أحاول في معرض تجديد الفهم لمصطلح البرجوازية الصغيرة ونفعه في فهم السياسة عندنا أن أعرج في هذه الكلمة على بيان كيف تبخر المصطلح من فكرنا السياسي على يد الحزب الشيوعي. فقد كان المصطلح فانوسه يشق به عباب نكسة ثورة أكتوبر 1964. وهي فترة اصطرعنا في اليسار العريض حول خطتين للرد على هذه النكسة. فمنا من اعتقد صلاح الأمر في الانقلاب. ومنا من تمسك بالتكتيك الثابت للحزب الشيوعي في الصبر على المكاره واستنهاض حركة جماهيرية ينعدل بها الحال. وخرج علينا مصطلح البرجوازية الصغيرة في صدام التكتيكين. وجاء المفهوم بقوة في عبارة سميتها "تلمودية" من خط أستاذنا عبد الخالق محجوب في دورة لجنة الحزب المركزية في مارس 1969 (قبل شهرين من انقلاب النميري) قالت: "التكتيك الانقلابي بديلاً عن العمل الجماهيري يمثل في نهاية الأمر، وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية، مصالح طبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة". وتساءلت في كتاب لي عن انقلاب 19 يوليو (انقلاب 19 يوليو: من يومية التحري إلى رحاب التاريخ) لماذا وصف الحزب الشيوعي انقلاب يونيو 1989 ببطاقته السياسية (كيزان) دون صفته الطبقية (البرجوازية الصغيرة)؟ فلا يستقيم منطقاً أن تعتقد أن الانقلاب رجس من عمل البرجوازية الصغيرة ثم تتوقف عن تحليل انقلاب بذاته بما اتفق لك عن المنشأ الطبقي للانقلاب بغض النظر. وما ألجأ الشيوعيين إلى تعطيل حكم الطبقة على الانقلاب يسير. فسبق أن وقع لهم في عِبهم انقلاب 19 يوليو 1971. فجهجه باكاتهم النظرية. وعليه تورعوا دون تشخيص انقلاب الرفاق "البروليتاريين" كعمل من أعمال البرجوازية الصغيرة كما في منطوق عقيدتهم. فاستنكفوا اخضاع انقلابهم في 1971 بما التزموا به نظرياً في تحليل التكتيك لانقلابي من أنه عمل غير جماهيري من صنع البرجوازية الصغيرة، وصح عليه ما يصح على كل انقلاب. وبالنتيجة جنبوه التحليل الطبقي ووالوه بالرقى. فهو حركة تارة وهو بسالة تارة أخرى وهو "تهمة لا ننكرها وشرف لا ندعيه". أما انه واقعة برجوازية صغيرة فلا. ولأن الحزب استثنى انقلاب 19 يوليو من حكمه عن الانقلاب صارت الانقلابات عنده تعرف باللون السياسي لمن قام بها لا بموقعه الطبقي. ولم يعد لمفهوم البرجوازية الصغيرة ذكراً في خطاب الشيوعيين السياسي حتى جاء به مؤخراً السيد مختار الخطيب في حوار صحفي. وجاء الذكر عارضاً في مقام الشتم لا النظر. وأردت في كلمتي القادمة أن أدخل مدخلاً لطيفاً لفهم أن الانقلاب هو واحد من أنجع حيل البرجوازية الفحلة في السياسة. فالانقلاب يغري أقسامها في اليمين واليسار معاً. واتخذتُ من المرحوم أحمد سليمان المحامي وترحله السياسي من اليسار إلى اليمين حجة على أن الانقلاب هو كار البرجوازية الصغيرة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.