في غمرة انشغالها بقضية رفع العقوبات التي تفرضها عليها الادارة الامريكية منذ سنوات فاجأت محكمة أمريكية ، الاسبوع الماضي ، الحكومة السودانية بالزامها بدفع تعويض مالي لضحايا هجوم وقع في السفارة الامريكية في دار السلام ونيروبي يبلغ 7.3 بلايين دولار. وأيدت محكمة الاستئناف الأميركية لدائرة العاصمة واشنطن قرارا قضائيا يحمل حكومة السودان مسؤولية التفجيرات التى وقعت بسفاراتي الولاياتالمتحدة فى نيروبى ودار السلام، إلا أنها ألغت التعويضات العقابية البالغة 4،3 بلايين دولار. وفى أغسطس 1998م وقعت تفجيرات متزامنة فى سفارتي الولاياتالمتحدة فى نيروبي ودار السلام وأسفرت عن مقتل 200 شخصا من بينهم 12 يحملون الجنسية الامريكية. واتهمت السلطات الأمريكية وقتها 22 شخصاً بالوقوف وراء تفجير السفارتين وعلى رأسهم أسامة بن لادن الذي كان يعيش ويمارس نشاطه من السودان وقتها. ونفى السودان مسؤوليته قائلا انه حاول تقديم بن لادن الى الولاياتالمتحدة. ويبرز سؤال جوهري هنا حول المسوغات القانونية التي تجيز لواشنطن إلزام الخرطوم بدفع هذه التعويضات الطائلة؟ وعلي اي قانون استندت المحكمة الامريكية التي اصدرت القرار؟ وفي هذا الصدد يقول الخبير القانوني نبيل أديب "للتغيير الالكترونية" ان هنالك قانونا أمريكيا يمنح الحكومة الامريكية الحق في طلب تعويضات لمواطنين أمريكيين في حال تعرضوا للضرر في اي مكان في العالم. واضاف" هنالك أيضاً قانون خاص بالسودان وبعض الدول الآخري مثل ايران وهي تمكن السلطات الامريكية من ملاحقة او المطالبة بتعويضات او اجراء محاكمات لجهات ألحقت أضرارا بمواطنين أمريكييين". وكانت الحكومة السودانية قد أوكلت شركة محاماة أمريكية للدفاع عنها في هذه القضية. ويقول محاموا الشركة إن القضية كان ينبغي إلغاؤها كليا لعدة أسباب أهمها تحدي تفسير المحكمة لقانون الحصانة السيادية الأجنبية الذي تم تنقيحه في منتصف الإجراءات القانونية التي استمرت 15 عاما. ولم يظهر ممثلوا هذه الشركة أمام المحكمة حتى عام 2004. وقد توقفت الدولة عن الدفع والاتصال بمحاميها في العام التالي وسمح لهؤلاء المحامين بالانسحاب من القضية في عام 2009. وظل السودان دون تمثيل حتى عام 2015، بعد أن قضت المحاكم بأنها "تعثرت" ودخلت الأحكام النهائية. وقال الخبير القانوني أديب ان بإمكان الخرطرم التقاضي عند المحكمة العليا في واشنطن في حال أرادت متابعة ملف القضية. وحول الطرق والآليات التي تمكن واشنطن من ان تنال حقوقها التي حكمت بها المحكمة يوضح أديب بقوله ان واشنطن ستحجز علي الأصول السودانية الموجودة في أمريكا ومن ثم بيعها لدفع التعويضات. واضاف ان الحكومة الامريكية أيضاً ستراقب التحويلات المالية عن طريق وزارة الخزانة، مشيرا الي انها ستعمل تحويل هذه الأموال اليها ومن ثم الى أسر الضحايا. وسبق أن أرغمت الضغوط الأمريكية ليبيا على دفع تعويضات بمبلغ 2.7 مليار دولار لضحايا الطائرة الأمريكية التي اعترفت الحكومة الليبية بإسقاطها في ضاحية لوكربي باسكتلندا عام 1988م وحولت الحكومة الليبية المبلغ المطلوب من البنك الوطني الليبي إلى بنك التسويات الدولية بسويسرا. ويتساءل الشارع السوداني كيف يمكن للسودان الذي يعاني من أزمة اقتصادية ضاغطة وشح كبير في العملات الصعبة توفير مبلغ كهذا وهو لا يمتلك ما تمتلكه ليبيا من فوائض عائدات النفط؟ يرى مراقبون ان أمريكا لديها من الآليات ما يمكنها من انتزاع ما تحكم به محاكمها من تعويضات لمواطنيها ومن شواهد ذلك حصول الرهائن الأمريكيين الذي احتجزوا في السفارة الأمريكية بطهران بعد اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 (عددهم 53 ) على تعويضات بلغت أكثر من اربعة ملايين دولار عام 2015 بعد ان تضمنت الميزانية الأمريكية بندا يسمح بصرف تعويضات لكل من تعرض للاحتجاز ولضحايا التفجيرات في شرق أفريقيا. وحسب صحيفة النيويورك تايمز صرفت تعويضات من بقي على قيد الحياة من المحتجزين وأسرهم من مبلغ تسعة مليار دولار عبارة عن غرامة فرضتها أمريكا على بنك أرابيا الفرنسي لخرقه العقوبات الأمريكية المفروضة على كل من إيران والسودان وكوبا. وقد خصص جزء من ذلك المبلغ لتعويض أسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 . هذه الحقائق تشير إلى ان حكم المحكمة الأمريكية هو تحدي اقتصادي من العيار الثقيل يواجه السودان الذي انضافت أكثر من سبعة مليارات من الدولارات إلى مديونيته التي تزيد عن اربعين مليار دولار. التغيير