لا شك أن الخدمة المدنية السودانية، قد أصابها كثير من العطب و الإختلالات وضعف الآداء، نتيجة لسياسات النظام البائد المختلفة، من تمكين و محسوبية و فساد مالي و إداري، أدي بها الي تدني حاد في الكفاءة، و نقص مريع في الفاعلية. بدل أن تخضع الخدمة المدنية، للتحديث و التطوير المستمر، من أجل مواكبة روح العصر و تحدياته، فقد تراجعت كثيراً للوراء، و بتنا نتحسر علي الماضي الغابر، أكثر من تطلعنا للمستقبل الي الأمام. الحكومة الإنتقالية حتي الآن، لا تمتلك برنامج عمل مكتوب، و خطة زمنية واضحة المعالم، لتطوير و بناء و إعادة هيكلة الخدمة المدنية، من أجل الإرتقاء الجاد بها، و تحسين الآداء الوظيفي، حتي تؤدي الأدوار الوطنية المتعددة المناطة بها. الخدمة المدنية الآن، تحتاج الي هياكل إدارية حديثة، يتم وضعها عن طريق ورش و لقاءات مشتركة مكثفة، لمؤسسات حكومية مختلفة، من أجل بناء هياكل إدارية فعالة، تحقق الرؤي الإستراتيجية للدولة، و تكون رافعة للنهضة الشاملة، و تؤدي الي معالجة الأزمة الإقتصادية في المدي القريب. يمكن أن يأتي ذلك، في إطار خطة إستراتيجية قومية عامة، تشمل مبادرات مختلفة و مشاريع متنوعة، من أجل تحقيق برنامج تحول وطني كبير، قصير و متوسط و بعيد المدي. تؤدي الخطة في النهاية، الي جعل الجهات الحكومية، تقوم بكافة المهام المُناطة بها بكفاءة وفعالية، عن طريق التنمية الإدارية للقطاع العام، و ما يترتب عليه من تنظيم وإشراف على الخدمة المدنية. كما يمكن أيضاً الدفع بقيادات شابة من الجنسين، يكون لديها الإمكانات والمؤهلات المناسبة، و فتح المجال العام للمرأة لتولي مناصب قيادية رفيعة، و بثّ روح جديدة في مفاصل الخدمة المدنية، وذلك تعزيزاً لدعم وتنمية رأس المال البشري في القطاع العام. نحن نحتاج الي تحسين ثقافة العمل الحكومي، و تحسين رضا المواطنين بالخدمة المقدمة، ورفع مستوى الآداء الوظيفي، و تحسين الرواتب، و مراجعة اللوائح و الأنظمة، و الحوكمة، و إستخدام التكنولوجيا، و إستقطاب الكفاءات، و تحقيق اللامركزية الإدارية، و منع التهرب الضريبي، و ولاية وزارة المالية علي المال العام، و تفكيك الشركات الأمنية، و رفع مستوى الشراكة الإستراتيجية بين الجهات الحكومية المختلفة و رأس المال الوطني، و الإستثمار في البني التحتية. إعادة الهيكلة ينبغي أن تمتد، لتشمل حتي البنوك الحكومية و الخاصة، و تحديد رؤوس الأموال لها، و وضع قوانين لمكافحة غسيل الأموال، و ضبط المنتجات المالية المشبوهة، و إلغاء طلس البنوك الإسلامية الفاسدة، و إعادة العمل بسعر الفائدة، مثل بقية أنحاء العالم. تفكيك المنظومة الإقتصادية العسكرية الأمنية، يأتي في قمة الأولويات، فليس من المنطق أن يكون هناك شركات تابعة للجيش، و تنتج البيض و الدواجن و الأدوات المنزلية، و تكون معفية من الضرائب و الجمارك، و لا تخضع للمراجع العام. إن وجود تلك الشركات الحكومية الفاسدة، التي تتمتع بالإعفاءات المختلفة، يؤدي الي تدمير القطاع الخاص، و يحجم قدرته التنافسية، و يفاقم من الأزمة الإقتصادية. كل تلك الإستحقاقات التي يشيب لها الرأس، و يستحيل نجاح الفترة الإنتقالية بدونها، لا نري للحكومة الإنتقالية أي حركة في إتجاهها، و كل ما شاهدنا في المرحلة السابقة، هو تسكين عشوائي في وظائف الخدمة المدنية، بدون أي معايير واضحة، و بدون إتاحة فرص متساوية للجميع. إن وضع ماكينة مارسيدس ألمانية في عربة فلوكسواجن قديمة، لا يجعل العربة الخربة تسير، و كذلك هو وضع حمدوك في ذات الخدمة المدنية لنظام الإنقاذ، لن يجعل الحكومة الإنتقالية تسير الي أهدافها. بعض المؤسسات الحكومية، لديها هياكل إدارية قديمة بالية، منذ عهد الإنجليزي، مثل وزارة الصحة مثلاً، و تلك الهياكل التاريخية التي عفي عليها الزمن، لا تستطيع مجابهة التحديات الإدارية المعاصرة، نسبة للتغييرات المؤسسية المختلفة، و التوسع في الخدمة. الحكومة الإنتقالية الآن، مطالبة بوضع خطة عمل واضحة المعالم، لإعادة هيكلة الخدمة المدنية، و بأسرع وقت ممكن، و عقد مؤتمرات مفتوحة إن إقتضي الأمر، و الإستفادة من السودانيين في الداخل و الخارج. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.