راج في الأونة الأخيرة فكر لمفكريين سودانيين يريدون أن يأبدوا به عقل الحيرة و الاستحالة الذي يسيطر على عقل النخب السودانية المصاب بالخوف المرضي المعشعش في رؤس النخب السودانية منذ آماد مما جعلهم يفقدون روح المبادرة لشق طريق الامة السودانية بعيدا عن الكساد الفكري الذي صاحب مسيرة المثقف السوداني الذي يجيد استلاف المشاريع الميتة التي لا تستريح الا في مقبرة التاريخ كمقبرة للآمال البائسة كاستلافهم لمشروع القوميين العرب و الحركات الاسلامية و سيرهم في طريق ايدولوجية متحجرة في لاهوتها بغائية لاتشبهها الا غائية الفكر الديني كما رأينا الأصرار على فكرة انتهاء الصراع الطبقي في نسخة متخشبة لشيوعية سودانية تقف خارج التاريخ تحكم عليه و لا تريد أن يكون التاريخ شاهد عليها كما أصرار أحزاب وحل الفكر الديني على لا تاريخانية النصوص بل هي التي تقف خارخ التاريخ لتحكم عليه بالتقديس و التبجيل و الايمان التقليدي و النتيجة عدم القدرة على الخروج من المطلق الى حيز النسبي و العقلاني. و حين نتحدث عن النسبي و العقلاني نجد أن الانسان في تجربته و انصاته لضمير الوجود قد أرسلته الفلسفة الى غياهب التاريخ و رده التاريخ الى الفلسفة و النتيجة ان الحقيقة هاربة بلا ضمان و عليه يصبح علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك الجديد الا هنا في السودان في ظل نخب ترى أن الحقيقة سامية سواء كانت في فكر أحزاب وحل الفكر الديني أو في غائية الماركسية السودانية و هنا تلتقي النخب السودانية في قاسمها المشترك الأعظم و هو الفكر اللاهوتي الغائي الديني حيث يتمركز أتباع أحزاب الطائفية و الحركات الاسلامية من كل شاكلة و لون و كذلك غائية الماركسية السودانية في اصرارها على انتهاء الصراع الطبقي و الغريب و لأنهم جميعا غرقى في غائية و لاهوت الفكر الديني سواء كان دين سماوي قد تقاسمه أتباع الحركات الاسلامية مع أتباع الطائفية أو أتباع دين بشري في نسخته الشيوعية السودانية المتحجرة لا يلاحظون أنهم جميعا غرقى في وحل الفكر المطلق في زمن قد ساد فيه النسبي و العقلاني. و فات عليهم بأن ثورة ديسمبر نتيجة استلاف من تراث الشعوب الحية و شعارها حرية سلامة و عدالة يجسد ارث الانسانية في تاريخ الشعوب الحية و فكر الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية في ابتعادها عن كل فكر مطلق سواء كان ذلك في معاركها ضد رجال الدين أو ضد الهيغلية و الماركسية التي لا تجذب الا المثقف المنخدع بماركسية ماركس. و عليه كل من ينادي بأن تكون هناك مهادنة للأحزاب الطائفية و مسايرة للماركسية السودانية المتخشبة كما يروج الحاج وراق في واحدة من الندوات فهي نتاج عقل الحيرة و الاستحالة عقل قد عشعش في لبه الخوف المرضي و يريد تأبيد سلطة الاب و ميراث التسلط السائدة عندنا في تبجيل امام الطائفية و مولانا الطائفي و الاستاذ الذي ينسب له الحزب الشيوعي بانه حزبه. الذين يريدون مهادنة الطائفية و مسايرة الشيوعية المتخشبة في نسختها السودانية و مصالحة الحركات الاسلامية السودانية مع اليسار السوداني الرث في مساومة تاريخية أنهم أبناء نسق الطاعة حيث لم تكن الحرية الفردية يوم واحدة من نوافذهم التي يطلون عبرها على العالم الذي قد أصبح وليد العقد الاجتماعي الذي يشغل ضميره توسيع ماعون الحرية نعم أنهم أبناء نسق الطاعة الذي لم تكن له الحرية يوما واحد مطلب جماهيري لذلك لا غرابة في طرح الحاج وراق في رفضه لكل فكر يطالب بالمواجهة مع أحزاب الطائفية و الشيوعية السودانية كنسخة متخشبة و كأن الحاج وراق لم ير و لم يسمع عن ثورة اللبانيين و العراقيين في مناهضتها للطائفية بلا قناع و الغريب أن اللبنانيين و العراقين في ثورتهم الاخيرة ضد الطائفية قد استفلوا روحها و كفاحها من انتصار ثورة ديسمبر السودانية. على أي حال ليس بمستغرب أن يطل علينا الحاج وراق داعيا لمهادنة الطائفية و الشيوعية السودانية في نسختها المتخشبة و قبله كانت مساعي النور حمد و الصاوي و السر سيد أحمد تسير في خط مهادنة الانقاذ و مسايرتها الى انتخابات 2020 بحجة أن الانقاذ الثمرة المرة للحركة الاسلامية السودانية قد أصبحت جزء من راس المال الاجتماعي السوداني و هيهات و رأينا كيف تجاوزهم شباب ثورة ديسمبر و تجاوز ضعف تحليلهم و عدم قدرتهم على التنبؤ بأحداث كبرى كثورة ديسمبر لأن عقل شباب ثورة ديسمبر نتاج من ملك وعي أفرزته امكانية استخدام أدوات نقل الوعي و هي وسائل الميديا نتاج التكنولوجيا الحديثة فهي التي قد أهدت الشباب انعتاقهم من نير النخب الفاشلة وعي يمثل ناصية الثقافة التي تودي الى الانعتاق من الاستبداد السياسي و الاستبداد الاجتماعي و هذا ما فشلت في ترسيخه نخب السودان و خاصة المثقف التراجيدي الذي يطرح فكر هو نفسه يدرك أنه لا سبيل الى تحقيقة كما رأينا في طرح الحاج وراق و قبله الشفيع خضر في مساومته التاريخية و قبلهما توفيق و تلفيق و ترقيع كل من النور حمد و الصاوي و السر سيد أحمد في مسألة انتخابات 2020 و بعدها لم نرى لهم اعتذار على خيبة أفكارهم بل واصلوا المسير كأن شئ لم يكن و اذا بحثنا عن السبب نجده يكمن في غياب المنهج كما يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي و قد شرح كيفية سيطرة حالة التناشز الاجتماعي و ازدواج الشخصية و منهما ينتج فكر لمفكريين لا يخدم غير تفتيت الوعي الجمعي كما رأينا في طرح المفكريين السودانيين الواردة اسماءهم في أعلى المقال و خاصة فكرة الحاج وراق في مهادنة الطائفية و مسايرة النسخة المتخشبة للشيوعية السودانية. و هنا يتأكد لي بأن الحاج وراق لم يسمع بنباء أكيد بثته بحوث علم الاجتماع بأن الحركات الاسلامية بكل أطيافها و الشيوعية كلها تمثل أكبر حائط صد ضد الحداثة كما كانت تمثله كل من النازية و الفاشية و كلها لا تفتح الا على نظم حكم شمولي قد عافته النفس الانسانية في بحثها المضني لتحقيق معادلة الحرية و العدالة في زمن الفرد و العقل و الحرية زمن الديمقراطية و زهرتها اليانعة أي الفردانية نتاج فكر من أجابوا على سؤال ما التنوير؟ و الاجابة على سؤال ما التنوير تنفي وجود كل من الامام الطائفي و مولانا الطائفي و المرشد الديني و أي كتاب يحاول أن يلغي استخدامك لعقلك. و استخدامك لعقلك من دون رقيب كالامام و مولانا و المرشد و الاستاذ يجعلك مستهلك رشيد و ناخب رشيد لاختيار ديناميكية الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية و هذا ما وصلت اليه مواكب البشرية في سيرها عبر نشؤها و ارتقاءها الى أن تجاوزت كل من العرق و الدين. ثورة ديسمبر بانتصارها قد مثلت روح الضربة المفصلية التي قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس و الى الأبد أنها تمثل روح القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد انها قطيعة مع الطائفية و الشيوعية في نسختها المتخشبة و الغريب أن الصادق المهدي نفسه قد أحس بزلزالها و قد أعلن بأنه سوف يفصل ما بين الدعوي و السياسي في حزبه الطائفي و سيجيبه الزمن قائلا هذا لا يكفي لأن القطيعة مع التراث لم تكن يوم من بنات أفكارك و أن فكرة الانسانية التاريخية التي تقوم على الأخلاق و ليس الدين لم تكن في أقاصي البعيد من أفقك و قد كنت دوما كجبار الصدف الذي يحول ما بين الأمة السودانية و بداية الطريق نعم كنت كجبار الصدف الذي يحول كما يقول فردريك نيتشة فهل يريد الحاج وراق أن يكون هو أيضا كجبار الصدف الذي يحول ما بين الشعب السوداني و بداية الطريق في دعوته التي يريد منها مهادنة الطائفية و مسايرة النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية؟ دعوة الحاج وراق لمهادنة الطائفية و النسخة المتخشبة للشيوعية السودانية تجعلنا نشك في أنه لم يستطع بعد كنس ما علق في عقله من أوساخ منذ أن كان جزء من منظومة اليسار الرث في زمن وصل فيه أحرار العالم و عبر فن القرأة لترسيخ مفهوم القطيعة الغائب من رفوف مكتبتنا السودانية و بسبب غيابة لا يتحرج الحاج وراق أن يخالف أحرار العالم في نبذهم للطائفية و المتحجر من الايدولوجيات كحال النسخة السودانية للشيوعية كدين بشري في زمن قد أصبحت فيه دراسة الظاهرة الدينية في المجتمعات ممكنة في ظل علم الاجتماع و الانثروبولوجي و علم النفس بل يمكن تجاوز ظاهرة الاديان في سبيل ترسيخ فكرة العيش المشترك من أجل أحترام الاختلاف بين الثقافات المتباينة عبر رسالة التسامح حيث يصبح لكل فرد مجتمعين مجتمع بينه و ربه لا يتدخل فيه وعاظ السلاطين و تجار الدين بين الفرد و ربه و مجتمع بين الفرد و علاقته بأفراد مجتمعه تحكمه العقلانية عبر لوائح و شرائع المجتمع العقلاني الذي يبدأ فيه الدين بعد حدود العقل محترم لسلطان العلم. و هنا تبين عيوب دعوة الحاج وراق و هي دعوة لمهادنة الطائفية و فيها يفتكر بأن كل من يهاجم الطائفية و خطاب الاسلام السياسي المنغلق كأنه يهاجم ثوابت مجتمعنا و نحن نقول لك بأن فصل الدين عن السياسة أبدا لا يعني الالحاد فظاهرة الاديان ظاهرة كونية لا يوجد مجتمع لا توجد فيه الظاهرة الدينية و لكن المجتمعات الحديثة قد وصلت الى مستوى من الفهم عرفت عبره أن الدين لم يعد كجالب لسلام العالم لذلك فصلت الدين عن الدولة و أدخلت الدين داخل الدولة و رفضت الدين الذي يريد ان يدخل الدولة في داخله كحال طائفية الصادق المهدي فهل يريد الحاج وراق ان تكون الدولة داخل دين طائفية الصادق المهدي؟ أن تاريخ الانسانية يقول للحاج وراق و الصادق المهدي ان الانسانية لم تعرف الازدهار و لم تفارق الجهل و الفقر و المرض الا بعد فصلها للدين عن الدولة و فهمت ظاهرة الاديان و قطعت الطريق على من يتهم بان ذلك يعني الالحاد و قالت لهم أن فصل الدين عن الدولة لا يعني الألحاد على الاطلاق و أن المجتمعات التي نعتقد أنها لا دينية في حقيقة الامر مجتمعات متدينة كما يقول الطاهر لبيب و لكن أن دينها على هدى نور عقل الأنوار و روح الحداثة و هذا هو الدين الذي نريده لمجتمعنا على هدى دراسة ظاهرة الاديان في المجتمعات و بالتالي يمكننا تجاوزها في سبيل ترسيخ فكرة العيش المشترك في مجتمع يحترم الاختلاف و تسود فيه رسالة التسامح. في الختام سوف اقارن ما بين الحاج وراق كمفكر من مجتمعنا السوداني التقليدي و فيلسوف كبير كادغار موران فيما يختلفان فيه بشأن الطائفية و الشيوعية و قد رأينا الحاج وراق يطالبنا بمهادنة الطائفية و مسايرة النسخة المتخشبة للشيوعية السودانية فماذا قال ادغار موران في حواره مع طارق رمضان ففيه نجد أن ادغار موران يدافع عن علمانية لا تحابي الأديان و في الوقت نفسه تؤمن بالتعدد حيث يكون الدين مبتدئ بعد حدود العقل محترم لسلطان العلم أما فيما يتعلق بنقده للماركسية و الهيغلية يقول أن الانثروبولجيين يؤكدون بأن افتراض كل من هيغل و ماركس بفكرة انتهاء الصراع الطبقي خاطئ لأن طبيعة الانسان تجعله لم يخرج من ذاته حتى يعود اليها بفكرة انتهاء الصراع الطبقي لذلك كان كلود ليفي اشتروس يصف سارتر بأنه يجهل علم الاجتماع مما حعله يكون مدافع عن الشيوعية كأبغض نظام شمولي و لا تقل في بشاعتها عن الفاشية و النازية و رغم ذا يريدنا الحاج وراق أن نهادن الطائفية و نساير النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.