكُن لثورةِ التاسع عشر من ديسمبر 2018م. أن تتأخر أكثر عن موعدِها؛ لأن الخراب في غَابَة السَّعْد كان وصل مداه الأقصى، وبلغ سيلُهُ الزُّبى، وفات حدُّه الإحتمال، بحيثُ كان لابُد أن ينقلب إلى ضدِّه، لابد من بدء معارك البناء التي يعيقُها نفوذ وسلطة الأسود المهزولة الرابضة في العرين، لثلاثة عقودٍ أو يزيد. ولأجل البناء، وجب إسقاطُ سلطة الأسود وإزالتها، وتفكيكُ العرين، وتصفيةُ عهد اللبؤة ومحو آثاره بالكامل. ستُقاوم سُلطةُ اللبؤةِ بشراسةٍ لا مثيل لها، وحتى الرمق الأخير؛ وذلك لعدة أسباب، أهمها غياب الحكماء من حولها ممن يدركُون، والأذكياء الذين يحسبون، والعقلاء يعُوُن انتهاء الدرس، وارتفاع الأقلام، وجفاف الصُّحف... ولن تترك طوبةً، في سبيل البقاء، وإلا قلبتها؛ أملاً في طولة العُمُر ، وستعمل بالتأكيد على تطويل المعركةِ الفاصلة والاشتباك الأخير... على أملٍ واهن وواهم أنَّ لها فرصةً أخرى في التسلُّط والحكم. السبب الآخر، هو: أن هذه الفرصة، في غَابَة السَّعْد، هي الفرصة الأخيرة لسلالة الأسود الجرباء المهزولة في العالم بأسره؛ فإن ضاعت من بين براثنها: تحولت كلُّ الأسود إلى مجرَّد حيوانات سيرك وبهلوان. بالإضافة إلى إعتبارٍ هامٍ آخر، هو: عدم احتمالها مفارقة دُنيا العز والصولجان. كان عُنف العرين، ويد ترسانته القمعية المطلقة، هي سر بقائه كل هذا الأمد على رأس السلطة في الغَابَة. وكان بالتالي، الإفراطُ فيه متوقعاً للفرق وفصائل الحيوانات الثائرة التي تعارضه، وتنوي منازلته في ساحات النضال والمصادمة، وقد كانت على يقين بإن العرينَ سيُعملُ فيها الأنياب والمخالب، وستضرِبُ الأسود واللبؤة المعارضين كلهم بيسراها الباطشة. ولكن، ما لم يتوقعه أكثرُ المتشائمين سودوايّةً هو الإمعان في البطشِ، والفجور في الخصومة دون مراعاةٍ لحرمة، ولا رعايةٍ لقيمة، ولا حتى أن يضع هذا الفصيلُ الدموي اعتباراً لخطوط الرجعة التي تضمن وجود سلالتة في خارطة مستقبل غَابَة السَّعْد السكانيّة؛ ناهيك عن فرصتها في الوجود ضمن السلسلة الغذائيّة. إن استجلاب (الخازوق ) من عهود الظلام السحيقة، واستخدامه في تعذيب الثوار حتى الموت، لم يكن متوقعاً... وما حدث من دعسٍ متعمد للحيوانات الثائرة بالحناطير لم يخطر ببال المتشائمين الأكثر سوداويّة من أبناء الغَابَة... كما أن تطبيع التحرش بالإناث من شابات الغَابَة، وعلى نَحوِهِ العَلني الاستفزازي، كان دخيلاً على تقاليد وأعراف وقيم الغَابَة، وعاراً جديداً على تاريخها الزاخر. إن الأفاعيل الدامية، والجرائم النوعيّة، التي لا تتناسب إلا مع زفراتِ مشروعٍ فاشيٍّ مُحتضر، كوسائلٍ كاسِدةٍ للتنفُّس تحت مياه الثورة القانية، كانت تستهدف جر الحيوانات الثائرة لعنفٍ مُضاد لا يُبقي ولا يُذر... واجبارهم على اللعب في ميدانٍ قذرٍ لا يمتلك الثوارُ كل مطلوباته... وإبعادهم عن خطِّ المقاومة السِّلمي، ذلك النهجُ الذى أبان للعالم منظُومة القيم العُليا التي تتحلَّى بها الثائرات والثوارُ . وهو الخط الذي أثبت، للعالم، وللتاريخ، تحضُّر التغيير المنشُود. وقدَّم شعبُ غَابَة السَّعْد للمرةِ الثالثة في ديسمبر 2018م. درساً بليغاً ونوعيّا لشعوب الغابات الإقليمية، والعالمية في كيفية صُنع الثورات، وإبداع التغيير ، واسترجاع الحريّة، وإعلاءِ راياتها الخفَّاقة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.