كانت (عَدِيْلة البُكَار) تعد في بليلة لزوجها أبو الزنان (الملك صفّار)... ونضجت البليلة وفاحت رائحتها الزكيّة الشهية، وطار الملك (الملك صَفَّار) وحلّق فوق القدر، يدفعه جوعه وعدم صبره حتى تعطيه زوجته (عَدِيْلة البُكَار) نصيبه من البليلة، فأصابه البخار المتصاعد من القدر بالدوارِ، والوهن. وبعدَ زمنٍ قصير، سقط في القدر الفائر، ومات! وبكته (عَدِيْلة البُكَار) بكاءً حاراً، لأنها كانت تحبّه، وكوفتت شعرها ونظمته في ضفائرٍ غليظةٍ دليلاً على الحزن الشديد، عكس المشاط الذي ينتظم فيه الشعرُ في جدلاتٍ دقيقة، رمزاً للبهجة والحبور. وجلست تكوفت شعرها تحت جذع النخلة وهي تبكي، فسألتها النخلة عما بها؟ فقالت عَدِيْلة البُكَار: - عَدِيْلة البُكَار حالّة الأشعار الملك صفّار... طار وقع في النّار! فحزنت النخلة حزناً شديداً، وألقت بسبيطها في الأرض. وجاء الغراب فسأل النخلة عمّا بها: - (مالك يا النخلة خوص بلا خوص؟). فقالت النخلة: - خوص بلا خوص وعَدِيْلة البُكَار حالّة الأشعار عشان الملك صفّار... طار وقع في النّار! وحزن الغراب، فأسقط ريشتين، ريشة من كل جناح، فسأله البحر: - مالك يا غراب البلدين حالق الشعرين؟ فردّ الغراب: - غراب البلدين حالق الشعرين عشان النخلة خوص بلا خوص وعَدِيْلة البُكَار حالّة الأشعار عشان الملك صفّار... طار وقع في النّار! وحزن البحر، وهاج وماج، وتعكّر صفو مائه، فجاء (محمد) الراعي ليسقي أغنامه، وسأل البحر: - مالك يا البحر عُكُّر... عُكُّر؟ فقال له البحر: - البحر عُكُّر... عكُّرْ وغراب البلدين حالق الشعرين والنخلة خوص بلا خوص وعَدِيْلة البُكَار حالّة الأشعار عشان الملك صفّار... طار وقع في النّار! وحزن محمدٌ الراعي، وجزَّ صوف أغنامه، كله، من الغضب والحزن، وعندما عاد إلى البيت، سألته فاطنة أخته: - مالك يا محمد أخوي، حُزُّنْ... حُزُّن؟ فقال لها محمد: - محمد حزُّن، حُزُّن! لغنيماتو جزُّن جزُّن والبحر عُكُّر... عكُّرْ وغراب البلدين حالق الشعرين عشان النخلة خوص بلا خوص وعَدِيْلة البُكَار حالّة الأشعار عشان الملك صفّار... طار وقع في النّار! فماكان من فاطنة إلا أن (قلعت إحدى عينيها)، ولما عاد زوجها سألها: - مالك يا فاطنة لي عينك قُلُّع، قُلُّع؟ فقالت فاطنة: - فاطنة لي عينا قُلّع... قُلُّع ومحمد حزُّن... حُزُّن... لغنيماتو جزُّن جزُّن والبحر عُكُّر... عكُّرْ وغراب البلدين حالق الشعرين عشان النخلة خوص بلا خوص وعَدِيْلة البُكَار حالّة الأشعار عشان الملك صفّار... طار وقع في النّار! فقال لها زوجها: - الغنم سوف تنبت صوفاً جديداً، وسيذهب حزن محمد، وسيصفو البحر بعد كدرته، والغراب سينبت ريشه، والنخلة ستطرح سبيطاً جديداً، وستتزوج (عَدِيْلة البُكَار) زوجاً جديداً، أمّا أنت، فكيف ستستردين عينك المقلوعة؟